19/12/2019
معايير الأمن والأمان في محطات الطاقة النووية
تُعد الطاقة النووية هي الطاقة المنبعثة نتيجةً لتفاعل نووي، وتحديدًا من انشطار نووي أو اندماج نووي. ومن الناحية العملية، تستخدم الطاقة النووية وقودًا مصنوعًا من اليورانيوم المُستخرج من الأرض والمُعالج لإنتاج البخار وبالتالي توليد الكهرباء.
وللطاقة النووية أهمية كبيرة في تلبية بعض حاجات الإنسان المتزايدة من الطاقة الكهربائية، إذ إن توليد الطاقة الكهربائية نوويا سيقلل نسبة الاعتماد على الطاقة المولدة من النفط والغاز الطبيعي. ما يعني قلة الاعتماد على الوقود الإحفوري وتقليص الانبعاث الحراري، وانخفاض أسعار الطاقة التقليدية.
لذا أعلنت بلدانٌ عدّة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خططها لتبنّي الطاقة النووية كجزءٍ من تنويع الطاقة في المستقبل، ويأتي توجه هذه الدول نحو الطاقة النووية نظرًا إلى أنها من مصادر الطاقة البديلة التي لا تُضر بالبيئة، ولا سيما عند الدمج بينها وبين مصادر الطاقة المتجددة، كالشمس والرياح. وتُعدّ الإمارات العربية المتحدة من أوائل الدول العربية التي قامت بهذه الخطوة لتلحقها بعد ذلك العديد من الدول العربية.
وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة للطاقة النووية، إلا أنه ينجم عنها بعض الأخطار، أهمها: خطر تسرب المواد المشعة من مفاعلات إنتاج الطاقة النووية، خاصًة بعد حدوث عدد من الحوادث النووية المعروفة، كحادث ثري مايل آيلاند عام 1978 في الولايات المتحدة، وحادث تشرنوبل في أوكرانيا عام 1986 وغيرها، إضافة إلى ذلك، فإن النفايات المشعة الناتجة في المفاعلات النووية أصبحت مشكلة كبيرة لبعض البلدان المعتمدة بصورة أساسية في إنتاج طاقتها علي المحطات الكهرونووية مثل فرنسا، التي أصبحت تجد صعوبة بالغة في التخلص من تلك النفايات السامة علي أرضها.
وفي هذا السياق عقدت لجنة الطاقة بنقابة المهندسين بالقاهرة يوم 16/11/2019. ندوة بعنوان: «معايير الأمان في محطات الطاقة النووية»، أدارها المهندس فاروق الحكيم، مقرر اللجنة، وكان الدكتور مهندس علي عبدالنبي، نائب رئيس هيئة المحطات النووية سابقا، متحدثا رئيسيا، وشارك بها عدد كبير من المختصين والخبراء والباحثين والإعلاميين ذوي الاختصاص.
بدايًة، تحدث الدكتور فاروق الحكيم، مؤكدًا أهمية موضوع الندوة، خاصة بعد اتجاه مصر إلى توليد الكهرباء بالاعتماد على الطاقة النووية، كما أشار إلى أن هذه الخطوة تأخرت كثيرًا، نظرًا إلى الضغوط الكبيرة التي تعرضت لها من دول لا تريد لمصر اقتحام هذا المجال. وأوضح أن دخول مصر عصر الطاقة النووية أمر ضروري، ويأتي في إطار حرص الدولة على تنويع مصادر الطاقة والاستخدام السلمي للطاقة النووية، إذ بدأت هذه الخطوة باتخاذ قرار بإنشاء المفاعلات بموقع الضبعة، والذي يضم أربعة مفاعلات قدرة كل واحد منها 1200 ميجاوات.
وألقى الدكتور مهندس علي عبدالنبي الضوء على فلسفة الأمن والأمان النووي التي تُطبَّق على مراحل؛ هي: دورة الوقود النووي بداية من عملية التعدين وعمليات التنقية، ثم التخصيب والاستخدام في المفاعل النووي، يليه التخزين المؤقت والتخزين الدائم، ثم إعادة تدوير المخلفات واستخلاص المواد النووية التي يمكن استخدامها في المفاعلات مرة أخرى. وأضاف أن الأمن والأمان النووي يشتركان في عديد من الأنشطة بجميع مراحل دورة الوقود النووي، والغرض منه حماية الأفراد العاملين والبيئة من أضرار المواد المشعة والكوارث الطبيعية.
وتطرق إلى أن الأمن النووي يختص بمنع التهديدات الخارجية الصناعية «من صنع البشر»؛ مثل: الهجوم المسلح على المنشآت النووية «الإرهاب»، أو سرقة مواد نووية أو تهديد إلكتروني لشبكة المنشآت النووية، معربًا عن أن معايير الأمن والأمان النووي تُطبَّق على جميع مراحل عمر المنشأة النووية أو مصدر الإشعاع، بما في ذلك التخطيط والتصنيع، واختبارات بدء التشغيل، والتشغيل الفعلي والصيانة، والتفكيك والإزالة، والنقل المرتبط للمواد المشعة.
كما أشار إلى أن مضمون الأمان النووي يهدف إلى حماية الأشخاص -بشكل فردي أو جماعي- والبيئة دون الحد من تشغيل المحطة، أو إجراء أنشطة تؤدي إلى مخاطر إشعاعية دون مبرر، وذلك عن طريق السيطرة؛ لمنع تعرض الناس للإشعاع، ومنع إطلاق مواد مشعة إلى البيئة، وتقييد احتمال حدوث أحداث قد تؤدي إلى فقدان السيطرة على قلب المفاعل النووي، أو على التفاعل النووي المتسلسل، أو على مصدر مشع أو أي مصدر آخر للإشعاع، وتخفيف الأضرار والآثار الضارة في حالة حدوث حادثة.
كما شرح مبدأ الدفاع في العمق، مشيرًا إلى أنه يقوم على عدة مستويات من الحماية، تتضمن الحواجز المتتالية التي تمنع إطلاق مواد مشعة إلى البيئة، بالإضافة إلى أنه استعرض طرق منع أو تقليل حالات الفشل البشرى، والحفاظ على فعالية حواجز الأمان عن طريق تجنب الأضرار التي قد تلحق بالمحطة.
وتناول فيما بعد الحوادث النووية التي حدثت في المحطات النووية، منها: «ثرى مايل آيلاند»، و«كارثة تشرنوبل» التي تخطت حدود أوكرانيا، مشيرًا إلى أنه حتى الآن يعمل في هذه المحطة 13 مفاعلا بشكل جيد، وأيضًا «فوكوشيما دايتشي»، وأكد أن هذه الحوادث كانت نتيجة الفهم غير الكافي للواقع العملي من قِبَل قادة هذه المحطات، وعدم فاعلية الرقابة والإشراف، وصعوبة فهم قضايا الأمان النووي، لافتا إلى أن عدد المحطات النووية قيد التشغيل الفعلي 449 مفاعلا، وأن هناك 53 أخرى تحت الإنشاء على مستوى العالم.
كما نبه إلى أنه عند إيقاف المفاعل النووي الذي يعمل بالماء الخفيف للتبريد وتهدئة النيترونات تكون حرارة الاضمحلال داخل قلب المفاعل في حدود 6.5% من الكمية الناتجة عن الانشطار في البداية، وتسمى «حالة الإيقاف الساخن»، ومع استمرار التبريد تكون حرارة الاضمحلال حوالي 1.5% من الكمية الناتجة عن الانشطار في البداية، وبعد يوم تنخفض حرارة الاضمحلال إلى 0.4%، كما تصل بعد أسبوع إلى 0.2% فقط.
وأشار إلى أنه توجد منافسة تجارية للمحطات النووية، فكل دولة تريد أن تقدم الأفضل، إذ تتصدر روسيا حاليا هذه المنافسة.
واختتم حديثه، بعرض لمراحل الترخيص لمحطات الطاقة النووية، إذ تتضمن هذه المراحل، تصريح موافقة على صلاحية الموقع، وتصريح بناء، وتصريح تحميل الوقود النووي والوصول إلى الحروجية، ورخصة التشغيل، ورخصة وقف التشغيل والتفكيك والإدارة، مشيرًا إلى أن الراعي الأول للأمان النووي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهيئة التنظيمات النووية الوطنية في كل دولة.
ثم توالت المداخلات بشأن التخصيب السلمي بالليزر، ليرد عليها مستشهدًا بمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية التي تنص في بند 4 منها على أحقية الدول في صناعة الوقود النووي بالمفاعلات السلمية، بشرط أن يكون في حدود من 5% إلى20% من أجل الأبحاث، ولكن إذا زادت النسبة عن ذلك يدخل الأمر في إطار التسليح. وفي إطار إجابته عن إمكانية استخدام إسرائيل السلاح النووي، أكد أن استخدامها السلاح النووي عسكريًّا يُعد أمرًا مستحيلا، مستشهدًا بعدم استخدامها له في حرب 73؛ لأنه سيعود عليها بالضرر.
وختامًا، خرجت الندوة بعدة توصيات مقترحة، وهي: إزالة جميع العقبات التي تحول دون دخول مصر عصر المحطات النووية، وضرورة توفير الأيدي العاملة والعلماء المدربين لدراسة جدوى المحطات النووية، كما أوصت بتوعية المجتمع بشأن محطة الضبعة النووية، والقيام بحملات التوعية الإعلامية بشأن موضوع الطاقة النووية، بالإضافة إلى تدريب شباب المهندسين في هذا المجال، وتطوير أقسام الطاقة النووية بالكليات المختصة، مثل إنشاء أقسام للتصميم والتشغيل والصيانة، والاستفادة من الخبرات الوطنية في الداخل والخارج في هذا المجال.