top of page
5/2/2020

قراءة في خطة ترامب للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين .. وجهات نظر غربية


بعد طول ترقب كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، يوم 28 يناير2020, بحضور رئيس وزراء إسرائيل، «بنيامين نتنياهو»، وخصمه السياسي في حزب «أزرق – أبيض» «بيني جانتس»، عن خطته المزعومة لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والمعروفة بـ«صفقة القرن»، والتي تعتبر أهم عناصر برنامجه الانتخابي، وبدلاً من أن تحقق الصفقة نوعًا من التوازن بين مصالح الطرفين، لم توفر سوى انحيازا تاما للأهداف الإسرائيلية.
وتتضمن الخطة التي تقع في 181 صفحة، وتم نشرها على موقع البيت الأبيض، بعنوان «السلام على طريق الازدهار»، عددا من البنود من بينها؛ إقامة السيادة الإسرائيلية الكاملة على مدينة القدس، والسماح بضم جميع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية لإسرائيل؛ والاعتراف بغور الأردن كأرض إسرائيلية، وإلغاء حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التاريخية في إسرائيل، والتجريد الكامل لقطاع غزة من السلاح، واستمرار سيطرة إسرائيل على طرق النقل البرية والبحرية، والتنازل عن إنشاء قوة عسكرية في الضفة الغربية. وفي المقابل، يُسمح للفلسطينيين بإنشاء دولة فيما تبقى من الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد أربع سنوات من توقيع الاتفاق بين الجانبين، والتي ستشمل بعض البلدات ذات الأغلبية الفلسطينية الموجودة حاليًا في إسرائيل وبعض أجزاء من صحراء النقب على طول الحدود المصرية. وعلى الصعيد الاقتصادي، وعد برفع الناتج القومي الإجمالي للاقتصاد مع توفير 50 مليار دولار للإنفاق في مشروعات للبنية التحتية والاستثمار على مدى 10 سنوات.
وأثار الإعلان عن الصفقة احتجاجات ورفضًا شعبيًا وسياسيًا فلسطينيا متواصلاً في أنحاء الضفة الغربية والقدس، وشارك الآلاف في مظاهرات ومسيرات، واندلعت مواجهات مع قوات الاحتلال في منطقة الأغوار والقدس ومدن أخرى، أُصيب فيها العشرات، كما نظم قطاع غزة إضرابًا شاملاً رفضًا للخطة، وقال رئيس السلطة الفلسطينية، «محمود عباس»: «إننا نقول لا ألف مرة.. لا لصفقة القرن، فالخطة الأمريكية لن تتحقق، وشعبنا سيرسلها إلى مزبلة التاريخ». بينما توالت ردود الفعل العربية والدولية الرافضة لها والمؤيدة للحقوق الفلسطينية، وسط دعوات بضرورة استئناف مفاوضات السلام المباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل لتحقيق السلام والتأكيد على حل الدولتين. 
ووفقا لمعظم المحللين، فإن الخطة تمثل تحيزا واضحا للمطالب الإسرائيلية. ويرى «فيليب غوردون»، من «مجلس العلاقات الخارجية»، أنها تعد «ترسيخا للمواقف الإسرائيلية أكثر من كونها اقتراحًا جادًا من أجل السلام المتفاوض عليه. وبالنسبة لجميع القضايا الرئيسية، بما في ذلك الأمن، والأرض، واللاجئون، والقدس، تشير واشنطن بشكل أساسي إلى أنه ينبغي على الفلسطينيين أن يتراجعوا عن جميع مطالبهم، ويدركوا أنهم فقدوا كل هذا، ويقبلوا بالحقائق الماثلة على الأرض». كما أنها تأتي أيضا في سياق سياسات إدارة ترامب تجاه القضية الفلسطينية خلال السنوات الثلاثة الماضية. يقول «ويليام بيرنز»، رئيس «مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي»، إن: «الإدارة الأمريكية تخلت فعليا عن الحوار مع الفلسطينيين وأهملت مخاوفهم، واعتنقت في المقابل أجندة اليمين الإسرائيلي، بداية من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والتخلي عن برامج المساعدات، والتغاضي عن التوسعات الاستيطانية، والاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان». وتشير «إليزابيث مارتيو»، من «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، إلى أن «اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر 2017 أرسل إشارة إلى أن حل الدولتين لم يعد قابلا للنقاش، كما مهد الطريق لعقد مثل هذه الصفقة غير المتكافئة». 
وتنتهج إدارة ترامب نهجا مفاده أن «السياسة الأمريكية الأكثر صرامة ستجبر الفلسطينيين في النهاية الى التخلي عن المواقف القديمة وتقديم تنازلات ضرورية للوصول إلى السلام مع إسرائيل». ومع ذلك، فإن هذا النهج يقلل من احتمالية الاتفاق بين الطرفين، وينسف عملية التسوية برمتها. ويستنتج «يوسي ميكلبيرج»، من «المعهد الملكي للشؤون الدولية» (تشاتام هاوس)، أنه: «لو لم تكن البيئة المعادية التي أوجدتها واشنطن، من خلال إغلاق البعثة الفلسطينية في واشنطن، وقطع المساعدات، وقبل كل شيء نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ربما كان سيلائم بعض العناصر في النظام السياسي الفلسطيني مشروع استثمار اقتصادي كخطوة نحو اتفاق سلام شامل». 
لكن في الوقت الحالي، يرفض الفلسطينيون الصفقة، ويعملون على تقويضها. يقول «غيث العمري»، من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، إنه: «على المدى القريب، سيكون هدف الفلسطينيين هو عزل الموقف الأمريكي وإظهار خطة ترامب للسلام كخطوة ثنائية أمريكية إسرائيلية يعارضها غالبية المجتمع الدولي، بالإضافة إلى العمل على منع بنودها من أن تصبح إطارا مرجعيا جديدا يتجاوز فترة رئاسة ترامب. وبشكل عملي، هناك سعي لعقد خطة ثلاثية تشمل الضغط على العالم العربي والدول الأوروبية المتعاطفة والأمم المتحدة من أجل بناء تحالف دولي يعارض الصفقة».
وعلى المدى الطويل، يبدو أن المجتمع الدولي قد يستجيب لجهود الفلسطينيين؛ لكن في الوقت الحالي حصلت إدارة ترامب على دعم دولي لمبادرتها. يشير «ديفيد ماكوفسكي»، في صحيفة «واشنطن بوست» إلى أن: «واشنطن أجرت مشاورات مع عدد قليل من الدول العربية والأوروبية على الأقل قبل إطلاق الخطة، ومن المرجح أنها تواصلت معهم مرة أخرى قبل إعلانها». واتصل ترامب بالعديد من الحلفاء الأوروبيين في الساعات التالية للإعلان، من بينهم رئيس وزراء بريطانيا، «بوريس جونسون»؛ وهو ما أدى إلى دعوتهم إلى النظر في الصفقة، والدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة وإسرائيل، بدلا من الرفض التام لها. 
ومع ذلك، من غير المرجح أن يستمر هذا الدعم لفترة أطول، بالنظر إلى أن هناك إجماعا دوليا على معارضة مبادئ ونهج الصفقة. وكان الاتحاد الأوروبي قد التزم منذ فترة طويلة بدعم حل الدولتين على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات أوسلو، التي تقوضها صفقة ترامب تماما. يشير «ويليام بيرنز» إلى أن: «خطة ترامب للسلام ستؤدي على الأرجح إلى الإجهاز على ما تبقى من حل الدولتين، وتعميق الخلافات الأمريكية الأوروبية؛ إذا تم تنفيذها مع مرور الوقت». ويرى «مورييل أسيبورغ»، من «المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية»، أنه «على الاتحاد الأوروبي تحديد المبادئ التي يجب أن تقاس عليها أي خطة إذا كان لها أن تسهم في حل دائم للنزاع، مثل: إعمال الحق في تقرير المصير، وتنفيذ حق عودة اللاجئين، وبالتالي ينبغي ألا تدعم أوروبا أي جانب من جوانب خطة واشنطن ما لم تستوف هذه المعايير».
وتوقع العديد من المحللين أن تتخذ أوروبا موقفًا حاسما وغير داعم تجاه خطة ترامب على المدى الطويل، وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على العالم العربي. يقول «بن هوبارد» في صحيفة «نيويورك تايمز»: «لم يؤيد أي من حلفاء أمريكا من الدول العربية الخطة رسميا، أو حتى تعهدوا بتأييد ملموس لدعمها، مما أثار تساؤلات حول مدى دورهم فعلاً في تنفيذها؛ فالدعم الذي قدمته هذه الدول كان لعودة الفلسطينيين للحوار مع الولايات المتحدة، وليس لمضمون الصفقة، فيما لم تحاول مصر والأردن حتى تشجيع الفلسطينيين على العودة للحوار، كما قد تشرع هذه الحكومات أيضًا في معارضة الصفقة إذا تم تنفيذها من جانب واحد، نظرًا إلى أن المبادرات التي تقترحها تنتهك بشكل كلي أي فكرة لتقرير المصير الفلسطيني وحقوق الإنسان الأساسية».
وعليه، فإن قرار ترامب بالإعلان عن صفقة القرن يبدو مشكوكا فيه، وبصرف النظر عن احتمالات نجاحها، فإن حقيقة تدشينها، والوقت الذي تم فيه الإعلان عنها، يصبان في صالح إدارتي «ترامب» و«نتنياهو»؛ من جهتين: الأولى، المصالح الانتخابية لكليهما؛ حيث يعمل «نتنياهو» على استرضاء قاعدة الدعم الصهيونية اليمينية المتطرفة؛ أما بالنسبة لترامب، فكما أوضحت «زها حسن»، من «مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي»، فإن سياسته نحو إسرائيل تستند إلى قاعدة إنجيلية تنظر إلى النزاع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال منظور كتابي عقائدي، حيث يوجد جانب واحد فقط لديه ادعاءات مشروعة وهو الجانب اليهودي».
أما الثانية؛ فهى صرف الانتباه عن المحاكمات التي يواجهها كل من ترامب ونتنياهو. وترى «تامارا كوفمان»، من معهد «بروكنجز»، أن: «إثارة المقترحات الخاصة بوضع إقليمي؛ سيعمل على تعزيز ترامب ونتنياهو لبعضهما البعض بين الأوساط السياسية المحلية الرئيسية في ظل ما يواجه كل منهما من تحديات سياسية داخلية». وبصورة أكثر تحديدا، يرى «وليام تشسلر»، من «المجلس الأطلسي»، أن «توقيت الإعلان، والمراحل المحددة، والمشاركون، كلها مضامين توضح أن الأمر أقل ارتباطًا بجهد حسن النية للتوصل إلى سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ويتعلق أكثر بالتحديات القانونية والانتخابية العاجلة التي تواجه الرئيسين».
 وفي الوقت الحالي؛ يواجه ترامب إجراءات محاكمة برلمانية حول عزله من منصبه. وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن تفضي تلك المحاكمة إلى الإطاحة به، إلا أن من شأنها أن تلحق الضرر بمكانته قبيل الانتخابات الرئاسية لعام 2020, وهو الأمر ذاته بالنسبة لنتنياهو، الذي يواجه احتمالاً بأن يخضع للمحاكمة بتهمة الفساد وإساءة استخدام سلطاته. وبالتالي فإن الإعلان عن بنود صفقة القرن تم بغرض إلهاء الناخبين وتشتيت انتباههم عن تلك المحاكمات. 
وبصرف النظر عن أن واشنطن تصر على أن دعوتها لكل من «نتنياهو، وجانتس»، ترمي إلى تحييد الادعاءات بأنها تتدخل في السياسة الداخلية الإسرائيلية، فمن الصعب تجاهل حقيقة أن تحديد موعد القمة، جاء في نفس اليوم الذي من المقرر أن يبدأ فيه الكنيست مداولاته بشأن ما إذا كان سيتم منح نتنياهو الحصانة من أية ملاحقات قضائية بشأن لوائح الاتهام بالفساد المتورط فيها حتى بعد مغادرته منصبه، أم لا. وهو ما يعزز من فكرة أن توقيت الإعلان كان الغرض منه تحقيق مكاسب شخصية لكل من نتنياهو وترامب، ولا يتعلق بأي صلة ببذل أية جهود حقيقية لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ومن جهة ثالثة؛ يرى عدد من المحللين أن إدارة ترامب أعلنت عن الخطة في هذا التوقيت مع علمها أنها ستلقى فشلاً ذريعًا، من أجل إضفاء الشرعية على ضم إسرائيل الوشيك لجزء من الضفة الغربية أو كلها. وصرح مسؤولون إسرائيليون أنه «إذا رفض الفلسطينيون الصفقة، أو إذا زاد العنف في الأسابيع اللاحقة للإعلان، فإن الجيش الإسرائيلي سينتقل إلى الأراضي الفلسطينية لضمها». ومن جانبه، قال «ريتشارد لي بارون»، السفير الأمريكي الأسبق لدى الكويت، إن «السيناريو الأسوأ سيكون حينما يندلع العنف على نطاق واسع، حينها يمكن لإسرائيل أن تتحرك لضم غور الأردن أو أجزاء من الضفة الغربية، وستمثل المناطق التي تم ضمها عائقًا أمام حل الدولتين مستقبلا».
ويوضح «جايك والاس»، من «مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي»، أنه «إذا تحركت إسرائيل الآن لتوسيع سيادتها على غور الأردن وأجزاء من الضفة الغربية، فإن آمال تنفيذ خيار حل الدولتين ستلفظ أنفاسها الأخيرة؛ ويمثل هذا نقطة اللا عودة، ومن غير المتصور أن أي تشكيل للحكومة الإسرائيلية المقبلة سيتراجع عنه حال حدوثه، كما لن يتقبله الفلسطينيون على الإطلاق، وهكذا سيظل الصراع مستمرا».
على العموم؛ إن التنبؤ بفشل الخطة لا يكفي، لوضع حد للتداعيات أو الأضرار المحتملة التي تعقب الإعلان عنها، ولعل أخطرها اندلاع الاحتجاجات والعنف جراء الرفض الفلسطيني لها، والذي سيستخدم كغطاء لضم الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، فضلا عن المكاسب الآيديولوجية والانتخابية التي سيوفرها الإعلان عن تلك الخطة لكل من ترامب ونتنياهو. 

 

{ انتهى  }
bottom of page