top of page
7/2/2020

احتمالات نشوب صراع عالمي بعد إلغاء معاهدة «ستارت3 الجديدة»


تعززت التوترات العالمية بدرجة كبيرة عقب إعلان كل من أمريكا وروسيا قرب انتهاء العمل بمعاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية الجديدة «معاهدة ستارت3» في5 فبراير2021. أي بعد عام تقريبا، دون توقيع أي اتفاق جديد للحد من الأسلحة النووية، لدرجة جعلت البعض يزيد من احتمالات خطر اندلاع حرب ونشوب صراعات حول العالم، في ضوء أن كل المعاهدات التي تحد من التسلح، التي عُقدت لإنهاء الحرب الباردة قد ألغيت.
وأُبرمت المعاهدة عام 2010 بين الرئيس الأمريكي، «باراك أوباما»، ونظيره الروسي «مدفيديف». وتنص على تخفيض الحدود القصوى للرؤوس الحربية الهجومية الاستراتيجية للبلدين بنسبة30%، والحدود القصوى لآليات الإطلاق الاستراتيجية بنسبة50% خلال 7 سنوات بالمقارنة بالمعاهدات السابقة، أي يتم خفض الرؤوس النووية إلى 1550 رأسا، و800 منصة منتشرة وغير منتشرة لإطلاق الصواريخ وخفض الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة إلى 700 وحدة، فضلا عن إلزام البلدين بتبادل المعلومات حول عدد الرؤوس الحاملة والناقلة مرتين خلال العام. 
وتم التوصل إلى اتفاقية «ستارت 3»، بعد مفاوضات شاقة، إذ فشلت «ستارت-1» و«ستارت-2» بسبب رفض روسيا التوسع الشرقي للناتو وتمسكها بتضمين الاتفاقية عبارة تشير صراحة إلى «درع واشنطن الصاروخي» الذي كانت تنوي الأخيرة نشره في أوروبا الشرقية. غير أن المعاهدة الجديدة أعادت التعاون والقيادة المشتركة بين الولايات المتحدة وروسيا في مجال ضبط الأسلحة النووية وحققت تقدما في العلاقات بين البلدين، وهو ما قلل إلى حد كبير من خطر نشوب نزاع نووي بين القوتين العظميين خلال العقد الماضي. 
ويخشى العديد من المراقبين، في ظل تحرر القوى النووية البارزة من اتفاقيات الحد من التسلح النووي وشروطها التقييدية، أن يؤدي ذلك إلى تأجيج التوترات القائمة بين القوى العظمى في العالم، ونشوب حرب نووية، ولا سيما مع تزايد التوترات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي في أوكرانيا وبحر البلطيق، وإعلان الولايات المتحدة تطوير قدراتها النووية في مطلع عام 2018. وخروج واشنطن من معاهدة الصواريخ الباليستية عام 2002. وعدم رغبتها في تجديد اتفاقية «ستارت الجديدة» التي تنتهي في عام 2021. وإعلانها الخروج من معاهدة «القوى النووية». وفي هذا الصدد، ذكر «جوناثان ماسترز»، من «مجلس العلاقات الخارجية»، أن «العديد من المراقبين انتابتهم مخاوف من تصور احتمالات افتقاد العالم لهذه المعاهدة، لا سيما في ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في أوروبا وآسيا، وحينها سنكون أمام سباق تسلح نووي مطلق العنان قادر على زعزعة استقرار دول بأكملها». 
وعلى غير المعتاد، أعلن الرئيس الروسي، «فلاديمير بوتين»، حرص موسكو على إعادة تجديد المعاهدة؛ بينما صرح المسؤولون الأمريكيون أكثر من مرة عن نيتهم لعدم التجديد أو إنشاء صفقة جديدة. ووفقا لـ«بريان سيتلو»، من «مجلس العلاقات الخارجية»، فإن «واشنطن وموسكو تواجهان ثلاثة اختيارات هي: تطوير معاهدة جديدة، أو تمديد مدة المعاهدة الحالية لمدة خمس سنوات أخرى، أو الدخول في معاهدة تقلل من الأسلحة النووية الاستراتيجية؛ ونظرًا إلى أنه في بيئة السياسة الخارجية الحالية، من غير المحتمل التوصل إلى اتفاقية جديدة، فهذا يعني أن تمديد المعاهدة القائمة هو الاختيار الأسهل». وبالتالي وبحسب مراقبين، فإن الطرح الذي يمكن إثارة الآراء حوله هو مدى إمكانية مد المعاهدة لمدة خمس سنوات إضافية -حتى 5 فبراير 2026- خاصة وأن التمديد سوف يحقق فوائد أمنية عالمية.
وتعد «ستارت الجديدة» محورية في تقليل الدمار الذي من الممكن أن تسببه أي حرب نووية بين روسيا وأمريكا، بالنظر إلى خفض الأسلحة النووية التي تنص عليه المعاهدة. تقول «لين روستن»، من معهد «أبحاث مبادرة التهديد النووي»، إن: «توسيع المعاهدة من شأنه أن يساعد في تعزيز هذا الهدف، وذلك من خلال إنشاء بيئة تحافظ فيها الولايات المتحدة على حدود التسلح النووي، وتتحقق من الدولة الأخرى التي لديها -بالإضافة إلى الولايات المتحدة- 90% من الأسلحة النووية في العالم، لكن أن لا يوجد أي اتفاق على الإطلاق، فإن هذا الأمر يصعب تفسيره».
وبشكل أكثر تحديدا، يوفر التمديد لمدة خمس سنوات للبلدين مساحة لالتقاط الأنفاس للمفاوضات المستقبلية، ما قد يؤدي إلى إبرام صفقة أكثر شمولا. ويرى «فرانك روز»، من «معهد بروكنجز»، أنه «بالنسبة إلى الولايات المتحدة على وجه الخصوص، تعد أقوى حجة لصالح تمديد المعاهدة هي أنها ستساعدها في الحفاظ على رادع استراتيجي لانتشار الأسلحة النووية بشكل حديث وفعال؛ فمن خلال نظام الإخطار والتفتيش، يتوافر لها بيانات دقيقة للقوات النووية الاستراتيجية الروسية، وهو ما لا يمكن تحقيقه من دونها، رغم امتلاكها وسائل تقنية قوية لمراقبة ذلك».
وعلى الرغم من المصالح الاستراتيجية التي تخدمها الاتفاقية لكلا الطرفين وللعالم، فإن إدارة الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب» مازالت مترددة في الالتزام بتجديدها، وذلك لعدة أسباب، منها:-
 أولا: المصالح الانتخابية السطحية للرئيس، الذي يواجه انتخابات في نوفمبر 2020. يوضح «ستيفن بيفر»، من «معهد بروكنجز»، أنه: «لا يبدو أن «ترامب» يعي الكثير عن الحد من الأسلحة النووية، فخلال محادثته الهاتفية الأولى مع «بوتين»، رفض معاهدة ستارت الجديدة باعتبارها صفقة سيئة قام بها الرئيس السابق باراك أوباما، كما هو الحال مع المشاريع الدبلوماسية الأخرى في تلك الحقبة مثل الاتفاق النووي الإيراني واتفاق باريس للمناخ، وذلك رغبة منه في محو ما حققه سلفه من إنجازات من أجل إرضاء قاعدة الناخبين».
ثانيا: سعي «ترامب» ومسؤولي السياسة الخارجية إلى إبرام اتفاق لمنع الانتشار النووي مع الصين. وفي هذا الصدد، يقول «براناي فادي»، من «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي»، إن «إدارة ترامب زعمت أن الصين يجب أن تدخل في عملية تحديد الأسلحة النووية، خاصة أن هناك قلقا إزاء افتقار بكين إلى الشفافية فيما يتعلق بنطاق وحجم برنامجها النووي وعدم رغبتها في مناقشة قضايا الأسلحة النووية مع الولايات المتحدة». ويرى مسؤولو البيت الأبيض أنه ليس من مصلحة واشنطن الحد من ترسانتهم النووية بأي طريقة، في ظل استمرار الصين في مواصلة إنتاجها من الترسانة النووية، وأسلحتها الخاصة بلا هوادة، ما يعني أنه ينبغي أن يتوقف العمل بـ«ستارت» الجديدة وكل الاتفاقيات الأخرى في الوقت الحالي.
ويتفق معظم المراقبين على أن رفض التمديد للمعاهدة على هذا الأساس أمر غير منطقي. ويرى «بريان سيتلو»، أن «الصين ستظل عدوًا هائلا في التسليح النووي، لكن مخزونها الحالي من الرؤوس الحربية النووية يقدر بخُمس حجم الولايات المتحدة وروسيا، وليس من المحتمل أن تقترب من حدود (ستارت) الجديدة التي يبلغ عددها 1550 رأسا من الرؤوس الحربية في العقد المقبل، وبالتالي فإن تمديد عمل المعاهدة لن يؤدي إلى أي ضرر عددي فيما يتعلق بترسانة الصين». 
ومع ذلك، يستنتج المحللون أن الصين لن توافق على الدخول في معاهدة للحد من التسلح النووي لسببين:- أولهما، إصرارها على تطوير برنامجها النووي. يؤكد «تونغ تشاو»، من «مركز كارنيجي»، أنه «لا توجد فرصة لأن تغير بكين وجهات نظرها القديمة بشأن الحد من الأسلحة خلال الأشهر الـ12 المقبلة قبل انتهاء صلاحية معاهدة ستارت الجديدة، وذلك بسبب تحديها للولايات المتحدة في جميع أنحاء منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وستظل الأسلحة النووية عنصرا رئيسيا في خططها بشكل متزايد تحديًا للردع الأمريكي الممتد إلى القارة الآسيوية»، وهو ما أكد عليه كل من «روبرت جوزيف»، وكيل وزارة الخارجية الأمريكي السابق لمراقبة الأسلحة والأمن الدولي في الفترة من (2005: 2007)، و«إريك إدلمان»، وكيل وزارة الدفاع الأمريكية لشؤون السياسات في الفترة من (2005: 2009).
أما ثانيهما، يرجع إلى الاعتقاد بأن أوان التوصل إلى اتفاق جديد يشمل الصين قد فات من الأساس. تقول «لين روستن»: إن «معظم الخبراء يفهمون أن التفاوض على اتفاق جديد يشمل الصين قبل انتهاء المعاهدة ليس احتمالا مرجحًا وواقعيًا على المدى القصير، وإذا أرادت الانضمام، فهناك احتمالات توقيع معاهدة جديدة ومفاوضات جديدة، وهو ما قد يستغرق الكثير من الوقت للتفاوض. وبالتالي فإن الشيء المنطقي والواضح هو ضرورة الحفاظ على الاشتراطات والمعايير المتفق عليها بين القوتين الروسية والأمريكية من خلال مد أمد ستارت الجديدة، ثم السعي إلى البناء على ذلك». ولكن بالنظر إلى الهواجس التي يكنها ترامب حيال الصين، وعدم اعتباره روسيا تهديدًا استراتيجيا، فمن غير المرجح أن يحدث هذا.
على العموم، قد يكون أمر انسحاب كل من واشنطن وموسكو من معاهدة «ستارت3 الجديدة» أمرا مقلقا للغاية، في ضوء أن مسألة امتلاك وتطور الأسلحة النووية ستؤدي إلى تزايد التوترات الراهنة بين القوى العظمى، غير أن الكثير من المحللين استبعدوا وقوع هذه النتيجة؛ بحجة أنه ليس من مصلحة أي من هذه القوى حدوث ذلك. في حين رأى بعضهم أن هذا التصعيد يرجع إلى تبني الرئيس «ترامب»، لنظرية «مادمان» (Madman Theory)، التي ارتبطت بشكل رئيسي بسياسات الرئيس «نيكسون» الخارجية، والذي قام بترسيخ اعتقاد لدى السوفيت بأنه غير عقلاني ومتقلب، وهو ما يجعل القادة الآخرين يتجنبون استفزازه خوفًا من أي رد فعل غير متوقع، وهو ما يتّبعه «ترامب» الآن، إذ يعمد إلى التصعيد والوصول بالأمور إلى حافة الهاوية، ومن ثم يفتح لخصومه فرصة للتفاوض وفقًا لشروط مناسبة له. 
وربما يكون الحل الأمثل لهذه الأزمة أن يكون هناك نقاش حول مراجعة المعاهدة، وإمكانية تعديل بعض بنودها، على ضوء المتغيرات الاستراتيجية والتطور النوعي في الصناعة العسكرية في العالم. والشرط المناسب هنا هو إيجاد اتفاق بديل توقّع عليه الصين أيضًا.

 

{ انتهى  }
bottom of page