top of page
11/2/2020

خطاب «حالة الاتحاد».. بين الانتقائية الحذرة والاستقطاب السياسي.. وجهات نظر غربية


ألقى الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب»، يوم 4 فبراير2020. خطابه الثالث حول حالة الاتحاد، وهو الخطاب السنوي، الذي يلقيه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أمام الكونجرس، بغرفتيه «النواب والشيوخ»؛ بغرض تزويده بمعلومات عن حال الأمة، بما في ذلك إنجازات الحكومة في العام السابق، ووضع تصور للأجندة التشريعية والأولويات الوطنية خلال العام المقبل، سعيا إلى الحصول على دعم الحزبين على سياسته الداخلية والخارجية. وعادة ما كان إلقاء هذا الخطاب شرطا دستوريا لجميع الرؤساء الأمريكيين خلال شهر يناير من كل عام بغض النظر عن الاختلافات الآيديولوجية أو الشخصية.
وكعادته، تجاهل ترامب الصيغ الراسخة منذ فترة طويلة لخطاب حالة الاتحاد، حيث استغله في مهاجمة معارضيه السياسيين، وإعلان نفسه كأفضل رئيس على الإطلاق. فيما لم يتطرق بشكل ملحوظ إلى سياساته المستقبلية كما هو المعتاد، الأمر الذي جعل صحيفة «بولتيكو»، تصف الخطاب بأنه «الأغرب على الإطلاق». ورأى «بيتر بيكر»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، أن هذه الغرابة مستمدة من «خلفيته الفنية كنجم تليفزيوني، حيث بدت بعض المشاهد أنها منعكسة من التليفزيون اليومي مثل تطرقه إلى إحضار جندي أمريكي من أفغانستان ولم شمله بعائلته، ومنح فتاة تبلغ من العمر 9 سنوات منحة دراسية، ومنح «رش ليمبو» أيقونة الراديو»، وسام الحرية الرئاسي، وهي تصرفات تحدث لأول مرة في تاريخ خطاب حالة الاتحاد».
والمثير للدهشة، أنه عندما حاول مناقشة إنجازات ومقترحات سياسية حقيقية، كانت المخاوف الانتخابية هي المحرك الأساسي في اختيار موضوعاته، لضمان استمراره لفترة رئاسية ثانية، إذ ركز بشكل كبير على الاقتصاد، باعتباره مجالا تتمتع فيه إدارته ببعض النجاحات، وذلك من خلال التذكير بـ«التخفيضات الضريبية التاريخية، وإلغاء القيود التنظيمية، وإعادة التفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية»، وهو أمر ذكي من منظور سياسي، نظرًا إلى تأييد غالبية الأمريكيين للطريقة التي يتعامل بها مع هذا الملف. ووفقا لاستطلاع رأي أجرته صحيفة «نيويورك تايمز»، الشهر الماضي، فإن «40% من الأمريكيين يشهدون بتحسن الأوضاع المالية لهم بالمقارنة بنفس الفترة من العام الماضي».
وعلى الرغم من أن السنة الماضية اتخذت واشنطن خلالها قرارات صادمة بالنسبة إلى العالم، والشرق الأوسط على وجه الخصوص؛ فإن ملف السياسة الخارجية؛ لم يلقَ الاهتمام المعهود من جانب الإدارة الأمريكية الحالية. وبدلا من التركيز على الصين والمكسيك وكوريا الشمالية وحلف شمال الأطلسي كخطابيه السابقين، انصب اهتمامه هذه المرة على الشرق الأوسط. وذكرت صحيفة «جويش برس»، أن «ما مجموعه 16% من خطابه كله كان حول الشرق الأوسط».
ومع ذلك، فقد تطرق بشكل سطحي لبعض الموضوعات المهمة في المنطقة -تأكيدا لمخاوفه الانتخابية- فلم يذكر الرئيس الأمريكي سوى القليل بشأن «الاتفاق النووي»، والأثر الذي خلفه انسحابه منه، فضلا عن عدم تطرقه إلى خططه للتعامل معه في المستقبل، كما لم يتطرق للتدخلات الإيرانية في شؤون دول المنطقة، والتي تفرض تحديًا على المصالح الأمريكية في اليمن، سوريا، العراق ولبنان، بل خصّص للشأن الإيراني مجرّد عبارات هامشية، كحديثه عن اغتيال «قاسم سليماني»، قائد فيلق القدس، ووصفه بأنه «جزار النظام الإيراني، والمسؤول عن قتل آلاف العسكريين الأمريكيين في العراق. وفي هذا الصدد، تقول صحيفة «فاينانشيال تايمز»، البريطانية، إنه «على الرغم من أن الرئيس الأمريكي واجه أكبر أزمة في السياسة الخارجية خلال فترة ولايته قبل شهر مضى وذلك حينما تصاعدت التوترات العسكرية مع إيران، لم يتحدث عن سياسته في التعامل مع طهران بنوع من الإسهاب».
وعلى عكس توقع الكثير من المحللين، لم يتطرق «ترامب» لإحدى أهم قضايا منطقة الشرق الأوسط في خطابه، وهي قضية «الصراع الإسرائيلي الفلسطيني»، خاصة بعد الإعلان عن خطة السلام الأمريكية المنحازة بشدة تجاه إسرائيل في 28 يناير الماضي. وبدلا من أن يتناول الكثير حول «صفقة القرن»، اكتفى بالقول أنها «خطة رائدة للسلام»، مؤكدا أنها جاءت «نتيجة إدراكه أن جميع المحاولات السابقة قد باءت بالفشل، وأنه كان «أكثر إصرارًا وإبداعًا من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة ومنح ملايين الشباب فرصة التغيير لتحقيق مستقبل أفضل». 
ومن وجهة نظر كثير من المحللين، فإن تعمده تجاهل أي نقاش حقيقي لتلك الخطة يبدو أمرًا طبيعيا، بالنظر إلى الاستقبال الفاتر الذي تلقته الصفقة وردود الأفعال الفلسطينية والعربية والعالمية الرافضة والمنددة بها، وإدانتها من المنظمات العالمية، مثل الأمم المتحدة؛ الأمر الذي دفعه إلى التغاضي عن التطرق إليها، كما فعل في كثير من قضايا السياسة الخارجية الأخرى في عهده. وبشكل عام، لم تلق قضايا الشرق الأوسط الأكثر أهمية قدرًا كبيرًا من الاهتمام خلال خطابه على الأرجح بسبب «حقيقة أنه لم يُحرز تقدما يُذكر في هذا الصدد، مقارنة ببرنامجه المحلي للإصلاح الضريبي على سبيل المثال، الذي تحدث عنه بشكل موسع، وفي الوقت نفسه وعيه بأنها قد تؤثر على نتائج الانتخابات المقبلة».
وفي المقابل، ركز الرئيس الأمريكي، بشكل كبير على مسألة التفوق العسكري على الصعيد الدولي، قائلا: «لقد تم إعادة بناء جيشنا بالكامل بقوة وقدرة لا مثيل لها في أي بقعة في العالم». ودلل على هذا التفوق من خلال إشارته إلى نجاح الجيش الأمريكي في تعقب واغتيال أبو بكر البغدادي، الزعيم السابق لتنظيم داعش في أواخر عام 2019. والقضاء على التنظيم تحت قيادته، فضلا عن اهتمامه بقضايا الأمن القومي الأمريكي، ومكافحة الفكر الإرهابي.
وتعقيبا على ذلك، يقول «توم روغان»، من «معهد ستيم بوت للدفاع عن الحريات»: «كان ترامب محقًا في أن قيادته قد قلصت إلى حد كبير تهديد داعش، لكنه مخطئ في تأكيده أنه هُزِم كليًا». ويُرجع سبب ذلك إلى أن «التنظيم مازال موجودا ويمتد أكثر من حدود أراضيه، ومازالت أيدولوجيته المتطرفة كامنة في عقول أفراد مشوهين سيطرت عليهم أفكار الجهادية السلفية الراديكالية». وكان «جيمس جيفري»، ممثل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في الأزمة السورية، قد أوضح في تصريح مؤخرا أن «داعش بإمكانه إعادة تشكيل الخلافة في ضوء وجود ما بين 14000 إلى 18000 إرهابي في الأراضي السورية والعراقية فقط».
علاوة على ذلك، كان الخطاب دليلا على حالة الاستقطاب السياسي الحاد بين الديمقراطيين والجمهوريين، ويمكن ملاحظة ذلك من جهتين؛ أولهما، التبادلات المتوترة بين ترامب ورئيسة مجلس النواب، الديمقراطية، «نانسي بيولسي»، التي يعتبرها البعض السبب الدافع وراء عزل ترامب؛ إذ رفضت «بيلوسي» قولها إن لديها «شرفًا كبيرًا وشرفًا متميزًا» لتقديم الرئيس إلى مجلس النواب، وهو القول الذي اعتاد رئيس مجلس النواب استخدامه دائمًا لبدء خطاب الرئاسة، بالإضافة إلى رفض ترامب مصافحة يدها، وهو ما ردت عليه فيما بعد عن طريق تمزيق خطابه أمام الكاميرات.
ويلخص هذا المستوى من العداء بين اثنين من كبار المسؤولين في الحزبين الرئيسيين الديمقراطي والجمهوري حالة الاستقطاب السياسي الحزبي في أمريكا خلال عهد ترامب، ويبدو أنه لا توجد في الوقت الحالي أي قضايا يُمكن أن يتفق عليها الطرفان، وهو ما يعني أن كل شأن سياسي يمكن أن يتحول إلى معركة سياسية كبيرة. وتؤكد وكالة «بلومبرج» في تقرير لها عن خطاب حالة الاتحاد أن «الانقسام بين الجمهوريين والديمقراطيين كان صارخًا».
أما ثانيهما، فقد ظهر في تحديد العديد من الموضوعات التي اختار ترامب مناقشتها، فعلى سبيل المثال؛ اختار مهاجمة آيديولوجية خصومه الديمقراطيين في جزء كبير من خطابه. ويوضح «نوح وايلاند»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، أن «الهجمات على الاشتراكية أصبحت نقاط نقاش منتظمة للجمهوريين قبل انتخابات عام 2020. وهو ما طغى على خطاب ترامب». وتعتبر الاشتراكية -التي تنطبق على عدد قليل فقط من المرشحين الديمقراطيين والمُشرعين- مصطلحا مثيرا للعداء، وهو ما تبناه ترامب لتحفيز قاعدته الانتخابية من خلال استغلال العداء الذي يشعر به العديد من الجمهوريين تجاه معاصريهم من الليبراليين، وذلك من خلال إشارته إلى وجود «مائة وثلاثين نائبا منهم في هذه القاعة، والذين أيدوا تشريعًا لفرض سيطرة اشتراكية على نظام الرعاية الصحية لدينا».
على العموم، أثبت خطاب حالة الاتحاد لهذا العام أنه لا يتضمن ما يسترعي الانتباه مثلما هو العهد بالخطاب دائمًا. وعلى النقيض من الرؤساء السابقين الذين سبقوه لم يحاول ترامب تحديد رؤيته العالمية وموقف السياسة الخارجية الرسمية للحكومة الأمريكية في ظل إدارته؛ انطلاقا من مخاوفه الانتخابية. علاوة على ذلك، فإن حالة الاستقطاب التي ظهرت أثناء الخطاب تُلحق الضرر بالمسيرة الديمقراطية الأمريكية؛ وهو الأمر الذي يتطلب على الأقل درجة من الاتفاق بين الحزبين الرئيسيين حول مواضيع مثل الأمن القومي والسياسة الخارجية والسياسة البيئية. 
وأخيرا، يشير الخطاب إلى استمرار الرئيس الأمريكي عام 2020. في سياسته المتقلبة والحادة في التعامل مع قضايا السياسة الداخلية والخارجية، بل إن واقع تلك السياسة قد يزداد سوءًا قبل الانتخابات الرئاسية المقرر انعقادها نوفمبر القادم.

 

{ انتهى  }
bottom of page