top of page
27/2/2020

الذكاء الاصطناعي.. مرحلة جديدة للاقتصاد البحريني


أصبح الحديث الأكثر تواترًا في الوقت الحالي عن المُمَكِنات الجديدة للنمو الاقتصادي والتنافسية هو ذلك المتعلق بـ«الذكاء الاصطناعي» وتطبيقاته، وقد أُطلق هذا المصطلح لأول مرة في خمسينيات القرن الماضي، ويعني «محاكاة عمليات الذكاء البشري بواسطة الحواسيب الرقمية والآلات»، ويعد أحد الركائز الأساسية التي تقوم عليها صناعة التكنولوجيا عالميًا؛ نتيجة تميزه بعدد من الخصائص الإيجابية التي تجعل هناك تنافسية كبيرة على استخداماته، من بينها القدرة على معالجة كم هائل من البيانات، والقيام بالأعمال التي قد يعجز عنها البشر كعمليات التنقيب واستكشاف الأماكن، وعمليات الرعاية الطبية للإنسان، كالتطبيقات التي تساعد في كشف الاضطرابات العصبية، أو التي تتيح معرفة الآثار الجانبية للأدوية، كما يمكن استخدامه للقيام بالأعمال الاعتيادية التي قد تتطلب نفس آلية العمل في كل مرة، أو التي قد تشكل خطرًا على حياة الإنسان، فضلاً عن الدقة وتقليل هوامش الأخطاء.
ويسعى العلماء والباحثون حاليا إلى تطوير استخداماته في جوانب متعددة من الحياة، كالهواتف الذكية والسيارات ذاتية القيادة بشكل كلي، وإنجاز الأعمال المنزلية، ومكافحة الحرائق والتخلص من الألغام، والقدرة على حماية بيانات الأشخاص من السرقة والاختراق، بل إن هذه التقنيات تتجه إلى أن تكون مغيرًا كبيرًا لحياة البشر ومستقبلهم، خاصة مع تطور استخداماتها في القطاعات الاقتصادية؛ مثل الزراعة والصناعة والخدمات، بل وطبيعة المهن ونوعها التي ستكون متاحة للإنسان في المستقبل.
وفي الوقت الحالي تعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين أكبر المتنافسين، وفي عام 2017 خصصت الأخيرة 22 مليار دولار على مدى خمس سنوات للاستثمار في هذا المجال، وأقرت فرنسا في مارس 2019 خطة من أجل احتلال موقع ريادي في بحوث الذكاء الاصطناعي، خصصت لها 1.5 مليار يورو على مدى 5 سنوات، فضلا عن تخصيص مبلغ 2.8 مليار يورو لتكثيف برامج البحث والتطوير لإنتاج أسلحة ذكية تتوافق مع حروب المستقبل، والإعداد لإنشاء وكالة وطنية للابتكار التقني، وسارعت شركات أمريكية على رأسها (IBM)، وألمانية ويابانية للمشاركة في تنفيذ هذه الخطة، وافتتحت الهند عام 2019 مركز الثورة الصناعية الرابعة مستهدفًا أن تصبح مركزًا عالميًا للبحث في مجالاتها.
ويبني العلماء والباحثون على ما حققه الذكاء الاصطناعي من إنجازات منذ منتصف القرن الماضي، بدءًا من استكشاف نهج جديد لبناء آلات ذكية، وما تم من اختراع الحاسوب الرقمي وآلات يمكنها محاكاة عملية التفكير الحسابي للإنسان. وحاليا، يمثل توظيفه في الدول الأكثر تقدمًا، الجيل الثالث، فيما كان الجيل الأول في ستينيات القرن الماضي الذي قام على تشفير قواعد البيانات وبرمجتها، أما الجيل الثاني فهو الذي قام على تعلم الآلة الخضوع لإشراف بشري كالتعرف على الكلام والصور والترجمة واستخراج البيانات.
ويعد الذكاء الاصطناعي بأجياله الثلاثة هو الأكثر ملاءمة لدول قليلة السكان ومن بينها مملكة البحرين، والتي تعتمد في القيام بوظائف الأنشطة الاقتصادية المتعددة على العمالة الوافدة، وكلما تقدم العمل استنادًا إلى تطبيقاته كلما قلت الحاجة إلى وظائف ومهن معينة. وقد كشفت دراسة قام بها باحثون في جامعتي أكسفورد البريطانية وبل الأمريكية في 2017 أن هناك احتمالاً بنسبة 50% أن يكون الذكاء الاصطناعي متفوقًا على الذكاء البشري في جميع المجالات في غضون 45 عاما، كما سيكون قادرًا على تولي كافة الوظائف البشرية في غضون 120 عاما، وخلال أعوام قليلة سيفوق البشر في ترجمة اللغات في 2024 وكتابة المقالات المدرسية في 2026 وقيادة الشاحنات في 2027, والعمل بتجارة التجزئة في 2031, وكتابة واحد من أفضل الكتب مبيعًا في 2049, وإجراء الجراحات في 2053.
وفضلاً عن تغيرات سوق العمل فإن تطبيقاته أيضًا تدعم قطاع الطاقة، عن طريق الاستفادة من البيانات الوفيرة والمتكاملة في تحقيق مستويات عالية من الكفاءة وتطوير الاستشعار وأمن الطاقة وإدارة شبكات المياه والكهرباء بشكل أفضل، خاصة في مجال توقع أداء البنية التحتية، وتحديد توقيت وأماكن إجراء الصيانة للشبكات وغيرها من الإجراءات. وفي مجال التعليم وجد العلماء أنه يمكنه المساهمة في إدارة وتطوير العملية التعليمية، حيث يمكن للبرامج الرقمية أن تحل محل المقررات الحالية، والمساعدة في عمليات التدريب ومساعدة مديري المؤسسات على التصدي للتحديات الرئيسية التي تواجههم، كالرفع من كفاءة المعلمين وتوقع متطلبات المتعلمين، وتحسين جودة التعليم، حيث يمكنه توجيه الأسئلة، واقتراح الحلول، واحترام الذكاءات المتعددة للمتعلمين، وإنشاء أنظمة التعليم الذكية، وهي أنظمة حواسيب مصممة لدعم وتحسين عملية التعلم والتدريس.
وفي المجال الاقتصادي يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في رفع الإنتاجية الزراعية وجودة المنتجات والكشف عن الأمراض، وتحقيق رشادة استخدام الموارد المائية والقضاء على الأعشاب الضارة، بل وجني المحاصيل، وفي ديسمبر 2019 أطلقت شركة مايكروسوفت مبادرة تطبيق حلول الذكاء الاصطناعي في المجال الزراعي، بهدف تطوير الأساليب التقليدية وتعظيم استخدام الموارد المحدودة كالتربة والمياه. وفي القطاع الصناعي تمكنت تطبيقاته من رفع مستوى الإنتاجية ورفع كفاءة العاملين، وتطوير عمليات التصميم والابتكار، لتأخذ في الاعتبار التمييز بين أنماط الطلب، وإجراء الصيانة الوقائية في مواعيدها، واتباع أنظمة عمل أكثر أمانًا.
 وتطبيقا على مملكة البحرين نجد أن جمعية الذكاء الاصطناعي تعني بتقديم بحوث في هذا المجال، وتقديم الأدوات، من خلال تحفيز الشركات العالمية للاستفادة من الموارد الذكية الموجودة في المملكة. وتبنى هذه الخطوة على جاهزية البنية التحتية التي وفرت بيئة محفزة للابتكار. وفي هذا الصدد وقعت جامعة «بوليتكنيك» البحرين مذكرة تفاهم مع شركة مايكروسوفت لتعزيز التعاون في استخدام الذكاء الاصطناعي في الجامعة، وتوفير منصة للطلاب لتطوير مشاريعهم وأفكارهم باستخدام هذه التقنيات.
وتعزيزا لذلك تم إطلاق النسخة الثالثة من مسابقة خالد بن حمد للابتكار في الذكاء الاصطناعي، بعد اجتماع الشيخ علي بن عبدالرحمن آل خليفة، رئيس اللجنة العليا للمسابقة، رئيس اللجنة التنفيذية لأكاديمية الذكاء الاصطناعي في كلية البحرين للتقنية بوليتكنيك, في سبتمبر 2019, مع د. جاسم جناحي، رئيس جمعية الذكاء الاصطناعي في البحرين، كما تم اختيار الدفعة الأولى من منتسبي الأكاديمية، واعتماد الخطة التي تسهم في إنجاحها. 
وفي نسختها الثانية في أبريل 2019 خرجت المسابقة بمشاريع مبتكرة للطلبة المشاركين من مختلف مدارس وجامعات البحرين، وتم تدشين أكاديمية الذكاء الاصطناعي، بالتعاون بين صندوق العمل تمكين وكلية البحرين للتقنية وشركة مايكروسوفت، وهي أول أكاديمية من نوعها في المملكة وفي منطقة الخليج، بهدف إكساب الطلبة خبرة عملية في المجالات الناشئة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي وعلم البيانات وتشجيعهم على الابتكار باستخدام أحدث التقنيات والتطبيقات لخدمة المجتمع.
ودعما لهذه الخطوات أطلق سمو الشيخ «خالد بن حمد آل خليفة»، النائب الأول لرئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، دورة للطلاب حول الابتكار في الذكاء الاصطناعي، واختيرت المملكة لتكون في صدارة دول العالم، التي ستختبر عمليًا، إرشادات تطبيقات الذكاء الاصطناعي في القطاع العام، التي أقرها مركز الثورة الصناعية الرابعة، التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي. ويعمل هذا المركز مع مجلس التنمية الاقتصادية وهيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية على تمكين الحكومات من استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول ومستدام في عمليات المشتريات الحكومية. 
وفيما تعد تكنولوجيا الروبوتات أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي، فقد شهدت المملكة إطلاقها في عدد من المجالات مثل التكنولوجيا المالية، حيث قامت المؤسسة العربية المصرفية بإطلاق أول موظفة رقمية في المنطقة في 2019, وأطلق بنك البحرين الإسلامي أول موظف افتراضي، كما استخدم بيت التمويل الكويتي أول مساعد آلي لطلبات القروض، وفي عام 2018 كانت المملكة قد استضافت أولمبياد الروبوتات العالمي الثامن.
ومن منطلق حرصها على انطلاق الشباب للعمل في مجالات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، انضمت الجمعية البحرينية للذكاء الاصطناعي في أغسطس 2019 كشريك في برنامج «رائد الأعمال التقني الشاب» تحت رعاية وزير الصناعة والتجارة والسياحة، «زايد بن راشد الزياني»؛ بهدف تزويد طلاب الجامعات بالتدريب والمعرفة والعلاقات اللازمة لريادات الأعمال وتأسيس مشاريعهم التجارية في قطاع الذكاء الاصطناعي الذي يعد أحد أدوات الثورة الصناعية الرابعة، وتطلع هذا البرنامج إلى تعزيز موقع المملكة كمركز إقليمي رائد في مجال التكنولوجيا الذكية.
وإلى هذه الأدوار المتعددة التي يؤديها الذكاء الاصطناعي كان اهتمام المملكة الذي عكسه إنشاء أكاديمية الذكاء الاصطناعي، ونشاط الجمعية البحرينية للذكاء الاصطناعي، وكان تبني البحرين للتحول الرقمي معززًا لقدرتها على مواكبة متطلبات هذا المجال، وسط التوجه العالمي لتبني ما تقدمه الثورة الصناعية الرابعة، ولعل مسيرة البحرين في هذا الشأن تجعلها مؤهلة لحصد نصيب كبير من الطفرة المتوقعة في مساهمات الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط والتي قدرتها مجموعة شركات برايس ووتر هاوس كوبرز بـ 320 مليار دولار بحلول 2030

 

{ انتهى  }
bottom of page