top of page
28/2/2020

استقالة وزير الخزانة البريطاني.. الأسباب والتداعيات


قدم «ساجد جاويد»، وزير الخزانة البريطاني، استقالته يوم13 فبراير، قبل أسابيع قليلة من موعد عرض الموازنة السنوية الجديدة على الحكومة، في خطوة تأتي ضمن سياق مساعي «بوريس جونسون»، رئيس الوزراء البريطاني، لتغيير الحكومة في مرحلة ما بعد «بريكسيت». ويُعتَبر «جاويد» ضمن أقصر الوزراء بقاء في منصبهم في التاريخ البريطاني الحديث؛ حيث استمر في منصبه لمدة 204 أيام، وفور استقالته تم تعيين نائبه «ريشي سوناك»، المصرفي السابق خلفًا له. 
وتأتي استقالة «جاويد» كنتيجة لرفضه تعليمات وُجِّهت له من حكومة «بوريس جونسون» التي اشترطت فصل فريق المساعدين الخاص به، وتعيين مستشارين من رئاسة الوزراء بدلا منهم، وذلك لتثبيته كوزير للخزانة؛ وهو ما رفضه قائلا: «لا أعتقد أن أي وزير يحترم نفسه يقبل بمثل هذه الشروط لذلك شعرت أن أفضل شيء هو الاستقالة»؛ لذا فقد قام «جونسون» بتعيين «سوناك»، الذي يُعتَبر من مؤيدي الــ«بريكست» على عكس «جاويد»، كما يعتبره «جونسون» وغيره من كبار المحافظين شخصًا مخلصًا في عمله، ويعمل بجد كنائب لوزير الخزانة منذ يوليو 2019.
ويرى العديد من المحللين أن هذه الاستقالة تم التخطيط لها؛ وذلك نظرًا إلى تصادم «جاويد» الواضح مع «جونسون»، ومع مستشاره الخاص «دومينيك كامينغز» في عدد من القضايا؛ وفي ذلك أوضح تقرير صادر عن صحيفة «الجارديان» أن: «هناك علاقات سيئة بين رئيس الوزراء ووزير الخزانة، منذ طرد السكرتيرة الصحفية لجاويد «سونيا خان»، في أغسطس الماضي، والتي اتهمها «كامنيغز» بأنها كانت تساعده في نشر تسريبات عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، وهو ما أنكرته «خان»؛ علاوة على الخلافات بين رئيس الوزراء وفريق المساعدين لجاويد على السياسة الاقتصادية للمحافظين، فبينما يُشدد «جاويد» القواعد المالية للإنفاق، يرغب رئيس الوزراء فرض قيود أقل على الإنفاق».
ويرى «جاويد» أنه من الضروري فرض قيود على الإنفاق، بهدف تحقيق التوازن بين الميزانية القومية وخفض التكاليف على الحكومات، أما جونسون فيرغب بالوفاء بوعوده في حملته بزيادة الإنفاق الحكومي على المستوى الوطني لإنعاش الاقتصاد قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لذا فقد سعى إلى تعزيز نفوذه على القرارات المتعلقة بالسياسة الاقتصادية، وهو ما يُشير إليه «ستيفن كاسل» - مراسل نيويورك تايمز - حيث يرى أن: «جونسون يريد التحكم في السياسة الاقتصادية وتوجيه الموارد إلى شمال ووسط إنجلترا بتشجيع من مستشاره - دومينيك كامينغز - نظرًا إلى كونها مناطق الناخبين الموالين لحزب العمال، وهو ما تطلب إقالة جاويد، الذي سعى للانفراد بسلطاته بعيدًا عن رئيس الوزراء».
ويرى بعض المحللين أن هذه الاستقالة قد تؤدي إلى نتائج إيجابية سياسيًّا على المدى القصير لجونسون وحكومته، وذلك من خلال تعزيز صورته كشخصية حاسمة أمام معارضيها؛ فوفقا لمجلة «ذي إيكونوميست»: «أرسل هذا التعديل رسالة واضحة، فغالبًا ما يُنظر إلى الانشقاق بين رئيس الوزراء ووزير الخزانة كعلامة على ضعف رئيس الوزراء، وليس لدى جونسون نية أن يُنظر إليه بهذه الطريقة، وبالتالي فإن إجبار جاويد على الاستقالة قد ينجح في القضاء على أي معارضة له داخل حكومته، حيث يمكن تنفيذ سياساته».
أما البعض الآخر فهم أقل اقتناعًا بوجود فائدة لاستقالة جاويد، بل إنهم يرون أن تأثيرا ضارا لها على شعبية جونسون في الحكومة وبين الناخبين، فوزارة الخزانة تُعد تقليديًّا أقوى وزارة في الحكومة البريطانية، ووزير الخزانة عادة ما يكون ثاني أهم سياسي بعد رئيس الوزراء، ويؤكد ذلك «ستيفن كاسل» - مراسل صحيفة نيويورك تايمز - قائلا: «على الرغم من وجود تاريخ من التوتر بين رؤساء الوزراء ووزراء الخزانة، فإن الاستقالة نادرة، وغالبًا ما تتسبب في مشاكل سياسية واقتصادية؛ فجاويد الذي اعترض على قيادة حزب المحافظين العام الماضي، قد يظهر باعتباره ناقدًا لرئيس الوزراء من المقاعد الخلفية للبرلمان، مما يهدد سمعة جونسون في البرلمان وفي الأماكن العامة».
ويرى معظم المحللين أنه بغض النظر عن الآثار المترتبة عن الاستقالة على جونسون سياسيًّا، فإن هذه الخطوة سيكون لها تأثير كبير على آلية عمل الحكومة في بريطانيا؛ فمن خلال هذه الخطوة نجح جونسون في إزالة الركيزة الأساسية للمساءلة على السياسة الاقتصادية في الحكومة؛ حيث يُعد وجود وزير خزانة قوي واحد من أهم الضوابط على سلطة رئيس الوزراء في الدستور البريطاني، وبالتالي فهذه الاستقالة مع وجود أغلبية كبيرة للحكومة في مجلس العموم، ستؤدي إلى تصرف الحكومة بصورة أكثر سلاسة.
أما على الصعيد الاقتصادي، فقد تسببت استقالة جاويد في ارتفاع قيمة الجنيه الاسترليني، حيث تكهَّن المستثمرون بأن سوناك سيزيد الإنفاق العام أكثر من جاويد، لهذا ارتفع سعر الجنيه الاسترليني؛ كما كان للخبر تأثير مباشر على ميزانية الحكومة نفسها، والتي كان من المفترض تقديمها إلى البرلمان في 11 مارس، لكن مع وجود وزير جديد للخزانة في الحكومة، فمن المحتمل أن يتم تمديد هذا الموعد النهائي للسماح لسوناك بمراجعة برنامج سياسة جاويد.
ويتوقع البعض وجود تحديات وعواقب وخيمة على قدرة الحكومة على إعداد الاقتصاد لمغادرة الاتحاد الأوروبي، وخاصة ان الموعد النهائي للخروج بعد أقل من عام، وهو ما يهدد بإحداث فوضى في استعدادات بريطانيا لمرحلة ما بعد الاتحاد الأوروبي؛ وفي ذلك يقول تقرير «بلومبرج» إنه: «تم التخطيط لميزانية الشهر المقبل لإظهار جزء رئيس من رؤية جونسون للبلاد بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي أكبر كتلة تجارية في العالم، والآن بعد أن تم التراجع عن تلك الميزانية، هناك وقت أقل بكثير لتنقيحها خاصة إذا كانت المقترحات الجديدة لا تحظى بشعبية أو غير قابلة للتطبيق».
ويجادل البعض بأنه على المدى البعيد فإن استقالة جاويد قد تكون مُفيدة للمملكة المتحدة اقتصاديًّا؛ فيرى «توم كيباسي»، الخبير الاقتصادي، أن: «جاويد كان مستشارًا ضعيفًا، كما كان يفتقر إلى الإحساس بالاستراتيجية أو الرؤية، ولم يستطع أن يقرر ما إذا كان سيستمر في التقشف أو إنهائه، التوافق مع الاتحاد الأوروبي أو الابتعاد عنه، متابعة حالة أكثر تداخلا مع الاتحاد الأوروبي أو التراجع إلى الحد الأدنى من التعامل بين لندن والاتحاد الأوروبي»، على النقيض من ذلك، من المتوقع أن يكون لسوناك مبدأ ثابت، بصفته من مؤيدي البريكست المتحالفة مع نظرة الحكومة بشأن تنفيذ سياسة اقتصادية كثيفة الإنفاق، وكل ما ينقصه هو الاستعداد بسرعة للميزانية التي تم إقرارها بالفعل لتوفير دفعة مالية كبيرة بعد عقد من التقشف، ومحاولة طمأنة الأسواق من خلال تعهده بالالتزام بالقواعد المالية لجاويد، وهو ما سيتطلب زيادة الإنفاق مع الحفاظ على خطة جاويد لطمأنة الأسواق، زيادة الاقتراض بغرض الإنفاق.
وعلى العموم، تسود حالة من عدم اليقين حول مستقبل بريطانيا سواء بالنسبة للحكومة أو اقتصاد المملكة؛ فبينما يرى البعض أن الإقالة خطوة متهورة من رئيس الوزراء بالنظر إلى أنها تزيل الضوابط والتوازنات المعتادة في مجلس الوزراء؛ يرى البعض الآخر أنه يمكن للسيد جونسون وسوناك التخطيط لدولة ذات استثمار مدروس، وخفض الضرائب، وبالتالي بناء اقتصاد شركات حرة يتمخض عنه ظهور منافسة عالمية جادة، لكن هناك من يرى أن الحكومة إذا استمرت في عزل الوزراء غير المؤيدين لها، فقد يجدون أنفسهم خارج الحكومة قبل أن تتاح لهم الفرصة لإتمام مهمتهم.
ونختم بملاحظة أخيرة وهي أن جاويد المسلم الذي غادر منصبه بالإقالة أو الاستقالة، أكثر ولاء لإسرائيل من أي وزير غير مسلم آخر، ومواقفه المناهضة للقضية الفلسطينية عديدة منها؛ تصريحه بمناسبة الذكرى المئوية لوعد بلفور الذي رأى فيه أن: «الاعتذار عن وعد بلفور سيكون بمثابة اعتذار عن وجود إسرائيل والتشكيك في حقها في الوجود، وعلينا أن نحتفل في بريطانيا بهذا التصريح وبكل فخر»؛ كما أكد أنه سيبذل قصارى جهده للرد على من يحاول التقليل من شأن إسرائيل، وبالتالي فإنه من المؤسف أن يكون وزير مسلم بهذه المواقف، وليس من المؤسف رحيله بالنسبة لنا كعرب.

 

{ انتهى  }
bottom of page