top of page
5/3/2020

نتائج الانتخابات البرلمانية الإيرانية.. وأثرها على السياسة الخارجية


أسفرت نتائج الانتخابات البرلمانية الإيرانية، التي عقدت في 21 فبراير 2020 عن سيطرة المحافظين على مقاعد البرلمان من خلال الحصول على «221» مقعدًا من أصل «290»، منها «20» مقعدا للإصلاحيين، وما تبقى للمستقلين، وذلك في ظل أضعف نسبة مشاركة من الناخبين منذ عام 1979 بواقع 42%، وهي النسبة التي كانت 64% في 2014 و62% في 2016. وبغض النظر عن تحليل أسباب هذا التراجع، فإن الأهم هو أثر هذه النتائج على السياسة الخارجية الإيرانية.
ويبقى واضحًا، أن سلطة البرلمان الإيراني في السياسة الخارجية وغيرها محدودة مقارنة بسلطات المرشد الأعلى، والحرس الثوري الإيراني، لكن البرلمان الحالي قد يتمكن من تغيير مسار السياسة القومية معتمدا على تكوينه وكافة أطيافه وتياراته، ما بين المحافظين الموالين لمبادئ الثورة الإسلامية، والإصلاحيين الذين يسعون إلى تخفيف المواقف المتشددة من القضايا الدينية والسياسة الخارجية والأمن الداخلي.
وبناء على ما سبق انقسم المحللون ما بين فريق يرى أن نتائج الانتخابات البرلمانية الإيرانية سوف تحدث تأثيرًا كبيرًا على سياسة إيران الخارجية؛ وآخر يرى أنها ستكون محدودة الأثر على سياستها الخارجية، وثالث يتبنى وجهة نظر توافقية، أي إنها ستكون مؤثرة بالفعل، إلا أن تأثيرها سيكون متباينا وفقا لكل قضية على حدة.
وذهب أنصار الفريق الأول إلى أن النتائج ستضاعف نهج إيران العدواني في سياستها الخارجية، وبخاصة تجاه دول الشرق الأوسط والولايات المتحدة؛ حيث يرون ذلك امتدادا لتصدير مبادئ الثورة الإسلامية عام 1979؛ وهذا يعني أن السلوك الإيراني التخريبي سوف يستمر وقد يزداد. يرى «راي توماس»، من «مجلس العلاقات الخارجية»، أنه «بعد استبعاد العناصر المعتدلة في مواقفها من النظام السياسي، من المرجح أن يقود إيران المحافظون الذين لديهم حافز ضئيل لإيجاد تسوية للسياسات الإقليمية التي يرون أنها ناجحة، ومنها مساعدة نظام الرئيس السوري بشار الأسد على البقاء، وتهديد المملكة العربية السعودية من خلال دعم المتمردين الحوثيين في اليمن، فضلا عن تحكمها في الشؤون اللبنانية عن طريق حزب الله الذي يدار ويمول من إيران».
وينطبق الشيء نفسه على نهجها تجاه الولايات المتحدة؛ فالمتشددون الإيرانيون يدعمون مقاومتها بأية وسيلة، ويعتقدون أن النهج العدائي تجاه واشنطن هو أفضل أشكال الدفاع الوطني، وخاصة أنهم عارضوا منذ البداية الاتفاق النووي باعتباره ضارا بأمن إيران وأن الدول الغربية ستتخلى عنها عاجلا أم آجلا. وعليه، يمثل فوز هؤلاء المتشددين استمرارا لنهج إيران العدائي، ويؤكد ذلك ضرب إيران للقواعد الأمريكية في العراق ردًا على اغتيال «قاسم سليماني» في أوائل يناير، وشن هجمات إلكترونية على البنية التحتية الأمريكية، واستهداف حركة الشحن الدولي في الخليج العربي. وبالتالي، من المرجح أن تستمر أو تزداد تلك الممارسات بدعم من البرلمان الجديد. ومع ذلك يرى «كيم سينجوبتا»، في صحيفة «الإندبندنت»، البريطانية، أنه من المحتمل أن تكون هناك محاولات لكبح سلطة «الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، وهما شخصيتان أساسيتان في قيادة الاتفاق مع القوى الدولية على البرنامج النووي». 
ويأتي التأثير الأهم لهذه النتائج على السياسة الخارجية من خلال احتمالية نجاح رئيس جمهورية متشدد. تقول صحيفة «نيويورك تايمز»، «إن نتائج هذه الانتخابات ستُمهد الطريق لصعود رئيس متشدد في انتخابات عام 2021 إذا ما استمرت حالة اللامبالاة بين المواطنين. وبالنظر إلى ما يتمتع به الرئيس من سلطة أكبر في اتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية مقارنة بالبرلمان، فإن هذا سيؤدي إلى زيادة تعزيز العداء الإيراني في الشرق الأوسط وخارجه، علاوة على ذلك؛ فإن ذلك سيجلب تعيين مرشد أعلى متشدد أكثر تشددا من خامنئي».
أما الفريق الثاني فيرى أن الانتخابات البرلمانية لن تنجح على أرض الواقع في تعزيز قوة المتشددين بإيران في السنوات المقبلة، نظرًا إلى عدم طرحهم برنامجا قويا يُمكن من خلاله إجراء التغييرات التي يطمح فيها المجتمع الإيراني. وتذهب «بانفشة كينوش»، من «المعهد الدولي للدراسات الإيرانية»، إلى أن «الانتصار الذي حققه المتشددون أجوف ما لم يكونوا متحدين وقادرين على تقديم سياسات حقيقية قابلة للتطبيق تخفف من الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها الإيرانيون».
ويُرجع هذا الفريق وجهة نظره إلى عدة أسباب، أهمها؛ ما يعانيه النظام القائم من أزمة شرعية، تتمثل في الإقبال المتدني على صناديق الاقتراع، فضلا عن سلسلة الأحداث التي وقعت مؤخرا مثل؛ احتجاجات نوفمبر2019؛ نتيجة ارتفاع أسعار الوقود، والتي أسفرت عن مقتل 1500 شخص على أيدي قوات الأمن، ثم إسقاط قوات الحرس الثوري لطائرة أوكرانية في يناير2020 بضحايا 178 شخصا؛ مما أدى إلى مزيد من الاحتجاجات، كما أنه من المتوقع أن تتفاقم حالة عدم الرضا الشعبي بسبب نتائج الانتخابات التي يعتبرها الكثيرون غير شرعية، نظرا إلى رفض «مجلس صيانة الدستور» الإيراني طلب ثلاثة آلاف للترشح ممن لهم سجل حافل في العمل السياسي والبرلماني بصفة خاصة، وهو ما سيزعزع استقرار البلاد ويحول دون قدرة المتشددين على تفعيل سياساتهم. 
علاوة على ذلك يُتوقع أنه على غرار الاحتجاجات التي حدثت في الأعوام الثلاثة الماضية وقبل ذلك في عام 2009 أن تظهر حركة معارضة لا يستهان بها تكون مناهضة للحكومة والنظام، وقد تمثل تهديدًا لكيان الدولة، وحتى لو لم ينتج عنها أي تغيير في نظام الملالي، فإنها لديها القدرة على تغيير سلوك الحكومة المتشدد. ويرون، أن هذه الحركة ستكون ناجمة عن رفض التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للعديد من دول المنطقة، ورفض هجماتها على الملاحة البحرية في مضيق هرمز والتهديد بها؛ وهي القضايا التي لا تحظى بتأييد الداخل الإيراني، لما تمثله من استنزاف للموارد وضعف الاهتمام بالتنمية الاقتصادية. تشير صحيفة «نيويورك بوست»، الأمريكية، إلى أنه «لا يمكن لأي انتخابات تغيير هيكل السلطة في إيران التي يقودها خامنئي، الزعيم الديني غير المنتخب، لكن بات واضحًا حاليًا أن حالة عدم الثقة قد تجعل إيران أقرب إلى اليوم الذي سيسقط فيه نظام الملالي برمته أخيرا».
ويرى أنصار هذا الفريق، أنه حتى لو لم ينجح الضغط الداخلي في التأثير على المتشددين، فربما تنجح الظروف والعوامل الخارجية في ذلك، نظرًا للأزمة الاقتصادية الناجمة عن سياسة «أقصى ضغط» للرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، وهو ما قد يجبر طهران على التعامل مع واشنطن على الرغم من قبضتهم المتشددة على السلطة. وفي هذا السياق أكدت وكالة «رويترز» في تقرير لها أن «المتشددين المناهضين للغرب قد اكتسحوا الانتخابات البرلمانية الإيرانية، وأنهم الأوفر حظًا للفوز بالرئاسة العام المقبل، لكن الأزمة الاقتصادية الحالية التي قد تتسبب في انهيار الأوضاع؛ قد تجبرهم على الاستسلام لمطالب الولايات المتحدة في النهاية».
أما الفريق الثالث فيتفق مع الفريق الأول في وجود أثر على السياسة الخارجية الإيرانية، بيد أن هذا التأثير سيتباين وفقا للقضية وكذا وفقا لعلاقتها مع كل دولة على حدة، فالسياسات العدائية ستستمر تجاه الشرق الأوسط، وكذا تجاه التصعيد مع واشنطن، لكن الأمر سيكون مختلفا لدى التعامل مع الدول الأوروبية، فلن تواجه الخارجية الإيرانية ضغوطا حيال سياساتها مع هذه الدول، بل ستستمر في مساعيها في حث الترويكا الأوروبية على الوفاء بالتزاماتها في الاتفاق النووي. وفيما يخص العلاقات الإيرانية مع روسيا والصين، يرى أنصار هذا الفريق أن قرار التحالف مع موسكو وبكين قد اتخذ على أعلى المستويات في البلاد، وبالتالي فلا مجال للإخلال به؛ وفي ذلك يرى «عباس أصلاني»، الباحث في «مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية»، أنه «من المرجح أن تشهد البلاد حراكا برلمانيا للتوجه نحو الشرق أكثر من ذي قبل».
على العموم، على الرغم من أن المحللين اتفقوا على أن نتائج الانتخابات كانت متوقعة، لكنهم اختلفوا في آثار هذه النتائج على السياسة الخارجية الإيرانية، وعلى رغم أنه من المنطقي افتراض احتمالية انهيار نظام الملالي الحاكم في المستقبل القريب، لكنها تظل تنبؤات مفرطة في التفاؤل. وبالتالي فإن الرأي الأول والثالث كانا الأكثر منطقية.. فمن الطبيعي أن تلقي نتائج الانتخابات التي شهدت وصول المتشددين إلى السلطة التشريعية بظلالها على السياسة الخارجية الإيرانية من خلال استمرار سياستها الإقليمية العدوانية، ومقاومة الجهود الأمريكية المعنية بإجبار طهران على الاستسلام، لكن مع وجود سياسات سلمية نسبيا تجاه الترويكا الأوروبية وروسيا والصين.

 

{ انتهى  }
bottom of page