17/4/2020
قرار ترامب تعليق تمويل منظمة الصحة العالمية تقويض لدورها في مواجهة جائحة كورونا
بينما تستمر الجهود الدولية لمحاربة فيروس كورونا المستجد، الذي فرض تحديات صحية واجتماعية واقتصادية لم تستثن أي بلد، وغيّر حقائق جيوسياسية كانت موجودة قبل انتشاره، وأوقف صراعات، ليحل محلها تعاون دولي امتد الى المجالات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية؛ شهدت علاقة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» مع منظمة الصحة العالمية – التي تأسست عام 1948 وتتخذ من جنيف مقرًا لها وتضم حاليًا 194 دولة - توترا وصل إلى أنه أمر يوم 14/4/2020 بتعليق تمويلها بزعم سوء إدارتها لأزمة تفشي فيروس كورونا المستجد والتعتيم على تفشيه وتحيزها للصين، وهو ما يعد تطورا قد يؤدي إلى تقويض دور المنظمة وعملها.
وقد سارع الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريس» إلى انتقاد هذا القرار، معتبرًا أن هذا ليس وقت خفض موارد المنظمة المنخرطة في الحرب ضد وباء كوفيد 19, وتعد الولايات المتحدة أكبر ممول لمنظمة الصحة العالمية، حيث قدمت 400 مليون دولار العام الماضي ما يعادل 15% من ميزانيتها، بينما قدمت الصين 86 مليون دولار، والتي توقعت أن قرار ترامب سيضعف قدرات المنظمة وسيقوض التعاون الدولي ضد الوباء، ويتفق مع هذا الموقف دول ومنظمات دولية كثيرة مثل ألمانيا والاتحاد الأوروبي وإيطاليا وفرنسا وروسيا.
في الفترة الأخيرة، اعتاد الرئيس «ترامب» الحديث عن مستجدات فيروس كورونا، لكنه في كل مرة غالبا ما يوجه نقده لدولة أو جهة، وكان أهمها هجومه على منظمة الصحة العالمية. فقد وصفها بأنها «تتمحور حول الصين»، وانتقد استجابتها المتأخرة لتفشي الفيروس في ووهان، وزعم أنها تدعم الحكومة الصينية وعدم إعلان انتشار الفيروس إلى حد الجائحة، وتقديم توصيات خاطئة للولايات المتحدة في بداية الأزمة. وقال في تغريدة على تويتر: «أفسدت منظمة الصحة العالمية الأمر بالفعل، لسبب ما، ورغم أن معظم تمويلها يأتي من جانب الولايات المتحدة، إلا أنها تركز على الصين» بحسب زعمه، وأضاف: «لحسن الحظ، رفضت نصيحتها التي كانت مغلوطة ومضللة».
وعلى الرغم من أن المنظمة غالبا ما تتجنب توجيه انتقادات علنية إلى الدول الأعضاء إلا أن مدير منظمة الصحة العالمية، «تيدروس جيبريسوس»، رد على انتقادات ترامب وغيره، مطالبا بعدم «تسييس أزمة كوفيد- 19»، ووجه حديثا للرئيس الأمريكي في مؤتمر صحفي قائلا: «إذا كنت لا تريد المزيد من أكياس الجثث لا تسيس هذا الفيروس»، مضيفا أن «المرحلة الحرجة من الوباء ليست الوقت الملائم لوقف التمويل».
ومن جانبها، أعلنت الصين أن وقف التمويل الأمريكي سيكون له «آثار سلبية» على التعاون الدولي لمحاربة الفيروس، وقال وزير خارجيتها، «فانج يي»: «نأمل أن تظل البلدان متضامنة وأن تساهم في هذه الاستجابة العالمية المشتركة»، مضيفا أن «بكين ستواصل دورها في دعم المنظمة وقيادتها في هذه المعركة». في حين دافع وزير الخارجية الألماني، «هايكو ماس» عن دور الوكالة الدولية، قائلا: إنها «تضطلع بدور لا غنى عنه في مواجهة الجائحة، ويتعين علينا تعزيزه الآن ودعمه ثم تحسين وضعه، استعدادا للمستقبل».
واعتبر العديد من النقاد والمحللين أن قرار ترامب هذا مجرد وسيلة لصرف اللوم بعيدًا عنه في تعاطيه مع الأزمة، وفي ضوء أيضا أنه، كما تشير «آمبر فيليبس» في صحيفة «واشنطن بوست»، قد أشاد سابقًا بالحكومة الصينية لاستجابتها في التعامل مع الفيروس التاجي. وقال يوم 24 يناير 2020 إن الصين تعمل بجد لاحتواء الفيروس التاجي، وأن واشنطن تقدر جهودها وشفافيتها.
وإلى جانب «واشنطن» تتهم «تايوان» الوكالة الدولية بتجاهل تحذيراتها في ديسمبر 2019, من خطورة إمكانية انتقال الفيروس الجديد من شخص لآخر. وكان نائب الرئيس التايواني، «تشن شيان جين»، وهو متخصص في علم الأوبئة، قد انتقد دورها عبر قوله: «لم تستطع رغم كفاءتها إيضاح مدى قدرة فيروس «كوفيد-19» على الانتقال من شخص لآخر، وأدى ذلك إلى إعلانها عن الأمر بعد فوات الأوان، لتفقد بذلك فرصة لرفع مستوى التأهب والحذر لدى العالم بشكل واسع النطاق».
وفي مقابلة أجرتها إذاعة تليفزيون «هونغ كونغ» مع «بروس أيلوارد»، كبير مستشاري رئيس منظمة الصحة العالمية، تجاهل بشكل واضح سؤالا متعلقا بعدم استماع المنظمة لتحذيرات أطلقتها تايوان نهاية 2019, بأن عدوى الفيروس الجديد يمكن أن تنتقل عبر البشر. وادعى «أيلوارد» أولاً أنه لم يسمع السؤال، ثم قطع الاتصال بالمقابلة التي تتم بخاصية المكالمات عبر الفيديو قبل أن يطلب بصراحة العودة مجددًا لإعادة إجراء المقابلة من خلال الانتقال إلى السؤال التالي، الأمر الذي أدى إلى النيل من سجل المنظمة العالمية في اعتماد مبدأ الشفافية والنزاهة. وتجدر الإشارة إلى أن هناك عريضة إلكترونية تطالب بإقالة مدير عام المنظمة، «تيدروس جيبريسوس» الأثيوبي الجنسية وقد حظيت العريضة حتى الآن بأكثر من 800 ألف توقيع.
لكن بالنسبة لبعض المحللين، فإن تبرير تساهل تعامل الوكالة الدولية مع أزمة فيروس كورونا في بداية انتشاره بالصين وتقاعسها عن الاستماع للتحذيرات التايوانية له ما يبرره، خاصة مع ملاحظة أن دورها في الأزمة لا يزال توجيهيا وإرشاديًا في المقام الأول أكثر منه يتسم بالفاعلية والمشاركة الحقيقية. فعلى عكس الحكومات وشركات القطاع الخاص، لا تمتلك الموارد اللازمة لتصنيع الأدوية أو العلاجات واللقاحات، بل تقدم المشورة للدول مع إضطلاعها بالمبادئ التوجيهية لحماية الصحة العامة. ولا يخفى أنه تم تقويض دورها في التصدي لأزمة «كوفيد- 19» بسبب العوامل السياسية، وعلى الأخص التنافس بين الولايات المتحدة والصين.
ومنذ تفشي المرض، أصدرت المنظمة جدولا زمنيا بما اتخذته من إجراءات، بدءًا بالصين ومرورا بجميع دول العالم في مكافحتها انتشار الفيروس. وشمل ذلك تشكيل بعثتها إلى مدينة «ووهان»، وتقديم المساعدة التقنية إلى بكين وإصدار تقارير منتظمة عن معدلات انتشار الفيروس. فيما قامت بواجباتها ودعمت الموقف بشكل موضوعي وعلمي ونزيه، ولعبت دورا مهما في مساعدة البلدان في بناء قدرات قوية للاستجابة للتحديات التي تواجهها، ودعت إلى تعزيز التعاون الدولي، وتعاونت مع الشركاء الدوليين لتوفير المعلومات الدقيقة حول الفيروس، وسعت لضمان تزويد العاملين في الخطوط الأولى في المجال الصحي بالمعدات الطبية اللازمة وتدريبهم وتنسيق وتسريع البحث والتطوير فيما يتعلق بتفشي هذا الوباء.
وفي هذا الصدد، أصدرت 50 إرشادا تقنيا للعالم، وشحنت أكثر من مليوني قطعة من معدات اللوازم الطبية للحماية الشخصية إلى 133 دولة وعملت مع أكثر من 90 دولة لإيجاد طرق علاجية فعالة. كما أن مساعدتها للأشخاص الأكثر احتياجا في العالم هي بالتحديد مظهر سامي من مظاهر الروح الإنسانية الدولية.
يقول «أسيس جحا» أستاذ الصحة العامة بجامعة «هارفارد» بالولايات المتحدة: إن «فهم منظمة الصحة العالمية للبيانات شفاف للغاية وتعطي معلومات يومية وتدرك جيدا شدة المرض وخطورته وكيف يجب على المجتمع الدولي أن يستجيب له». ويعتقد «أنتوني فاوتشي» مدير «المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية»، أنها «تقوم بعمل جيد تحت قيادة مديرها تيدروس». في حين قال رئيس جنوب إفريقيا، «سيريل رامافوسا»، إنه «لا يمكن الاستهانة بالمهارات القيادية غير المعتادة التي أظهرتها المنظمة، وأن الضمير البشري سيخبرنا أن تلك الأفعال التي تنفصل عن الحقائق وتسيء وتشوه دورها كلها تشير إلى فقدان العدالة وهو ما يتعارض تماما مع الرأي العام للمجتمع الدولي». فيما قال الأمين العام للأمم المتحدة، «أنطونيو غوتيريس»، أنه «يجب دعم منظمة الصحة العالمية لأن دعم عملها يعد أمرا أساسيا في الكفاح العالمي ضد وباء كورونا المستجد».
على العموم، إن محاولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إضعاف دور المؤسسات المتعددة الأطراف، مثل هذه المنظمة وتقويض نظام الحوكمة الصحية العالمي يعد أمرا غير مسؤول وغير مقبول، خاصة عندما يتعلق الأمر بحياة الناس، كما أن تقويض الوحدة والتعاون يمكن أن يعيق إجراءات مكافحة وباء كورونا في ظل أن الجهود التي تبذلها المنظمة ويعترف ويشيد بها المجتمع الدولي هي بالضبط ما يحتاج إليه العالم في هذه اللحظة الحاسمة.