top of page
21/4/2020

التعاون الدولي لتطوير علاجات «كورونا» حتمي وليس اختياريا


بعد وصول جائحة كورونا إلى مستويات حرجة أثارت قلق العديد من الدول التي لجأ بعضها إلى إعلان حالة الطوارئ، وإغلاق الحدود، ومنع التجمعات، بل وإيقاف الصراعات؛ أصبح التعاون الدولي أمرا ضروريا لإيجاد لقاح مضاد لهذا الفيروس من أجل إنقاذ العالم من أزمة إنسانية لم تحدث منذ أجيال. وعلى الرغم من تسريع الجهود فإنه لم يتم اعتماد أي أدوية وقائية للاستخدام، ومازالت التجارب جارية على العلاجات المحتملة ولكنها لا تزال في المراحل الأولى من التطوير.
وفي حين أن الأرقام المعلنة لعدد الإصابات والوفيات جراء هذا الفيروس في كل دول العالم تقريبا مروعة؛ فإن الرقم الحقيقي أعلى مما لا شك فيه عند النظر في أن دولا مثل الصين وإيران وغيرهما قد اتُهمت بإخفاء المدى الحقيقي لأرقام الضحايا، الأمر الذي أدى إلى تفعيل رغبة الحكومات في إيجاد علاجات وأدوية للمرضى، غير أنه من المهم التمييز بين العلاجات لأعراض كوفيد-19 واللقاحات المستقبلية، ومن الجدير بالذكر أن عدد الدراسات التي أجرتها دول العالم باختلافها لإنتاج لقاح للفيروس حوالي (440) دراسة؛ منها (60) أجرتها الولايات المتحدة، و(51) الصين، و(28) فرنسا، و(15) إيطاليا، و(10) المملكة المتحدة، و(10) ألمانيا، و(11) كندا، و(6) إسبانيا، في حين أجرت اليابان دراسة واحدة.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد أعلنت أن العديد من الدول تقوم باختبارات حول علاجات ولقاحات للفيروس. وصرح «تيدروس أدهانوم» المدير العام للمنظمة بأن «47 دولة تخضع الآن لتجربة علاجات محتملة»، وأن العمل يتم مع العلماء في جميع أنحاء العالم على تطوير ما لا يقل عن20 لقاحًا مختلفًا، بعضها دخل بالفعل مرحلة التجارب السريرية في وقت قياسي. وفي هذا الإطار، قالت المديرة الفنية لبرنامج الطوارئ في المنظمة «ماريا فان كيرخوف» إن «تسريع هذه العملية ضروري، بالاستعانة بالعمل الذي بدأ مع فيروس سارس». 
ومع ذلك، فإن علماء بارزين حذروا من أن اللقاحات لا تزال بعيدة عن إتاحتها للاستخدام العام، وخاصة أن التجارب وموافقات السلامة اللازمة للحصول على لقاح عملي في السوق قد تستغرق عدة أشهر. وأوضح «مايك رايان» المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ في منظمة الصحة العالمية أن «التجارب ضرورية، ويجب أن نكون حذرين للغاية في تطوير أي منتج سنقوم بحقنه في معظم سكان العالم، وأن هناك شيئا واحدا فقط أخطر من الفيروس السيئ هو «اللقاح السيئ». 
وقبل تفشي هذا الوباء، كان متوسط الوقت الذي توافق فيه الهيئات التنظيمية والمعنية على تداول الأدوية الجديدة حوالي 333 يومًا في الولايات المتحدة، و422 يومًا في أوروبا، و639 يومًا في الصين. وسيتطلب الوقت ذاته تقريبًا لتمرير أي دواء فعال لمواجهة هذا الفيروس التاجي.
وفي حين أن التعاون العالمي في تطوير عقاقير ولقاحات سيفيد الجميع، ويقدم أفضل الفرص لاختبار العلاجات المحتملة في إطار زمني أقل يمكن من خلاله إنقاذ الكثير من الأرواح، وبالرغم من كل الجهود المقدمة من شركات وحكومات العالم للتعاون؛ فقد سعت بعض الحكومات لتحقيق مصالحها الخاصة فقط؛ مما أدى إلى تأثير ضار على مكافحة الفيروس.
وفي الوقت الحالي، يجري السباق لتطوير علاجات بسرعة كبيرة من قبل الشركات والوكالات الحكومية في جميع أنحاء العالم. ومازالت التجارب السريرية على الأدوية المحتملة جارية في الغالب بشرق آسيا وأوروبا الغربية وأمريكا الشمالية. وفي الوقت الذي تكافح فيه منظمة الصحة العالمية للتعامل مع الطلب المتزايد على الأدوية، تعتمد كثير من البلدان على الشركات المصنعة والمختبرات في القطاع الخاص لتطوير عقاقير جديدة. وأبرز «كريستوس كيراتسوس» من شركة «ريجينيرون»، وهي شركة أمريكية للتكنولوجيا الحيوية، الحاجة إلى الحصول على بيانات حول العلاجات المحتملة قبل طرحها على نطاق واسع للاستخدام العام. وبحسب صحيفة «فاينانشال تايمز»، فإن «التحدي الآن هو إيجاد أفضل وأسرع طريقة لمعرفة ما إذا كانت العلاجات فعالة في الاختبارات، لأنه إذا كانت البيانات إيجابية فإنه يمكننا توسيع نطاق الوصول إليها، والتي ستكون منقذة للحياة».
وبالفعل، بدأت بعض أكبر الشركات والمنظمات الطبية في العالم في التعاون لتطوير العلاجات. ودخلت شركة «جلاكسو سميثكلاين» البريطانية في شراكة مع شركة «كلوفر» للأدوية الحيوية الصينية، ووافقت شركة «جونسون آند جونسون» الأمريكية على التعاون مع هيئة البحث والتطوير الطبي الحيوي المتقدم الأمريكية.
في إطار البحث عن علاج فعال، أعطى دواء «ريمديسيفير» وعدا مبكرا؛ حيث تم تطويره لأول مرة لمكافحة جائحة «الإيبولا» في غرب إفريقيا. وفي يناير 2020، صنفت منظمة الصحة العالمية هذا الدواء كعلاج واعد بناء على البيانات المجمعة من الاختبارات البشرية والحيوانية. وحتى الآن، أثبت الدواء نجاحه في التجارب ضد متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس) ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، والتي تُشبه «كوفيد 19»، وتؤثر على أعضاء الجهاز التنفسي. واستجابة للطلب المتزايد، تبرعت شركة «غيلياد ساينسز» في كاليفورنيا مُصنعة العقار بـ1.5 مليون جرعة من الدواء التجريبي للاستخدام على المرضى الذين يعانون من أعراض شديدة. وانعكس هذا القرار على الأسواق المالية، حيث شهدت الشركة ارتفاعًا بقيمة 17 مليار دولار في قيمتها السوقية. 
وعلى الرغم من ذلك حذر «دانييل أوداي»، الرئيس التنفيذي للشركة من أن العقار لا يزال في مرحلة الاختبارات ولم يتم اعتماده في أي مكان في العالم، وغير معلوم مدى سلامته وفعاليته حتى الآن»، قائلا: «في الوقت الذي نشعر فيه بأكبر قدر من الإلحاح في عملنا على هذا العقار، يجب أن نتحلى بالمسؤولية الأخلاقية لتحديد ما إذا كان بالفعل علاجًا آمنًا وفعالًا». ويمثل تحذير «أوداي» توقعات الصناعة الطبية التي تأمل في سرعة توافر الأدوية العلاجية لمرضى الفيروس التاجي، وهو أمر سابق لأوانه. ومن المقرر أن تكتمل الاختبارات التجريبية لـ«ريمديسيفير» في الصين بحلول نهاية أبريل، وعندها سيتمكن المختصون في الحقل الطبي من الحكم على ما إذا كان يمكن استخدام هذا الدواء على نطاق واسع أم لا. 
وفي ظل النجاح المبكر لـ«ريمديسيفير»، كانت هناك نتائج مُتباينة للأدوية المحتملة الأخرى، فلم يُسفر اختبار الدواء «لوبينافير» مع «ريتونافير» في الصين عن نتائج إيجابية للمرضى الذين يعانون من أعراض شديدة لـ«كوفيد 19». ومع ذلك وجدت دراسة أخرى أن «فافيبيرافير» (المعروف أيضًا باسم أفيجان)، الذي طورته شركة «فوجي فيلم» اليابانية، ساعد على التخلص من الفيروس في مدة أقل من التي استغرقها علاج «فيروس نقص المناعة البشرية»، كما ساعد على تحسين أعراض الصدر للمرضى.
وبدلاً من التركيز على الجهود العالمية لتطوير علاجات الفيروسات التاجية، ركز الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» على الدعم غير الموفق لعقار مُضاد للملاريا، هو «هيدروكسي كلوروكوين». وفي 19 مارس، ادعى أن الدواء «تمت الموافقة عليه بعد النتائج المبكرة المشجعة للغاية من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية»، فيما أوضح «ستيفن هان» مفوض إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية فيما بعد أن «ترامب وجهنا فقط -إدارة الغذاء والدواء- لإلقاء نظرة فاحصة». وفي وقت لاحق في 21 مارس، غرد «ترامب» أن تناول هذا العقار يحمل فرصة حقيقية ليكون أحد أكبر مغيري قواعد اللعبة في تاريخ الطب». 
والتزم «ترامب» بتخزين 29 مليون جرعة من «هيدروكسي كلوروكين»، وخلال شهر مارس2020، ارتفعت مبيعات الأدوية بنسبة ثلاثة آلاف بالمائة. كما ارتفعت مشتريات المستشفيات من هذا العقار بنسبة مائتين وستين بالمائة، ولا يُمكن إنكار كون الرئيس الأمريكي لا يزال الشخصية الأكثر تأثيرًا على استجابة الأسواق العالمية بشأن التعامل مع «كوفيد19»، وهو ما يجعل خطر الاعتماد على هذا العقار أكثر إثارة للقلق.
وعلى الرغم من أن «العقار اُستخدم في عدة دول حول العالم كعلاج تجريبي لفيروس كورونا، وهو في الأصل عبارة عن دواء مضاد لمرض الملاريا؛ فإنه لم يتم اختبار مدى قدرته إلى الدرجة التي يمكن بموجبها الموافقة على استمرار استخدامه بأمان في هذا الصدد. وأفادت دراسة فرنسية بأنه بعد أن تم استخدامه على 40 مريضًا، استطاع 26 منهم أن يتعافوا من الفيروس». ولكن على الجانب الآخر، أفادت دراسة أخرى نشرتها مجلة جامعة «تشجيانغ» الصينية بأن العقار «لم يكن دواءً أكثر فعالية من أساليب الرعاية الطبية التقليدية لفيروس «كوفيد -19».
ومن جانب آخر، أثارت إدارة «ترامب» حفيظة العديد من دول العالم من خلال محاولتها امتلاك لقاح «حصريًا» تطوره شركة )كيورفاك Curevac - الألمانية للأدوية)، المختصة بتطوير اللقاحات الوقائية. وتجدر الإشارة إلى أن «ديتمار هوب» المستثمر الرئيسي في تلك الشركة قد انتقد نهج «ترامب» في الاستئثار بهذا اللقاح عبر قوله: «إذا نجحنا بالفعل في تطوير علاج فعال في المستقبل القريب، فينبغي أن يصل إلى العامة من أجل حمايتهم ومساعدتهم على البقاء والتعايش كلمحة إنسانية لإظهار التضامن والتعاون المشترك بين الأطراف الدولية». ولعل هذا النهج هو ما حذر منه مسؤولو «منظمة الصحة العالمية»، من أنه «حال التوصل إلى لقاح، سيواجه قادة العالم عوائق لوجستية ومالية وأخلاقية أخرى، إذ يجب أن يكون هذا اللقاح متاحا للجميع، وأن يكون هناك وصول عادل ومنصف له، فالعالم لن يكون محميا من فيروس كورونا ما لم يتم تطعيم الجميع».
وكما هو الحال مع البحث عن علاجات؛ فإن البحث عن لقاح مستقبلي لفيروس كورونا لا يزال في مراحله المبكرة. ففي بداية مارس الماضي، بدأت منظمة «تحالف ابتكارات التأهب للأوبئة (CEPI) -وهي عبارة عن ائتلاف يضم العديد من الحكومات والجمعيات الخيرية ورواد الصناعة- في رعاية أربعة برامج لتطوير لقاح». وتشير تقديرات المنظمة إلى أن تكلفة تطوير اللقاحات الأولية ستبلغ على الأقل 2 مليار دولار وستستغرق ما بين اثني عشر وثمانية عشر شهرًا للانتهاء من إعدادها. 
غير أنه من المهم التأكيد أنه على الرغم من هذه الجهود؛ فإنه قد لا يتم تطوير أي لقاحات في نهاية المطاف. ولعل ما يدلل على ذلك أنه حتى عام 2020، لم يكن هناك لقاح معتمد مضاد لفيروس «سارس»، الذي قتل ما يقرب من 800 شخص في بداية القرن الحادي والعشرين. كما أن العديد من الشركات المعنية بتطوير الأدوية تنتابها حالة من الحذر والتخوف من مغبة الإفراط في إنتاج كثير من اللقاحات لكونها قد تعاني من عواقب مالية قد لا يحمد عقباها. ومن الجدير بالذكر أنه لم يتم تطوير اللقاحات الخاصة بالتصدي لانتشار فيروسي «إيبولا»، و«زيكا» السابقين بالسرعة الكافية جراء بدء تضاؤل أعداد المصابين وإلغاء رواد صانعي الدواء لعقودهم المبرمة، تاركين الكثير من المختبرات وشركات الأدوية تعاني من خسائر مالية كبرى. كما أن مسألة طرح أدوية جديدة تثير تساؤلات حول طول فترات التجربة والاختبار لها.
على العموم، تتطلب المعركة العالمية لتطوير عقاقير علاجية ولقاحات لمكافحة انتشار «كوفيد -19» جهودًا دولية حقيقية، واتسام الحكومات بالمثابرة، وتكاتف كافة الوكالات الحكومية وشركات الأدوية بالقطاع الخاص. ويبقى واضحًا أن الجهود الأحادية لن تؤدي إلا إلى إعاقة مستوى الاستجابة الدولية للقضاء على الفيروس، وأن الانقسامات بين الدول على الصعيد السياسي كفيلة بتشتيت انتباه المؤسسات المعنية عن إيجاد اللقاح المناسب، وتشكل أيضًا خطرًا محدقًا على الصحة العامة، وهو ما يشير إلى ضرورة التضامن وتنحية الخلافات والمصالح جانبا، وضرورة التنسيق في مواجهة هذه الجائحة، فالتعاون الدولي لم يعد مجرد خيار، بل حتمية لا مفر منها.

 

{ انتهى  }
bottom of page