top of page
12/10/2019

العمالة الوافدة في دول الخليج.. أرقام ودلالات

البحرين تحتل المرتبة الأولى بين دول الخليج كأفضل الأماكن الملائمة للوافدين المقيمين 
أكثر من ثلثي العمالة في دول مجلس التعاون الخليجي (69.3%) عمالة أجنبية وافدة
تُعتبر قضية العمالة الوافدة إحدى أهم القضايا الأساسية بالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك عبر إسهامها في المسيرة التنموية والعمل على تحريك الاقتصاد الوطني والنهوض بالعديد من المشاريع والقطاعات الاقتصادية، في ظل قلة عدد السكان وتوافر الموارد الطبيعية، وتمتعها باقتصاد قوي، وأسواق منفتحة على الأسواق الخارجية، وقلة وجود العمالة الوطنية الكافية التي تستغل إمكاناتها الكاملة لخلق الثروة الاقتصادية.
وتشكل العمالة الوافدة أكثرية القوى العاملة في جميع دول مجلس التعاون الخليجي الست؛ فضلا عن كونها تمثل غالبية السكان في أربع دول هي: «الإمارات والبحرين والكويت وقطر». فيما أظهرت بيانات رسمية حديثة أن أكثر من ثلثي العمالة في هذه الدول (69.3%) هي عمالة أجنبية وافدة. في حين أظهرت بيانات المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون عام 2017، أن إجمالي عدد الأيدي العاملة في دول المجلس 21 مليون عامل، وأن عدد العمالة الوافدة 14.86 مليون عامل، ويرتفع العدد إلى 26 مليونا، بعد إضافة أفراد الأسر؛ مما يعني قرابة نصف سكان دول الخليج، والبالغين نحو 55 مليون نسمة تقريبا عام 2017.
وتستقطب السعودية وحدها أكثر من 11.1 مليون عامل وافد، معظمهم من الدول الآسيوية، وتصل نسبة العمالة الوافدة فيها إلى 76.7%، بينما تصل في الإمارات إلى 90%. وفي الكويت بلغت النسبة الـ69.3%، في حين تصل إلى نحو 80.9% في عمان، وإلى 94.4% في قطر، وتقترب من 73.5% في البحرين؛ وبهذا تتصدر الدول الخليجية، العالم من حيث نسبة وجود العمالة الأجنبية على أرضها، وفق تقرير سابق للبنك الدولي، الأمر الذي وضعها في تصنيف الدول الأعلى نموا بالسكان في العالم. وفي هذا يشير التقرير الصادر عن المعهد الملكي للشؤون الدولية، «تشاتام هاوس»، بلندن، إلى أن «تدفق العمال المغتربين قد تزامن مع ظهور الدولة الخليجية الحديثة واقتصادها ومشروعها القومي، حتى أصبح وجودهم جزءًا من نظام توزيع دخل الدولة وعقده الاجتماعي مع المواطنين».
وبالنظر إلى الدور الذي تضطلع به تلك العمالة في المجتمعات والاقتصاديات والسياسات في جميع أنحاء العالم، فإن معرفة خبراتهم ووجهات نظرهم ورغباتهم أصبحت ذات أهمية كبيرة، وفي هذا الصدد، يقدم التقرير السنوي الصادر عن مجموعة «إكسبات إنسايدر»، والذي نشرته مؤسسة «انترنيشنز»، بألمانيا -أكبر شركة بحثية تضم أكبر مجتمع للمغتربين في جميع أنحاء العالم بعدد أعضاء بلغ 3.2 ملايين عضو- أفضل وسيلة يمكن من خلالها تحقيق ذلك، حيث تقدّم الدراسة تحليلاً متعمقا للحياة في الخارج، من خلال مجموعة من العوامل مثل (جودة الحياة، وسهولة الاستقرار، والعمل في الخارج، والحياة الأسرية، والحالة المالية). وبصفة عامة، يسعى الاستطلاع الذي أجرته المجموعة إلى «تتبع الأنماط الواضحة في سلوك وتوقعات المغتربين، إلى جانب تقديم مؤشر لتصنيف الدول وفقا لمدى نجاحها في جذب الوافدين».
وفي تقريرها لعام 2019، سعت «إكسبات إنسايدر» إلى فحص النتائج المتعلقة ببلدان مجلس التعاون الخليجي - باستثناء المملكة العربية السعودية التي لم يدرجها المؤشر في عملية مسحه - من خلال قيامها بتحليل الخصائص المشتركة بينها، ومعرفة نقاط الاختلاف، ومقارنتها مع بقية دول العالم، من أجل توسيع نطاق فهم تجربة المغتربين في الخليج، وتقديم بعض الأفكار حول العلاقة بين التطورات السياسية وخبرات المغتربين في جميع أنحاء العالم. 
وبشكل عام، صنفت دول مجلس التعاون، لتكون من الأماكن الملائمة للوافدين المقيمين، واحتلت البحرين على نحو تقليدي المرتبة الأولى بين هذه البلدان. وعلى الرغم من تراجعها في التقييم الشامل من المركز الأول الذي حققته في 2017 إلى المركز السابع، فإنها حققت درجات عالية في كل فئة تقريبًا. وجاءت قطر في المرتبة الثانية مُحققة المركز الـ(18)، تلتها عمان في المرتبة الـ(32) والإمارات العربية المتحدة في المركز الـ(40). بينما تراجعت الكويت إلى المرتبة الأخيرة لتأتي في المرتبة الـ(46).
ويتضح من النتائج الإجمالية، أن معظم المؤشرات تُبرهن على أن المنطقة داعمة للعمالة الوافدة  بشكل إيجابي، حيث برزت عمان كأفضل الدول في مؤشر جودة الحياة، لا سيما بند السلامة والأمان الوظيفي، في حين أن جميع الدول الأخرى- باستثناء الكويت التي تحتل المرتبة الـ(64)- حققت نتائج عالية، حيث تحتل الإمارات المركز الـ(6) وقطر الـ(11) والبحرين الـ(20) من أصل (64) دولة. ويعود نجاح الدول الخليجية في هذا الصدد إلى عدة عوامل أهمها، الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي يميز كل دولة، فعدم وجود اضطرابات سياسية إلى جانب توافر موارد مالية يعني أن المنامة وأبوظبي والدوحة لديها القدرة على تمويل وتدريب ونشر قوات الأمن الخاصة بشكل يحفظ أمن وسلامة المقيمين.
وترجع مرتبة مسقط كأفضل تصنيف في هذه الفئة إلى كونها النمط النموذجي لدولة خليجية مستقرة وآمنة. وكتب «جورجيو كافييرو»، من «معهد الشرق الأوسط»، بواشنطن، أنه «في الوقت الذي تعصف فيه الأزمات السياسية والإنسانية بالعديد من الدول العربية، فإن سلطنة عمان تبدو هادئة وسط منطقة مضطربة تنعم بسياحة نابضة بالحياة وتحالف عسكري مع الولايات المتحدة وبريطانيا».
وبالمثل، اجتمعت مجموعة من المؤشرات لتصنيف مكانة قطر والبحرين والإمارات كأماكن جيدة لتكوين الأسرة، حيث احتلت المنامة المرتبة الـ(13) من أصل (36) دولة، تليها الإمارات في المرتبة الـ(23)، وقطر الـ(25). وينعكس هذا التسلسل الهرمي على العديد من الفئات الفرعية في هذه الفئة، حيث تأتي البحرين في المرتبة الرابعة وقطر في التاسعة، فضلًا عن تصنيف «رفاهية الأسرة»، الذي احتلت المنامة المرتبة العاشرة فيه، وجاءت الإمارات في المرتبة الثانية عشرة. وتنبع النتائج العالية التي حققتها المنامة والدوحة وأبو ظبي من كونها وجهة للوافدين منذ فترة طويلة، حيث اجتذبت تجمعات العمالة الأجنبية منذ ثمانينيات القرن الماضي، مما يعني أنها أصبحت رائدة على مر السنين في توفير التعليم لأطفالهم.
وبالنظر إلى مؤشر «سهولة الاستقرار»، والذي يقيس التجربة الأولية للوافدين الذين يصلون إلى البلد المضيف؛ نجد أن غالبية دول مجلس التعاون سجلت نتائج جيدة. وإجمالا، تأتي البحرين في المرتبة الثانية، وعُمان السادسة، والإمارات العشرين، بينما قطر في المركز الثاني والعشرين، والكويت في المركز الرابع والستين.
وتأتي اللغة كأفضل تصنيف في الخليج، حيث تعني السهولة التي يتمكن بها المغتربون من العمل في بلد ما دون الحاجة إلى معرفة اللغة المحلية. وفي هذا التصنيف الفرعي، جاءت كل الدول الخليجية من بين أفضل 10 دول على مستوى العالم عدا الكويت. وعلى وجه التحديد، يشهد 94% من الوافدين في البحرين أنه من السهل العيش هناك من دون مهارات لغوية محلية، تليها كل من قطر والإمارات بنسبة 86%. ويعود هذا لاندماج مجتمعات المغتربين في نسيج المجتمع المحلي، والذي يمنح العاملين في قطاع الخدمات والمسؤولين الحكوميين الذين يتواصلون مع القادمين الجدد دفعة قوية لتعلم اللغات المنتشرة عالميًا مثل اللغة الإنجليزية.
ووسط العديد من التصنيفات الإيجابية، حصلت دول المجلس على بعض النتائج السلبية مثل تلك المتعلقة بالديناميات الاجتماعية لحياة المغتربين في فئة نوعية الحياة، الأمر الذي يُمكن إسناده إلى الصدمة الثقافية التي يواجهها كثير من المهاجرين عند انتقالهم إلى العمل في الخليج. على سبيل المثال، سجلت جميع الدول نتائج سيئة في فئة خيارات الترفيه الفرعية، واحتلت الإمارات المرتبة الأولى في المركز الـ(37). وجاءت البحرين في المرتبة الـ(43)، وقطر(46)، وعمان (47)، والكويت (64)، وعندما البحث في تركيبة المستجيبين للاستطلاع، يبدو واضحًا أن الاختلافات الثقافية هي سبب هذا التباين. 
وبصرف النظر عن الهنود والجنوب إفريقيين، فإن أفضل عشر جنسيات جاءت في الاستطلاع هي دول غربية وتتمتع بخلفية ثقافية على نطاق واسع؛ مثل أستراليا، وأمريكا، وكندا، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وهولندا، وإيطاليا، حيث يُمكن أن تختلف الأنشطة الاجتماعية في هذه البلدان اختلافًا كبيرًا عن تلك الموجودة في الخليج. فعلى سبيل المثال، الأنشطة الترفيهية في الهواء الطلق مثل لعب كرة القدم والكريكيت والهوكي، شائعة في هذه البلدان. ولكن نظرًا الى درجات الحرارة القاسية والبيئة القاحلة بالخليج نجد نُدرة هذه الأنشطة. كما أن الثقافة تُحدث فارقًا أيضًا. فعلى سبيل المثال، المشروبات الكحولية والأماكن التي يتم تناولها فيها ليست موجودة في دول الخليج على عكس الدول الغربية. لذا قد يفقد الوافدون هذا الجانب من حياتهم الاجتماعية عند إقامتهم هناك، ما يسهم في تراجع هذه الدول إلى درجات أقل.
وعلى الرغم من ذلك، تحتل قطر والبحرين مرتبة متقدمة في تعاملهما مع العمالة الوافدة بشكل عام؛ حيث جاءتا في المرتبة الـ(15) و(18) على التوالي، بينما جاءت دول مجلس التعاون الأخرى أقل أداءً، واحتلت الإمارات المرتبة الـ(47)، وعمان الـ(49)، والكويت الـ(60). 
وفيما يتعلق بالأمان الوظيفي، حلت البحرين في المرتبة الـ(29)، تليها الإمارات في الـ(38)، والكويت الـ(40)، وعمان في المرتبة الـ(46). أما ما يتعلق بالطموحات والترقي الوظيفي وحالة الرضا والارتياح للعمالة، فتأتي الإمارات في المرتبة الـ(45)، وعُمان في الـ(56)، والكويت الـ(63). وحينما يتعلق الأمر بالإنفاق الشخصي الخاص بالوافدين في منطقة الخليج، فنجد أن قطر التي حلت بالمرتبة الـ(14) والبحرين (22)، أحرزتا مؤشرات تحسن قوية، لكن الكويت جاءت بالمرتبة الـ(31)، وعُمان (41)، والإمارات (61)، لم تحرز أي مؤشرات تحسن. وعند النظر إلى بند التعليم الميسر المتاح أمام أسر العمالة الوافدة، تأتي عُمان في المرتبة الـ(28)، والإمارات الـ(31)، وقطر الـ(32).
وتأتي تخوفات المغتربين من مغبة انعدام الأمن الاقتصادي في منطقة الخليج، كنتيجة مباشرة للمبادرات الاقتصادية التي اتخذتها دول المنطقة لإعادة التوازن إلى اقتصاداتها، بعيدا عن الاعتماد على الموارد والثروات الطبيعية. فبعد سنوات من ارتفاع عائدات النفط والغاز الطبيعي - والتي ضمنت بدورها انخفاض الضرائب وبقاء مستوى الإنفاق مرتفعًا - بدأت دول المنطقة في تنويع اقتصاداتها، وفرض إصلاحات رئيسية من بينها: إعادة هيكلة العمالة لتشجيع دخول المزيد من السكان المحليين في سوق العمل، بالإضافة إلى فرض الضرائب لزيادة الإيرادات.
ويشير تقرير «معهد الشرق الأوسط»، إلى أن «الدول الخليجية ميزت نفسها عالميًا بعرضها الفريد لبيئات عمل تطبق إعفاءات ضريبية على دخل المواطنين والوافدين على حد سواء، ولكن مع انخفاض عائدات النفط، فرضت معظمها ضرائب غير مباشرة، بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة مؤخرًا». وعند الوضع في الاعتبار أن منطقة الخليج تعتبر ثاني أكبر مجتمع للعمالة الوافدة في العالم بعد الولايات المتحدة، يبقى واضحًا أن فرض الضرائب يجعل من الصعب عليها التنافس مع وجهات عالمية أخرى على جذب العمالة الماهرة والمهنية». وهو ما توصلت إليها مؤسسة «انترنيشنز» الدولية فيما يتعلق بشكاوى المغتربين من أن تكلفة المعيشة بدأت في الارتفاع.
على العموم، يقدم الاستطلاع الذي أجرته مجموعة «إكسبات إنسايدر» لهذا العام نظرة ثاقبة للاهتمام بالأنماط والتوجهات القائمة في نظرة المجتمع العالمي للعمالة الوافدة، ويكشف عن تفاوت الدول وقدرتها على جذب تلك العمالة، ويوفر نقاطًا تحليلية مهمة، وخاصة أنه قد شارك فيه أكثر من 20,000 مغترب من حوالي من 182 جنسية مختلفة، وهو ما يعتبر وفقا للمعايير التجريبية النموذجية، صالحًا لإعطاء نتائج مؤكدة وصحيحة.
ويُمكن القول إنه باستثناء السلبيات الطفيفة التي أوضحها التقرير بالنسبة إلى دول الخليج، والمتعلقة بالديناميات الاجتماعية لحياة المغتربين في فئة نوعية الحياة وخيارات الترفيه الفرعية؛ فإن هذه الدول تُعتبر وجهة مرغوبة من قِبل العمالة الوافدة وتحظى بتقييم عالٍ بالنسبة الى جميع المعايير المتعلقة بتلبية متطلبات الحياة الأسرية والاجتماعية تقريبًا، فضلاً عن سهولة العيش والاستقرار بها.

{ انتهى  }
bottom of page