top of page
9/5/2020

المبادرة الأوروبية وآفاق تطوير لقاحات لمكافحة كورونا

في قمة على الإنترنت استضافها الاتحاد الأوروبي، يوم 4 مايو 2020، وشارك فيها نحو 40 دولة ومانحا؛ جرى التعهد بدفع أكثر من 7.5 مليارات يورو في صندوق مخصص للمساعدة في تطوير لقاح ضد فيروس كورونا، وتمويل البحوث المتعلقة بتشخيص وعلاج المرض، حيث قدّم أكثر من 30 دولة، إلى جانب عددٍ من هيئات الأمم المتحدة والهيئات الخيرية ومعاهد ومراكز البحوث، تبرعات للتوصل إلى دواء ولقاح ضد الوباء العالمي.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد أطلقت يوم 24 أبريل2020، مبادرة «تاريخيّة» تجمع عدة دول، بينها فرنسا وألمانيا، لتوفير الدعم المالي اللازم لتسريع إنتاج اللقاحات والعلاجات الخاصة بالفيروس، وهو ما وصفه رئيس المنظمة تيدروس غيبريسوس، بأنه يمثل «تعاونا تاريخيا ضد كوفيد-19»، وأن «هذه الدعوة تسلط الضوء على مصداقية الاتحاد الأوروبي كقوة دولية مسموح فيها بالتعامل مع الجائحة».
وفي الوقت الحالي، تقوم العديد من الدول باختبارات حول علاجات ولقاحات للفيروس. وهناك 47 دولة تخضع الآن لتجربة علاجات محتملة، ويتم العمل مع العلماء في جميع أنحاء العالم على تطوير ما لا يقل عن30 لقاحًا مختلفا، بعضها دخل بالفعل مرحلة التجارب السريرية. وفي هذا الإطار قالت المديرة الفنية لبرنامج الطوارئ في منظمة الصحة العالمية، «ماريا فان كيرخوف»: إن «تسريع هذه العملية ضروري، بالاستعانة بالعمل الذي بدأ مع فيروس سارس». وبلغ عدد الدراسات التي أجرتها دول العالم باختلافها لإنتاج لقاح للفيروس حوالي (440) دراسة؛ منها (60) أجرتها الولايات المتحدة، و(51) الصين، و(28) فرنسا، و(15) إيطاليا، و(10) المملكة المتحدة، و(10) ألمانيا، و(11) كندا، و(6) إسبانيا، واليابان دراسة واحدة.
وعلى الرغم من أن الأموال المخصصة لهذا لصندوق تعد تأكيدا على التزام جميع المعنيين بالصحة العامة، فمن المهم ملاحظة أن التبرعات من الحكومات والمؤسسات غالبا ما تتطلب إعادة تخصيص الأموال من المبادرات الأخرى؛ فقد أصبح تعهد «الاتحاد الأوروبي» ممكنا لنقل 600 مليون يورو من برنامج أبحاث «هورايزون» 2020 و80 مليون يورو أخرى من صندوق إدارة الكوارث. 
وبشكل عام، اختلفت هذه التبرعات بشكل كبير في الحجم؛ ففي حين تعهدت رومانيا بمبلغ 200.000 دولار، خصصت كندا 850 مليون دولار للصندوق. وجاءت أكبر التبرعات الفردية من فرنسا بمبلغ 1.5 مليار يورو، والمفوضية الأوروبية 1.4 مليار يورو. والنرويج 1.1 مليار دولار، واليابان 762 مليون يورو. وقدمت كل من السعودية وألمانيا على حد سواء 500 مليون يورو، في حين أن بريطانيا قدمت مبلغ 750 مليون جنيه استرليني والاتحاد الإفريقي 1.2 مليار دولار وقد وصل حجم التبرعات حتى اليوم 8.5 مليارات دولار. وخارج الحكومات، قدمت كل من مؤسسة «بيل وميليندا جيتس»، ومؤسسة «ويلكوم ترست»، مساهمات بقيمة 50 مليون دولار. ومن المرجح أن ترتفع الحصيلة النهائية لهذا الصندوق، حيث تم تمديد نافذة الوفاء بالتعهدات حتى أواخر مايو 2020، بسبب بعض الدول التي تتطلب موافقة مجلس الوزراء أو البرلمان على مثل هذه التبرعات الكبيرة. يذكر أن من بين قادة العالم الذين شاركوا في هذه القمة الملك الأردني عبدالله الثاني الذي قد شرحًا وافيًا عن جهود المملكة في محاربة هذا الوباء والنجاحات التي حققتها المملكة في هذا الخصوص.
وتقسم عائدات الصندوق لدعم أهم أجزاء المعركة العالمية ضد فيروس كورونا؛ حيث ستُخصص 4.4 مليارات يورو لتطوير لقاح، و2.2 مليار يورو للبحث عن العلاجات، و1.6 مليار يورو لإنتاج أجهزة اختبار إضافية. وعلى مدى العامين المقبلين سيتم إنفاق هذه الأموال بهدف توفير وصول عالمي وبأسعار معقولة إلى الأدوية للعالم بأسره. ووفقًا للخطة التي اتفق عليها القادة الأوروبيون في بيان لهم قبل جمع التبرعات: «سيتم توجيه كل يورو أو دولار واحد بشكل أساسي من خلال منظمات صحية عالمية معترف بها مثل «تحالف ابتكارات التأهب الوبائي» و«التحالف العالمي للقاحات والتحصين» و«تحالف اللقاحات»، بالإضافة إلى «الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا لتطوير ونشر في أسرع وقت ممكن، لأكبر عدد ممكن من اللقاحات التي ستساعد العالم في التغلب على الوباء».
ومع ذلك، تشكل هذه المبادرة، جزءًا صغيرًا من إجمالي المبالغ المطلوبة لإنتاج لقاح عالمي ضد «كوفيد-19»، والذي يقدر بحوالي 25 مليار دولار. ومن المهم أيضًا التأكيد على أن هذه المبالغ لن تغطي إلا المراحل الأولى من خطة المكافحة، وأن تصنيع وتوزيع الأدوية واللقاحات على نطاق واسع يتطلب المزيد من الاستثمار بشكل كبير. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، «أورسولا فون دير لاين» بعد الاجتماع: «كل هذه الأموال ستساعد في دفع تعاون عالمي غير مسبوق، وستجلب المنفعة العامة حقًّا؛ ولكن ستكون هناك حاجة إلى المزيد من المساهمات المالية في المستقبل». ومع ذلك فقد أعلنت أن «4 مايو سيشكل نقطة تحول في معركتنا ضد الفيروس التاجي لأن العالم يتحد اليوم». وعلى الرغم من أن المبادرة تمثل عرضًا للتعاون الدولي الذي تشتد الحاجة إليه في وقت الأزمات، ورغم «كونها عرضا نادرا لتولي زمام القيادة العالمية من جانب الأوروبيين، إلا أنها جاءت في ساعة متأخرة للتنسيق الدولي وتكاتف الجهود».
وفي حين أن التعاون العالمي في تطوير عقاقير ولقاحات سيفيد الجميع، ويقدم أفضل الفرص لاختبار العلاجات المحتملة في إطار زمني أقل يمكن من خلاله إنقاذ الكثير من الأرواح، فإن غياب القوى المالية والجيوسياسية الرائدة عالميًا؛ مثل الولايات المتحدة وروسيا والهند والبرازيل، يهدد بتقويض روح التعاون العالمي التي تهدف حملة التبرع إلى إطلاقها. ومع رفض هذه البلدان التعاون مع أي من الشركاء الدوليين، سيتم تأخير عمليات البحث وتطوير أي علاجات جديدة من دون داعٍ. 
ولتعليل عدم حضورها، كررت «واشنطن»، مزاعمها السابقة بأنها أكبر مساهم في مكافحة الفيروس. وأنها أنفقت حتى الآن 2.6 مليار دولار على البحث وتطوير لقاحات من خلال هيئة البحث والتطوير الطبي التابعة لوزارة الصحة والخدمات البشرية. ومنذ بداية الأزمة، مثّل رفض الولايات المتحدة الاشتراك في المبادرات العالمية والاستجابة الدولية للفيروس التاجي، ركيزة ملحوظة. وبدلا من مساعدتها المجتمع العالمي، اتُهمت إدارة «ترامب» بنشر الفُرقة وتقويض جهود الصحة العامة العالمية. ففي مارس 2020، اتُهمت بمحاولة جذب شركة الأدوية الألمانية «كيورفاك» لتقديم أدوية حصرية لعلاج الفيروس التاجي بالولايات المتحدة. بعد ذلك قامت بتجميد تمويل بلادها لمنظمة الصحة العالمية، والبالغ 400 مليون دولار. 
واضح تمامًا أن الولايات المتحدة يقودها رئيس يجسد الرغبات الأساسية للسيادة قبل كل شيء، وأن أي تعاون دولي يشارك فيه يجب أن يكون بحزم شديد يصب في مصلحة الولايات المتحدة، كما يقول العديد من المعلقين. ومن جانبها انتقدت رئيسة الوزراء النرويجية، «إرنا سولبرغ»، غياب واشنطن، مُشيرة إلى تأثير ذلك على الجهود العالمية في البحث عن لقاح، قائلة: «من المؤسف أن واشنطن ليست جزءًا من الجُهد العالمي، عندما تكون هناك أزمة فإنك تديرها وتفعلها بالاشتراك مع الآخرين».
وبالفعل، يهدد رفض «واشنطن»، الاستجابة للمبادرات الدولية لإنتاج لقاح وعلاجات محتملة للوباء بإبطاء وتيرة تلك العمليات. وبصفتها موطنًا لأكبر شركات الأبحاث الصيدلانية والطبية العالمية، فإن إغلاق فرص التعاون مع الحلفاء والشركاء الدوليين يمثل سابقة خطيرة في التعامل مع أي حالات طوارئ مستقبلية، وذلك على الرغم من إدراكها أنه لا فائدة قد تجنيها من وراء مشاحناتها الجيوسياسية أمام شدة وشراسة الأزمة الصحية العالمية الراهنة. 
ومع ذلك، لم تكن الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة التي امتنعت عن الالتزام بتمويل مبادرة المفوضية الأوروبية، فقد غابت روسيا أيضا، مع العلم أنها تسجل أعلى عدد إصابات في القارة الأوروبية حاليًا. وحتى 7/5، سجلت موسكو حوالي 165.929 حالة إصابة مؤكدة، وبلغ عدد الوفيات 1.537 حالة. وعلى الرغم من مشاركة الصين لكنها لم تقدم أي وعود مالية، وكررت أنها التزمت بتقديم 30 مليون دولار لتمويل منظمة الصحة العالمية لمواجهة الأزمة. 
وعلى الرغم من ذلك، يجري السباق لتطوير علاجات بسرعة كبيرة من قبل الشركات والوكالات الحكومية في جميع أنحاء العالم. ومازالت التجارب السريرية على الأدوية المحتملة جارية في الغالب بشرق آسيا وأوروبا الغربية وأمريكا الشمالية. وفي الوقت الذي تكافح فيه منظمة الصحة العالمية للتعامل مع الطلب المتزايد على الأدوية، تعتمد كثير من البلدان على الشركات المصنعة والمختبرات في القطاع الخاص لتطوير عقاقير جديدة. وأبرز «كريستوس كيراتسوس» من شركة «ريجينيرون»، وهي شركة أمريكية للتكنولوجيا الحيوية، الحاجة إلى الحصول على بيانات حول العلاجات المحتملة قبل طرحها على نطاق واسع للاستخدام العام. وبحسب صحيفة «فاينانشال تايمز»، فإن «التحدي الآن هو إيجاد أفضل وأسرع طريقة لمعرفة ما إذا كانت العلاجات فعالة في الاختبارات، لأنه إذا كانت البيانات إيجابية فإنه يمكننا توسيع نطاق الوصول إليها، والتي ستكون منقذة للحياة».
غير أنه من المهم التأكيد على أنه على الرغم من هذه الجهود فإنه قد لا يتم تطوير أي لقاحات في نهاية المطاف. وكان «ينس شبان»، وزير الصحة الألماني، قد استبق هذه المبادرة، بالإشارة إلى أن تطوير اللقاح قد يستغرق شهورا أو سنوات، مؤكدا أن هناك علماء وخبراء كانوا أكثر وضوحا، أو أقل تفاؤلا، وتوقعوا ألا يظهر اللقاح على الإطلاق. مشيرًا إلى أن هناك بدايات واعدة، لكن تطوير اللقاحات والأمصال هو «الشيء الأكثر تحديا للشيء الأكثر صعوبة».
وحتى عام 2020، لم يكن هناك لقاح معتمد مضاد لفيروس «سارس»، الذي قتل ما يقرب من 800 شخص في بداية القرن الحادي والعشرين. كما أن العديد من الشركات المعنية بتطوير الأدوية تنتابها حالة من الحذر والتخوف من مغبة الإفراط في إنتاج كثير من اللقاحات لكونها قد تعاني من عواقب مالية قد لا يحمد عقباها. كما أنه لم يتم تطوير اللقاحات الخاصة بالتصدي لانتشار فيروسي «إيبولا»، و«زيكا» السابقين بالسرعة الكافية جراء بدء تضاؤل أعداد المصابين وإلغاء رواد صانعي الدواء لعقودهم المبرمة، فضلا عن أن مسألة طرح أدوية جديدة تثير تساؤلات حول طول فترات التجربة والاختبار لها. وعلى الرغم من ادعاءات الرئيس «ترامب» بأن اللقاح يمكن أن يكون متاحًا قبل نهاية عام 2020، إلا أن هذا يبدو غير مرجح على وجه الخصوص نظرًا إلى رفض حكومة الولايات المتحدة التعاون دوليًا في هذا الصدد.
على العموم، تمثل المبادرة الأوروبية المشكورة فرصة حقيقية لتطوير عقاقير ولقاحات لمكافحة انتشار «كوفيد-19». ويبقى واضحًا أن الجهود الأحادية لن تؤدي إلا إلى إعاقة مستوى الاستجابة الدولية للقضاء على الفيروس، وأن الانقسامات بين الدول على الصعيد السياسي كفيلة بتشتيت انتباه المؤسسات المعنية بإيجاد اللقاح المناسب، وتشكل أيضًا خطرًا محدقًا على الصحة العامة، هو ما يشير إلى ضرورة التضامن وتنحية الخلافات والمصالح جانبا، وضرورة التنسيق في مواجهة هذه الجائحة. 

 

{ انتهى  }
bottom of page