11/10/2019
«الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020 بين التغيرات المحلية والآثار الدولية»
تعد الانتخابات الرئاسية لعام 2016 واحدة من أهم الانتخابات التي أُجريت في التاريخ الأمريكي، نظرًا إلى ما نتج عنها من فوز الرئيس الحالي «دونالد ترامب» ذي التوجه اليميني المتشدد، صاحب الآراء غير التقليدية، سواء فيما يتعلق بالسياسة الداخلية أو الخارجية، حيث سعت إدارته إلى إعادة تشكيل مكانتها في العالم كقوة انعزالية، تدعم سياسات الهوية والاستقطاب والحمائية الاقتصادية والعولمة، وتتجنب التدخل في الشؤون الخارجية، وهو ما جعل أمريكا تفقد كثيرا من مقوماتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية في الخارج، مع وصول حالة الاستقطاب السياسي الداخلي إلى مستويات لم تشهدها منذ ستينيات القرن الماضي.
وفي إطار هذا الواقع ستحدد الانتخابات الرئاسية القادمة في نوفمبر2020 ملامح مستقبل الولايات المتحدة، سواء بإعادة انتخاب «ترامب» لفترة ثانية -وهو ما يعني مزيدا من السياسات السابق ذكرها- أو بفوز أحد المرشحين الثلاثة المنافسين؛ «جو بايدن»، «إليزابيث وارين»، «بيرني ساندرز»؛ وهو ما سيكون معه عام 2020, هو عام استعادة السياسة الأمريكية التقليدية، لتكون فترة «ترامب» مجرد حالة شاذة في التاريخ السياسي الأمريكي الحديث.
ولأهمية هذه الانتخابات عقد «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، بلندن، ندوة يوم 17/ 9, بعنوان، «الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020.. التغيرات المحلية والآثار الدولية»؛ بهدف تناول الخيارات المتاحة في كيفية تشكيل السباق الرئاسي، وما قد يكون له من آثار عالمية، أدارتها «كوري شاك»، و«دانا ألين»، الخبيرتان في السياسة الخارجية والداخلية للولايات المتحدة، وحضرها عدد من السياسيين والأكاديميين والدبلوماسيين والإعلاميين والمهتمين بموضوعها.
وعلى الرغم من أن «كوري شاك» من الحزب الجمهوري، وسبق أن شغلت عددًا من المناصب العليا في وزارتي الدفاع والدولة ومجلس الأمن القومي، إلا أنها انتقدت بشدة الرئيس الحالي واتجاهاته الإيديولوجية. وترى أن احتمالية فوزه ضئيلة؛ كرئيس مثير للجدل، شرع في مبادرات اقتصادية ضارة مثل إشعال حرب تجارية مع الصين وتشجيع البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على رفع أسعار الفائدة، وينظر إليه على أنه مثير للانقسام في سياساته العنصرية، ويتلقى باستمرار تقييمات منخفضة في نتائج استطلاعات الرأي.
ووفقًا لموقع «فايف ثيرتي أيت» يعتقد الكثير من الأمريكيين أنه «يؤدي وظيفة سيئة كرئيس، بدلاً من أن يقوم بعمل جيد، حيث يوجد حوالي 54% يعارضون أداءه، بينما 42% يوافقون على سياسته». فيما لا يزال مستقبله قاتما عندما تطلب استطلاعات الرأي من الناخبين تحديد تفضيلهم بينه وبين المرشحين الديمقراطيين البارزين. ووفقًا لاستطلاع أجرته صحيفة «واشنطن بوست»، وشبكة «ايه بي سي»، فإن «55% من المشاركين سيصوتون لصالح «بايدن»، و40% لترامب، فيما زادت «ساندرز» بنسبة أعلى 9% على ترامب، وحققت «وارين» تقدمًا بنسبة 7%».
ومع ذلك لفتت «شاك» إلى أن هذا الاحتمال قد يكون في غير محله. فمن المقرر إجراء الانتخابات في نوفمبر 2020, أي بعد حوالي 14 شهرًا من الآن، وهو ما «يشكل وقتًا طويلاً في السياسة الأمريكية»، التي من الممكن أن تشهد متغيرات على الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية القائمة اليوم، تغير رأي الناخبين، أو أن يؤدي تراجع أداء المرشحين الآخرين إلى رفع تصنيفات الرئيس الحالي، ما يمكنه من الفوز.
وعلى عكس شاك، قدمت «ألين»، حُججًا تشير إلى أن فوز ترامب بفترة ثانية هو أمر وارد جدًا، إن لم يكن أكيدًا، وهو الافتراض القائم على أن استطلاعات الرأي في المجتمعات الديمقراطية غالبًا ما تكون مؤشرًا ضعيفًا على ما تُسفر عنه النتائج النهائية، بدليل ما أسفرت عنه (الانتخابات الرئاسية لعام 2016, واستفتاء بريكست لعام 2016, والانتخابات العامة البريطانية لعام 2017, والانتخابات الفيدرالية الأسترالية لعام 2019), فضلاً عن وجود عدد من الحقائق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتي تضمن استمرار ترامب في السلطة؛ فالاقتصاد الأمريكي في الوقت الحالي يُعد مُرضيا.
وغالبا ما كان هذا المعيار -وما يتصل به من مؤشرات، مثل «تراجع معدلات البطالة وانخفاض التضخم، ونمو الأجور»- هو ما يرسم مصير المُرشحين الموجودين بالفعل في السلطة، كما أنه لا يوجد ما يشير إلى أن عام 2020 سيحمل أي اختلاف. يقول «ديلان سكوت»، في شبكة «فوكس»: إن «الاقتصاد المزدهر يمكن أن يُمثل طوق النجاة لدونالد ترامب»، وعلى الرغم من تنامي إيديولوجية (سياسات الهوية) منذ عام 2016 فلا يزال من المرجح تصويت الناخبين له؛ نظرًا إلى ما حققه من نمو مطرد من دون حدوث انهيار اقتصادي أو ركود.
بالإضافة إلى ذلك يتمتع ترامب بميزة كونه في السلطة بالفعل. وهي الظاهرة السياسية التي تطغى على الناخبين في أمريكا وفي جميع أنحاء الغرب بشكل أوسع. فمنذ عام 1945, ومن بين الرؤساء التسعة الذين سعوا الى الفوز بفترة ولاية ثانية، نجح ستة منهم، كما أن البقاء في البيت الأبيض فترتين هو القاعدة. ويرجع هذا في الغالب إلى حقيقة خشية الناخبين من المخاطرة بانتخاب مرشح له أجندة راديكالية مثل «ساندرز ووارين», والتي من شأنها أن تؤدي إلى فقدانهم الأمان. ويوضح «ياشا مونك» في مجلة «ذا أتلانتيك»: «أضحى ترامب نوعيًا شخصا معروفة آراؤه»، وبالتالي فمن الصعب تخيل نجاحهم فجأة في تغيير رأي معظم الأمريكيين.
وفي الإطار ذاته حاولت «ألين» تدعيم موقف ترامب مرة أخرى بتركيزها على عوامل الضعف لدى المرشحين الآخرين، حيث قسمتهم إلى فئتين؛ الأولى: «مصلحو الجذور والفروع»، تتكون من «ساندرز ووارين»، الراغبون في إحداث ثورة في السياسة الأمريكية والمجتمع من خلال اتباع سياسة يسارية، تتضمن الدعوة إلى إصلاح شامل للمؤسسات الرأسمالية الأمريكية، مثل الرعاية الصحية، وإقرار حد أدنى للأجور؛ إلى جانب مبادرات أخرى مثيرة للجدل، مثل زيادة السيطرة على السلاح وتحرير إجراءات الهجرة. وبالنظر إلى أن المجتمع السياسي الأمريكي بشكل عام محافظ، لا سيما عند مقارنته ببلدان مثل كندا وبريطانيا وفرنسا، فإن الكثير من الناخبين ينظرون إلى «ساندرز ووارين»، نظرة استهجانية. وبحسب مجلة «الا يكونوميست»، فإن «الولايات المتحدة ليست على وشك الخضوع لثورة اشتراكية، والأمر لا يعدو كونه تنوعا إيديولوجيا لدرجة أن فلسفة الفردية السياسية باتت متجذرة بعمق في الثقافة السياسية للبلاد».
وبهذا المعنى فإن منافس ترامب الوحيد القوي هو «جو بايدن»، والذي يمثل الفئة الثانية. ومن الناحية الإيديولوجية من المرجح أن يجذب نهجه واعتداله وحنكته التفاوضية مجموعة أوسع من الناخبين والديمقراطيين الاشتراكيين على حد سواء، ما يفسر تقدمه بنسبة 15% على ترامب في استطلاعات الرأي. ومع ذلك فقد أشارت «شاك» إلى أن «شخصية بايدن وخصائصه تجعل من فوزه في سباق الرئاسة أمرا بعيد المنال». وكما أوضح آخرون «عندما يتحدث غالبًا ما تكون خطاباته تفتقد للتماسك والترابط؛ ولديه تاريخ مشكوك فيما يتعلق بسياساته وخياراته الشخصية، مما يعرضه دومًا للانتقاد. وغالبا ما يكون التأييد الذي يحظى به يرجع إلى إعجابهم به خلال فترة عمله كنائب للرئيس السابق باراك أوباما، على الرغم من كم إخفاقاته وقتئذ. ومن ثمّ، خلصت كل من «شاك وألين»، إلى أن الديناميات والتغيرات الداخلية على الساحة السياسية في الوقت الحالي تشير إلى أن ترامب سيضمن إعادة انتخابه في نوفمبر2020.
وخلال الندوة تطرق أحد الحضور إلى التساؤل عن طبيعة العلاقات الأمريكية الإيرانية، وما إذا كان هناك توقع أن يجتمع ترامب مع روحاني قبل الانتخابات من أجل تعزيز صورته بين الناخبين كمفاوض جيد له رؤية، وهو ما أجابت عنه «ألين» بقولها: «لا أعتقد ذلك، فالأجواء بين الجانبين معادية في الوقت الحالي». بينما كانت «شاك» أكثر تفاؤلاً، حيث أشارت إلى أن ترامب يحب الظهور تحت دائرة الضوء وقد يحاول عقد اجتماع مع المسؤولين الإيرانيين؛ كما فعل في قممه السابقة مع الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وعلى الرغم من اختلافهما في الرأي حول هذه المسألة، فقد اعترفا بأهمية الملف الإيراني كأولوية لترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وبأن عدم رده عسكريًا على الهجمات الإيرانية الأخيرة على منشأتي أرامكو في السعودية؛ سيكسبه المزيد من الأصوات خلال سباق 2020. يوضح «جون هالبين»، من «مركز التقدم»، الأمريكي، «إن الناخبين الأمريكيين باتوا مرهقين بعد عقود من التدخل العسكري في الشرق الأوسط، ويرغبون في التركيز على أولويات الاستثمار الموجهة أكثر نحو تطوير البنية التحتية المحلية والفرص الاقتصادية، ويتفق مع رفض هذا التدخل 44% من أصوات الديمقراطيين و41% من المستقلين على حد سواء».
ومع أن التصعيد العرضي لا يزال احتمالا؛ لكن الصراع الحقيقي مع إيران لم يعد هدف الرئيس ترامب في الوقت الراهن. ومن غير المرجح أن يتغير هذا في حالة فوزه، بالنظر إلى رغبته الواضحة في خلق إرث يحتوي على إبرام اتفاقات ثنائية مع دول أخرى مثل كوريا الشمالية وغيرها. ومع ذلك، وكما ذكّرت كل من «ألين، وشاك»، فإنه بالإمكان أن تتغير السياسة الأمريكية برمتها في فترة قصيرة على يد دونالد ترامب. وربما كانت هذه هي الرسالة الأساسية الأكثر أهمية في حديثهما خلال الندوة. ومن المرجح أن تكون الانتخابات، بغض النظر عن نتيجتها النهائية، إجراء له تأثيره القوي على السياسة الأمريكية والدولية.