top of page
28/5/2020

ندوة في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن تناقش: كيفية رسم خريطة للجائحة.. والحفاظ على الأمن في بريطانيا

قدمت جائحة كورونا إلى وكالات إنفاذ القانون في جميع أنحاء العالم سلسلة من التحديات الجديدة التي أضيفت إلى الواجبات اليومية لمنع الجرائم والتحقيق فيها. ففي هذه الأوقات غير المسبوقة، تم تكليف قوات الشرطة في المملكة المتحدة بضمان التزام المواطنين بتوجيهات الصحة العامة. وبينما تؤدي الشرطة واجبات التنفيذ الجديدة، فإن تحديات الجريمة المنظمة والتهديد الحالي للإرهاب تلقي بثقلها على قوات إنفاذ القانون والمحللين.

 

وكاستجابة لهذه التحديات، عقد «المعهد الملكي للخدمات المتحدة للدراسات الأمنية والدفاعية» (RUSI)، بلندن، ندوة عبر الإنترنت، يوم 14 مايو؛ بعنوان: «رسم خريطة للجائحة.. والحفاظ على الأمن في المملكة المتحدة خلال أزمة كوفيد-19»؛ بهدف تحليل دور الشرطة أثناء الجائحة، ومدى تأثير الأخيرة في ظهور تحديات جديدة مثل: الاحتيال والجرائم السيبرانية والاتجار بالمخدرات، وتوقع المخاطر المحتملة لزيادة التطرف خلال فترة الإغلاق. ضمت الندوة خبراء في الجريمة المنظمة والشرطة ومكافحة الإرهاب، وترأسها «جوناثان إيال»، المدير المساعد لشراكات البحث الاستراتيجي بالمعهد، وتحدث فيها «ريتشارد والتون»، الخبير في قسم مكافحة الإرهاب (SO15)، و«كيث ديتشام»، مدير مجموعة أبحاث الجريمة المنظمة والشرطة.

 

في البداية، أشاد «والتون» برد فعل قوات الشرطة البريطانية على التهديد الأمني لفيروس كورونا، والنجاح الواسع النطاق في تطبيق إرشادات الصحة العامة الحكومية من دون اللجوء إلى أساليب صارمة، ووصفه بأنه «ذات مستوى عالمي»، مشيدا بهذه السياسة، التي جعلت تعاملها يعد سببا «للاحتفال بنموذج الشرطة البريطاني»، قائلا: إن «قوات الشرطة نجحت في الموازنة بين فرض إجراءات الإغلاق وتجنب رد الفعل الذي حدث في الدول الأوروبية الأخرى».

 

ونظرا إلى أن فيروس كورونا يعد حالة طارئة للصحة العامة، فقد كان دور الشرطة هو دعم الخدمة الصحية؛ من خلال قيامها بدوريات تضمن الالتزام بإجراءات الإغلاق والتباعد الاجتماعي. وبالنسبة إلى الأغلبية، يمكن وصف عملها بأنه «يتسم بالحذر وضبط النفس بدلا من تنفيذ العقوبة». ودعم «ديتشام» هذا النهج المتمثل في «الحفاظ على الأمن عن طريق التراضي»، والذي يعتمد على «الحس المشترك بين الشرطة والعامة»، وأوضح أن الموقف المتحفظ لها جنب استخدام «تدابير أكثر تشددا» لضمان الامتثال للمبادئ التوجيهية الحكومية.

 

وتنعكس مزايا هذا النهج في عدد قضايا الغرامات؛ حيث تم إصدار أقل من 9000 غرامة حتى الآن، مقارنة بأكثر من 915.000 صادرة في فرنسا، و869.000 في إسبانيا خلال فترة زمنية مماثلة. وقد يشير هذا إلى أن الشرطة البريطانية أصبحت أكثر تساهلا فيما يتعلق بانتهاك القواعد؛ لكنه يعكس أيضا تشدد قوات الشرطة الأوروبية. ودعم «والتون» نهج إصدار عدد أقل من الغرامات؛ قائلا: إنه «ساعد أيضا في التماسك الاجتماعي وخفض الاحتجاج». وعلى الرغم من أنه أدرك أن بعض القوات كانت مفرطة في استخدام هذا النهج، فإنه تمت الإشارة إلى الاستخدام «المبالغ فيه» للطائرات بدون طيار من قبل شرطة «ديربيشاير» في فرض إجراءات الإغلاق؛ لكن في النهاية نجح النمط العام لقوات الشرطة في تطبيق المبادئ التوجيهية للصحة العامة.

 

وتتمتع الشرطة البريطانية بالعديد من نقاط القوة التنظيمية. وعملت خطة تعبئة الشرطة الوطنية بنجاح مع عدم وجود حاجة كبيرة لإعادة تخصيص القوات في جميع أنحاء البلاد. ولدى المملكة المتحدة خطة منذ عام 2017 لأزمة على غرار الجائحة، واستجابات جرى التدرب عليها جيدا؛ ولكن «لم يعتقد أحد أن هذه التدابير ضرورية»؛ بسبب عدم إمكانية حدوث مثل هذه الأحداث، فضلا عن أن «التنسيق كان جيدا» بين الشرطة البريطانية والوكالات الحكومية الأخرى.

 

علاوة على ذلك، سمح انخفاض معدل الجريمة، للشرطة بتركيز المزيد من الاهتمام على إجراءات مكافحة الفيروس. ففي أبريل 2020، انخفضت الجريمة بنسبة 28%. وشمل ذلك انخفاضا بنسبة 37% في جرائم السطو، و27% في جرائم المركبات، و54% في سرقة المتاجر. وبالمثل، انخفضت معدلات الجريمة في جميع أنحاء العالم، حيث انخفض معدل القتل في جنوب إفريقيا من 326 إلى 4، وكذلك في ولاية ميسوري الأمريكية، إلى 47 من 194 مقارنة بالعام الماضي. ومع انخفاض معدلات الجريمة، اعتبر «والتون»، أن الشرطة قد تمكنت من الحصول على قسط من الراحة في بعض المناطق وإنهاء القضايا المتراكمة السابقة. فيما كان متفائلا بتجنب تجدد الجريمة. ومع ذلك، أكد على ضرورة قيام الشرطة «بأخذ زمام المبادرة» عن طريق «استعادة الشوارع» من العصابات الإجرامية.

 

ومن جانبه، وافق «ديتشام» على أن النهج «الهادئ» الذي تتبعه سلطات إنفاذ القانون أثناء الجائحة، قد أعطى «إشارات إيجابية للمستقبل» في مكافحة «الجريمة المنظمة»، مؤكدا أنها «ارتفعت إلى مستوى التحدي». وعلى الرغم من انخفاض معدلاتها، لا يزال الاحتيال عبر الإنترنت والجرائم الإلكترونية مستمرا، حيث «تفرض الجائحة تطورا في الأساليب الإجرامية». وكانت «كاثرين دي بول»، المديرة التنفيذية لجهاز الشرطة الأوروبية «اليوروبول»، قد قالت: إن «المجرمين استغلوا الأزمة وكيفوا أساليب عملهم أو طوروا أنشطة إجرامية جديدة»، مشيرة إلى «صعوبة محاربة مثل هذه الجماعات أثناء الجائحة؛ وذلك لسرعتهم في التكيف مع التحديات الجديدة وتقييد وكالات إنفاذ القانون في أفعالها وتحقيقاتها من خلال الولاية القانونية والحدود الوطنية».

 

وخلال الأزمة، كان هناك انتشار متزايد لعمليات الاحتيال والجرائم الإلكترونية؛ نظرا إلى حالة الطوارئ الصحية العامة، وكان هناك قلق خاص يتعلق ببيع معدات الحماية الشخصية المزيفة والمنتجات الصيدلانية، التي ارتفع الطلب عليها بشكل غير مسبوق، كما تزايد الاحتيال، وسعى المحتالون إلى الاستفادة من التدابير الحكومية التي تهدف إلى حماية سبل عيش العمال في المملكة المتحدة، حيث استهدفوا برنامج الحكومة للاحتفاظ بالوظائف المرتبط بالجائحة. وتم تسجيل ما يقرب من 800 تقرير عن عمليات احتيال مشتبه بها. ويغطي المخطط حاليًا 80% من الأجور لـ7.5 ملايين شخص في بريطانيا. ومع تمديده حتى أكتوبر 2020، يتزايد احتمال وقوع المزيد من وقائع الاحتيال.

 

وفيما يتعلق بالجرائم الإلكترونية، أوضح «ديتشام»، أن الجائحة جعلت هناك تركيزا على عمليات الاحتيال عبر الإنترنت. ومع وجود ملايين البريطانيين عالقين في منازلهم جراء إجراءات الإغلاق، بقي القليل من الخيارات أمام عصابات الجريمة لتحقيق مكاسب. وظهرت أنماط عديدة من عمليات الاحتيال على «الإنترنت المظلم». ومثلت الحكومة البريطانية وجهة شائعة للمحتالين لخداع ضحاياهم، وتم اعتماد المزيد من الحيل المموهة بشعار الحكومة عبر رسائل البريد الإلكتروني ومواقع الإنترنت الخاصة بالمحتالين أكثر من أي شكل آخر من الخداع، بما في ذلك عروض وهمية للتخفيضات الضريبية التي تتطلب من الضحايا تقديم معلومات خاصة عن حساباتهم المصرفية.

 

وعلى الرغم من ذلك، يظل تحديد حجم الاحتيال عبر الإنترنت والجرائم الإلكترونية عملية صعبة للغاية. مع ملاحظة أنه تم الإبلاغ عن ثلث هذه الحالات فقط، وغالبًا ما تكون الأرقام الرسمية «غير دقيقة على الإطلاق»، كما أن الطبيعة السرية للنشاط الإجرامي لجماعات الجريمة المنظمة تجعل من الصعب الحكم على ثرواتها وأنشطتها المستقبلية. وعندما سئل «ريتشارد والتون»، عما إذا كان التعاون بين وكالات منع الجريمة فعالا بما فيه الكفاية في ضوء هذه التحديات، أصر على أن بريطانيا تمتلك شبكة استخبارات جيدة جدا لمنع الجريمة المنظمة، مع تحديثات منتظمة لخدمات الشرطة من قبل الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة.

 

وبالإضافة إلى الجرائم الإلكترونية، سلط «ديتشام»، الضوء على سيناريوهات بارزة، حيث أُجبرت العصابات الإجرامية على تكييف عملياتها في ضوء انتشار الوباء. وترى عصابات المخدرات في الأمريكتين أن الوباء بات يمثل تهديدًا وجوديًا لأرباحها في ظل الحدود المغلقة وتأثير تقلص التجارة الدولية على فرص هؤلاء المجرمين في التهريب. ونتيجة لذلك، أصبح نقل المخدرات أكثر خطورة، وخاصة مع نقل شحنات أكبر في وقت واحد. وفي نهاية مارس، اعترضت البحرية الكولومبية غواصة مخدرات تحمل طنًا من الكوكايين، ولم يكن هذا حادثًا منفردًا، حيث تم الإبلاغ عن أحد عشر حادثًا مشابهًا في وقت سابق من عام 2020 وحده. وفي بريطانيا، لم تمنع إجراءات الإغلاق والابتعاد الاجتماعي تجارة المخدرات غير القانونية والمعروفة باسم تجارة «خطوط المقاطعات»، والتي تعني «قيام العصابات بنقل المخدرات خارج المناطق الحضرية إلى المدن الصغيرة أو القرى»، فلا يزال بمقدور التجار إخفاء أنفسهم على أنهم عمال الخدمات الأساسية أو على أنهم خارج منازلهم للتريض، ومن ثم لا يزال بإمكانهم القيام بأنشطتهم غير القانونية.

 

وفيما يتعلق بالهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، أوضح أن إغلاق الحدود الدولية لا يصل إلا إلى «حدود مغلقة جزئيا»، بالنظر إلى إتقان العصابات الإجرامية استغلال أمن الحدود الوطنية في جهود التهريب. ومع ذلك، ارتفعت تكاليف الهجرة غير الشرعية من المهربين في الأمريكتين. وفي أوروبا، أثارت محنة المهاجرين الذين يلتمسون اللجوء في الاتحاد الأوروبي تساؤلات حول حاجة الحكومات إلى تأمين رفاهية المهاجرين الذين ينتظرون التأكيد أو رفض الدخول. وتحذر «ديميترا كالوجيروبولو»، من لجنة الإنقاذ الدولية من أن: «اللاجئين الذين يعيشون في المخيمات يحظون بوسائل محدودة لحماية أنفسهم من فيروس كورونا؛ وإذا وصل إلى المخيمات، فإن الاكتظاظ الشديد وغياب الصرف الصحي المناسب يعني أنه سينتشر بسرعة».

 

وفي حين أن هناك قلقا مستمرا بشأن الأمن القومي من الإرهاب، أشار «والتون»، إلى زيادة عالمية في الهجمات الإرهابية خلال الوباء. وخلال الأسابيع الأخيرة، تصاعدت هجمات حركة طالبان في أفغانستان، وتم تنفيذ ما يصل إلى 55 هجومًا في اليوم منذ بداية مارس في الدولة الواقعة بوسط آسيا، كما أن «داعش» و«بوكو حرام» كانا نشطين للغاية خلال الأزمة، لكن هجماتهما لم تحظ بالاهتمام الإعلامي الذي كان سيحصلان عليه سابقًا. ويقر قائد مكافحة الإرهاب السابق، بأن طرق مكافحة الإرهاب أكثر صعوبة في المملكة المتحدة أثناء الوباء بناء على انخفاض القدرة على المراقبة وجمع المعلومات الاستخبارية. ومع ذلك، فقد نُفذت اعتقالات ملحوظة. ففي 21 أبريل، تم اعتقال عبد المجيد عبدالباري، أحد أكثر الإرهابيين المطلوبين في بريطانيا الذين قاتلوا مع تنظيم في سوريا. وفي 8 مايو، اعتقلت الشرطة الإسبانية رجلا مغربيا في مدينة برشلونة على صلة بداعش؛ ويعتقد أنه كان يخطط لشن هجوم.

 

وردا على سؤال حول احتمال زيادة وتيرة التطرف خلال الوباء، مع وجود إرهابيين محتملين عالقين في المنزل وولوجهم إلى مواد متطرفة عبر الإنترنت، رفض «والتون»، الفكرة بسبب عدم وجود أدلة أكاديمية على أن التطرف يحدث من دون تفاعلات وجهًا لوجه؛ وأشار إلى أن التطرف في المملكة المتحدة كان تاريخيا جزءا من إعداد مجموعة من الأفراد وليس عبر الإنترنت، ولكنه رأى أنه لا يزال يتعين علينا إيلاء اهتمام وثيق لما يُمكن أن يحدث مستقبليا. وفي ملاحظة أكثر تفاؤلاً، أوضح أن حجم وأضرار الجائحة قد يقنع بعض الإرهابيين بإعادة الحكم على جهود الفعالية والأضرار التي يلحقونها بالمجتمع البريطاني، والتي لا يمكن أن تنجح في مواكبة تهديد الوباء. ومع ذلك، فإنه لا يزال يرى «الأمر مُخيبا للآمال» على صعيد الإرهاب المحلي البريطاني.

 

بشكل عام، قدمت الندوة تحليلا دقيقا للوضع الحالي للشرطة والجريمة المنظمة في بريطانيا؛ وكان من الواضح أن تهديد الجرائم السيبرانية الإلكترونية والاحتيال يجب مراقبته أثناء الوباء بعد أن زادت معدلاته بصورة ملحوظة؛ لكن من المتفق عليه أن رد فعل قوات الشرطة ظهر بشكل جيد للغاية لتحدي الوباء، حيث حققت أكبر نجاح في قدرتها على ضمان الالتزام بتوجيهات الصحة العامة الحكومية من دون اللجوء إلى نموذج صارم لفرض العقوبات.

{ انتهى  }
bottom of page