4/6/2020
انتعاش أسعار النفط.. أمل للمستقبل أم تغير مرحلي؟
تلقى قطاع الطاقة العالمي ضربة واسعة النطاق من جائحة فيروس كورونا لعام 2020. وقد أدى الانخفاض الكبير في الطلب إلى ترك العديد من أكبر شركات النفط في العالم والدول المصدرة للنفط تكافح من أجل تحديد ميزانياتها وتأمين الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل. ويبدو أن الجهود المبذولة للحد من الضربة الاقتصادية لهذا الانهيار قد أحدثت استقرارا إلى حد ما في الأسواق الدولية، لكنها فشلت في توفير مؤشرات واضحة للمستقبل.
في أدنى نقطة له في أبريل، وصل تداول النفط الخام الأمريكي إلى دون -40 دولارا للبرميل، ما يعني أن المنتجين قد أُجبروا على الدفع لعملائهم لإخراج النفط الزائد من أيديهم. ونظرا لأن فيروس كورونا قد تجاوز الآن ذروته في الصين وأوروبا وأمريكا الشمالية، فإن احتمال استئناف اقتصادي واسع النطاق في هذه المناطق يثير احتمال انتعاش أسعار النفط في الأسابيع والأشهر المقبلة.
وفي الوقت الحالي، فشلت أي ارتفاعات في أسعار النفط في تعويض انهيار الأسعار السابقة. ولا يزال سوق النفط العالمي متقلبا للغاية؛ حيث يُقابل ارتفاع الأسعار البسيط في يوم ما بالخسائر في اليوم التالي. ومن المرجح أن يستمر هذا الوضع الهش حتى يُستأنف النشاط الاقتصادي على نطاق واسع في الاقتصادات الكبرى في العالم، والذي قد يكون بعد أشهر عديدة. وفي بداية تفشي الجائحة، تراجعت أسعار النفط بمعدل غير مسبوق. ووصل إلى أدنى سعر له في 20 أبريل، عندما انهارت قيمة خام نفط غرب تكساس الوسيط الأمريكي. وبمجرد بلوغ سعر البيع فوق مستوى 60 دولارا للبرميل، تراجعت التقييمات بسبب نقص المشترين المتاحين وخيارات التخزين للنفط الزائد.
وعلى الرغم من ذلك، لم تحدث مخاوف من انهيار أوسع نطاق لأسواق النفط الخام حتى الآن، وهو ما يريح الحكومات التي تعتمد على صادرات النفط لجزء كبير من دخلها. وبدلا من ذلك، ارتفعت الأسعار تدريجيا منذ ذلك الحين، على الرغم من أنه ليس بمعدل كبير. وفي 5 مايو، ارتفع خام برنت (المعيار الدولي لأسعار النفط الخام) بنسبة 13.9% ليتجاوز 30 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ منتصف أبريل.
وفي 11 مايو، ارتفعت أسعار النفط الأمريكي بشكل متواضع بنسبة 8%، ما سمح لبعض آبار النفط بالاستراحة بعد أسابيع من الخسائر المالية الهائلة، كما تعافى خام غرب تكساس الوسيط أيضا ليصبح فوق 30 دولارا للبرميل بحلول 25 مايو. وفيما يتعلق بهذه العلامة الإيجابية لسوق النفط العالمية، قال «بيورنار تونهاوجين»، رئيس أبحاث أسواق النفط بشركة «ريستارد إنرجي»: «يبدو أن شهر مايو هو الشهر الذي يمكن فيه للمتداولين أن يأخذوا قسطا من الراحة ويلتقطوا أنفاسهم».
لكن على الرغم من ذلك، لا يزال سوق النفط العالمي متقلبا مع ارتفاع الأسعار وانخفاضها يوميا استنادا إلى أحدث القرارات السياسية التي اتخذتها الحكومات العالمية الكبرى. وعلى سبيل المثال، في 26 مايو ارتفعت أسعار النفط لخام برنت في «أسواق العقود الآجلة»، أي الشحنات المستقبلية من النفط الخام، بنسبة متواضعة تبلغ 1.8% ليصل إلى 36.17 دولارا للبرميل، ولكن في اليوم التالي انخفضت الأسعار بنسبة 1.4% نتيجة للشائعات بأن روسيا تفكر في تخفيف قيودها على إنتاج النفط الخام.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الارتفاعات التدريجية في الأسعار لا تعادل هوامش الربح المُستعادة لمنتجي النفط ولا تنقذ سوق تصدير النفط الخام. في حالة الغاز الصخري الأمريكي في تكساس ونيو مكسيكو، يجب وصول سعره إلى 45 دولارا للبرميل لتحقيق أرباح للمنتجين. وبالتالي، فإن الأسعار الحالية، التي تتخطى 30 دولارا للبرميل، أقل بكثير من السعر المطلوب، إلى جانب انخفاض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا خلال الجائحة؛ الأمر الذي لا يزود منتجي النفط بضمانات قوية للعودة السريعة إلى تحقيق الأرباح.
وبالنسبة الى صناعة النفط الأمريكية، هناك قلق آخر من أن شحنة واردات النفط الخام التي تبلغ 50 مليون برميل من المملكة العربية السعودية سوف تملأ مرة أخرى مرافق تخزين النفط الخام، كما حدث في منتصف أبريل. وعلى الرغم من أن الأسعار لا تزال عرضة للتغيير اليومي، فمن الواضح أن الطلب على النفط الخام آخذ في الارتفاع. لذلك، فإن السؤال المُلح الآن هو «متى وإلى أي مدى ستعود الصادرات بمجرد زوال الجائحة؟». وصرح «تونهاوجين» بأنه: «في هذه المرحلة لا يوجد سوى متغيرين قادرين على تحريك الأسعار بشكل كبير؛ وهما الإشارة إلى حدوث توافق في اجتماع (أوبك+)، والاحتمالية نادرة الحدوث بإعادة تشغيل الإنتاج المتوقف».
وفي يونيو 2020، ستجتمع روسيا وأوبك مرة أخرى لاتخاذ قرار بشأن مسار العمل المشترك بشأن إنتاج النفط. ويشير تقرير «أويل برايس» الى أن روسيا ستضغط من أجل تخفيف الإنتاج. وتكافح موسكو من أجل الامتثال لمتطلباتها بموجب اتفاقية (أوبك+)، حيث أنتجت بمعدل 8.72 ملايين برميل يوميا في مايو، وهو أعلى من الرقم 8.5 ملايين برميل يوميا المتفق عليه في اجتماع (أوبك+) في منتصف أبريل. ولعل عدم النجاح في الجولة الثانية من المفاوضات بشأن تخفيضات الإنتاج لديها القدرة على دفع صناعة النفط العالمية إلى الحافة مرة أخرى. ومع ذلك، فإن التهديد بحدوث كارثة اقتصادية أخرى؛ سيكون بلا شك أقوى الحوافز لروسيا والمملكة العربية السعودية للتوصل إلى اتفاق.
ومع تخفيف إجراءات الإغلاق في العديد من البلدان، ازداد الطلب على النفط الخام تدريجيًا. وعلى الرغم من تراجع الطلب بنسبة 25% عن مثل هذا الوقت من العام الماضي، إلا أنه تحسن من انخفاض بنسبة 40% في أبريل. ولتسهيل الزيادات في أسعار النفط مع الاعتراف بانخفاض الطلب، واصل كبار منتجي النفط الوعد بخفض مخرجات إنتاجهم. ومن المتوقع أن تخفض أوبك إنتاجها بمقدار 6.3 ملايين برميل أخرى يوميًا إلى 24.1 مليون برميل يوميًا بحلول يونيو، كذلك أن تخفض روسيا أرقام إنتاجها بمقدار 800 ألف برميل يوميًا - على الرغم من توقع المراقبين أنه قد لا تمضي هذه الخطط قدما- وفي الولايات المتحدة، من المتوقع أن ينخفض الإنتاج بمقدار 2 مليون برميل يوميًا قبل نهاية العام، بالإضافة إلى انخفاض قدره 900000 برميل يوميًا حتى الآن.
ومع الاستمرار في خفض الإنتاج، فإن عودة النشاط الاقتصادي الواسع النطاق في الصين تتيح للمصدرين فرصة التنافس على سوق جديدة في أول انتعاش اقتصادي بعد الوباء. واتخذت روسيا بالفعل موقع الصدارة، متخطية المملكة العربية السعودية لتصبح أكبر مورد منفرد للنفط الخام للصين. ويأتي 1.75 مليون برميل يوميا إلى الصين من حقول النفط الروسية. وعلى النقيض من ذلك، تراجعت الصادرات السعودية إلى الصين من 1.7 مليون برميل يوميًا في مارس و1.53 مليون برميل في أبريل إلى 1.26 مليون برميل يوميًا في مايو 2020. ومع استمرار تعافي الاقتصاد الصيني، لا تزال واردات النفط الخام منخفضة عن مستويات 2019. وفي أبريل 2020، استوردت الصين ما معدله 9.68 ملايين برميل من النفط يوميًا، ارتفاعًا من 9.84 ملايين برميل يوميًا في مارس، لكنها انخفضت من 10.64 ملايين برميل يوميًا في أبريل 2019.
وعلى الرغم من أن المستقبل القريب لسوق النفط العالمية يبدو آمنًا إلى حد ما مع الانتعاش الاقتصادي للصين، فإن العواقب طويلة المدى للوباء على صناعة الطاقة العالمية واضحة بالفعل. واستمرت شركات النفط الرائدة في تسجيل خسائر مالية كبيرة. وانخفضت عائدات شركة «بي بي» البريطانية من 2.4 مليار دولار إلى 800 مليون دولار في الربع الأول من العام مع انخفاض أسعار الوقود إلى أقل سعر في 20 عامًا. كما أعلنت شركة «أرامكو»، السعودية انخفاض الأرباح بنسبة 25%. وألغت أكبر شركات النفط في العالم 54 مليار دولار من الاستثمارات المخطط لها بسبب الآثار الاقتصادية للوباء.
وعلاوة على ذلك، من المتوقع أن ينخفض إجمالي الاستثمار في قطاع الطاقة العالمي بمقدار 400 مليار دولار في عام 2020. وسيمثل ذلك انخفاضًا بنسبة 20% في الإنفاق من عام 2019، حتى لو ظل إجمالي الإنفاق على الصناعة عند 1.5 تريليون دولار. من جانب آخر شهد الوقود الأحفوري التقليدي بالفعل انخفاضًا في الاستثمار، فضلا أيضًا عن موارد الطاقة المتجددة. من المتوقع أن تنخفض أسعار الفحم بنسبة 15% هذا العام مع توقع انخفاض الاستثمار في الطاقة المتجددة بنسبة10% والاستثمار في تحسين كفاءة الطاقة بنسبة 12%. وعلق «فاتح بيرول»، رئيس وكالة الطاقة الدولية على ذلك بقوله: «ستؤدي هذه الأزمة إلى أكبر انخفاض لاستثمارات الطاقة العالمية في التاريخ، كما أننا لم نشهد مثل هذا الانخفاض الكبير من قبل».
وبالنسبة الى صغار منتجي النفط، من المتوقع أن يخرج الكثيرون من المشهد، بغض النظر عن الحد الأدنى من ارتفاع الأسعار في الأسابيع الأخيرة. وأبلغ أكبر منتجي الغاز الصخري غير الحكوميين في الولايات المتحدة عن خسارة مجمعة بلغت 26 مليار دولار للربع الأول من عام 2020. وفي المملكة المتحدة، حذرت «هيئة النفط والغاز» البريطانية من أن ما يصل إلى 30.000 وظيفة في صناعة الطاقة عُرضة للإلغاء. وتقدم «ريجينا مايور» من شركة «كيه بي ام جي» تحذيرًا صارخًا بأنه: «ستكون هناك موجة من حالات الإفلاس وإعادة الهيكلة».
على العموم، إن الارتفاعات المطردة في أسعار النفط التي حدثت بالتزامن مع انخفاض تدريجي في شدة تفشي وباء الفيروس التاجي في الصين وأوروبا والولايات المتحدة توفر بعض الفرص لتفاؤل متواضع بشأن مستقبل أسواق النفط العالمية. ولا يزال من المهم ألا نكون شديدي الحماسة، ولكن إذا استمر الطلب في الارتفاع ونجحت مفاوضات (أوبك+) القادمة، فقد يتم تجنب كارثة اقتصادية كبيرة. ويأمل العديد من منتجي النفط والحكومات في أن هذه الزيادات في قيمة النفط الخام لا تمثل مجرد أمل زائف قبل أي مأزق مستقبلي ينال من هذا الانتعاش الهش.