top of page
7/8/2020

لقاح جامعة أكسفورد.. انتصار آخر في المعركة ضد كورونا

بعد وصول جائحة فيروس كورونا إلى مستويات حرجة أثارت قلق العديد من الدول حول العالم؛ سعت العديد من البلدان لتطوير الأدوية وإيجاد لقاح مضاد للفيروس، وأحرزت مؤسسات البحث والمختبرات تقدما سريعا في هذا الشأن، وهو ما يثبت أن الجهود الطبية تسير في الاتجاه الصحيح وتعطي مؤشرات إيجابية. وعلى الرغم من أن الفيروس لا يزال مميتا، إلا أن جهود الباحثين والعلماء في مختبرات الأدوية أسفرت عن مجموعة واسعة من العلاجات واللقاحات المحتملة التي يتم تطويرها بسرعة ملحوظة.

 

وعندما بدأت جائحة كوفيد-19 في الانتشار بجميع أنحاء العالم من الصين في فبراير 2020, لم تكن هناك علاجات طبية أو لقاحات تم تأكيدها لوقف الفيروس وتقديم المساعدة للمرضى المصابين بهذا المرض، وهو ما فاقم من سرعة انتشار الفيروس حول العالم. وفي الوقت الذي كان من المتوقع أن يكون البحث عن لقاح منذ البداية مهمة تستغرق وقتا أطول بكثير استغرق تطوير العلاجات الطبية وقتا أقل. ويرجع ذلك بشكل كبير إلى إلحاح أزمة الصحة العامة في العالم.

 

وبحلول يوليو 2020 أكد العلماء أن هناك أكثر من عشرين لقاحا يتم اختبارها وتطويرها في العديد من البلدان المختلفة وفقا لدراسات طبية خاضعة للرقابة. ومن جهتها، قامت المملكة المتحدة بدور ريادي في هذه العملية، حيث كشف فريق بحثي من «جامعة أكسفورد» عن منافس قوي ليكون لقاحا لفيروس كورونا باسم «ChAdOx1 nCoV-19»، والذي أظهر في تجربة طبية حديثة أنه يمثل وسيلة مجدية لمكافحة الوباء. وفي حين أن توافر اللقاح على نطاق واسع لا يزال بعيد المنال، فإن النجاح المبكر لهذه التجربة يعد تأكيدا على أن العديد من البلدان والمنظمات والشركات تعمل بوتيرة سريعة لتطوير حلول طبية لهذه الجائحة.

 

 وتصف الدراسة، التي نُشرت في مجلة «ذا لانسيت» الطبية، لقاح ChAdOx1 nCoV-19 بأنه «آمن، ومُحتمل ويولد استجابة مناعية» خلال التجارب البشرية في المرحلة الأولى، حيث وجد فريق البحث أن «جرعة واحدة أثارت استجابات خلطية وخلاوية ضد فيروس كورونا 2 المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة «سارس-كوف-2». وجرى تجربة اللقاح الجديد على أكثر من ألف متطوع سليم، مع إعطاء نصف اللقاح والنصف الآخر من لقاح بديل لمرض الالتهاب السحائي. وعلى مدى عدة أسابيع قامت الاختبارات الطبية اللاحقة بقياس قدرة الأجسام المضادة داخل أجسام المتطوعين على توليد استجابة للقاح. وكشفت التجربة عن نجاحه في القيام بذلك عبر العديد من مجموعات المراقبة. في الإطار ذاته قامت شركة الأدوية البريطانية «أسترا زينيكا» إلى جانب جامعة أكسفورد بتطوير اللقاح من خلال فيروس معدل وراثيا تم تعديله حتى لا يسبب إصابات جديدة لمرضى الاختبار، وذلك عن طريق قيام العلماء بنقل «بروتينات سبايك» الخاصة بفيروس كورونا -الجزء الذي يسمح للفيروس بغزو الخلايا- إلى لقاحهم دون وجود فيروس كورونا نفسه.

 

ويعتمد نجاح اللقاح الجديد على مزيج من الأجسام المضادة واستجابة خلايا الدم البيضاء للفيروس داخل جسم الإنسان. وتعمل الأجسام المضادة -والتي هي بروتينات صغيرة ينتجها جهاز المناعة البشري- على الالتصاق بسطح الفيروس وإبطال مفعوله. وفي الوقت نفسه، تقوم خلايا الدم البيضاء، التي يطلق عليها «الخلايا التائية»، بتنظيم دور جهاز المناعة وتحديد الخلايا المصابة والتي يتعين تدميرها. وفي الوقت الحالي يتم تطوير اللقاح إلى المرحلة التالية من التجارب البشرية. وسيشارك أكثر من 10.000 شخص خلال التجربة في المملكة المتحدة، كما يتم التوسع إلى البلدان التي بها معدلات عدوى أعلى بالفيروس، حيث سيُجرى اختبار 30.000 في الولايات المتحدة، وكذلك اختبار 5000 في البرازيل.

 

وعلى الرغم من هذه النجاحات، فإن التجربة لم تكن خالية تماما من الخطأ؛ ففي حين أن اللقاح أثبت نجاحه في تطوير الأجسام المضادة والخلايا التائية، فقد لاحظ فريق البحث الآثار الجانبية المحتملة، حيث تسبب اللقاح في70% من الأشخاص بحدوث الحمى أو الصداع بعدها. ومع ذلك، استجاب الباحثون للمخاوف بشأن هذا الرقم بالقول إن مثل هذه الأعراض الخفيفة يمكن علاجها بـ«الباراسيتامول».

 

ومع ذلك، يبقى إجراء فعالية اللقاح في مجموعة اختبار أوسع أمرا مهما لاستخدامه. وشملت التجارب التي تم إجراؤها المرضى الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و55 عاما فقط، حيث يعاني المرضى الذين تزيد أعمارهم على 65 عاما من مخاطر أكبر بكثير جراء الفيروس. وبالتالي، يجب إجراء المزيد من التجارب على الفئات العمرية الضعيفة قبل أن تتم الموافقة على هذا اللقاح على نطاق واسع للتصنيع والاستخدام الطبي.علاوة على ذلك، ونظرًا إلى أن التجربة ركزت فقط على قدرة الجسم على الاستجابة للقاح عن طريق إنتاج الأجسام المضادة و«الخلايا التائية»؛ فإن الاختبار لم يُظهر ما إذا كان اللقاح يمكن أن يمنع عودة الإصابة بالفيروس أو ما إذا كان يمكن أن يقلل من أعراضه.

 

وعلى الرغم من هذه المخاوف، فقد كانت الاستجابة الأولية من العاملين في الحقل الطبي تؤكد نجاح التجربة في نطاقها وفعاليتها. وصرح «مين بانجالوس» من شركة «استرازينيكا»، المتخصصة في تطوير المستحضرات الحيوية، أن «هذه النتائج تزيد من ثقتنا في أن اللقاح سيعمل ويسمح لنا بمواصلة خططنا لتصنيعه على نطاق واسع من أجل الوصول إلى المُتضررين بشكل منصف عبر العالم». وقال «أندرو بولارد»، من مجموعة أبحاث أكسفورد: «نحن سعداء حقًا بالنتائج؛ لأننا نرى وجود كل من الأجسام المضادة والخلايا التائية المحايدة.. إنها نتائج واعدة للغاية ونعتقد أن نوع الاستجابة قد يوفر الحماية». وعلّقت أستاذة علم اللقاحات «سارة جيلبرت» من معهد «جينر» بأنه «لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به قبل أن نتمكن من تأكيد ما إذا كان لقاحنا سيساعد في إدارة الجائحة، لكن النتائج المبكرة تبشر بالخير». ومن جهته دعا رئيس الوزراء البريطاني «بوريس جونسون» إلى توخي الحذر بشأن التطوير المستقبلي للعقار بقوله: «لا توجد ضمانات، وستكون هناك حاجة إلى مزيد من الاختبارات- ولكن هذه خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح».

 

وعن توافر اللقاح في المستقبل ذكر «ديفيد كاربنتر»، رئيس لجنة الأخلاقيات البحثية في «بيركشاير»، أنه «لا أحد يستطيع تحديد ميعاد نهائي.. فقد تسوء الأمور، لكن الحقيقة هي أنه من خلال العمل مع شركة أدوية كبيرة يمكن أن يكون اللقاح متاحًا على نطاق واسع إلى حد كبير في شهر سبتمبر تقريبًا وهذا هو الهدف الذي يعملون عليه». وتعد محاولة تحديد وقت معين لتطوير وتصنيع اللقاح تتماشى مع ما أبدته المملكة المتحدة من اهتمام لتمكنها من استخدام اللقاح في المستقبل.

 

وبعد أن اعتبرت التجربة ناجحة قدمت الحكومة طلبًا للحصول على 100 مليون جرعة من اللقاح. كما وقعت «استرازينيكا» اتفاقية لتزويد فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا بـ400 مليون جرعة، كما وافقت أيضًا على تزويد «التحالف من أجل ابتكارات التأهب للوباء» و«التحالف العالمي للقاحات والتحصين» بجرعات منه، في الوقت الذي صرحت فيه الشركة بقدرتها على تصنيع 2 مليار جرعة من اللقاح وزعمت أنها ستفعل ذلك دون تحقيق ربح. ومع الانتهاء من اللقاح بنهاية عام 2020 فلن يتم إتاحته على نطاق واسع لعامة المواطنين. وسيتم إعطاء الأولوية للعاملين في مجال الرعاية الصحية، وأولئك الذين يعتبرون عرضة لخطر الإصابة، وهو ما علق عليه رئيس الوزراء البريطاني بقوله: «من الواضح أنني واثق بنسبة 100% من أننا سنحصل على لقاح للفيروس هذا العام، أو في العام المقبل».

 

وفي إطار البحث عن علاج فعال في حال فشل اللقاح الجديد في تأكيد فاعليته خلال الاختبارات المستقبلية، قامت المملكة المتحدة بتوقيع اتفاقيات لشراء 90 مليون جرعة من اللقاحات الأخرى، التي أثبتت تجاربها أنها قد تكون ناجحة وذات فاعلية في المستقبل. من بينها 60 مليون جرعة من لقاح تم تطويره من قبل شركة «فالنيفا» الفرنسية، و30 مليون أخرى من لقاح تم تطويره بواسطة شركتي «بيونتيك» الألمانية و«فايزر» الأمريكية. وفي حالة النجاح سيتم تسليم اللقاحات على مدى العامين المقبلين. وفي هذا الصدد، قالت «كيت بينغهام»، رئيسة فرقة عمل اللقاحات في بريطانيا»، ان ما نقوم به هو «تحديد والتعرف على اللقاحات الواعدة التي تطبق على العديد من الفئات العمرية، أو حتى كافة أنواع اللقاحات المختلفة مهما كانت حتى نتمكن من التأكد من أننا نمتلك أي لقاح قد يثبت أنه آمن وفعال».

 

ويستخدم اللقاح المحتمل لشركة «فالنيفا»، المسمى «في إل أيه 2001 (VLA2001)»، مستخلصا غير نشط من الفيروس كلقاح واق للمرضى والمصابين، وسيدخل مرحلة التجارب السريرية بنهاية عام 2020 ويحتاج بدوره إلى الحصول على موافقة الجهات التنظيمية بالنصف الثاني من عام 2021. في حين أن لقاح شركة «بيونتيك»، المسمى »بي إن تي 162« (BNT162)، يحقن في المادة الوراثية والحمض الرايبوزي للفيروس الكامن في الخلايا البشرية، ويحتاج إلى الحصول على موافقة الجهات الرقابية الصحية بواشنطن في أكتوبر من العام الجاري، ولا سيما مع إنتاج أكثر من 1.3 مليار جرعة بحلول نهاية عام 2021. وأثناء الاختبارات التي تم إجراؤها، أظهر الأخير نجاحًا في مساعدة المرضى على خلق دفاعات مناعية ضد الإصابة بالفيروس. وعلى الرغم من أن العديد من اللقاحات أظهرت تقدمًا في تقوية الجهاز المناعي، إلا أن أيا منها لم يثبت فعاليته حتى الآن في الحماية من العدوى والإصابة.

 

وبعيدًا عن الشركات الأوروبية الغربية يدخل أحد اللقاحات التي تنتجها الشركة الصينية «كانسينو بيولوجيكس» المرحلة الثالثة من الاختبارات على الرغم من وجود مخاوف بشأن عدم وضوح فعالية اللقاح. وفي غضون ذلك تم منح برنامج اللقاحات الرسمي للحكومة الصينية، الذي تديره مجموعة الصين الوطنية للتكنولوجيا الحيوية، الموافقة على إجراء تجارب اللقاحات في الإمارات العربية المتحدة. علاوة على ذلك، وافقت شركة أدوية صينية أخرى تسمى «سينوفاك بايوتيك» على صفقة لإجراء اختبارات في البرازيل.

 

وعلى أي حال فإن إجراء التجارب على الكثير من اللقاحات سيزيد حتمًا من نجاح واحد على الأقل ليتم توزيعه على نطاق واسع. ومع ذلك يحذر «أليكس هاريس» رئيس السياسة العالمية في «ويلكوم ترست»: من أن «رؤية النتائج الواعدة لعدة لقاحات أمر رائع، ولكن يجب علينا أيضًا الاستعداد لفشل بعضها في المراحل اللاحقة؛ وبالتالي يجب أن نكون واقعيين ومدركين الأطر الزمنية لتصنيع وطرح أية لقاحات جديدة».

 

على العموم، يعد إجراء أول تجربة بشرية ناجحة للقاح «ChAdOx1 nCoV-19» هي علامة واضحة على نجاح تطوير اللقاحات ضد الفيروس التاجي، وعلى الرغم من أن الأمر يتطلب المزيد من الأبحاث قبل اعتباره فعالاً وآمنًا بما يكفي لتوزيعه واستخدامه على نطاق واسع، إلا أن الجهود العالمية تتواصل وتتسارع بوتيرة غير مسبوقة، لتوفر بارقة أمل لإنقاذ آلاف الأرواح من هذا الفيروس القاتل. وفي المستقبل المنظور، مع المزيد من التمويل والدعم لهذه الجهود الهادفة إلى إنقاذ حياة الملايين يمكن كسب معركة التصدي للفيروس في وقت أقرب مما هو متوقع.

 

وبالتالي، ينبغي النظر إلى هذا التقدم على أنه تذكير قوي بالنجاحات التي يحققها التعاون الدولي والتطورات التكنولوجية لدول العالم أجمع في الوقت الذي كانت تبدو فيه منقسمة وضعيفة، خاصة خلال فترة حالات الطوارئ الصحية الكبرى.

{ انتهى  }
bottom of page