8/8/2020
«نقف مع لبنان وشعبه».. ردود الفعل الدولية في أعقاب انفجار بيروت
يوم 4 أغسطس 2020, هز انفجار ضخم مرفأ العاصمة اللبنانية بيروت، محدثا موجة صدمية هائلة عبر المدينة وسحابة كبيرة من الغبار والدخان، وتعرضت المدينة لأضرار جسيمة مع تدمير العديد من المباني بالكامل. وفي الواقع، كان الانفجار كبيرا لدرجة أنه سُمع في جزيرة قبرص على بعد أكثر من 100 ميل، وتم تسجيله على أنه هزة أرضية بقوة 3.3 على أجهزة قياس الزلازل المحلية.
وفي أعقاب ذلك، صرح رئيس بلدية بيروت، «جمال عيتاني»، أن المدينة أصبحت تبدو «مثل هيروشيما مع وجود الكثير من الدمار والعديد من الجرحى يرقدون في الشوارع». وأعلن رئيس الوزراء اللبناني، «حسان دياب»، الحداد الوطني وحالة الطوارئ. وبحلول مساء الخامس من أغسطس، تجاوز عدد القتلى بحسب الإحصاءات الرسمية اللبنانية 135 شخصا، مع إصابة حوالي 5000, وتشريد ما يصل إلى 300.000 شخص, ومن المتوقع أن ترتفع هذه الأرقام بشكل كبير في الأيام المقبلة.
وبحسب الحكومة اللبنانية فإن الحادث غير مرتبط بهجوم إرهابي. وصرح «عباس إبراهيم»، مدير الأمن العام، أن الانفجارات على الأرجح نجمت عن وجود «نترات الأمونيوم»، التي تمت مصادرتها من سفينة شحن في ميناء بيروت قبل عدة سنوات. كما تم استبعاد احتمال وقوع هجوم عسكري من قبل دولة أخرى بسرعة، مع نفي إسرائيل أي تورط لها في الانفجار، وتأكيد وزير خارجيتها، «غابي أشكنازي»، أنها «لا ترى أي سبب لعدم تصديق التقارير الواردة من بيروت عن الحادث».
وفي إطار هذا الواقع لم يسارع «حزب الله» إلى إنكار أي تورط له في الحادث، وأصدرت الجماعة بيانا في نهاية المطاف قدمت فيه التعازي للقتلى والجرحى، لكنها لم تؤكد أو تنفي اتهامات وسائل الإعلام التي اتهمتها على الفور بالانفجار. وبالنسبة للكثيرين في الغرب يُعيد انفجار بيروت ذكريات هجوم «حزب الله»، الذي أسفر عن مقتل 241 من مشاة البحرية الأمريكية، و58 جنديا فرنسيا في أكتوبر 1983.
وتفاعلا مع الأحداث، تدفق سيل من التعازي والدعم من الحكومات في جميع أنحاء العالم. ومع اللقطات المروعة للانفجار المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام العالمية، ساد شعور غامر بالصدمة والحزن، وتعهدت الكثير من الدول بتقديم المساعدة للبنان والدعم لعملية البحث عن الناجين وتوفير الإغاثة الإنسانية. ومن بينها فرنسا التي قامت بتزويد لبنان بـ55 من أفراد الأمن، بالإضافة إلى المعدات الطبية والأطباء. وكتب وزير خارجيتها، «جان إيف لودريان»: «إن باريس تقف دائما إلى جانب لبنان وشعبه، وهي مستعدة لتقديم أي مساعدة». ومن بين الدول التي سارعت بإرسال الإمدادات الطبية والموارد؛ روسيا، وبريطانيا، وألمانيا، واليونان، وإيطاليا، وهولندا، والنرويج، وبولندا، وقبرص، والمجر، والسعودية، والإمارات، والبحرين، والكويت، وقطر، ومصر، وتونس، والجزائر، والعراق، والأردن، وإيران، وتركيا.
ومن جهتها، احتشدت العديد من المنظمات والهيئات الدولية لمساعدة لبنان، وأعلن «الاتحاد الأوروبي»، أنه نشر أكثر من 100 رجل إطفاء متخصصين في عمليات البحث والإنقاذ في المناطق المدنية، وتنشيط نظام خرائط القمر الصناعي «كوبرنيكوس»؛ لتقييم مدى الضرر. وأكدت «الجامعة العربية»، أهمية سرعة استجلاء الحقيقة في شأن المسؤولية عن وقوع التفجيرات والمتسببين فيها، والتي من شأنها مفاقمة تعقيدات الوضع اللبناني. في الوقت الذي أكدت فيه «الأمم المتحدة» انتظارها للمزيد من المعلومات حتى تتمكن من إبداء رأيها، ودعت إلى وقف التدخلات الخارجية في لبنان وإبرام اتفاق سياسي بين الفرقاء. في حين أرسلت «منظمة الصحة العالمية»، و«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر» العديد من المساعدات الإنسانية، فيما أعرب «مجلس التعاون الخليجي» و«منظمة التعاون الإسلامي» عن تعازيهم وتضامنهم مع لبنان وشعبه.
لكنّ، عروض الدعم هذه صاحبتها تساؤلات كثيرة حول الرواية الرسمية اللبنانية فيما يتعلق بأسباب الحادث. وفي حين تم قبولها على نطاق واسع، شكك بعض المعلقين بما في ذلك أمريكا في سبب الانفجار. وصرح وزير الخارجية الأمريكي، «مايك بومبيو»، بموافقة واشنطن على المساعدة في إجراء تحقيق حول الحادث، وقال: «نحن نراقب عن كثب ومستعدون لمساعدة شعب لبنان وهو يتعافى من هذه المأساة.. نتفهم أن الحكومة تواصل التحقيق في قضيتها ونتطلع إلى نتيجة تلك الجهود». وفي حين صرح متحدث باسم «الخارجية الأمريكية» أن واشنطن «ليس لديها معلومات حول سبب الانفجار»، فإن الرئيس «دونالد ترامب» لم يستبعد احتمال وقوع هجوم إرهابي. وفي حديثه في البيت الأبيض أطلع الصحفيين على أن مسؤولين عسكريين أمريكيين «يعتقدون أن انفجار بيروت كان هجوما بقنبلة من نوع ما»، وبالتالي «ليس من نوع الانفجارات التي تنجم عن عملية التصنيع».
وفي المقابل أثار المسؤول السابق لوكالة المخابرات المركزية في الشرق الأوسط، «روبرت باير»، الشكوك حول سبب الحادث. وفي إشارة إلى اعتقاده أنه ناجم عن وجود ذخائر عسكرية ووقود وليس نترات الأمونيوم، علق قائلاً: «يبدو أنه كان بسبب الإهمال، وربما كان الفساد، ولكن السؤال هو إذا كانت متفجرات عسكرية إلى من كانت ستذهب ولماذا تم تخزينها هناك؟». وتشابها مع الموقف الأمريكي صرح وزير التعليم البريطاني، «نيك جيب»، أن «السلطات اللبنانية تحقق بالطبع في سبب تلك المأساة، ونريد أن نحصل على نتائج هذا التحقيق، ومن السابق لأوانه التكهن».
من ناحية أخرى ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» رواية «الوكالة الوطنية للإعلام» اللبنانية، أن «الانفجار الهائل سبقه حريق في مستودع بالميناء». وردا على ذلك رفض مدير الأمن العام اللبناني هذه التكهنات، ووصفها بالـ«سخيفة»، وبدلاً من ذلك كرر تفسيره بأنه «يبدو أن الانفجار وقع في مخزن لمواد شديدة الانفجار تمت مصادرتها منذ سنوات». ومع ذلك، زعمت تقارير محلية أخرى أيضًا أن الألعاب النارية كانت سببا في حريق أولي، وأظهرت مقاطع فيديو للحادث ومضات ملونة وسط حريق كبير قبل الانفجار الأكبر.
وعلى الرغم من ذلك يثير التفسير الذي قدمته لبنان بأن الانفجار نتج عن مستويات هائلة من المواد الكيميائية المخزنة في مستودع في ميناء المدينة، التساؤل حول سبب وضعها هناك دون وجود إجراءات سلامة كافية. وفي اليوم التالي للحادث صرح الرئيس اللبناني، «ميشال عون»، أن المرافق والمنشآت بالميناء تحتوي على مواد كيميائية كانت موجودة هناك على مدى السنوات الست الماضية دون اتخاذ تدابير احترازية. وفي هذا الصدد تكشف التقارير الصادرة عن صحيفة «الفاينانشيال تايمز» أن سفينة كانت متجهة إلى إفريقيا تحمل 2750 طنا من نترات الأمونيوم تم حجزها من قبل المسؤولين اللبنانيين عام 2013, وأشارت الوثائق القانونية أيضا الى أن المواد الكيميائية تم تخزينها بعد ذلك في مستودع قريب.
وبالنسبة للبنان يأتي الانفجار في وقت عصيب، حيث يعاني بالفعل من العديد من الأزمات. ففي مارس 2020 تخلفت الدولة عن سداد أكثر من 90 مليار دولار من الديون، مما أدى إلى انهيار عملتها وارتفاع التضخم بما يتجاوز 15%. وتنتظر الدولة أيضًا حكم المحكمة الخاصة بلبنان، والتي تدعمها الأمم المتحدة بشأن وفاة رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، الذي قُتل في انفجار شاحنة ملغومة عام 2005.
وبسبب الانفجار فإن الأضرار التي لحقت ببيروت لا يمكن حصرها. ونصح وزير الصحة اللبناني السكان بمغادرة المدينة إذا استطاعوا. وفي غضون ذلك نصحت السفارة الأمريكية في بيروت رعاياها وكافة المواطنين اللبنانيين «بالبقاء في منازلهم وارتداء الأقنعة إن أتيحت»؛ بسبب تقارير عن وجود غازات سامة في الهواء جراء الانفجار. ولا شك أن قضية مكافحة فيروس كورونا في البلاد ستتأثر أيضًا بشدة، حيث تم تخزين المخزونات الرئيسية من اللقاحات والأدوية في مستودع بالقرب من الميناء؛ وبالتالي تم تدميرها على الأرجح. ويصف «جيسون توفي»، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس»، الوضع الآن في لبنان بأنه «ضربة قاسية وستكون له تداعيات من بينها تفاقم الوضع الاقتصادي السيئ للغاية بالفعل، وكما ستكون العواقب الإنسانية مقلقة للغاية».
وردًا على هذه الصعوبات صرح رئيس الوزراء اللبناني أن المسؤولين عن سوء إدارة هذه المواد الكيميائية «سيدفعون الثمن»، مضيفا «أعدكم بأن هذه الكارثة لن تمر دون مساءلة». وعلق «إلياس حنكش»، النائب عن حزب الكتائب اللبنانية، الذي توفي زعيمه متأثرا بجروح أصيب بها بسبب الانفجار، على هذا بالقول: إن الكارثة، إذا كانت عرضية، لن تكون مفاجئة بالنظر إلى اللامبالاة المتراكمة على جميع المستويات داخل السياسة والإدارة اللبنانية الراهنة. وأضاف، «سواء كنت تتحدث عن تدهور الاقتصاد، ومعايير السلامة في الميناء، ومظاهر الفساد لم يوجد لأي من تلك القضايا محاولة جادة لحلها، نحن نعيش في عصر إدارة فاشلة تقود البلاد».
ومع ذلك فإن بصيص الأمل يكمن، كما تقول صحيفة «الفاينانشيال تايمز»، في أن البلدان حول العالم قد تكون أكثر استعدادا لتقديم التمويلات الضخمة التي يحتاج إليها لبنان لحل مشاكل ميزان المدفوعات والدين العام، والمساعدات المالية المرتبطة بجهود إعادة الإعمار، بدلاً من توفير الجهود الإنسانية».
على العموم، يبدو أن جميع تفاصيل سبب الانفجار في بيروت لم يتم تحديدها بعد، غير أنه من الواضح أنه لا يزال يتعين على المسؤولين اللبنانيين محاسبة من قام بوضع نترات الأمونيوم في مستودع قريب من ميناء المدينة دون اتخاذ إجراءات السلامة المناسبة. وعلى الرغم من أن الاستجابة الدولية كانت كبيرة للغاية وداعمة بشكل كبير، إلا أن ذلك لن يكون في النهاية أي عزاء ولو بسيط لشعب لبنان إذا لم يتحقق الوعد بإقالة لبنان من عثرته الاقتصادية والمساهمة الفعلية في جهود الإعمار، وليس المساهمة في عمليات البحث والإنقاذ الأولية، وتقديم المساعدة الإنسانية».