top of page
22/8/2020

رفض مجلس الأمن تمديد حظر الأسلحة علي إيران.. وجهات نظر غربية

رفض مجلس الأمن في اجتماعه يوم 14/8/2020 مشروع قرار أمريكي بتمديد حظر الأسلحة علي إيران الذي سينتهي في أكتوبر من هذا العام بموافقة صوتين فقط، وذلك بعد أن فشلت الدبلوماسية الأمريكية في الحصول على دعم حلفائها الأوروبيين.

 

ومنذ توقيع «خطة العمل الشاملة المشتركة»، المعروفة باسم «الاتفاق النووي الإيراني» عام 2015, خضعت طهران لقيود صارمة على وارداتها وصادراتها، بما في ذلك المعدات العسكرية التي يمكن شراؤها وبيعها. ومن بين الأسلحة التي يُحظر الحصول عليها طيلة فترة العقوبات؛ دبابات القتال، والمركبات القتالية المدرعة، وأنظمة المدفعية، والطائرات المقاتلة، وطائرات الهليكوبتر الهجومية، وأنظمة الصواريخ.

 

وفي مجلس الأمن صوتت دولة واحدة فقط لصالح مشروع القرار الأمريكي، وهي جمهورية «الدومينيكان»، وكانت المعارضة الروسية والصينية متوقعة، لكن رفض الدول الأوروبية دعم مشروع القرار مثّل ضربة كبيرة للدبلوماسية الأمريكية، حيث امتنعت بريطانيا وفرنسا وألمانيا عن التصويت. وعلق «ريتشارد جوان»، من «مجموعة الأزمات الدولية»، على قرار المملكة المتحدة بقوله: «يبدو أنها اختارت أن تعطي الأولوية لعلاقتها الأمنية مع باريس وبرلين على رغبتها في إبرام صفقة تجارية مع واشنطن. وقال «جوليان بورجر» في صحيفة «الجارديان»، إن «حجم الهزيمة أبرز عزلة الولايات المتحدة على المسرح العالمي قبل مواجهة دبلوماسية كبرى تهدد باستهلاك مجلس الأمن وتقويض سلطته بشكل أكبر». وذكرت «كارول موريلو» في صحيفة «واشنطن بوست»، أن «هزيمة واشنطن في مجلس الأمن تمثل «رفضا لنهج إدارة ترامب تجاه إيران».

 

وفي حين أن مخاوفها بشأن قدرة إيران على استيراد الأسلحة وتصديرها وخاصة إلى وكلائها في الشرق الأوسط تعد مبررا قويا وحقيقيا، فقد أدى سوء إدارة ترامب الدبلوماسية للقضية إلى حدوث هذه الأزمة. ومع ذلك، ولأن ما حدث في مجلس الأمن كان متوقعا؛ فقد وضعت واشنطن بالفعل خططها لما بعد ذلك، من خلال تطبيق آلية «سناب باك (العودة التلقائية للعقوبات) على إيران، والتي من شأنها إعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة على طهران قبل عام 2015 على أساس انتهاكاتها لشروط الاتفاق النووي. وأعادت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، «كيلي كرافت»، التأكيد على أنه «في الأيام المقبلة، ستفي واشنطن بهذا الوعد وأنه لا شيء سيوقف تمديد حظر الأسلحة». ومن جانبه، صرح «ترامب»، بقوله: «سنقوم بآلية سناب باك وستشاهدون تنفيذها قريبا».

 

وتوقع المراقبون أيضا صراعا دبلوماسيا بشأن تنفيذ آلية «سناب باك». وتتساءل «تريتا بارسي» من «معهد كوينسي»، عن مدى شرعية هذه الآلية بالنسبة لأعضاء مجلس الأمن؟.. وهل من الممكن أن يتجاهلوا تطبيقها.. وما هي قيمة المجلس بما أنهم لا يستطيعون الاتفاق على تحديد السلطات التي لديه؟». وفي السياق ذاته، صرح دبلوماسيون في مجلس الأمن، أن الولايات المتحدة ليس لها الحق في إعادة فرض العقوبات ضد إيران؛ لأنها انسحبت من الاتفاق النووي عام 2018. ومع ذلك، أكد تحليل قانوني أصدرته واشنطن أن لها «حقا واضحا» لاتخاذ هذا الإجراء لتجنب «سابقة خطيرة» في المستقبل. ووفقا لـ «رابطة الحد من انتشار الأسلحة»، فإن «إعادة فرض أمريكا لعقوبات الأمم المتحدة سيعني أن خطة العمل الشاملة المشتركة ستنهار على الأرجح، مما قد يؤدي إلى أزمة نووية جديدة».

 

ومع ذلك، تبعد الخلافات الدبلوماسية والقانونية حول ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة تنفيذ آلية «سناب باك» أم لا، الانتباه عن السؤال الأكثر جدية حول ما سيعنيه إنهاء حظر الأسلحة المفروض على إيران بالنسبة لسياساتها العدوانية في الشرق الأوسط وتدخلاتها في شؤون الدول الداخلية. وأوضحت «باربرا سلافين» من «المجلس الأطلسي»، في يونيو 2020, أنه منذ أن «أظهرت إيران قدرة كبيرة على تطوير أنظمة خاصة بها، من المرجح أن تكون مشترياتها محدودة». ويشير تقرير لوكالة «استخبارات الدفاع» في أغسطس 2019 إلى أنه «بمجرد انتهاء حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، فمن المتوقع أن تشتري طهران مقاتلات متطورة من الجيل الرابع غالبا من روسيا». وبالفعل، «ناقشت طهران وموسكو بيع طائرات من طراز سو-30 لإيران».

 

وفي هذا السياق يقول «روبرت كزولدا»، من «المجلس الأطلسي»، إن «الواردات العسكرية وحدها قد لا تعالج أوجه القصور لدى طهران، والتي لا يمكنها حاليًا تقديم سوى «تحديث محدود لمعدات عسكرية كانت موجودة خلال حقبة الحرب الباردة، فيما يبقى العائق هو أن «أنظمة السلاح الحديثة غالبًا ما تكون باهظة الثمن». وفي حديثه، عن جدوى استمرار تقييد الواردات الإيرانية بعد انتهاء حظر الأسلحة، استشهد بالدبابات الروسية، التي قد تحصل عليها إن أرادت، والتي باتت تمتلك حاليًا أنظمة لمكافحة الحرائق عبر التصوير الحراري التي كانت تنتجها شركة «تاليس» الفرنسية، والتي من غير المرجح أن يُسمح بنقلها إلى السيطرة الإيرانية.

 

وعلى الرغم من أن طهران قد لا ترى إصلاحا فوريًا لقواتها العسكرية التقليدية إذا انتهى الحظر فعلاً، فإن دعمها العسكري واللوجستي سيتجه بالأحرى إلى عملائها بالوكالة بشكل أكبر، والذين يقاتلون لزعزعة استقرار المنطقة، والحصول على العديد من الفوائد والمزايا الجيوسياسية لها. ويشمل ذلك زيادة التمويل، وتوفير معدات عسكرية أفضل لجماعات مثل، «حزب الله»، و«الحوثيين» وعملائها في دول الخليج. وفي هذا الصدد، تشير «وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية»، إلى أنه بين عامي 2012 و2018 قدمت إيران أكثر من 16 مليار دولار لوكلائها في الشرق الأوسط، وذلك على الرغم من الآثار المالية للعقوبات التي تقودها واشنطن.

 

من ناحية أخرى، يُفسح إنهاء الحظر المجال لتعاون عسكري وتكنولوجي أوثق بين طهران وموسكو وبكين. ولا يخفى أنه حتى مع فرض عقوبات الأمم المتحدة وأثناء سريانها، فقد تعززت هذه العلاقة بالفعل. وفي عام 2019 أجرت الدول الثلاث مناورات عسكرية مشتركة في منطقة الخليج العربي. ومؤخرا، وافقت الصين على شراكة استراتيجية مدتها 25 عامًا مع إيران، بمقتضاها ستقدم 400 مليار دولار من الاستثمارات لطهران، بالإضافة إلى تعاون عسكري أوثق وأقوى.

 

وفي المقابل، يمثل التقارب الصيني الإيراني، تهديدا لمكانة الولايات المتحدة الراسخة في المنطقة. وذكرت مجلة «فورين بوليسي»، أن «نفوذ الصين المتنامي في شرق آسيا وإفريقيا يمثل تحديا للمصالح الأمريكية، وسيكون الشرق الأوسط ساحة المعركة التالية التي يمكن لبكين أن تتحدى فيها الهيمنة الأمريكية هذه المرة من خلال إيران».

 

ويعكس فشل «واشنطن»، في إقناع أعضاء مجلس الأمن بدعم قرارها، تراجع التأثير الدبلوماسي الأمريكي خلال رئاسة «ترامب». ويصف «هنري روما»، من «مؤسسة أوراسيا الاستشارية»، محاولة «بومبيو» الفاشلة بأنها: «مثال حي آخر لخلق مزيد من العزلة التي تعتمدها واشنطن تجاه إيران، والتي تضاف إلى فشلها على مدى السنوات الثلاث الماضية في إقناع أي مُوِقع آخر على اتفاق حظر السلاح واستمرار دعم هذا النهج في التعامل معها». ومن وجهة نظر بعض المراقبين فإن هذا الأمر كفيل بأن يؤدي إلى سيناريو قد يلزم فيه استعراض القوة لمنع إيران من استيراد الأسلحة، وربما تكون النتيجة تهديد «الاتفاق النووي» لعام 2015 كليًا.

 

وأوضحت «أريان طباطبائي»، في مجلة «فورين بوليسي» أن إدارة ترامب تعلمت أنه “بغض النظر عن مدى عيوب المؤسسات الدولية، فإنه بمجرد انسحاب أي دولة منها، فإنها تفقد أي قدرة على التأثير عليها من الداخل». وتوضح أنه «بعد الانسحاب من الاتفاق النووي دون وجود أي خطة بديلة، أصبحت واشنطن في حيرة الآن؛ لأنها بحاجة إلى تمديد حظر السلاح المفروض على إيران». وكان وزير الخارجية الأمريكي، «مايك بومبيو» قد أوضح للصحفيين خلال زيارته لبولندا، أن الانسحاب من الاتفاق الإيراني كان «خطأ، ونحن نأسف لذلك».

 

وردا على هذا الفشل تسعى إدارة ترامب الآن إلى ممارسة نفوذ أكبر على إيران، ولا سيما مع اقتراب الانتخابات الأمريكية. ومن جانبه، أوضح «جوش روجين»، في صحيفة «واشنطن بوست»، أن «فريق السياسة الخارجية لترامب يسابق عقارب الساعة لفرض الأمر الواقع على الأرض بشأن مجموعة من القضايا من أجل جعل الأمر صعبًا قدر الإمكان على إدارة بايدن المحتملة للتراجع عن القرارات التي اتخذها ترامب. ويستشهد «روجين»، بالاتفاق النووي، مشيرًا إلى أن «الإدارة الأمريكية الحالية تحاول تحطيمه كليًا لدرجة أن إدارة بايدن لن تكون قادرة على إعادة الروح له ثانية». وفي هذا الصدد، تشير «سوزان ديماجيو»، من «مؤسسة كارنيجي»، أيضًا إلى أن إدارة ترامب تسعى باستمرار إلى تدمير الاتفاق، وربما يكون نهجها في الأمم المتحدة يرمي إلى تصعيد التوترات وإثارة حفيظة الإيرانيين بالتخلي عنه أيضًا»، مضيفة: أنها «تتبع نهج وسياسة الأرض المحروقة الرامي إلى تدمير الاتفاق من أجل جعل الأمر صعبا على بايدن، والإيرانيين.. إنها لا تهتم بتطوير برنامج إيران النووي بقدر اهتمامها حقًا بقتل هذا الاتفاق». ويشير «مارك دوبويتز»، من «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»، إلى أن «عودة الولايات المتحدة المفاجئة إلى السياسة الديمقراطية في المستقبل ستمثل سيفًا ذا حدين لإدارة بايدن». ففي حين أنها ستوفر له «نفوذًا كبيرًا» بشأن «التفاوض على قرار جديد لمجلس الأمن للتعامل مع الملف النووي»، إلا أنها ستجعل أيضًا «من الصعب جدًا على إدارته العودة إلى الاتفاق النووي، وسيعطي فريقه حجة أقوى بالبحث عن بدائل للاتفاق».

 

على العموم، لا تمثل هزيمة واشنطن في الأمم المتحدة، ومنعها من استمرار حظر السلاح على إيران نهاية للقضية. والمهم الآن، أن على الإدارة الأمريكية عدم السماح لإيران باستيراد وتصدير الأسلحة إلى منطقة الشرق الأوسط، لأن ذلك سيمكنها من تحديث وزيادة قدراتها العسكرية الهجومية ونقل التمويل والمعدات المتطورة إلى وكلائها بمناطق الصراع في المنطقة.

{ انتهى  }
bottom of page