top of page
24/8/2020

ما بعد صدمة حكم محكمة اغتيال الحريري!

بعد خمسة عشر عامًا على وفاة رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، فشل تحقيق أجرته محكمة شكلتها الأمم المتحدة في إدانة ثلاثة من المتهمين الأربعة، وتمت إدانة واحد فقط هو سليم عياش، وجميعهم ينتمون إلى حزب الله المصنف على مستوى دولي منظمة إرهابية.

 

وكان رد الفعل الفوري والواسع النطاق من قِبَل المراقبين والمعلقين في الغرب على الحكم الصادر انعكاسا لخيبة أمل شديدة، وأنه لم يكن أكثر من مجرد تقليد ضعيف لما كان ينبغي أن يكون.

 

ومن أبرز الانتقادات المتزايدة أن التحقيق فشل في الإجابة عن أي من الأسئلة الرئيسية المحيطة بعملية الاغتيال، وصولاً إلى المخاوف من أن نتائجه ستكون بمثابة ضربة قاصمة للجوء مستقبلاً لأي تحقيقات دولية مماثلة؛ للبت في مثل هذه النوعية من القضايا.

 

كانت أكثر الأمور إحباطا، بالنسبة للكُتّاب ولما نشرته وسائل الإعلام الغربية، أن المحكمة فشلت في تحديد المسؤولين عن جريمة الاغتيال، وأخفق قرار المحكمة بشأن عدم وجود أدلة كافية لربط حزب الله أو الحكومة السورية بالحادث بشكل مباشر في إرضاء المنتقدين.

 

وكتبت مارليز سيمونز وبن هوبارد، من صحيفة نيويورك تايمز، أن الحكم ترك لبنان «بدون إحساس بإنهاء هذا الملف» و«فشل في الإجابة حتى على السؤال الأكثر أهمية هو: من أمر بالقتل؟»، كما انتقدت ريبيكا كولارد، من مجلة فورين بوليسي، قرار المحكمة، وقالت: «رغم الوقت الطويل والمال الذي أُنفق على هذه القضية، والذي وصل إلى قرابة البليون دولار لم تستطع المحكمة تحديد من أمر بالقتل».

 

وفي الوقت نفسه، وصف نيكولاس بلانفورد من المجلس الأطلسي أن التحقيق الذي دام خمسة عشر عامًا قد انتهى مع قليل من «التذمر». وأضاف مايكل يونغ، من مركز كارنيغي للشرق الأوسط، أن نتيجة الحكم «تبدو كأنها مجرد حاشية في كتاب لم يعد يُطبع». أما نديم حوري، من مبادرة الإصلاح العربي، التي تتخذ من باريس مقرا لها، فقد توسع في هذا الأمر بالقول إن الحكم «نتيجة غير مُرضية للغاية؛ لأن الأسئلة الأساسية تُركت من دون إجابة» وبالتالي «سيستمر تقسيم اللبنانيين».

 

وتذهب جُمانة قدور، من المجلس الأطلسي، إلى أبعد من زملائها، في التصريح بأن حكم المحكمة الخاصة بلبنان «لا صلة له بالموضوع»، وأنه «ليس مفاجئا» أن المسؤولين عن الاغتيال «هربوا من دون عواقب». كما انتقدت ليز سلاي، من صحيفة واشنطن بوست، التحقيق قائلة: «بسبب فشله في تحديد اللاعبين السياسيين الذين يقفون وراء الاغتيال، فشلت المحكمة في تحقيق هدفها المتمثل في إنهاء ثقافة الإفلات من العقاب، التي سمحت للعنف السياسي بالازدهار من دون رادع في لبنان لسنوات».

 

ولا غرابة في أن رفض المحكمة إعلان إدانة حزب الله بالتورط المباشر في الاغتيال فتح الباب للتشكيك في قدراتها التحقيقية. ويعلق ويليام وشسلر، من المجلس الأطلسي، قائلاً: «اختارت المحكمة الخاصة إنهاء عملها بعد أكثر من عقد من الزمن من دون الإجابة عن سؤال من المسؤول النهائي عن اغتيال رفيق الحريري»، وأنه «لا يتطلب الأمر عقلاً تآمريًّا للشك فيما إذا كانت العدالة قد تحققت من خلال إغلاق القضية بعد العثور على أدلة لإدانة عنصر واحد فقط من حزب الله - والذي بالطبع لن يواجه هو نفسه أي عواقب شخصية».

 

ويضيف وشسلر أنه «يمكننا أن نكون على ثقة بأن الحكم ليس نتيجة انعدام الكفاءة ببساطة»، بل هو «جهد متضافر لعرقلة العدالة عبر التخويف والتهديد والاغتيالات».

 

وكانت مها يحيى، من مركز كارنيغي للشرق الأوسط، أكثر حدة في انتقادها للحكم، مشيرة إلى ما يلي: «بالنسبة للعديد من الناس، سيكون هذا الحكم بمثابة تأخير للعدالة، وإنكار لها.. خلاصة القول، لن يتم تحميل أي شخص المسؤولية عن جريمة كانت تهدف، على حد تعبير القضاة، إلى زعزعة استقرار لبنان».

 

وبالإضافة إلى هذه المخاوف بشأن عدم قدرة التحقيق على إثبات وجود صلة مباشرة بين حزب الله واغتيال الحريري، هناك استياء داخل المنظمات ووسائل الإعلام الغربية من أن التحقيق ليس له تأثير يذكر على لبنان، على الرغم من الوعد الذي قدمه القائمون على التحقيق بمحاسبة الجهات المعادية. وبالتالي فإن النتيجة غير الحاسمة للمحكمة تبطل ما وصفه مارتن تشولوف، من صحيفة الغارديان، بأنه «لحظة فاصلة مرتقبة في حياة لبنان» وما وصفه المحامي الدولي بنيامين دور بـ«لحظة ختامية» مرتقبة.

 

بطبيعة الحال، ركزت التحليلات أيضًا على ما إذا كان الحكم سيؤثر على نفوذ حزب الله داخل لبنان أم لا، ويبدو أن المعلقين الغربيين منقسمون بشأن ما إذا كانت النتيجة ستدعم أم تعرقل جماعة حزب الله المسلحة.

 

ويزعم بيل تريو، من صحيفة «الإندبندنت»، أن «حقيقة أن المحكمة بدت وكأنها تستبعد صراحة وبشكل قاطع الأدلة التي تربط قيادة حزب الله بالجريمة كانت أخبارًا جيدة للجماعة المدعومة من إيران». وتضيف جمانة قدور أن الحكم «أصدر عدة تصريحات تبرئ قادة حزب الله»، الأمر الذي يوفر للجماعة «سياسة إنكار معقولة» لمقتل الحريري.

 

ويوضح وشسلر أنه نظرًا إلى أن «حزب الله أمضى عقودًا في العمل لإضعاف الدولة اللبنانية والسيطرة على النظام السياسي والاقتصاد اللبناني»، فقد تمكنت الجماعة المسلحة من تجنب العواقب المترتبة على أفعالها، ومع ذلك، فهو لا يرى هذا أنه نهاية الأمر، لكنه يعتقد بدلاً من ذلك أنه «من المنطقي» الآن أن «يبدأ الشعب اللبناني وبقية العالم في إخضاع حزب الله للمحاسبة».

 

ويؤكد نيكولاس بلانفورد أن حكم المحكمة أضعف حزب الله، ويقول إن «مغزى الحكم» يدين «ضابطا كبيرًا في حزب الله»، وأنه على الرغم من عدم إثبات تورط قادة حزب الله أو النظام السوري بشكل مباشر، «فالاستقراء الطبيعي للحكم هو أن حزب الله أو عناصر التنظيم خططوا ونفذوا الاغتيال». ويرى جيريمي باوين، محرر قسم الشرق الأوسط في شبكة بي بي سي، أن «الحكم أعطى سعد الحريري، رئيس الوزراء السابق الذي قد يحصل على المنصب مرة أخرى، أداة نفوذ لاستخدامها ضد حزب الله»، مشيرًا إلى أنه على الرغم من افتقار المحكمة إلى الأدلة، إلا أن «إدانة رجل من حزب الله ستغذي الأجواء السياسية المحمومة في لبنان».

 

وينظر العديد من الخبراء إلى النتائج المحدودة للمحكمة على أنها تبدد الآمال في أن إصدار حكم أوسع كان سيوفر الأمل في إحداث إصلاحات سياسية في لبنان. ويقر جاريد مالسين، من صحيفة وول ستريت جورنال، بأنه بعد إصدار الحكم «يتوقع القليل أن يغير الحكم بشكل كبير المشهد السياسي في لبنان»، وكتبت ريبيكا كولارد، من مجلة فورين بوليسي، أن «القرار احتوى على الجرعة المناسبة من الغموض لجميع الأطراف للبحث عمن تلقي باللوم عليه».

 

بالإضافة إلى نقد حكم المحكمة، كانت هناك أيضًا انتقادات لمسار التحقيق نفسه ركزت في الغالب على الطبيعة المُطوّلَة والمكلفة للتحقيق، وخاصة بالنظر إلى أنه قد قدّم الآن نتيجة مخيبة للآمال تمامًا. وبالنسبة إلى بلانفورد، فإن الإطار الزمني الممتد للتحقيق الدولي يعني أن «تأثير حادث اغتيال الحريري» قد «تبدد بمرور الوقت»، حيث غمرت البلاد قضايا أخرى. وبالاتفاق مع وجهة النظر هذه، كتبت مارليز سيمونز وبن هوبارد، من صحيفة نيويورك تايمز، أنه «مع استمرار التحقيق وجلسات الاستماع»، «تلاشت عملية القتل، وأصبحت جزءا من الماضي».

 

وطعن كامبل ماكديارميد، من صحيفة التلغراف، في كفاءة التحقيق، نظرًا إلى أنه لم يتمكن من التوصل إلى نتيجة قوية «حتى بعد الاستماع إلى 297 شاهدًا على مدى 415 يومًا من الجلسات منذ عام 2014». ومع وضع هذه الإخفاقات العديدة في الاعتبار، تخلص قدور إلى أنه «على الرغم من النوايا الحسنة للمجتمع الدولي»، فقد فشل التحقيق بشكل كبير في تحقيق العدالة، وسمح فقط لحزب الله «بمواصلة عملية التآكل البطيء للدولة اللبنانية من الداخل».

 

والنتيجة المتوقعة لعدم توصل التحقيق إلى نتيجة حاسمة بين المراقبين هو أنه سيكون هناك الآن تساؤل متجدد عما إذا كانت التحقيقات الدولية فعالة حقا في إصدار أحكام في مثل هذه الأحداث البارزة والمثيرة للجدل مستقبلاً. ويشير مارك ستون، مراسل الشرق الأوسط في شبكة سكاي نيوز، إلى أن «هذا الحكم ستكون له تداعيات على كل من لبنان وسمعة المحاكم الدولية الخاصة والمُكلفة»، وأضاف نديم حوري، من مبادرة الإصلاح العربي، التي تتخذ من باريس مقرا لها، أن «التحقيق الدولي لم يتمكن من حل القضية»، وبالتالي كان هناك «الكثير من الانتقادات لدوره».

 

وقد يتجلى هذا التأثير قريبا في لبنان مرة أخرى، حيث تقلل الطبيعة غير الحاسمة لهذا التحقيق من احتمالية إجراء تحقيق مماثل في الانفجار الأخير في بيروت، وفقًا لراندا سليم، من معهد الشرق الأوسط في واشنطن العاصمة، التي استشهدت بالمعارضة العلنية لمثل هذه الخطوة من قِبَل الرئيس اللبناني، وذكرت أن حكم المحكمة «يعزز الحجة التي يقدمها المعارضون، بمن فيهم عون، بأن التحقيق على هذا النحو ليس مضمونا».

 

في النهاية يبدو أن الشعور باليأس وخيبة الأمل هو أنسب وصف لرد الفعل الغربي على نتائج المحكمة الخاصة بلبنان، فلقد ترك طول التحقيق وحجمه العديد من المعلقين في حيرة من أمرهم بالنظر إلى النتيجة النهائية التي تبدو واهية، حيث أدانت شخصًا واحدًا فقط، وفشلت في إثبات تورط سوريا أو حزب الله. وعلى الرغم من أن إدانة عضو في حزب الله بالتورط في عملية الاغتيال، فإنه من غير المرجح أن يُعاقَب، فضلا عن تبرئة ثلاثة أعضاء آخرين من الحزب نفسه. ومن وجهة النظر الواسعة لوسائل الإعلام الغربية والخبراء، يترك هذا الوضع العديد من الأسئلة من دون إجابة أمام الشعب اللبناني مع احتمال حدوث مزيد من الاضطرابات داخل البلاد، فضلا عن أن إجراء تحقيقات دولية في الحوادث الكبرى مستقبلاً أصبحت مهددة، ويبقى أن نرى ماذا سيعني الحكم بالنسبة للبنان وسط مجموعة من الأزمات المتصاعدة والملحة بلا نهاية تلوح في الأفق.

ومنذ توقيع «خطة العمل الشاملة المشتركة»، المعروفة باسم «الاتفاق النووي الإيراني» عام 2015, خضعت طهران لقيود صارمة على وارداتها وصادراتها، بما في ذلك المعدات العسكرية التي يمكن شراؤها وبيعها. ومن بين الأسلحة التي يُحظر الحصول عليها طيلة فترة العقوبات؛ دبابات القتال، والمركبات القتالية المدرعة، وأنظمة المدفعية، والطائرات المقاتلة، وطائرات الهليكوبتر الهجومية، وأنظمة الصواريخ.

 

وفي مجلس الأمن صوتت دولة واحدة فقط لصالح مشروع القرار الأمريكي، وهي جمهورية «الدومينيكان»، وكانت المعارضة الروسية والصينية متوقعة، لكن رفض الدول الأوروبية دعم مشروع القرار مثّل ضربة كبيرة للدبلوماسية الأمريكية، حيث امتنعت بريطانيا وفرنسا وألمانيا عن التصويت. وعلق «ريتشارد جوان»، من «مجموعة الأزمات الدولية»، على قرار المملكة المتحدة بقوله: «يبدو أنها اختارت أن تعطي الأولوية لعلاقتها الأمنية مع باريس وبرلين على رغبتها في إبرام صفقة تجارية مع واشنطن. وقال «جوليان بورجر» في صحيفة «الجارديان»، إن «حجم الهزيمة أبرز عزلة الولايات المتحدة على المسرح العالمي قبل مواجهة دبلوماسية كبرى تهدد باستهلاك مجلس الأمن وتقويض سلطته بشكل أكبر». وذكرت «كارول موريلو» في صحيفة «واشنطن بوست»، أن «هزيمة واشنطن في مجلس الأمن تمثل «رفضا لنهج إدارة ترامب تجاه إيران».

 

وفي حين أن مخاوفها بشأن قدرة إيران على استيراد الأسلحة وتصديرها وخاصة إلى وكلائها في الشرق الأوسط تعد مبررا قويا وحقيقيا، فقد أدى سوء إدارة ترامب الدبلوماسية للقضية إلى حدوث هذه الأزمة. ومع ذلك، ولأن ما حدث في مجلس الأمن كان متوقعا؛ فقد وضعت واشنطن بالفعل خططها لما بعد ذلك، من خلال تطبيق آلية «سناب باك (العودة التلقائية للعقوبات) على إيران، والتي من شأنها إعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة على طهران قبل عام 2015 على أساس انتهاكاتها لشروط الاتفاق النووي. وأعادت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، «كيلي كرافت»، التأكيد على أنه «في الأيام المقبلة، ستفي واشنطن بهذا الوعد وأنه لا شيء سيوقف تمديد حظر الأسلحة». ومن جانبه، صرح «ترامب»، بقوله: «سنقوم بآلية سناب باك وستشاهدون تنفيذها قريبا».

 

وتوقع المراقبون أيضا صراعا دبلوماسيا بشأن تنفيذ آلية «سناب باك». وتتساءل «تريتا بارسي» من «معهد كوينسي»، عن مدى شرعية هذه الآلية بالنسبة لأعضاء مجلس الأمن؟.. وهل من الممكن أن يتجاهلوا تطبيقها.. وما هي قيمة المجلس بما أنهم لا يستطيعون الاتفاق على تحديد السلطات التي لديه؟». وفي السياق ذاته، صرح دبلوماسيون في مجلس الأمن، أن الولايات المتحدة ليس لها الحق في إعادة فرض العقوبات ضد إيران؛ لأنها انسحبت من الاتفاق النووي عام 2018. ومع ذلك، أكد تحليل قانوني أصدرته واشنطن أن لها «حقا واضحا» لاتخاذ هذا الإجراء لتجنب «سابقة خطيرة» في المستقبل. ووفقا لـ «رابطة الحد من انتشار الأسلحة»، فإن «إعادة فرض أمريكا لعقوبات الأمم المتحدة سيعني أن خطة العمل الشاملة المشتركة ستنهار على الأرجح، مما قد يؤدي إلى أزمة نووية جديدة».

 

ومع ذلك، تبعد الخلافات الدبلوماسية والقانونية حول ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة تنفيذ آلية «سناب باك» أم لا، الانتباه عن السؤال الأكثر جدية حول ما سيعنيه إنهاء حظر الأسلحة المفروض على إيران بالنسبة لسياساتها العدوانية في الشرق الأوسط وتدخلاتها في شؤون الدول الداخلية. وأوضحت «باربرا سلافين» من «المجلس الأطلسي»، في يونيو 2020, أنه منذ أن «أظهرت إيران قدرة كبيرة على تطوير أنظمة خاصة بها، من المرجح أن تكون مشترياتها محدودة». ويشير تقرير لوكالة «استخبارات الدفاع» في أغسطس 2019 إلى أنه «بمجرد انتهاء حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، فمن المتوقع أن تشتري طهران مقاتلات متطورة من الجيل الرابع غالبا من روسيا». وبالفعل، «ناقشت طهران وموسكو بيع طائرات من طراز سو-30 لإيران».

 

وفي هذا السياق يقول «روبرت كزولدا»، من «المجلس الأطلسي»، إن «الواردات العسكرية وحدها قد لا تعالج أوجه القصور لدى طهران، والتي لا يمكنها حاليًا تقديم سوى «تحديث محدود لمعدات عسكرية كانت موجودة خلال حقبة الحرب الباردة، فيما يبقى العائق هو أن «أنظمة السلاح الحديثة غالبًا ما تكون باهظة الثمن». وفي حديثه، عن جدوى استمرار تقييد الواردات الإيرانية بعد انتهاء حظر الأسلحة، استشهد بالدبابات الروسية، التي قد تحصل عليها إن أرادت، والتي باتت تمتلك حاليًا أنظمة لمكافحة الحرائق عبر التصوير الحراري التي كانت تنتجها شركة «تاليس» الفرنسية، والتي من غير المرجح أن يُسمح بنقلها إلى السيطرة الإيرانية.

 

وعلى الرغم من أن طهران قد لا ترى إصلاحا فوريًا لقواتها العسكرية التقليدية إذا انتهى الحظر فعلاً، فإن دعمها العسكري واللوجستي سيتجه بالأحرى إلى عملائها بالوكالة بشكل أكبر، والذين يقاتلون لزعزعة استقرار المنطقة، والحصول على العديد من الفوائد والمزايا الجيوسياسية لها. ويشمل ذلك زيادة التمويل، وتوفير معدات عسكرية أفضل لجماعات مثل، «حزب الله»، و«الحوثيين» وعملائها في دول الخليج. وفي هذا الصدد، تشير «وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية»، إلى أنه بين عامي 2012 و2018 قدمت إيران أكثر من 16 مليار دولار لوكلائها في الشرق الأوسط، وذلك على الرغم من الآثار المالية للعقوبات التي تقودها واشنطن.

 

من ناحية أخرى، يُفسح إنهاء الحظر المجال لتعاون عسكري وتكنولوجي أوثق بين طهران وموسكو وبكين. ولا يخفى أنه حتى مع فرض عقوبات الأمم المتحدة وأثناء سريانها، فقد تعززت هذه العلاقة بالفعل. وفي عام 2019 أجرت الدول الثلاث مناورات عسكرية مشتركة في منطقة الخليج العربي. ومؤخرا، وافقت الصين على شراكة استراتيجية مدتها 25 عامًا مع إيران، بمقتضاها ستقدم 400 مليار دولار من الاستثمارات لطهران، بالإضافة إلى تعاون عسكري أوثق وأقوى.

 

وفي المقابل، يمثل التقارب الصيني الإيراني، تهديدا لمكانة الولايات المتحدة الراسخة في المنطقة. وذكرت مجلة «فورين بوليسي»، أن «نفوذ الصين المتنامي في شرق آسيا وإفريقيا يمثل تحديا للمصالح الأمريكية، وسيكون الشرق الأوسط ساحة المعركة التالية التي يمكن لبكين أن تتحدى فيها الهيمنة الأمريكية هذه المرة من خلال إيران».

 

ويعكس فشل «واشنطن»، في إقناع أعضاء مجلس الأمن بدعم قرارها، تراجع التأثير الدبلوماسي الأمريكي خلال رئاسة «ترامب». ويصف «هنري روما»، من «مؤسسة أوراسيا الاستشارية»، محاولة «بومبيو» الفاشلة بأنها: «مثال حي آخر لخلق مزيد من العزلة التي تعتمدها واشنطن تجاه إيران، والتي تضاف إلى فشلها على مدى السنوات الثلاث الماضية في إقناع أي مُوِقع آخر على اتفاق حظر السلاح واستمرار دعم هذا النهج في التعامل معها». ومن وجهة نظر بعض المراقبين فإن هذا الأمر كفيل بأن يؤدي إلى سيناريو قد يلزم فيه استعراض القوة لمنع إيران من استيراد الأسلحة، وربما تكون النتيجة تهديد «الاتفاق النووي» لعام 2015 كليًا.

 

وأوضحت «أريان طباطبائي»، في مجلة «فورين بوليسي» أن إدارة ترامب تعلمت أنه “بغض النظر عن مدى عيوب المؤسسات الدولية، فإنه بمجرد انسحاب أي دولة منها، فإنها تفقد أي قدرة على التأثير عليها من الداخل». وتوضح أنه «بعد الانسحاب من الاتفاق النووي دون وجود أي خطة بديلة، أصبحت واشنطن في حيرة الآن؛ لأنها بحاجة إلى تمديد حظر السلاح المفروض على إيران». وكان وزير الخارجية الأمريكي، «مايك بومبيو» قد أوضح للصحفيين خلال زيارته لبولندا، أن الانسحاب من الاتفاق الإيراني كان «خطأ، ونحن نأسف لذلك».

 

وردا على هذا الفشل تسعى إدارة ترامب الآن إلى ممارسة نفوذ أكبر على إيران، ولا سيما مع اقتراب الانتخابات الأمريكية. ومن جانبه، أوضح «جوش روجين»، في صحيفة «واشنطن بوست»، أن «فريق السياسة الخارجية لترامب يسابق عقارب الساعة لفرض الأمر الواقع على الأرض بشأن مجموعة من القضايا من أجل جعل الأمر صعبًا قدر الإمكان على إدارة بايدن المحتملة للتراجع عن القرارات التي اتخذها ترامب. ويستشهد «روجين»، بالاتفاق النووي، مشيرًا إلى أن «الإدارة الأمريكية الحالية تحاول تحطيمه كليًا لدرجة أن إدارة بايدن لن تكون قادرة على إعادة الروح له ثانية». وفي هذا الصدد، تشير «سوزان ديماجيو»، من «مؤسسة كارنيجي»، أيضًا إلى أن إدارة ترامب تسعى باستمرار إلى تدمير الاتفاق، وربما يكون نهجها في الأمم المتحدة يرمي إلى تصعيد التوترات وإثارة حفيظة الإيرانيين بالتخلي عنه أيضًا»، مضيفة: أنها «تتبع نهج وسياسة الأرض المحروقة الرامي إلى تدمير الاتفاق من أجل جعل الأمر صعبا على بايدن، والإيرانيين.. إنها لا تهتم بتطوير برنامج إيران النووي بقدر اهتمامها حقًا بقتل هذا الاتفاق». ويشير «مارك دوبويتز»، من «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»، إلى أن «عودة الولايات المتحدة المفاجئة إلى السياسة الديمقراطية في المستقبل ستمثل سيفًا ذا حدين لإدارة بايدن». ففي حين أنها ستوفر له «نفوذًا كبيرًا» بشأن «التفاوض على قرار جديد لمجلس الأمن للتعامل مع الملف النووي»، إلا أنها ستجعل أيضًا «من الصعب جدًا على إدارته العودة إلى الاتفاق النووي، وسيعطي فريقه حجة أقوى بالبحث عن بدائل للاتفاق».

 

على العموم، لا تمثل هزيمة واشنطن في الأمم المتحدة، ومنعها من استمرار حظر السلاح على إيران نهاية للقضية. والمهم الآن، أن على الإدارة الأمريكية عدم السماح لإيران باستيراد وتصدير الأسلحة إلى منطقة الشرق الأوسط، لأن ذلك سيمكنها من تحديث وزيادة قدراتها العسكرية الهجومية ونقل التمويل والمعدات المتطورة إلى وكلائها بمناطق الصراع في المنطقة.

{ انتهى  }
bottom of page