top of page
1/9/2020

سياسات جونسون في الميزان.. بعد مرور عام على رئاسة الحكومة البريطانية

لا يزال «بوريس جونسون» يحتفظ بصفاته المثيرة للجدل، وفي حين يتمتع بشعبية كبيرة في جناح اليمين لا يحظى بشعبية مماثلة في جناح اليسار. وخلافا لسمعته المتعثرة والمتخبطة، فاجأ العديد من منتقديه بنجاحاته السياسية في عام 2019, في مقابل العديد من الإخفاقات خلال عام 2020. وبمناسبة مرور عام على تنصيبه سلط المحللون الضوء على أبرز المحطات التي شهدها العام الأول على الصعيدين الداخلي والخارجي.

 

وفي أول خطاب له كرئيس للوزراء وضع «جونسون» خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على رأس أولوياته، واعتبر هذه المسألة يوم 31 أكتوبر 2019 «مسألة حياة أو موت»، قائلاً: انسوا الخطط البديلة، الأمر سينتهي هنا». ومع ذلك هددت النزاعات السياسية داخل البرلمان بعرقلة خططه بعد تمرد «21» نائبًا عن حزب المحافظين بسبب الخروج المحتمل لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والذين تم عزلهم من الحزب.

 

فيما تصاعدت التوترات في «وستمنستر» عندما قامت حكومته بتأجيل البرلمان بشكل مثير للجدل في سبتمبر، وهو قرار حكمت عليه «المحكمة العليا» في وقت لاحق بأنه «غير قانوني». وعلى الرغم من المشاكل الداخلية نجح فيما فشلت فيه سلفه «تيريزا ماي»، وتوصل إلى اتفاق مع بروكسل بشأن اتفاقية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، والتي اعتبرها «صفقة عظيمة، وستسمح بـاستعادة السيطرة على أموالنا وحدودنا وقوانيننا معًا».

 

ومع ذلك، أجبره المزيد من أعضاء المعارضة في البرلمان على إعلان انتخابات عامة لشهر ديسمبر 2019. ومن الثابت أنّ فوز «جونسون» المدوي لاحقا في الانتخابات على «جيريمي كوربين» مرشح حزب العمال قد أمنّ 365 مقعدًا برلمانيًا لحزب المحافظين، مقابل 203 مقاعد فقط للمعارضة. وفي ضوء استفادته من الناخبين الساخطين على البريكست اعتبر أن نتيجة الانتخابات كانت دليلاً على أن مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي هي «قرار لا يقبل الجدل ولا رجوع فيه». بعد ذلك خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي رسميًا في 31 يناير 2020؛ ووصفها جونسون بأنها «ليست نهاية بل بداية.. هي اللحظة التي ينقشع فيها الفجر وينكشف الستار عن ترتيبات جديدة».

 

ومع ذلك فإن لحظات الفوز لم تدم طويلاً. وبحلول نهاية فبراير2020 لفت القلق المتزايد بشأن تفشي فيروس كورونا في الصين انتباه «وستمنستر». ومع تسجيل 407 حالات في لندن وحدها بحلول 16 مارس ومع بدء تزايد الحالات في جميع أنحاء البلاد اتخذ رئيس الوزراء قرارًا بفرض إجراءات الإغلاق، بعد أن وصل عدد الإصابات الى أكثر من 6000 حالة. وبحلول نهاية يوليو ارتفع إلى أكثر من 300 ألف إصابة وحوالي 46000 حالة وفاة.

 

ومنذ ظهور الجائحة نالت الحكومة انتقادات عديدة بشأن قرارات مكافحتها؛ بسبب افتقار الحكومة إلى استراتيجية واضحة للمواجهة. لدرجة أن «ريتشارد هورتون»، رئيس تحرير مجلة «لانسيت» الطبية علق قائلاً: «طريقة التعامل مع أزمة كوفيد-19 هي أخطر فشل في سياسة علمية منذ جيل». وفي الإطار ذاته قوبلت الجهود اللاحقة لبدء تخفيف إجراءات الإغلاق في نهاية يونيو 2020 بانتقادات من خبراء الصحة العامة الذين حذروا من ارتفاع ثان محتمل في الإصابة بالعدوى.

 

من جانب آخر حققت الحكومة نجاحًا أكبر في حماية الاقتصاد من أضرار جسيمة خلال الجائحة. وفي شهر أبريل حذر مكتب مسؤولية الميزانية من أن الاقتصاد قد ينكمش بنسبة تصل إلى 35% بحلول شهر سبتمبر، مع توقع ارتفاع معدل البطالة إلى10%. وقد نالت التدابير الاقتصادية خلال الوباء العديد من الانتقادات. وهاجم «مارتن فليتشر»، في صحيفة «التايمز»، الإنفاق العام للحكومة بقوله: «ربما تكون الحكومة قد أوقفت معدل البطالة الذي وصل إلى مرحلة الكساد أو لم توقفه، ولكن بأي ثمن؟ يراكم ذلك ديونا وطنية لا مثيل لها منذ الحرب العالمية الثانية.. ذات يوم سندفع ثمنا كبيرا.. سيكون هناك خفض في مستوى الأجور بدلاً من الارتقاء بها».

 

وعلى الرغم من إخفاقات الحكومة البريطانية خلال الجائحة إلا أن العديد من البلدان أظهرت استجابات أسوأ بكثير في التعامل مع الفيروس. وبينما انخفضت حالات الإصابة بها بشكل عام منذ الذروة في مايو 2020 لا تزال الولايات المتحدة تشهد في أغسطس ارتفاعًا هائلاً في الحالات، مع وجود أكثر من 4.3 ملايين حالة إصابة مؤكدة وأكثر من 150 ألف حالة وفاة في نهاية يوليو 2020.

 

أما ما يتعلق بالسياسة الخارجية ففي الوقت الذي انخرطت فيه واشنطن بشكل متزايد في التنافس مع بكين أصبحت بريطانيا أيضًا أكثر صراحة في انتقاداتها لها، إذ حاولت بشدة منع التوسع الصيني في مجال التكنولوجيا في البلاد. وفي يوليو2020 ألغت قرارها الصادر في يناير 2020 بالسماح لشركة التكنولوجيا الصينية «هواوي» بالمساهمة في بناء شبكة الإنترنت اللاسلكية عالية السرعة، بناءً على مخاوف بشأن العلاقة الوثيقة بين الشركة والحكومة الصينية. كما أمرت مزودي الهواتف المحمولة بالتوقف عن شراء معدات الشركة لشبكة الجيل الخامس بحلول نهاية هذا العام، مع حظر مشاركة جميع معداتها بحلول عام 2027. وبرر وزير الإعلام «أوليفر داودن» القرار بقوله: «لم يكن سهلاً، ولكنه صحيح لشبكات الاتصالات ولأمننا القومي واقتصادنا، الآن وعلى المدى الطويل».

 

من ناحية أخرى كانت بريطانيا من أشد منتقدي الصين بسبب أفعالها في هونج كونج، بعد أن فرضت قانونًا قمعيًا جديدًا للأمن القومي، وقامت بقمع المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية. وردا على ذلك علق «جونسون»، معاهدة تسليم المطلوبين مع هونج كونج. كما عرضت «وستمنستر» مسارًا جديدًا للحصول على الجنسية لما يقرب من ثلاثة ملايين مواطن من هونغ كونغ. وفي بيان نُشر في صحيفة «التايمز»، قال رئيس الوزراء: «إذا فرضت الصين قانون الأمن القومي خاصتها، فسنغير قواعد الهجرة الخاصة بنا وسنسمح لحاملي هذه الجوازات بالمجيء لمدة 12 شهرًا قابلة للتجديد ومنحهم مزيدا من حقوق الهجرة، بما في ذلك الحق في العمل، مما قد يضعهم على طريق الحصول على الجنسية».

 

وفي مقابل المقاومة القوية لبكين لم يُتخذ موقف مماثل تجاه موسكو. وانتقد تقرير برلماني صادر عن لجنة «المخابرات والأمن»، في نهاية يوليو2020 تعامل «ويستمنستر» مع التدخل الروسي في السياسة البريطانية، وزعم أن الحكومة الحالية وأجهزتها الأمنية «استهانت بشدة بالتهديد الروسي والرد الواجب عليه». وعلى الرغم من اعتراض الحكومة إلا أن نتائج التقرير مثلت إحراجًا لها لا يمكن إنكاره.

 

وبالنسبة للشرق الأوسط فقد تفاعلت الحكومة معه بشكل محدود بسبب التركيز على البريكست، وجائحة كورونا، لهذا تركت الحكومة بصمة خفيفة في شؤون الشرق الأوسط. وحيثما كانت نشطة في المنطقة كانت عادة ما تدعم المصالح الأمريكية. في يناير 2020 تعهد «جونسون» بدعم «صفقة ترامب» مع إيران لتحل محل الاتفاق النووي لعام 2015, باعتباره اتفاقا «معيبًا»، حيث قال: «دعونا نستبدلها بصفقة ترامب.. هذا ما نحتاج إلى رؤيته.. الرئيس ترامب صانع صفقات عظيم». كما أعرب أيضا عن موافقته على خطة ترامب للسلام «صفقة القرن»، وحث الفلسطينيين على التعاون مع واشنطن لتحقيقها. وعلى الرغم من أنه لم يصل إلى حد تقديم الدعم الدبلوماسي الرسمي للاقتراح الأمريكي فإنه يرى أنها يمكن أن «تكون خطوة إيجابية إلى الأمام بالنسبة للشرق الأوسط».

 

وبالإضافة إلى نقاط الضعف السابقة أُدين رئيس الوزراء بالاعتماد المفرط على مجموعة أساسية من الوزراء والمستشارين. ومن أبرزهم وزير شؤون مجلس الوزراء «مايكل جوف»، وكبير مستشاريه «دومينيك كامينغز»، وكان الأخير مثيرًا للجدل بالفعل بشأن شخصيته المحرجة وآرائه المناهضة للمؤسسة، ولعب دورًا رئيسيًا في تشكيل سياساته المحلية، بما في ذلك تعديل هيكل الخدمة المدنية. بينما كان «جوف» بمثابة اليد اليمنى له في الحكومة، ودعم الجهود المبذولة لإصلاح أجزاء من المؤسسة السياسية. وعليه، ذهب الصحفي البريطاني «بيتر أوبورن» إلى حد القول: «لقد برز جوف كرئيس وزراء فعلي لبريطانيا».

 

وبالفعل، أدى اعتماده على مجموعة مستشاريه إلى تقويض سلطته. وفي موقف غير مبرر لم يستجب لمطالبات واسعة النطاق بعزل «كامينغز» من منصبه عندما تم الكشف عن أنه سافر من لندن إلى مدينة دارام خلال ذروة الوباء في انتهاك واضح لإرشادات الصحة العامة التي حددتها الحكومة. وبعد هذا الموقف اتضح أنه شخصية قوية جدًا داخل الحكومة لدرجة أنه لا يمكن عزله، وبالتالي فإن «مسؤولاً غير منتخب يمتلك سلطة أكبر من العديد من مسؤولي مجلس الوزراء».

 

على العموم، كانت السنة الأولى من ولاية «جونسون» كرئيس وزراء صاخبة، إذ شهدت العديد من الأزمات الكبرى. فبعد أن تمكن من إنجاز خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقاد حكومته إلى الفوز في الانتخابات؛ ظهرت جائحة كورونا، والتي وقعت خلال مواجهتها العديد من الأحداث الكبرى التي تشير إلى إخفاقات ونجاحات الحكومة، فضلا عن المشكلات المتعلقة بسياسته الخارجية، وتعامله مع الصين، والتدخل الروسي في الشؤون البريطانية الداخلية. وعلى الرغم من أن إدارته لهذه الملفات كانت ناجحة إلا أنه ليس نجاحًا باهرًا.

{ انتهى  }
bottom of page