top of page
24/9/2020

مستقبل أسعار النفط في ظل استمرار تداعيات كورونا

برغم إقبال (أوبك+) في أبريل الماضي على خفض الإنتاج بنحو9.7 ملايين برميل يوميًا لمدة 3 شهور «مايو ويونيو ويوليو»، وبمقدار 7.7 ملايين برميل يوميًا بعد ذلك حتى نهاية العام، فإن الطلب الضعيف على النفط بسبب أزمة كورونا وسياسة الإغلاق الشامل قد ضربا كل قطاعات الاقتصاد المرتبطة بالحركة، حيث انخفض هذا الطلب بمقدار الثلث، وارتفعت مستويات المخزون النفطي لدى كبار المشترين، ما أدى إلى أن العقود الآجلة قد سجلت أسوأ مستوى لها منذ 19 عامًا.

 

وعلى الرغم من الإجراءات التي تمت لفتح الاقتصاد في أوروبا والولايات المتحدة والصين والهند في يونيو 2020، فإن المخاوف من عودة الإصابات المرتفعة بالفيروس قد أفضت إلى تباطؤ في الانتعاش الاقتصادي. وتشير المنظمات المعنية بقياس حالة الاقتصاد العالمي إلى أنه حتى يتم الوصول إلى مصل موثوق به سيظل هذا الوضع من التباطؤ قائمًا، وأن العالم لن يعود قبل 3 سنوات إلى الوضع الذي كان عليه قبل الجائحة. ويعيد هذا الوضع إلى الأذهان أزمة تخمة المعروض النفطي في ثمانينيات القرن الماضي، التي أفضت إلى انخفاض الأسعار حتى بلغت 10 دولارات للبرميل عام 1986، بعد أن كانت أكثر من 35 دولارا في 1979.

 

وفي الواقع، فإن سوق الطاقة العالمي لم يتعاف بعد من الأزمة المالية في مارس وأبريل2020. وتوقعت «أوبك» في أغسطس 2020 أن الطلب على النفط سينخفض بشكل كبير ليصل إلى 9.1 ملايين برميل يوميًا، بانخفاض أكثر من 100 ألف برميل يوميًا عن توقعها السابق في يوليو 2020. واستوردت الولايات المتحدة 264 ألف برميل يوميًا من الخام السعودي في أغسطس، أي أقل بنسبة50% عن متوسط وارداتها في 2019. وفي بداية سبتمبر 2020، سجلت أسعار الخام الأمريكي أسوأ انخفاض بنسبة 7% ليصل إلى 36.76 دولارا للبرميل، فيما انخفضت الأسعار الفورية بأقل من الأسعار الرسمية لخامات أبو ظبي والعراق وقطر وعمان، وبدا أن العودة لزيادة الإنتاج في أغسطس 2020 قد أتت بنتائج عكسية. وكانت صادرات الخام الأمريكي قد زادت في يوليو إلى 3.2 ملايين برميل يوميًا وعاد المنتجون إلى تشغيل الآبار التي كانوا قد أغلقوها في أبريل. فيما مثلت الضربة الجديدة التي نجمت عن انخفاض الطلب تهديدًا آخر للدول التي تعتمد بشكل كبير على صادرات النفط في إيراداتها الحكومية وتمويل الصناعات الرئيسية، ومنها دول الخليج.

 

في بداية سبتمبر 2020، بعد اتجاه السوق إلى الشراء بعقود آجلة، وبانخفاضات سعرية أكبر، خفضت شركة النفط السعودية «أرامكو» أسعار صادراتها لأسواق آسيا وأمريكا الشمالية. وجاءت هذه الخطوة في الوقت الذي انخفضت فيه تكلفة خام برنت -وهو المعيار الدولي لأسعار النفط- إلى 40 دولارًا للبرميل يوم 10 سبتمبر في أكبر تراجع له منذ يوليو. تبع ذلك تسجيل الخام الأمريكي «غرب تكساس الوسيط» أيضا انخفاضا حادا بنسبة 7%. وبالنسبة لمحللي الصناعة؛ فإن الانخفاضات الأخيرة في الأسعار تمثل ركودًا في التعافي الاقتصادي. وكتب «جوليان لي»، في «بلومبرج» أن «انتعاش الطلب قد توقف رسميًا». كما أعلن «ديريك بروير»، في صحيفة «فاينانشال تايمز»، أن «تعافي سوق النفط قد توقف».

 

ويأتي قرار «أرامكو»، أكبر منتج للنفط في منطقة الخليج، بتخفيض أسعار صادراتها استجابة للتراجع الملحوظ في الطلب. وتسببت انخفاضات الأسعار في تراجع كبير لإيرادات السعودية وخطط الاستثمار المستقبلية. وفي أغسطس، سجلت الشركة تراجعًا بنسبة 50% في صافي دخلها للنصف الأول من عام 2020، بانخفاض من 46.9 مليار دولار لعام 2019 إلى 23.2 مليار دولار. ومع ذلك، قال رئيس الشركة «أمين الناصر»، في ذلك الوقت إنه ظل «إيجابيًا إلى حد ما بشأن الطلب الطويل الأجل على النفط»، وأشار إلى أن «الأسوأ على الأرجح أصبح خلفنا».

 

ويعتبر الانخفاض الأخير في أسعار النفط العالمية دليلا على أن سوق تصدير النفط ستتأثر بتداعيات جائحة كورونا فترة طويلة قادمة. وبالنسبة لدول الخليج، كان لهذا تأثير على الإنفاق الحكومي والتنمية الاقتصادية. وفي بداية سبتمبر، اضطرت «أرامكو» أيضًا إلى تأجيل بناء مشروع لتحويل النفط الخام إلى كيماويات بقيمة 20 مليار دولار على ساحل البحر الأحمر، بالإضافة إلى تأجيل خططها لبناء مجمع تكرير بقيمة 10 مليارات دولار في الصين.

 

ومع ذلك، فإن أحد السيناريوهات القائمة هو حدوث انتعاش سريع؛ وفقًا لما ذكره «دان ميرفي»، من قناة «سي إن بي سي». وكانت «أرامكو» مستعدة بشكل جيد لمواجهة تقلبات السوق، نظرًا إلى حجمها وانخفاض تكلفة إنتاجها وقدرتها على توليد التدفق النقدي الحر بشكل ثابت في بيئة أسعار النفط الضعيفة». ولا تزال الشركة تتبع خطة بقيمة 15 مليار دولار للاستثمار في أعمال التكرير لشركة «ريلاينس إندستريز» الهندية.

 

وفي حين أن صناعة النفط السعودية سوف تتعافى، فإن التوقعات للدول الأخرى في الخليج ليست واضحة المعالم. وبالإضافة إلى المخاوف بشأن الإيرادات من مبيعات النفط الخام، هناك أيضًا المخاوف من تزايد الاستهلاك المحلي. ووفقًا لـ«جوليان لي، «سيتم استهلاك المزيد من النفط محليًا في دول الخليج لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء في الصيف».

 

وبالنسبة لدول الخليج ضمن اتفاقية (أوبك+)، فإن الضربة الاقتصادية لتراجع الطلب الأولى تثير التساؤلات حول ما إذا كانت ستستمر بالنسبة للأطراف الموقعة. وأنتجت «السعودية» بمعدل 250.000 برميل يوميًا أكثر من هدف (أوبك+) لشهر أغسطس، وباشرت «الإمارات» إنتاجًا زائدًا مماثلاً. في حين طلب «العراق» إعفاءه من تخفيضات الإنتاج في عام 2021. أما «الكويت» فتواجه أزمة مالية؛ بسبب انخفاض الأسعار، قد تنتهي إلى عدم قدرتها على تغطية العجز المتوقع البالغ 46 مليار دولار هذا العام. ومع استمرار اعتمادها على المحروقات في 90% من إيراداتها وتوظيف الدولة 80% من القوى العاملة، فإن العجز الذي تسجله الميزانية العامة من شأنه أن يثير مخاوف بقية دول الخليج بشأن التداعيات الاقتصادية المحتملة. وصرح «صندوق النقد الدولي»، بالفعل بأن «نافذة الفرصة المتاحة للكويت لمواجهة تحدياتها من موقع القوة تضيق».

 

وتمثل هذه المخاوف معضلة للدول الأخرى. ومن وجهة نظر «بسام فتوح» مدير «معهد أكسفورد لدراسات الطاقة»، فإنه «في هذه المرحلة، يجب أن ينصب التركيز على ضمان العودة لأسعار نفط أفضل». وفي هذا الصدد، سيكون مسار عمل السعودية مؤثرا. ولاحظ «أنتوني دي باولا»، من «بلومبرج» أن «الرياض عادة ما تحدد مسار قرارات التسعير من قبل الدول البترولية الأخرى في الشرق الأوسط، بما في ذلك العراق والإمارات، وهما ثاني وثالث أكبر منتجين في منظمة البلدان المصدرة للبترول».

 

ويعتبر الانخفاض في أسعار النفط الخليجي والصادرات جزءًا من اتجاه أوسع شهد انخفاضًا في تقييم النفط الخام تماشيًا مع مستويات الطلب العالمي. وعلق «جون كيلدوف» من شركة «أجين كابيتال» على ذلك بقوله: «لقد كان موسم الصيف على غير المعتاد، ولا تزال حالة الطلب تتراجع». وتعكس تخفيضات الأسعار أيضًا الحاجة إلى تحديد سعر أكثر دقة لصادرات النفط. ووفقًا لـ«بول هورسنيل»، من شركة «ستاندرد تشارترد»، فإن «تصحيح الأسعار جاء متأخرا قليلاً».

 

ومع وضع هذا في الاعتبار؛ ليس من المستغرب حدوث تخفيضات كبيرة في أسعار النفط خارج منطقة الخليج. وفي 4 سبتمبر، انخفضت تكلفة الخام الأمريكي بنحو 4%، إلى أدنى مستوى لها منذ يونيو. بسبب التراجع في الطلب. في حين سجلت صادرات الخام السعودي إلى الولايات المتحدة أيضًا أدنى مستوى لها منذ الثمانينيات. وفي أغسطس، تم تصدير 264 ألف برميل يوميًا في المتوسط، بانخفاض1.3 مليون برميل يوميًا في أبريل. وفيما يتعلق بوضع السوق، علقت «فادانا هيري» من شركة «فاندا انسايتس» بأنه «لا يوجد الكثير لتحريك أسعار النفط، وهذا هو السبب في أن تأثيره كان محدود النطاق مع الاستمرار في الارتفاع بسبب ضعف الدولار؛ وهو ما مثل الدعم الوحيد للأسعار».

 

وعلى الرغم من تعافي الطلب على وقود المركبات بشكل كبير في جميع أنحاء العالم فإن متطلبات المستهلكين لوقود الطائرات لم تتم إعادة تثبيتها إلى أي درجة مماثلة. ونظرًا إلى أنه من غير المتوقع أن يتعافى قطاع السفر الجوي تمامًا حتى يتوافر لقاح لـكوفيد19-وهو ما سيظل ممتدًا لعدة أشهر- فإن صناعة الطيران ومورديها، بما في ذلك صناعة تصدير النفط العالمية؛ ستبقى عاجزة عن إحداث انتعاش في ثرواتها الاقتصادية.

 

وبالإضافة إلى انخفاض الطلب في الغرب، فإن تعافي قطاع النفط قد عرقله انخفاض الطلب من الدول الصناعية مثل الهند والصين. وشهدت زيادة الطلب من الأخيرة في أواخر الربيع والصيف استقرارا لأسعار النفط، وإن كانت لا تزال منخفضة بنسبة 35% عن مستويات عام 2019. فضلا عن ذلك، يواصل الاقتصاد الصيني التعافي؛ مع زيادة عدد الركاب على الطائرات بنحو 25% شهريًا. حتى إن تحليلات السفر من موقع «فوارورد كيس» تنبأت بعودة حركة السفر الجوي في الصين إلى مستويات ما قبل الوباء في شهر سبتمبر2020، وذلك على الرغم من أن هذا لا يعادل ما يكفي لتعويض الخسائر السابقة.

 

ومنذ يونيو، كانت الصادرات من الخليج إلى الصين تسير بشكل تدريجي، بيد أن الطلب انخفض مرة أخرى، حيث سعت الأسواق الآسيوية إلى استخدام المخزونات التي حصلت عليها مقابل أسعار أقل. ونتيجة لذلك، لا يزال هناك 50 مليون برميل من النفط الخام في الصين وفقًا لتقديرات شركة «إنرجي أسبكتس». ومن وجهة نظر «باولا ماسيو» من شركة «ريستاد إنرجي»، فإن «الانخفاض الحاد في مشتريات النفط الخام من الصين في الأسابيع المقبلة قد يمثل سببًا لاستمرار حالة الترقب في بقية سوق النفط العالمية».

 

ومع استمرار حالات الإصابة بفيروس كورونا في الارتفاع عند مستوى ينذر بالخطر؛ فإن مستوى مماثلا من التعافي الاقتصادي الذي كان يحدث في الصين يعدّ أمرا مستحيلا. وكتب «جوليان لي» أن «الطلب على النفط في الهند لا يزال على حاله من الضعف، وتعد أخبارًا سيئة بشكل خاص لأولئك الذين يرغبون في ارتفاع أسعار النفط، حيث انضمت إلى الصين كواحدة من المراكز الرئيسية للنمو في استهلاك الوقود السائل».

 

وعلى الرغم من التخفيضات الأخيرة في أسعار النفط الخام، فمن غير المرجح أن يكون ذلك سببًا في عودة الانتعاش للسوق النفطية، حيث من الواضح أنه لا يزال هناك طريق طويل إلى التعافي الاقتصادي، وهو وضع لا يناسب الدول التي تعتمد بشكل أساسي على الإيرادات النفطية في تمويل الإنفاق العام، مثل دول الخليج.

 

ونختم بالقول بأن هذه ليست المرة الأولى التي تنخفض فيها مثل هذه الإيرادات، ما يعني أن هذه الدول اكتسبت خبرة طويلة في التعامل مع مثل هذه الأزمات، والدرس الرئيسي المستخلص منها هو التحرر من الاعتماد المطلق على الإيرادات النفطية، والمثال البارز لذلك مملكة البحرين، حيث أصبحت الإيرادات النفطية دون الـ20% من الناتج المحلي الإجمالي.

واستجابة لهذه التحديات عقد «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، (RUSI) بلندن، ندوة عبر الإنترنت بعنوان «التعددية القطبية في عالم ما بعد كورونا»؛ بهدف مناقشة التحديات المعاصرة والمستقبلية التي تواجهها التعددية القطبية والمؤسسات العالمية متعددة الجنسيات في العالم، رأسها «هون ألكسندر»، النائب السابق عن حزب العمال، والذي تولى منصب وزير الدولة للتجارة، ولأوروبا، وللتنمية الدولية، وكان المتحدث الرئيسي بها السفيرة «إليزابيث كوزينز»، الرئيسة الحالية لمؤسسة الأمم المتحدة، وهي المؤسسة الخيرية الرئيسية للمنظمة.

 

في البداية وصفت «كوزينز» التهديد الحالي للتعاون الدولي والمتعدد الجنسيات بأنه «السؤال الأساسي»، حيث يقف العالم حاليًا عند نقطة تحول في التعددية القطبية، موضحة إيمانها المستمر بهذه القضية، وأن التحديات التي يواجهها العالم حاليًا مثل جائحة كورونا «عالمية بطبيعتها ولن يتم حلها إلا من خلال العمل الجماعي العالمي»، مضيفة أن الوضع «يعد اختبارًا لنا جميعًا ونحتاج بشدة إلى اجتيازه».

 

وفيما يتعلق بالوضع الحالي للمؤسسات متعددة الجنسيات مثل الأمم المتحدة، وصفتها بأنها «تحت الحصار»، لكنها قالت أيضًا: إنها «بحاجة إلى التغيير»، كما أشارت إلى أن عام 2020 شهد العديد من التحديات للتعددية، مثل (جائحة عالمية تأتي مرة واحدة في القرن، وحرب تجارية وتوترات متصاعدة بين الولايات المتحدة والصين)، بالإضافة إلى أنها احتلت المركز التاسع عشر بين أكثر عشرين عامًا تسجيلاً لأعلى درجات حرارة عالمية حدثت في العشرين عامًا السابقة. لذلك، من وجهة نظرها، من «الواضح تمامًا» أن العالم يواجه ما اسماه الأمين العام السابق للأمم المتحدة، «كوفي عنان»، «مشاكل من دون جوازات سفر»، وأن الأمم المتحدة بحاجة إلى التكيف مع هذه التهديدات والصعوبات. بالإضافة إلى ذلك، دعت إلى «العودة إلى الأساسيات وتجديد الثقة في التعددية القطبية بعرض قيم تشدد عليها»، ووصفت هذه العملية بأنها «جزء مهم من إعادة بناء تحالف أساسي للنظام متعدد الأطراف».

 

وعندما سُئلت كيف أن أخطاء الماضي تحول دون القدرة على المضي قدمًا في المستقبل؛ مع طرح مثال سوريا كدراسة حالة في هذا الصدد. ردت بوصف مثل هذه الإخفاقات السابقة بأنها «مخزية»، و«يجب أن تحفزنا على القيام بعمل أفضل في المستقبل». ومع ذلك، قالت إن «هناك إخفاقات وكذلك إنجازات على الجبهة المتعددة الأطراف».. والسؤال الحقيقي، هو حول «نوع العالم الذي نريد أن نحيا فيه»، ومدى مشاركة الحكومات والمواطنين، وأكدت مرة أخرى التزامها الخاص بالتعاون الدولي، وأن غالبية مشاكل العالم لا يمكن معالجتها «دون العمل معًا بطريقة ما».

 

وفي ردها، على سؤال «ألكسندر»، عن الكيفية التي يمكن أن تفسر بها ظهور النزعة القومية والشعبوية في الخطاب السياسي الغربي، وما إذا كانت هذه أعراض للأزمة الحالية في التعددية؛ أرجعت ذلك إلى الضغوط التراكمية، مثل «تأثير العولمة»، و«تسليح وسائل الإعلام»، و«انعدام الثقة في المؤسسات العامة»، كما انتقدت أيضًا «البيئة الإعلامية الشرسة» في العالم الغربي، واصفة إياها بأنها «تهديد» وشيء يحتاج العالم إلى «معالجته». من جهة أخرى، رفضت فكرة أن المنظمات الدولية تفقد الدعم العام من خلال الاستشهاد ببيانات استطلاعات الرأي من الولايات المتحدة كدليل على أن الأمريكيين ما زالوا «يدعمون بشدة شراكة قوية بين الأمم المتحدة وأمريكا»، وأن الأخيرة ما زالت تحتفظ بدور نشط في الشؤون الدولية.

 

ورد «ألكسندر» على هذا الطرح، بالسؤال عن كيفية تزاوج هذه البيانات مع منظمة الصحة العالمية، التي لا تثق بها «واشنطن»، وامتنعت عن تمويلها، كما أشار أيضًا إلى أن «مجلس الأمن» كان «صامتًا بشكل ملحوظ» خلال جائحة كورونا. وردت «كوزينز» بأن هناك «تباينا بين الرأي العام الأمريكي والحكومة الأمريكية» بشأن قضية التعددية، مع كون الأمم المتحدة دائمًا «ورقة سياسية» في يد واشنطن.

 

وحول المستقبل المحتمل للتنمية المستدامة والتعاون الدولي في أعقاب جائحة الفيروس التاجي، أشارت «كوزينز» إلى الصعوبات العالمية الحالية على أنها «الاختبار الأشد في حياتنا»، لكنها ادعت أيضًا أنه سيكون من «الخطأ» رؤية التعافي الاقتصادي من الجائحة بمنأى عن خطط التنمية المستدامة، وأن العالم إذا كان قد أحرز المزيد من التقدم في أهداف التنمية المستدامة، فمن المحتمل أن تكون الاستجابة العالمية للجائحة أقوى.

 

وفيما يتعلق بأهداف التنمية المستدامة نفسها وصفتها بأنها «تدور حول جعل قضايا العولمة والاقتصادات الموسعة أكثر عدلاً واستدامة». ومع وضع ذلك في الاعتبار، دعت إلى أن يكون هذا المبدأ في «جوهر» استراتيجية التعافي الاقتصادي العالمي من الجائحة. أما عن الدعم المالي الكبير الذي وفرته الحكومات والمنظمات العالمية فقد أعربت عن دعمها لمزيد من الاستثمار في «اقتصادات المستقبل»، مشيرة إلى وجود المزيد من التمويل في الوقت الحالي لدعم اقتصادات الماضي.

 

وعندما سأل «ألكسندر» عن الدورة الـ«75» للأمم المتحدة، وجدول الأعمال كونه يتضمن التركيز على «تحويل العالم من خلال التنمية المستدامة»، وكذلك «فقدان التنوع البيولوجي العالمي»، أوضحت السفيرة الأمريكية السابقة، أن هناك إقرارا بأن جائحة الفيروس التاجي ستكون على رأس الأولويات، وهذا ينطبق أيضًا على قضية المناخ، والتنوع البيولوجي. وذكرت أنه سيكون هناك «بلا شك» ما وصفته بـ«مسرح سياسي متعدد الأقطاب» داخل الجمعية العامة يتناول الكثير من المناقشات الجوهرية.

 

من ناحية أخرى أشارت إلى الرسالة «الواضحة»، التي تحملها الجمعية العامة في دورتها الحالية، والتي مفادها أنه «لن تحرز أي دولة نجاحات إذا سار العالم على طريق الحملات القومية للتطعيم» بشكل منفرد، وأنه إذا لم نتخذ «إجراءات عاجلة وإعلان حالة الطوارئ المناخية»، فإننا فعلا أمام أزمة كبيرة، وأنه «إذا تركنا حالة عدم الثقة والشك يسيطران على تقييماتنا الاستراتيجية»، فلن يكون هناك أي فائز أو منتصر». وأخيرا، ذكرت أن قادة العالم يجب أن يدركوا أن «التاريخ سيحكم وسيقيم ما يفعلونه في هذه اللحظة».

 

بالإضافة إلى ذلك، تحدثت عن كيفية استمرار عمل «النظم» التي يعتمد عليها المجتمع الدولي مثل «الغذاء والمناخ والطبيعة» في ظل «الضغوط والتهديدات التي يصعب تجنبها»، وسلطت الضوء على فكرة، «وحدة الهدف» في التعاون الدولي المشترك لمواجهة الجائحة، وأن التعاون الدولي لا يعني أن البلدان يجب أن تتفق على كل قرار سياسي مشترك فحسب، بل يجب أن تعمل معًا حتى لا «يتسببوا في إفقار شعوبهم والتأثير على حياتهم الاقتصادية بلا داع».

 

وردا على سؤال «ألكسندر» عما إذا كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «سيقلل» من التأثير العالمي للمملكة المتحدة، أشارت «كوزينز» إلى الرغبة الواضحة لحكومة المملكة المتحدة في الاضطلاع بدور أكثر نشاطًا في قيادة العالم، وبالتالي «رحبت» بالخروج باعتباره خطوة تقدمية من وجهة نظرها. وحول قضية زيادة مشاركة الصين في المؤسسات الدولية، تحدثت أيضًا عن كيف أن المؤسسات الدولية غالبًا ما تكون «ساحة تنافس» بين القوى العظمى، «خاصة وأن الصين بدأت تفرض نفسها» على المسرح العالمي، وأشارت إلى أن بكين تلعب «دورًا أكثر وضوحًا وقويًا» من ذي قبل، وهو ما يمكن إرجاعه للانسحاب الأمريكي من المؤسسات الدولية؛ لذلك أكدت أن الانسحاب الأمريكي من شأنه أن «يخلق مساحة أكبر» لدولة مثل الصين لملء الفراغ.

 

وعندما سُئلت عما إذا كانت سمعة ومكانة الأمم المتحدة في الآونة الأخيرة قد تدنت من جراء السيطرة عليها من قبل «وجهة نظر أحادية» بدلاً من تبنيها «رؤى حضارات مختلفة تعمل وتتعاون معًا». ردت أنه في ضوء خبرتها العملية بالمجال الدبلوماسي ترى أن العالم والأمم المتحدة مليئان بـ«وجهات نظر متنافسة» بفعل وجود «ثقافات متنافسة في الأصل» تعتريها الكثير من «نقاط التوتر والجدل» باستمرار. وفي شرحها لهيكل الأمم المتحدة وأهميته التاريخية، أشارت إلى ان تكوين المنظمة في فترة الأربعينيات كان في الأساس بين دول «خرجت لتوها» من الحرب العالمية الثانية وأرادت إنشاء مؤسسة دولية لجعل العالم «أكثر استقرارًا وسلامًا»، و«خلق فرصة لتحقيق تقدم أكبر في هذا الصدد».

 

وتعلق السؤال الأخير بتأثير نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر القادم والفرق الذي ستحدثه بالنسبة للولايات المتحدة. ورغم دورها الدولي البارز كانت «كوزينز» صريحة بشأن التهديد الذي يشكله إعادة انتخاب ترامب بالنسبة للتعاون الدولي والأمم المتحدة على حد سواء، وأوضحت أنه «لا يمكن لأحد أن يحدد مدى أهمية هذه الانتخابات» بالنسبة لـ«صحة ديمقراطيتنا» و«مكانة الولايات المتحدة في العالم، كما انتقدت نهج الإدارة الأمريكية الحالية إزاء السياسة الخارجية، وأكدت أن فترة ولاية ثانية «تشكل تهديدًا خطيرًا» لمفهوم التعاون الدولي المشترك، ووصفت رئاسة «بايدن» المحتملة بأنها «من شأنها أن تحدد مسارًا مختلفًا وجديدًا»، لكن من الواضح أن كلا الإدارتين، سواء «بايدن» أو «ترامب»، ستواجهان «تحديات مشتركة» مثل صعود الصين و«جدول أعمال داخلي صعب»، من شأنه أن يصرف انتباه الرئيس الأمريكي الجديد عن القضايا الدولية.

 

على العموم، قدمت الندوة وصفا دقيقا للتحديات الحالية التي يواجهها التعاون الدولي والتعددية القطبية. وعلى الرغم من عدم وجود «خطة» مفصلة واضحة المعالم لتعزيز هذه التعددية قبل الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، فقد أظهرت المعلومات التي أوضحتها إحدى الشخصيات البارزة في الأمم المتحدة أن المنظمة لا تزال ملتزمة بتعزيز التعاون والتوافق الدوليين. ومثلما كان هذا الالتزام بالتعاون المشترك سمة أساسية, رأيناها طوال التاريخ الممتد للمنظمة الدولية, لا يزال يتحتم علينا تحويل تصريحات وقرارات تلك المؤسسة الدولية إلى أفعال يجب تحقيقها بالكامل على أرض الواقع دون أدنى تأثير من طرف ما مهما كان.

{ انتهى  }
bottom of page