مقالات رئيس المركز
د. عمر الحسن

31/7/2020
تـقـيـيم للحــالـة الأمـنـية فــي الــبــحـرين لسنة 2020 ..التحديات الداخلية والتهديدات الإقليمية والدولية (1-2)
تتجه التهديدات التي يعيشها العالم في الفترة الراهنة نحو مزيد من التشابك والتعقيد نتيجة لعلاقة التأثير والتأثر ما بين الدولي والإقليمي والمحلي، وذلك بفعل ظهور تشكيلات تستخدم التقنيات الحديثة، بدءًا من الحواسيب حتى تكنولوجيا الأقمار الصناعية، وأضحت قادرة على فهم المعادلات السياسية واستغلال الثغرات الاقتصادية وتطويع الأدوات الثقافية وغيرها لتحقيق أهدافها الإجرامية عبر الدول والقارات؛ ما خلق حاجة إلى إيجاد أساليب إبداعية وابتكارية للتعاطي معها، بتعاون الأجهزة الأمنية وبمشاركة جميع دول العالم.
وقبل التطبيق على مملكة البحرين كدراسة حالة لجهة مجابهة تلك النوعية من التهديدات الأمنية يتعين بداية توضيح أن معظم التهديدات الأمنية الدولية تتشابك مع التحديات الأمنية المحلية والإقليمية.
التهديدات الأمنية الدولية
1- الإرهاب: يمثل التحدي الأكبر للأمن والاستقرار في العالم؛ وقد شهد عام 2020 وقوع العديد من العمليات الإرهابية في مناطق من العالم نذكر منها: في فرنسا الهجوم على المارة في مدينة «ليون»، وحادثة دهس في مدينة «كولومب». وفي بريطانيا الهجوم على متنزه ببلدة «ريدينغ»، وعمليات إرهابية نفذها تنظيم داعش في العراق، واستهداف الكلية الحربية في العاصمة الأفغانية كابول، وهجوم «بوكوحرام» على قرية «أونوا» النيجيرية، وعدد من العمليات الإرهابية في سيناء المصرية.
وشهد عام 2019 وقوع العديد من العمليات الإرهابية أيضا، مثل: اقتحام فندق في نيروبي، وإطلاق نار على مسجدين في نيوزيلندا، وهجمات شهدتها سريلانكا، وإطلاق نار عشوائى بمدن تكساس وأوهايو وكاليفورنيا ودايتون وشيكاغو في الولايات المتحدة، وانفجار وقع بمنطقة قصر العيني بالقاهرة، واقتحام مسجد في أوسلو، وتفجير في العاصمة الأفغانية.
وتعكس هذه الحوادث استمرار التهديد الذي يُمثله الإرهاب، مدفوعًا بآيديولوجيات تمثلها تيارات يمينية متطرفة.
2- «الصراعات الدولية»: التي قد تتحول إلى صراعات إقليمية، وينطبق هذا على الحرب الأهلية السورية، نتيجة تورط أطراف إقليمية ودولية فيها، مثل إيران وروسيا، والولايات المتحدة، وإسرائيل وتركيا.. وكذلك الحال في الأزمة الليبية، كما تنبئ الصدامات أيضًا التي وقعت بين الهند وباكستان في كشمير عن مخاوف حدوث مواجهة عسكرية بينهما تمتد آثارها إلى منطقة الخليج بحكم القرب الجغرافي، وتخوفات من تهديد التنافس القائم بين أمريكا والصين أو أمريكا وروسيا للأمنين الدولي والإقليمي.
3- إيران: وهي المصدر الأساسي للتهديد على المستويين الدولي والإقليمي، فمن جهة هناك الاتفاق النووي الذي تم توقيعه عام 2015 بين إيران والدول الست (الصين، روسيا، أمريكا، فرنسا، ألمانيا وبريطانيا)؛ بهدف توجيه برنامجها النووي للأغراض السلمية. وبموجبه تم رفع معظم العقوبات التي كانت مفروضة عليها، الأمر الذي استغلته في تطوير منظومتها الصاروخية، وهو ما أدركه الرئيس الأمريكي «ترامب»، فقام بالانسحاب من الاتفاق في 8 مايو 2018؛ بعد أن رأى أنه يمثل تهديدًا لأمن واستقرار المنطقة والعالم. ومن جهة أخرى سعيها لإثارة الاضطرابات والقلاقل في دول المنطقة، مهددة بذلك الأمن والسلم الأهلي من خلال ضرب الوحدة الوطنية وإشاعة الكراهية، مستخدمة في ذلك أذرعها مثل حزب الله اللبناني وفروعه في الخليج وحزب الدعوة والحشد الشعبي في العراق، وجماعة الحوثي في اليمن إلى جانب عملائها وخلاياها النائمة.. وليس ببعيد الأعمال العدائية التي اقترفتها في مايو ويونيو ويوليو عام 2019، نذكر منها عمليات تخريبية لأربع سفن تجارية قبالة ساحل إمارة الفجيرة واحتجازها ناقلتي نفط، ثم تفجير محطتي ضخ لخط أنابيب ينقل النفط السعودي، ثم الهجوم على ناقلتي نفط في بحر عمان.
واستمرارا لهذه السياسة واصلت إيران في عام 2020 إرسال شحنات الأسلحة إلى الحوثيين في اليمن، إذ تم إيقاف 60 مركبًا شراعيا تحمل أسلحة، ومن جانب آخر واصل الحوثيون المدعومون من إيران إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة باتجاه منشآت مدنية في السعودية، إلى جانب تحرشها بالسفن الحربية في مياه الخليج.
4- التغير في السياسة الخارجية الأمريكية: فمع بدء تولي «ترامب» الرئاسة واجه انتقادات واسعة حول سياسته الخارجية، التى وصفها محللون بـ«التذبذب والتضارب وعدم الوضوح وتجاهل المعايير الدولية». واتجه البعض إلى القول إنه «لا يملك سياسة خارجية من الأساس»، وهو ما يتضح من إخفاقاته فيما يتعلق بتنسيق السياسة الخارجية، وتنفيذها، وأسلوب الإدارة والرؤية، وذلك بسبب قلة خبرته، وتعنته وسوء اختياره مستشاريه إذ يتسم بالمزاجية فيما يتعلق بالشؤون الدولية، الأمر الذي أدى إلى تقويض مكانة أمريكا كقوة ليبرالية عالمية. ودفعته آيديولوجيته إلى انتهاج سياسات غير مألوفة، مثل التنصل من المنظمات الدولية، ومهاجمة حلفاء واشنطن والتعامل معهم بلغة التجارة وليس السياسة، ودعم الحكام الشعبويين وتقويض عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين؛ ما خلق حالة من التهديد لأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط.
وتجلى تناقض السياسة الخارجية الأمريكية بصورة أكثر وضوحا في طريقة تعامل واشنطن مع طهران، كما ظهر من طريقة تعاملها مع الأحداث الإرهابية التي قامت بها في الخليج والتي تم ذكرها سابقا، والتخاذل في الرد عليها، وتحول الأمر إلى «حرب كلامية»، ما بين قول الرئيس الأمريكي إن إيران ستواجه «قوة هائلة»، وسعيه لإجراء محادثات معها؛ فمنذ بدايات الأزمة كان هناك توقع أن توجه أمريكا رسائل رادعة لإيران وتنقل المواجهة إلى مرحلة جديدة مع النظام بهدف تهميش خياراته، إلا أن التردد الأمريكي وحدوث حالة من التجاذب السياسي والاستراتيجي داخل مراكز التأثير الداخلية سمح لطهران بتهديد أمن الخليج، وتحديها أكثر لدول المنطقة، والاستمرار في تحدي الجانب الأمريكي ومعه الجانب البريطاني.
5- تغير المناخ: يعد أحد التهديدات التي تُشكل خطرًا على الأمن الدولي، فهو يؤدي إلى ارتفاع منسوب مياه البحار، ما يزيد من خطر الفيضانات والسيول والأعاصير، وحرائق الغابات، والانهيارات الأرضية، إلى جانب ما تشهده المناطق الصحراوية من تفاقم مشكلات الجفاف والتصحر والعواصف الرملية. ومع انسحاب أمريكا في يونيو 2017 من اتفاقية باريس للمناخ، التي تهدف إلى «الحد من تغير المناخ والاحترار العالمي»، سيكون من الصعب على العالم التوصل إلى هذه الأهداف، وخاصة مشكلة التمويل، الذي تتحمل واشنطن 23% من ميزانيته، فضلا عن أنها مصدر مهم لتقديم التكنولوجيا للدول النامية لدعم جهودها لمكافحة ارتفاع درجات الحرارة، والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة. كما أن هناك ارتباطًا بين التغير المناخي والعنف السياسي.
6- الأمن المائي:
تُعد مشكلة الأمن المائي إحدى المشاكل الكبرى في العالم وخاصة في الوطن العربي لعدة أسباب؛ منها الطبيعية المتمثلة في العوامل الجغرافية، وتغير المناخ بما يحمله من جفاف ونضوب في منسوب المياه المختزنة، وانتشار التصحر، إذ تبيّن الحقائق الجغرافية أن أغلب أراضي المنطقة العربية تقع في المنطقة الجافة وشبه الجافة، التي يقل فيها معدل الأمطار عن 300-500 ملم سنويا، وتتزايد حدة هذا الخطر بمقدار نقص مصادر المياه من آبار وأنهار، ومياه جوفية، بالإضافة إلى العوامل البشرية المتمثلة في استغلال موارد المياه المتاحة من دون حكمة، ما يؤثر على قدرة تلبية احتياجات السكان من الماء، فضلا عن العوامل السياسية المتمثلة في العلاقات غير التعاونية بين الدول العربية وبعض الدول المحيطة.
ويعد من أبرز الأمثلة على مشكلة الأمن المائي في المنطقة العربي، قضية سد النهضة الإثيوبي، التي لها مجموعة من الآثار السلبية المباشرة على مصر والسودان بسبب نقصان حصتهما في مياه النيل، وفقدان مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية وتوقف العديد من محطات مياه الشرب والتراجع في تدفق المياه من الأنهار في منطقة الهلال الخصيب، فهناك إشارات لتفجر صراعات بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى، أو بين العراق وسوريا وتركيا، أو بين العراق وإيران وهو ما يمثل تحديًا كبيرًا للأمن القومي العربي.
7- الجرائم السيبرانية: تركز على الوسائل المعلوماتية، وخلق الأزمات السياسية لإثارة الرأي العام ضد الدولة، وبث الشائعات للإضرار بالاقتصاد الوطني، وخلق مناخ غير آمن للاستثمار وغيرها، وهو ما عبر عنه الملياردير الأمريكي «وارن بافيت» بقوله: «إن خطر الهجمات السيبرانية على البشرية أكبر من خطر الأسلحة النووية». ويحمل الأمن السيبراني أولوية قصوى في مقابل الأشكال التقليدية للأمن، فالعالم متصل بالإنترنت، أو مزود بتقنيات مثل شبكات الجيل الخامس، والذكاء الاصطناعي. وتدرك الدول أن ذلك قد يفتح ثغرات أمام الأعداء لتقويض استقرارها وأمنها القومي.
وتواجه دول مجلس التعاون الخليجي مجموعة واسعة من التهديدات التي تسبب ضررا كبيرا على الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وقد ثبت ذلك بالفعل عندما هاجمت إيران -التي تعتبر التهديد السيبراني الرئيسي لدول مجلس التعاون- البنية التحتية السعودية للطاقة في أوائل العقد الثاني من الألفية الثالثة. فيما يعد الهجوم الإلكتروني لفيروس «شمعون» لحذف بيانات شركتي «أرامكو» السعودية، و«راس غاز» القطرية عام 2012 هو المثال الأول. وتكرر الهجوم عامي 2016 و2017 عندما اشتبه في أن طهران قد ارتكبت هجمات ضد شبكات الحكومة السعودية. ويشير تقييم أجرته «وحدة الاستخبارات الاقتصادية» التابعة لمجلة «ذي إيكونوميست» عام 2018 إلى أنه «مع ظهور التحويل للنظام الرقمي في دول مجلس التعاون، مصحوبا بسلسلة مهمة من السياسات الاقتصادية؛ أصبحت الشركات والخدمات الحكومية عبر الإنترنت في المنطقة أكثر عرضة للهجمات السيبرانية. وعلى الرغم من أن هذه الدول استثمرت في الأمن السيبراني، لكنّها غير كافية لمعالجة العدد المتزايد من الهجمات السيبرانية وتواترها، والتي تستهدف المؤسسات العامة والخاصة، أو الدولة».
8- تحدي الأوبئة:
لا شك أن انتشار الأمراض الجانحة والوبائية العابرة للحدود الدولية كفيروس كورونا، الذي انتشر في العالم مع بداية عام 2020، لا تقل خطورة عن بقية التحديات الدولية كالإرهاب والحروب والمجاعات، إذ تعد واحدة من أبرز وأهم تحديات النظام السياسي الدولي الراهن، بما تسببه من أثر بالغ وخطير على الأمن والاستقرار العالمي، وقضايا السياسة والعلاقات الدولية، وليس فقط على المستويات الإنسانية والأوضاع الصحية والاجتماعية، كما لا تنحصر تحديات الأوبئة على المخاطر المباشرة التي يمكن أن تتسبب بها من إبادة للبشر، وتشرد الملايين، بل إن مخاطرها غير المباشرة، مثل التسبب في نقص الموارد الغذائية والمياه، وتدمير الاقتصاد لا تقل خطورة عن ذلك.