مقالات رئيس المركز
د. عمر الحسن

10/12/2020
بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان: حقوق الإنسان في عهد جلالة الملك.. حقائق وأرقام
منذ أن تسلم جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة الأمانة، كانت للحقوق والحريات والمساواة والعدل مكانها المميز وسط تحولات تشهدها بلاده سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا، لدرجة يمكن القول معها إنها كانت الحاكم لتوجهاته وتطلعاته، فكان أن وضعت المملكة القوانين والتشريعات التي تصون هذه الحقوق والحريات، وانضمت إلى كل المواثيق والعهود الدولية وأنشأت المؤسسات التي تحول القوانين إلى واقع ملموس وممارسة ميدانية، استنادًا إلى القوانين الدولية، وقرن ذلك بالأفعال والتوجيهات والخطط والسياسات والنشاطات؛ فأصبح قدوة إصلاحية، امتدت إسهاماته إلى خارج حدود وطنه. وأصبحت قيادته جديرة بالرصد والتتبع والتحليل.
وبمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان؛ الذي يصادف العاشر من ديسمبر من كل عام، نستعرض بالحقائق والأرقام ما حققه عاهل البلاد من إنجازات في مجال هذه الحقوق منذ تسلمه الأمانة عام 1999، خلفًا لوالده الأمير الراحل «عيسى بن سلمان آل خليفة» - طيب الله ثراه - وتعهده بتمكين كل بحريني من جميع حقوقه، وبأن يرتكز حكمه على مبادئ العدالة والحرية والشفافية، وتقديم رؤيته إزاء التغيير والمتمثلة في بناء دولة عصرية. واتخذ إجراءات تهدف إلى تحويل البحرين إلى مملكة دستورية؛ فأصدر ميثاقا للعمل الوطني، عُدّ بمثابة «ركيزة لعقد اجتماعي جديد»، واستفتى عليه الشعب في فبراير 2001 بأغلبية 98.4%؛ وبناء عليه تم إلغاء قانون ومحكمة أمن الدولة، وسمح بعودة السياسيين المقيمين في الخارج، وأخلى السجون من نزلائها، ووافق على تشكيل جمعيات سياسية لأول مرة في الخليج، وعمل على تنشيط شبكة المجتمع المدني وغيرها.
وفي الخامس عشر من فبراير 2002، صدر الدستور المعدل 1973 وفق ما تم التوافق عليه في ميثاق العمل الوطني. وبموجبه تحولت البحرين إلى مملكة دستورية مبنية على الفصل بين السلطات الثلاث والتعاون بينها، ومُنحت المرأة حق التصويت والترشح في الانتخابات التشريعية والبلدية، وأُنشئت محكمة دستورية، وتم تبنّي نظام برلماني قائم على مجلسين، أحدهما منتخب (النواب)، والآخر يعينه الملك (الشورى)، ليوازن كل مجلس الآخر من حيث الخبرة والتخصص، وعُززت الحريات الشخصية والمدنية والمساواة بين المواطنين، وهدفت هذه التطورات إلى تعزيز الحريات والحقوق في البحرين في عهد عاهلها.
ورغم حداثة نشأة المملكة ووجود تحديات محلية وإقليمية ودولية، ومنها صغر مساحة البحرين وقلة عدد سكانها وضآلة مواردها الطبيعية، وأحداث إقليمية ودولية وقعت وما زالت لها انعكاساتها السلبية على المنطقة؛ فقد أدت إرادة القيادة والتخطيط السليم للحكومة لعملية التحول في البحرين، إلى أن تشهد البلاد خلال العقدين الماضيين الكثير من التغيرات الإيجابية السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. ومع هذا التحول شجع جلالة الملك كل البحرينيين على المشاركة في بناء وتطوير وطنهم، استنادًا إلى أن الديمقراطية ليست مجرد مؤسسات وانتخابات، ولكنها تجسيد لاحترام حريات الأفراد وحقوقهم الأساسية.
وما يؤكد رسوخ هذه القيمة في مدركات جلالة الملك تأسيس العديد من لجان وجمعيات حقوق الإنسان الحكومية والبرلمانية والأهلية عددها اليوم (28)، وتمكين المرأة سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، وإفساح المجال لقيام الجمعيات النسائية -عددها اليوم (21)- وضمان ممارسة الإنسان في البحرين لكل حقوقه، والتعاون الإقليمي والدولي في مجال حقوق الإنسان، سواء من خلال الانضمام إلى العهود الدولية المعنية بقضايا حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، أو التصديق على الاتفاقيات الحقوقية الإقليمية والدولية، وإصدار العديد من القوانين والتشريعات المعنية في هذا الشأن؛ ليستكمل بعد ذلك المزيد من الإجراءات التي هدفت إلى حماية حقوق الإنسان.
وبمناسبة الذكرى الثانية والعشرين لتولي جلالة الملك مسؤولية الحكم نستعرض تطور مسيرة حقوق الإنسان في البحرين ورؤية جلالته لها؛ والتي ستصدر في كتاب تحت عنوان «بعد عقدين ونيف.. حقوق الإنسان في عهد حمد» يتضمن ستة فصول.
يشمل الفصل الأول، (حقوق الإنسان في المشروع الإصلاحي للملك)، ثلاثة مباحث؛ أولها رؤية جلالة الملك لحقوق الإنسان ومكانتها في اهتماماته، انطلاقا من أن الإنسان البحريني هو هدف المشروع الإصلاحي، وأن أسمى قيم الديمقراطية التي هي على رأس أولوياته الذي عمل على ترسيخها، وظهر ذلك من خلال خطاباته وتصريحاته ومقابلاته. وفيها مثلت قضية المواطنة والإعلاء من قيم العدل والمساواة وحرية العقيدة النصيب الأكبر بـ(65)، وقضية دعم الديمقراطية، (62)، فيما حازت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على (46)، وحرية التعبير على (35). وأكد هذا التحليل أن رؤية جلالة الملك قد شملت كل الحقوق، ولا يتقدم فيها حق على آخر، أما الوضع التراتيبي فقد ارتبط بالتطورات التي شهدتها المملكة عبر هذه الفترة.
فيما تناول المبحث الثاني، الإطار الدستوري والقانوني، ومراحل التطور، بدءًا من تشكيل جلالة الملك اللجنة الوطنية لإعداد مشروع الميثاق الوطني في 14 فبراير 2001، كعقد اجتماعي ووثيقة فوق دستورية، وعُدّ جوهر عملية التحول الديمقراطي، حيث أرسى قواعد جديدة لشرعية الحكم، ووضع أسس المصالحة الوطنية، وممارسة المواطن البحريني لجميع حقوقه من دون تمييز، وكان أساس دستور البحرين المعدل 2002.
والثالث، الإطار المؤسسي.. الاختصاصات والدور، بدءًا من الأجهزة والمؤسسات واللجان الرسمية المعنية بحقوق الإنسان على مستوى السلطة التشريعية، كلجنة حقوق الإنسان في مجلس الشورى، واللجنة البرلمانية الدائمة لحقوق الإنسان. أو على مستوى السلطة التنفيذية، مثل وزارة شؤون حقوق الإنسان، قبل انتقال اختصاصاتها لوزارة الخارجية، أو المؤسسات التي تتناول حقوق الإنسان على مستوى وزارات الداخلية والخارجية والعمل والنيابة العامة واللجنة التنسيقية العليا لحقوق الإنسان، وإدارة التظلمات والشكاوى بالديوان الملكي والمؤسسة الخيرية الملكية لرعاية الأيتام والأرامل، أو المؤسسات المستقلة و(عددها 14 مؤسسة)، على رأسها المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان.
ويشمل الفصل الثاني (الحقوق السياسية والمدنية في البحرين)، خمسة مباحث، أولها، الحريات السياسية، وقد شكلت هذه الحقوق محور النهضة البحرينية الشاملة، وحرص المشروع الإصلاحي لجلالة الملك على توسيع نطاق المشاركة الشعبية في المجال العام، بدءًا من إعداد الميثاق والاستفتاء عليه، إلى الانتخابات البرلمانية والبلدية في 2002 و2006 و2010، وتكميلية مجلس النواب 2011، و2014، و2018، واضطلاع البرلمان بدوره التشريعي والرقابي، وتعزيز دور المجتمع المدني الذي بلغ عدد جمعياته 640، بعد أن كانت 105 عام 2002، وإنشاء الجمعيات السياسية «بمثابة أحزاب»، عددها (16) جمعية.
والثاني، حرية الرأي والتعبير، من حيث التوسع في عقد الندوات والمؤتمرات وحلقات النقاش، حيث شهدت المملكة فعاليات متنوعة شعبية وجماهيرية خلال الأعوام من (2001 وحتى 2020 نحو 5620)، فضلا عن تعزيز حرية الصحافة (14 صحيفة ومجلة)، وإنشاء النقابات العمالية (79 نقابة)، وزيادة الاهتمام بالإعلام المرئي والمسموع. وتجدر الإشارة إلى أن المملكة احتلت المرتبة الرابعة عالميًّا في نسبة الأفراد الذين يستخدمون الإنترنت، وفقًا لتقرير التنافسية العالمية 2019، وتم الانفتاح على وسائل التواصل الاجتماعي؛ فوصل عدد المشتركين بها إلى ما يزيد على مليوني مشترك، وحرية تداول المطبوعات، إضافة إلى ترخيص شركات إنتاج إعلامي وفني، والثالث، الحريات الدينية، والتي هي من دعائم المشروع الإصلاحي، وتمثلت في إنشاء جلالة الملك اللجنة الوطنية للتسامح والتعايش بين الأديان في 2009، وحرصه على تمثيل أتباع الديانات والمذاهب في مؤسسات الدولة، والاجتماع الدوري برجال الدين وممثلي الديانات والعقائد في المملكة، وإنشاء مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي، والرابع، الحق في الحصول على محاكمة عادلة، من حيث كفالة الحق في التقاضي أمام القاضي الطبيعي، وسلوك سبل التقاضي بدرجاته المختلفة، وألا يتم وقفه أو احتجازه من دون إذن من النيابة العامة، الاحتفاظ بحقه في الاتصال بمحاميه وعائلته. والخامس، الحق في التواصل مع السلطات، حيث كان الحوار الوطني دائمًا هو نهج جلالة الملك في التعامل مع الاتجاهات السياسية المختلفة، وتجلى ذلك في أزمة فبراير 2011، وإطلاقه مبادرة الحوار في فبراير 2011، ثم في يوليو من نفس العام، وتنفيذ مخرجاته، ودعوته لاستئنافه في يناير 2013، ثم في يناير 2014.
ويشمل الفصل الثالث (الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) 7 مباحث، أولها، الحق في مستوى معيشي لائق، حيث أظهرت رؤى جلالة الملك وسياساته وتوجيهاته حرصه على تمتع المواطنين بمستوى معيشي لائق، والتي تشمل مجالات البنى التحتية، وخاصة أن توافرها وجودتها قد أصبحا من المؤشرات الرئيسية لجودة الحياة التي تسعى رؤية البحرين 2030 لتحقيقها، فأولى اهتمامًا كبيرا بتوفير مسكن صحي وملائم للمواطن يراعي المعايير التي أكدتها الصكوك الدولية، وأعده أولى أساسيات الاستقرار المجتمعي، وتبنّي برنامج عمل للسنوات (2015-2018)، و(2019-2022)، يستهدف توفير 40 ألف وحدة سكنية، ووجه بتوفير التسهيلات الحكومية الإسكانية. وإجمالا بلغ عدد المستفيدين من القروض الإسكانية خلال الفترة (1960-2018) حوالي 45.500 ألف مواطن، وتوفير حوالي 129 ألف خدمة سكانية للمستحقين خلال نفس الفترة. وخلال الفترة من 2011 حتى 2019، قامت الحكومة بـ3977 تمويل شراء سكن، و2751 تمويل بناء، و3732 تمويل ترميم، كما وجه بأن يكون الإسكان هو صاحب النصيب الأكبر في برنامج التنمية الخليجي، بمخصصات مناسبة في الميزانية العامة.
هذا فضلا عن اهتمامه بتوفير مرافق عامة ملائمة ومواصلات سريعة ومريحة وتوافر الكهرباء والمياه الصالحة، وبيئة نظيفة للمواطن، وضمان مستوى دخل يكفل معيشة كريمة، وتنويع مصادر الدخل والارتقاء بالقطاع غير النفطي لتصل نسبة مشاركته في الناتج المحلي الإجمالي 86% في العام 2019، ودعم جهود الدولة في تلبية هذه الحقوق، من خلال توفير التشريعات والمخصصات المالية اللازمة، حيث يلاحظ ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من ضعفين ونصف الضعف بالمقارنة بين العام 2000 والعام 2019؛ حيث وصل إلى 12905 مليون دينار عام 2019، مقابل 5736 مليون دينار عام 2000، فيما بلغ متوسط معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي 4.5% خلال هذه الفترة.
وثانيها، الحق في العمل، من خلال توفير فرص العمل، وضمان مستوى دخل يكفل له معيشة كريمة (متوسط دخل الفرد 25 ألف دولار سنويًّا)، والارتقاء بسوق العمل، والالتزام بمعايير منظمة العمل الدولية، والحرص على التوعية بالسلامة المهنية، وتأمين ضد التعطل، (4% نسبة التعطل) والمساواة بين الرجل والمرأة في فرص العمل والأجور، وتدعيم جهود التدريب والتمكين الوظيفي للحد من عدد العاطلين، وضمان حقوق التقاعد، والحق في التنظيم النقابي.
والثالث، مكافحة الاتجار في البشر، والتي أولاها جلالة الملك اهتمامًا خاصًّا باعتبارها تشكل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وتمثل شكلًا من أشكال الرق المعاصر، حيث نظم القانون 19 لسنة 2006 العلاقة بين رب العمل والعامل الأجنبي، بما يضمن حق هذا العامل، وعدم تعريضه للاستغلال، وأمر جلالة الملك بإنشاء شعبة خاصة بوزارة الداخلية تعنى بمكافحة الاتجار في الأشخاص، كما رعت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية الجمعيات التي تعنى بشؤون العمالة الوافدة، وتوفير مراكز لإيواء ضحايا الاتجار في الأشخاص. ونشير هنا إلى حصول المملكة في تقرير «الخارجية الأمريكية» حول الاتجار بالأشخاص، لثلاثة أعوام متتالية 2018 و2019 و2020، على الفئة الأولى (Tier 1) في تصنيف الدول الأكثر نجاحًا في مكافحة الاتجار بالأشخاص.
وتناول المبحث الرابع، الحق في الصحة، ويحظى هذا الحق في رؤى جلالة الملك وسياساته بمكانة خاصة، باعتباره أحد أهم حقوق الإنسان الأساسية، ولا يقتصر على تمتع الأفراد به من خلال الحصول على الرعاية الصحية وانعدام المرض أو العجز، بل يمتد إلى سلامة الفرد البدنية والعقلية والاجتماعية وإلى مجتمع صحي، وقد تجلت هذه الرؤية في تعزيز هذا الحق، ومنها مشروع النظام الصحي المتكامل، ودعم الخدمات الصحية، والاهتمام بقطاع الأدوية، وتأهيل العاملين في هذا القطاع وتدريبهم. وعمدت الحكومة سنويًّا إلى زيادة مخصصات الصحة في الميزانية، والتي قُدِّرَتْ في عام 2000 بـ76 مليون دينار بحريني، وارتفعت لتصل الى نحو 299 مليون دينار عام 2019. كما يمكن الوقوف على حجم التطور من خلال إلقاء الضوء على المؤشرات التي جاءت في تقارير التنمية البشرية الصادرة في أعوام 2010 و2014 و2018، مثل الانخفاض في عدد الوفيات بين الأطفال، حيث وصلت نسبة الوفيات بين المواليد الجدد إلى 14.6 لكل 100 ألف مولود في عام 2017، مقابل 22.8 عام 2011، وارتفاع متوسط العمر إلى 75.8 عاما، وارتفاع عدد المستشفيات الحكومية والخاصة والمراكز الصحية والعيادات الحكومية إلى746 في عام 2019، وهي الأمور التي تضع البحرين في صفوف الدول الأكثر تقدمًا في هذا المجال، وما كانت نتيجته صعودها في مؤشرات الصحة العامة إلى مراتب الدول الأكثر تقدمًا، بعد أن أصبحت الخدمات الصحية تغطي 100% من سكان ومساحة البحرين.
فيما تناول الخامس، الحق في التعليم، والذي يعد أحد ركائز المشروع الإصلاحي الأساسية، باعتباره استثمارا في صناعة المستقبل، فكانت مبادرة جلالة الملك مشروع مدارس المستقبل، وزيادة مخصصات التعليم في الميزانية؛ إذ ارتفعت من 87 مليون دينار في العام 2000؛ لتصل لنحو 387 مليون دينار في العام 2019، وتطوير التعليم على المستويين الكمي والكيفي، والارتقاء بجودته، حيث بلغ عدد المدارس الحكومية في المراحل التعليمية الثلاث (209) مدارس، ووصل إجمالي عدد الطلبة بها (140167) طالبا وطالبة، ووصل عدد الجامعات الحكومية والخاصة إلى (17) جامعة، ووصل عدد طلاب الجامعات لما يزيد على 42 ألف طالب وطالبة في عام 2018، فضلا عن رعاية الموهوبين وذوي الاحتياجات الخاصة، وزيادة البعثات التعليمية (بلغ عددها في العام الدراسي 2019 -2020، نحو 1623 بعثة).
وخُصص السادس، للحق في الضمان الاجتماعي، فكانت مأسسة عملية الرعاية والضمان الاجتماعي، حيث يوجد (38) مركزا متخصصا في الضمان والتنمية الاجتماعية. ويتضمن برنامج الحكومة (2019-2022) العمل على تنفيذ 5 مشاريع أخرى، فضلا عن دعم محدودي الدخل، وذوي الاحتياجات الخاصة، ورعاية الأيتام والأرامل، وزيادة مساعدات الضمان الاجتماعي. وتوسعت الدولة في مظلة الحماية الاجتماعية ومدى تغطيتها. وبتوجيهات جلالة الملك شهدت المساعدات الاجتماعية التي صرفتها الحكومة للأسر المحتاجة ارتفاعًا متواصلاً، حيث بلغت 23.779 مليون دينار حتى نهاية عام 2003، وقفزت إلى 277.957 مليون دينار عام 2019.
أما السابع، الحقوق الثقافية، فقد أولى جلالة الملك أهمية خاصة بفكر الإنسان وحماية حقوقه الفكرية من الاعتداء والانتهاك، بما فيها حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، باعتبارها محورًا مهمًّا نحو توفير المناخ الاستثماري الملائم لجذب رؤوس الأموال الأجنبية والمحافظة على مكانة البحرين المميزة كمركز تجاري ومالي واستثماري على الصعيد الدولي، فبرزت حماية هذه الحقوق وصيانتها بالقانون، ورعت المملكة الفعاليات والأنشطة الإبداعية واهتمت بالمسرح والسينما، كما عززت الحق في التمتع بالفوائد المترتبة على الإبداع الفكري وتكنولوجيا المعلومات، وكان من نتيجة ذلك احتلالها المرتبة الأولى بين دول الخليج؛ والـ12 بين 68 دولة في العالم؛ فيما يتعلق بسهولة الاتصال بالإنترنت، وذلك وفقًا لتقرير منظمة «إنترنيشنز» الألمانية عام 2019. فيما احتلت المرتبة الأولى في المنطقة، والمرتبة الـ27 عالميًّا، طبقا لإحصاءات الاتحاد الدولي للاتصالات.
أما الفصل الرابع (حقوق الفئات الأولى بالرعاية)، فقد جاء في أربعة مباحث تناول الأول، الارتقاء بمكانة المرأة ودورها وحقوقها، وقد احتل النهوض بالمرأة عبر تمكينها سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، مكانة مرموقة في المشروع الإصلاحي، انطلاقًا من أن وضعها في أي مجتمع يمثل معيارًا أساسيًّا يوضح درجة تقدمه ومدى تفاعله مع معطيات العصر الحديث، وهو ما يؤمن به جلالة الملك، فكانت مشاركتها في لجنة إعداد الميثاق الوطني، ثم إنشاء المجلس الأعلى للمرأة، وتعزيز دورها من خلال التشريعات ودمج احتياجاتها في خطط العمل الوطنية، والعمل على زيادة مشاركتها في السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتمكينها في الانتخابات النيابية والبلدية، ومناهضة العنف الأسري، وإصدار قانون الأسرة الموحد، وتعزيز حقوقها الاقتصادية والاجتماعية من دون تمييز، وتنظيم آليات الدفاع عن حقوقها، (21 جمعية نسائية). وبفضل هذه الجهود، تمكنت المرأة للمرة الأولى في تاريخ المملكة من أن تصبح رئيسًا لمجلس النواب المنتخب، فضلاً عن كونها نائبًا لرئيس مجلس الشورى، وأصبحت تستحوذ على 42% من رئاسة لجان مجلس الشورى و10% من رئاسة لجان النواب، وغدت تمثل نسبة 8% من المناصب الوزارية وما في حكمها، و32% من الوظائف الإشرافية و23% من المناصب القيادية في السلطة التنفيذية، و9% في السلطة القضائية. ولعل كل هذه المكتسبات التي حققتها في كل مجالات التعليم والعمل هي ما مكنت المنامة من أن تكون عاصمة للمرأة العربية.
فيما تناول الثاني، حقوق الطفل، حيث أدرك جلالة الملك منذ توليه الأمانة أهمية النهوض بشؤون الطفل، والاهتمام بقضاياه، وحماية حقوقه، والعمل على توفير الرعاية اللازمة، وتلبية احتياجات هذه الفئة على المستويات الصحية والتربوية والتعليمية والتنموية، ودعم الأسرة باعتبارها المؤسسة الرئيسة الداعمة للطفولة، وهو ما أكده الدستور البحريني، وقننتها تشريعات المملكة، بإصدار قانون الطفل، وإنشاء اللجنة الوطنية للطفولة، وتوفير آليات لحماية الطفل في قانون الحماية من العنف الأسري، وإطلاق الاستراتيجية الوطنية للطفولة 2013 – 2017، وتمديد العمل بها حتى 2023، والتعاون مع مؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني في تنفيذها. وكانت نسبة الإنجاز العالية في مجال رعاية الطفولة عاملاً رئيسيًّا في ارتفاع مؤشر البحرين للتنمية البشرية في 2019؛ إذ احتلت المركز 45 عالميًّا من بين 189 دولة.
وتناول الثالث، حقوق الفئات ذات الاحتياجات الخاصة، حيث يعتبر جلالة الملك اهتمام الدولة بحقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والتزامها بها أحد المعايير الأساسية لقياس المستوى الحضاري لها، وعليه، سعى لتلبية احتياجاتها عن طريق التحول من العزل إلى الدمج، ومن الرعاية والشفقة إلى التمتع بالحقوق، ومن الاستبعاد إلى الشمولية، وعزز ذلك سواء من خلال زيادة المخصصات المالية، (والتي كانت 4.1 ملايين دينار في 2007، وارتفعت في 2020 إلى 5.5 ملايين دينار)، أو التشريعات أو جهود الوزارات المختلفة، في تأهيلهم للعمل ومراعاة احتياجاتهم.
وخُصص الرابع، لرعاية المسنين، حيث تتصدر رعاية كبار السن اهتمامات جلالة الملك، كون هذه الفئة تمثل شريحة أساسية في المجتمع، ويتعين أن تحظى بأهم مجالات الرعاية الاجتماعية التي تضطلع بها الدولة، ومن ثَمّ كانت توجيهاته بتوفير أفضل الخدمات وبرامج الرعاية الاجتماعية والصحية والقانونية والتأهيلية، وذلك بتدشين الخطة التنفيذية للاستراتيجية الوطنية لكبار السن، والتي تولت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية تنفيذها، فأنشأت العديد من المراكز الاجتماعية، فيما قام القطاع الخاص والمجتمع المدني بإنشاء مراكز أهلية تعنى بهذه الفئة، و(عددها 14 مركزا). وقد كان النموذج الرائد للمملكة في رعاية المسنين محل تقدير إقليمي وعربي، أهلها لقيادة لجنتي إعداد الاستراتيجية الخليجية التابعة لمجلس التعاون الخليجي، والاستراتيجية العربية التابعة لجامعة الدول العربية لرعاية المسنين 2019 - 2022.
وفي الفصل الخامس (حقوق الإنسان في إدارة أزمة كورونا)، حيث قدمت القيادة البحرينية في إدارتها لتلك الأزمة نموذجًا يُحتذى به في الاهتمام بصحة وسلامة الأفراد ومقدرات الوطن، بدءًا من خطة الإجراءات الاستباقية التي بدأت من قبل ظهور أي إصابة بها، ومرورًا بإنشاء وتشكيل الفريق الوطني للتصدي للفيروس، وتوجيهه بإجلاء البحرينيين من الدول العالقين فيها، وخاصة التي ظهر بها الوباء، بدءًا من الصين ثم إيران، وإنشائه اللجنة التنسيقية العليا لإدارة أزمة كورونا برئاسة سمو ولي العهد وعضوية ممثلين عن كل مؤسسات الدولة.
وفي خطوة أبدت بها المملكة أن الأولوية لصحة الفرد، سواء كان مواطنًا أو مقيمًا، وليس للنشاط الاقتصادي، فقد أزاحت بمستهدفاتها الاقتصادية من حيث التوازن المالي والنمو الاقتصادي وغيرها خلف أولوية سلامة وصحة الأفراد بعد انتشار المرض؛ فقامت بتوفير المخصصات المالية اللازمة لمواجهة آثارها بمبالغ وصلت إلى نحو ثلث اقتصاد المملكة، وتبنّت إجراءات العزل العام في أماكن التجمعات، كما تبنّت سياسة العمل من المنزل، والإغلاق الكلي أو الجزئي للعديد من المنشآت. وللتخفيف من آثارها، اتخذ جلالة الملك حزمة من القرارات؛ منها دفع رواتب المواطنين البحرينيين بالقطاع الخاص للأشهر (من أبريل حتى ديسمبر) لعام 2020، ودفع فواتير الكهرباء والماء لكل المشتركين لنفس الفترة، ومضاعفة حجم صندوق السيولة بقيمة 100 مليون دينار ليصل إلى 200 مليون دينار، وغيرها من القرارات التي توضح كيف تلاحمت وتكاتفت مؤسسات الدولة المختلفة للتعامل مع الأزمة بشكل أنتج نموذجا يُقتدى به -وفق ما صرح به مدير منظمة الصحة العالمية- والتي تكللت بأن أصبحت المملكة الأقل بين دول المنطقة والعالم من حيث الإصابات والوفيات، وفق تقرير منظمة الصحة العالمية في 8 نوفمبر2020 ومديرها.
وجاء الفصل السادس (البحرين ومنظومة حقوق الإنسان الإقليمية والدولية)، في ثلاثة مباحث؛ الأول، تناول توجيهات جلالة الملك بضرورة تفاعل البحرين مع المنظومة الإقليمية والدولية المعنية بحقوق الإنسان، حيث أقامت معها علاقات فعالة، وانضمت إلى الاتفاقيات والمواثيق الدولية، التي وصلت إلى (أكثر من 30)، أهمها العهدان الدوليان لحقوق الإنسان، وقامت باستضافة أو بالمشاركة في الفعاليات الحقوقية الدولية (حوالي 100). وعقدت اتفاقيات ولقاءات تنسيقية لتبادل الخبرات في مجال حقوق الإنسان مع المنظمات المذكورة. وتولت مناصب عديدة فيها، أبرزها نائب رئيس اللجنة الاستشارية لمجلس حقوق الإنسان في فبراير 2015، وحصولها على عضوية مجلس حقوق الإنسان ثلاث مرات، ومقعد في لجنة حقوق الطفل بالأمم المتحدة للفترة من 2013-2017، ورئاسة لجنة حقوق الإنسان العربية «لجنة الميثاق» عام 2017، كما طرح جلالة الملك مبادرات عديدة في مجال تعزيز التسامح والتعايش، ومن أبرزها وثيقة «إعلان مملكة البحرين» عام 2017، التي تعد وثيقة دولية تعبّر عن فكره وفلسفته حول مفهوم التعايش الإنساني.
ويعرض الثاني دور المملكة في تعزيز حقوق الإنسان على المستويين العربي والخليجي، حيث تم طرح مبادرات رائدة، أبرزها مبادرته إنشاء المحكمة العربية لحقوق الإنسان، فيما يرصد المبحث الثالث، العائد من التفاعل مع منظومة حقوق الإنسان الإقليمية والدولية على البحرين، حيث جعل من المملكة أنموذجًا في تطبيق مبادئ حقوق الإنسان العالمية من خلال التمسك بمبادئ الحكم الرشيد، ودعم العناصر الأربعة الأساسية للديمقراطية، وتعزيز الحقوق السياسية والمدنية إلى جانب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وأثمرت هذه الجهود احتلال المملكة مراكز متقدمة في العديد من التقارير الدولية، كتقدمها إلى الفئة الأولى في تقرير مكافحة الاتجار بالبشر الصادر عن الخارجية الأمريكية، وحصولها على المركز 45 عالميًّا في تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة عام 2019 ضمن الفئة الأعلى في التصنيف، والمركز الأول عربيًّا في قائمة الدول الأكثر صحة في العالم، بحسب مؤشر بلومبيرغ.
وأختم بالقول إن هناك قادة تنهض دولهم بفكرهم، وترتقي بين الأمم بفضل عزائمهم، وإيمانهم بمستقبل أوطانهم ورفاهية شعوبهم.. ومن هؤلاء القادة «حمد بن عيسى آل خليفة»، الذي أثبت أن القيادة الرشيدة هي أساس التقدم، فمنح حبه لشعبه، وأولى جل اهتمامه لرفعة وطنه، ساعيًا لوضعه على طريق التقدم؛ ليتصدر مصاف الدول المتحضرة.