top of page

مقالات رئيس المركز 

د. عمر الحسن

Picture No.3.JPG
30/6/2022

محمد بن إبراهيم المطوع.. مع التحية

تخرج‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الإسكندرية،‭ ‬قبل‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬‮«‬1971‮»‬‭.. ‬وبدأ‭ ‬عمله‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬وزارات‭ ‬الدولة‭ ‬المختلفة،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬وزارة‭ ‬العدل،‭ ‬ووزارة‭ ‬الشؤون‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ووزارة‭ ‬الدولة‭ ‬لشؤون‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭.. ‬تدرج‭ ‬في‭ ‬السلم‭ ‬الوظيفي‭ ‬بكفاءة‭ ‬واقتدار،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬سند‭ ‬غيرهما،‭ ‬أخذته‭ ‬درجات‭ ‬السلم‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1977‭ ‬إلى‭ ‬موقع‭ ‬مدير‭ ‬مكتب‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء،‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬‮«‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‮»‬‭ -‬طيب‭ ‬الله‭ ‬ثراه‭- ‬ليكون‭ ‬اختياره‭ ‬للموقع‭ ‬شهادة‭ ‬لكفاءته‭ ‬ولقدراته‭ ‬وإضافة‭ ‬لهما‭.. ‬فأتيح‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬رجالات‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث‭ ‬للبحرين،‭ ‬ولمنطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬وأحد‭ ‬حكمائها‭ ‬ورواد‭ ‬نهضتها‭. ‬وأثرت‭ ‬خبرة‭ ‬الحكمة‭ ‬والريادة‭ ‬والقيادة‭ ‬لسموه‭ -‬رحمه‭ ‬الله‭- ‬تجربة‭ ‬الحياة‭ ‬لمحمد‭ ‬المطوع،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الوظيفي،‭ ‬بل‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬الرؤية‭ ‬السياسية‭ ‬والثقافية‭ ‬والفكرية‭ ‬المستقبلية‭.‬

وأتاح‭ ‬موقع‭ ‬مدير‭ ‬مكتب‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء،‭ ‬والذي‭ ‬ظل‭ ‬يشغله‭ ‬مدة‭ ‬ثمانية‭ ‬عشر‭ ‬عامًا،‭ ‬الفرصة‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬وزارات‭ ‬الدولة‭ ‬وأجهزتها؛‭ ‬فاكتسب‭ ‬خبرات‭ ‬متنوعة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬التنفيذي‭ ‬لتسيير‭ ‬شؤون‭ ‬الدولة؛‭ ‬ولكن‭ ‬الفرصة‭ ‬وحدها‭ ‬لا‭ ‬تفسر‭ ‬النجاح،‭ ‬الذي‭ ‬حققه‭ ‬‮«‬المطوع‮»‬‭ ‬في‭ ‬الموقع،‭ ‬فصفاته‭ ‬الشخصية‭ ‬ساعدت‭ ‬على‭ ‬تفعيل‭ ‬الفرصة‭ ‬والصعود‭ ‬بمؤشر‭ ‬النجاح‭.. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬مخلصًا‭ ‬لعمله‭ ‬في‭ ‬موقعه،‭ ‬أمينًا‭ ‬عليه،‭ ‬متواضعًا،‭ ‬عفيفًا،‭ ‬حضاريا‭ ‬في‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬مطالعًا‭ ‬لكل‭ ‬جوانب‭ ‬الموضوعات‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬موقعه،‭ ‬ليتضاعف‭ ‬هكذا‭ ‬رصيد‭ ‬الثقة‭ ‬التي‭ ‬أودعها‭ ‬إياه‭ ‬سموه‭.. ‬ليأتمنه‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بتكليفه‭ ‬وزيرًا‭ ‬لشؤون‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1993،‭ ‬ثم‭ ‬وزيرًا‭ ‬لشؤون‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬والإعلام‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬1995‭.‬

في‭ ‬موقعه‭ ‬الجديد‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬همزة‭ ‬الوصل‭ ‬بين‭ ‬المجلس‭ ‬ورئيس‭ ‬الوزراء،‭ ‬وهو‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬المتابعات‭ ‬اليومية‭ ‬لأعمال‭ ‬المجلس،‭ ‬وعن‭ ‬الترتيبات‭ ‬التحضيرية‭ ‬التي‭ ‬تسبقها‭ ‬ومخاطبة‭ ‬الإعلام‭ ‬بنتائج‭ ‬كل‭ ‬اجتماع‭. ‬وفي‭ ‬جوار‭ ‬الموقع‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬مسؤوليته‭ ‬الأخرى،‭ ‬كالشؤون‭ ‬القانونية‭ ‬وكوزير‭ ‬للإعلام،‭ ‬وعلى‭ ‬رأس‭ ‬وزارة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الإعلام‭ ‬وحده‭ ‬هو‭ ‬اختصاصها،‭ ‬ولكن‭ ‬السياحة‭ ‬والثقافة‭ ‬أيضًا،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬شهدت‭ ‬فيها‭ ‬البحرين‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التفاعلات‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬الداخلي‭ ‬والخارجي،‭ ‬وكانت‭ ‬كلها‭ ‬تفاعلات‭ ‬حرجة‭ ‬تستدعي‭ ‬يقظة‭ ‬الانتباه،‭ ‬وبراعة‭ ‬المواءمة،‭ ‬واللتين‭ ‬امتلكهما‭ ‬‮«‬المطوع‮»‬،‭ ‬برقي‭ ‬وبجدارة‭ ‬المسؤول‭.‬

وبحكم‭ ‬دوره‭ ‬كوزير‭ ‬لشؤون‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬والإعلام،‭ ‬فإن‭ ‬الحقبة‭ ‬الوزارية‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬يصدق‭ ‬فيها‭ ‬توصيفه‭ ‬كوزير‭ ‬سياسي‭ ‬برؤية‭ ‬إدارية‭ ‬وثقافية،‭ ‬ولأنه‭ ‬وضع‭ -‬مبكرًا‭ ‬وفي‭ ‬فجر‭ ‬شبابه‭- ‬قدراته‭ ‬في‭ ‬اختبار‭ ‬الحياة‭.. ‬كانت‭ ‬رؤيته‭ ‬الإدارية‭ ‬كوزير‭ ‬سياسي‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬الأدبيات‭ ‬الإدارية‭ ‬‮«‬الإدارة‭ ‬بالأهداف‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬رؤية‭ ‬يرهن‭ ‬فيها‭ ‬معيار‭ ‬نجاح‭ ‬الإدارة‭ ‬بحجم‭ ‬الإنجازات‭ ‬المحققة،‭ ‬وإذا‭ ‬استعرنا‭ ‬رؤيته‭ ‬فبمقدورنا‭ ‬أن‭ ‬نقول‭.. ‬إن‭ ‬الإدارة‭ ‬ناجحة‭ ‬وإنجازاتها‭ ‬هي‭ ‬شاهد‭ ‬الإثبات،‭ ‬فلقد‭ ‬كان‭ ‬متحررًا‭ ‬من‭ ‬القيد‭ ‬البيروقراطي،‭ ‬وأكثر‭ ‬انحيازًا‭ ‬إلى‭ ‬منح‭ ‬صلاحيات‭ ‬التفويض‭ ‬للآخرين‭ ‬ثم‭ ‬مساءلتهم‭ ‬في‭ ‬النتائج‭.. ‬علمًا‭ ‬أن‭ ‬انحيازه‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬لا‭ ‬يعود‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬رحابة‭ ‬ثقافته‭ ‬التي‭ ‬أخذته‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬أشكال‭ ‬الإدارة‭ ‬تطورًا،‭ ‬ولكنه‭ ‬يعود‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬صفاته‭ ‬الشخصية‭ ‬وخبرة‭ ‬حياته‭.. ‬فالصفات‭ ‬والخبرة‭ ‬معًا‭ ‬جعلنه‭ ‬يراهن‭ ‬دائمًا‭ ‬على‭ ‬قدراته‭ ‬ويثق‭ ‬فيها‭. ‬ولأنه‭ ‬كان‭ ‬يؤمن‭ ‬بالإدارة‭ ‬بالأهداف،‭ ‬ولأنه‭ ‬وضع‭ ‬قدراته‭ ‬في‭ ‬اختبار‭ ‬الحياة،‭ ‬فلم‭ ‬يمارس‭ ‬يومًا‭ -‬كإنسان‭ ‬أو‭ ‬كمسؤول‭- ‬إدارة‭ ‬المناورات‭ ‬وترفع‭ ‬عنها‭ ‬ولم‭ ‬يقاربها‭.‬

وعبرت‭ ‬رؤيته‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬–أيضًا‭- ‬في‭ ‬أدائه‭ ‬كوزير،‭ ‬فلقد‭ ‬كان‭ ‬رافضًا‭ ‬للغوغائية‭ ‬الإعلامية،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬منحازًا‭ ‬للعقلانية،‭ ‬التي‭ ‬تخاطب‭ ‬وعي‭ ‬الجماهير،‭ ‬وتسعى‭ ‬إلى‭ ‬استثماره‭ ‬إيجابًا‭. ‬وفي‭ ‬انحيازه‭ ‬إلى‭ ‬العقلانية‭ ‬الإعلامية‭ ‬كان‭ ‬يؤمن‭ ‬بحرية‭ ‬التعبير‭ ‬والمكاشفة‭ ‬بالحقائق،‭ ‬ولذلك‭ ‬كان‭ ‬اقتراحه‭ ‬بحضور‭ ‬الصحفيين‭ ‬جلسات‭ ‬مجلس‭ ‬الشورى‭ ‬ونشر‭ ‬تفاصيل‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬مناقشات؛‭ ‬ولكنه‭ ‬كان‭ ‬يؤمن‭ ‬أيضا‭ ‬بمسؤولية‭ ‬المواطن‭ ‬إزاء‭ ‬الشأن‭ ‬العام،‭ ‬ويؤكد‭ ‬دائمًا‭ ‬أهمية‭ ‬نقطة‭ ‬التوازن‭ ‬الحساسة‭ ‬بينهما،‭ ‬فحرية‭ ‬التعبير‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تنحرف‭ ‬في‭ ‬مساراتها‭ ‬لتنتهي‭ ‬إلى‭ ‬الفوضى‭.. ‬ومسؤولية‭ ‬المواطن‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تكبل‭ ‬إرادته‭ ‬لتنتهي‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬الصمت‭. ‬

ولأنه‭ ‬مثقف،‭ ‬لم‭ ‬يقطع‭ -‬رغم‭ ‬مشاغله‭- ‬الصلة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬أحدث‭ ‬الإصدارات‭ ‬الثقافية‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬ودوريات‭.. ‬ولأن‭ ‬القراءة‭ ‬بتنوع‭ ‬موضوعاتها‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬متمم‭ ‬لبرنامجه‭ ‬اليومي‭ ‬وأولوية‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬جدول‭ ‬اهتماماته،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبير‭ ‬الكاتب‭ ‬الصحفي‭ ‬المعروف‭ ‬‮«‬سمير‭ ‬عطا‭ ‬الله‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬يحادثني‭ ‬عنه‭ ‬قائلاً‭: ‬‮«‬إذا‭ ‬جلست‭ ‬معه‭ ‬تشعر‭ ‬بأنك‭ ‬في‭ ‬حضرة‭ ‬موسوعة‭ ‬من‭ ‬الثقافة‭ ‬والعلم‭ ‬والأدب‭.. ‬ولا‭ ‬تملك‭ ‬إزاءها‭ ‬إلا‭ ‬الاحترام‮»‬‭.‬

أما‭ ‬رؤيته‭ ‬الثقافية‭ ‬كوزير‭ ‬سياسي،‭ ‬فتتبنى‭ ‬مقدمًا‭ ‬مقولة‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬والثقافة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الفصل‭ ‬بينهما‭.. ‬فالثقافة‭ ‬تمنح‭ ‬صاحبها‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التحليل‭ ‬المعمق‭ ‬وعبر‭ ‬زوايا‭ ‬متكاملة،‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬التحليل‭ ‬تعزز‭ ‬لدى‭ ‬صاحبها‭ ‬–كسياسي‭- ‬قدرة‭ ‬موازية‭ ‬على‭ ‬تقدير‭ ‬الموقف،‭ ‬وهو‭ ‬جوهر‭ ‬العملية‭ ‬السياسية،‭ ‬وقد‭ ‬عبرت‭ ‬رؤيته‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة‭.. ‬إحداها‭ ‬الأمسية‭ ‬التي‭ ‬دعوته‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬القاهرة،‭ ‬سبتمبر‭ ‬2004،‭ ‬وضمت‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬المفكرين‭ ‬وأساتذة‭ ‬الجامعات،‭ ‬ورؤساء‭ ‬المراكز‭ ‬البحثية‭ ‬والفكرية‭ ‬المصرية،‭ ‬ودار‭ ‬موضوعها‭ ‬حول‭ ‬‮«‬مستقبل‭ ‬الخليج‭ ‬في‭ ‬العشرين‭ ‬عامًا‭ ‬القادمة‮»‬،‭ ‬وكان‭ ‬تحليله‭ ‬الثقافي‭ ‬واستشرافه‭ ‬السياسي‭ ‬مثيرًا‭ ‬لإعجاب‭ ‬الحضور‭ ‬ومثارًا‭ ‬لتعليقاتهم‭.‬

إيمان‭ ‬‮«‬المطوع‮»‬،‭ ‬بالديمقراطية‭ ‬جعله‭ ‬مرتبطًا‭ ‬بالمشروع‭ ‬الإصلاحي‭ ‬لجلالة‭ ‬الملك‭ ‬المعظم،‭ ‬وأحد‭ ‬المبشرين‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬العربية،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬المشروع‭ ‬الإصلاحي‭ ‬الحضاري‮»‬‭. ‬ولعمق‭ ‬إيمانه‭ ‬بالمشروع‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬رعى‭ ‬أول‭ ‬حفل‭ ‬لفرع‭ ‬مركز‭ ‬الخليج‭ ‬للدراسات‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬لتوزيع‭ ‬الجوائز‭ ‬على‭ ‬الفائزين‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬الشبان‭ ‬العرب‭ ‬لأحسن‭ ‬بحث‭ ‬حول‭ ‬مشروع‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬الإصلاحي‭.. ‬وقام‭ ‬بنفسه‭ ‬بتسليم‭ ‬الجوائز‭ ‬ووزع‭ ‬عليهم‭ ‬الهدايا‭. ‬وكان‭ ‬الحفل‭ ‬حاشدًا‭ ‬ضم‭ ‬أمين‭ ‬عام‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬الأسبق‭ ‬المرحوم‭ ‬‮«‬عصمت‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‮»‬،‭ ‬ورؤساء‭ ‬وزارات‭ ‬ووزراء‭ ‬سابقين،‭ ‬وسفراء‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬والعربية،‭ ‬ونخبة‭ ‬من‭ ‬المفكرين،‭ ‬وأساتذة‭ ‬الجامعات‭ ‬والإعلاميين،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مراسلي‭ ‬الصحف‭. ‬وأمام‭ ‬هذا‭ ‬الحشد‭ ‬تحدث‭ ‬بإسهاب‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ ‬الملك‭ ‬الإصلاحي،‭ ‬مستفيضًا‭ ‬في‭ ‬شرح‭ ‬إيجابياته،‭ ‬ومؤكدًا‭ ‬استلهام‭ ‬المشروع‭ ‬لروح‭ ‬العصر‭ ‬وتمثله‭ ‬لدواعي‭ ‬المستقبل‭.. ‬وأنه‭ ‬سوف‭ ‬يبقى‭ ‬إنجازًا‭ ‬يشهد‭ ‬له‭ ‬التاريخ‭. ‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬‮«‬المطوع‮»‬،‭ ‬وزيرا‭ ‬عاديًّا‭ ‬تتناقل‭ ‬ذكره‭ ‬الأخبار،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬شخصية‭ ‬مشرقة‭ ‬ومشرفة‭ ‬ومتميزة‭ ‬تفسح‭ ‬لها‭ ‬الذاكرة‭ ‬موقعًا‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬أعطى‭ ‬صاحبها‭ ‬وبقدر‭ ‬ما‭ ‬قدم،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬سفيرَ‭ ‬رسالة‭ ‬بلاده‭ ‬إلى‭ ‬عالمها‭ ‬العربي‭ ‬والخارجي‭.. ‬يحمل‭ ‬إلى‭ ‬الآخرين‭ ‬صورة‭ ‬نهضتها‭ ‬وبريق‭ ‬مشروعها‭ ‬الإصلاحي،‭ ‬فكانت‭ ‬الكلمات‭ ‬التي‭ ‬وصفها‭ ‬به‭ ‬الآخرون‭ ‬ملؤها‭ ‬الثقة‭ ‬والفخار،‭ ‬وصفه‭ ‬لي‭ ‬المرحوم‭ ‬الدكتور‭ ‬‮«‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬حجازي‮»‬،‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬مصر‭ ‬الأسبق،‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬إنه‭ ‬مرآة‭ ‬مضيئة‭ ‬للبحرين‭ ‬تتراءى‭ ‬بها‭ ‬مصداقيتها‭ ‬لدى‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العربي‮»‬‭. ‬ويتطابق‭ ‬الوصف‭ ‬مع‭ ‬وصف‭ ‬آخر‭ ‬للرجل‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬المرحوم‭ ‬‮«‬مراد‭ ‬غالب‮»‬،‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬المصري‭ ‬الأسبق،‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭ ‬لي‭ ‬‮«‬ترى‭ ‬فيه‭ ‬مبادئ‭ ‬أمة‭ ‬ووفاء‭ ‬شعب‮»‬‭.‬

وكما‭ ‬كان‭ ‬الوصف‭ ‬الذي‭ ‬نطق‭ ‬به‭ ‬الآخرون‭ ‬في‭ ‬شهادتهم‭ ‬عنه‭ ‬دقيقًا،‭ ‬فلقد‭ ‬كان‭ ‬ومازال‭ ‬أمينًا‭ ‬على‭ ‬أصالته‭ ‬القومية‭ ‬وخياراته‭ ‬العربية،‭ ‬لم‭ ‬ينسلخ‭ ‬عنها‭ ‬ولم‭ ‬يفرط‭ ‬فيها‭.. ‬فهو‭ ‬قومي‭ ‬التوجه‭ ‬عروبي‭ ‬النزعة‭.. ‬عاش‭ ‬المشروع‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬شبابه‭ ‬وتفاعل‭ ‬معه‭. ‬ورغم‭ ‬انكسارات‭ ‬لحقت‭ ‬بالمشروع‭ ‬وضربات‭ ‬طالته،‭ ‬فمازال‭ ‬يتمثله‭ ‬ويستلهمه‭ ‬ويؤمن‭ ‬به‭.. ‬لا‭ ‬كمثال‭ ‬معلب‭ ‬في‭ ‬المصطلحات،‭ ‬ولكن‭ ‬كفكرة‭ ‬حية‭ ‬تنمو‭ ‬بالتفاعل‭ ‬الحر‭ ‬وتقبل‭ ‬بالتطوير‭ ‬وتستجيب‭ ‬للمتغيرات،‭ ‬ولكنها‭ ‬لا‭ ‬تقايض‭ ‬على‭ ‬الثوابت‭.‬

ولأنه‭ ‬المثقف‭ ‬الموسوعي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تنفصم‭ ‬لديه‭ ‬الأصالة‭ ‬عن‭ ‬المعاصرة،‭ ‬فهو‭ ‬مواكب‭ ‬لعصره،‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬مواكبته‭ ‬لم‭ ‬يستسلم‭ ‬لأوهام‭ ‬العولمة‭ ‬وإكراهاتها،‭ ‬فهو‭ ‬يؤمن‭ ‬بالشرعية‭ ‬الدولية‭ ‬وبمبادئ‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬إقرارًا‭ ‬للسلم‭ ‬والعدل‭ ‬الدوليين‭. ‬وفي‭ ‬تقديره،‭ ‬فإن‭ ‬العالم‭ ‬ذا‭ ‬القطب‭ ‬الواحد،‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬مرحلة‭ ‬تدفع‭ ‬بسلبياتها‭ ‬نحو‭ ‬ولادة‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب‭ ‬يتنامى‭ ‬فيه‭ ‬دور‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬المشكلات‭ ‬والصراعات‭ ‬العالمية‭ ‬بضمانات‭ ‬العدالة‭ ‬وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬التأثيرات‭ ‬الأحادية،‭ ‬وتنفرج‭ ‬فيه‭ ‬زاوية‭ ‬الحوار‭ ‬بين‭ ‬الحضارات‭.‬

وبكل‭ ‬ما‭ ‬يؤمن‭ ‬عربيًا‭ ‬وبكل‭ ‬عمقه‭ ‬الثقافي‭ ‬وخياراته‭ ‬الفكرية،‭ ‬وبكل‭ ‬صفاته‭ ‬الشخصية‭ ‬تواضعًا‭ ‬وتعففًا‭ ‬ودأبًا‭ ‬ومثابرةً،‭ ‬وبكل‭ ‬ما‭ ‬أنجزه‭ ‬في‭ ‬المواقع‭ ‬التي‭ ‬شغلها‭.. ‬سيظل‭ ‬‮«‬المطوع‮»‬‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬وطنه‭ ‬ومليكه‭ ‬وأمته،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الموقع‭ ‬الرسمي‭ ‬أو‭ ‬خارجه،‭ ‬حيث‭ ‬مازال‭ ‬لديه‭ ‬الكثير‭ ‬ليقدمه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رصيده‭ ‬الذي‭ ‬يحظى‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬والخليجي،‭ ‬سياسيا‭ ‬وفكريا،‭ ‬فهو‭ ‬رمز‭ ‬من‭ ‬رموز‭ ‬السياسة‭ ‬العربية‭ ‬وعلم‭ ‬من‭ ‬أعلامها،‭ ‬وسيبقى‭ ‬ما‭ ‬قدمه‭ ‬محفورا‭ ‬على‭ ‬خارطة‭ ‬السياسة‭ ‬البحرينية‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬ترك‭ ‬كرسيه،‭ ‬فإن‭ ‬كنز‭ ‬الحكمة‭ ‬الذي‭ ‬خلفه‭ ‬سيكون‭ ‬ذخرًا‭ ‬تنهل‭ ‬منه‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬على‭ ‬الدوام‭.‬

وبهذه‭ ‬المناسبة‭ ‬ندعو‭ ‬معاليه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يسجل‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬‮«‬مذكرات‮»‬،‭ ‬توثق‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬البحرين،‭ ‬وما‭ ‬حققته‭ ‬من‭ ‬نجاحات،‭ ‬وتجاوز‭ ‬ما‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬أزمات‭.. ‬واضعا‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬الباحثين‭ ‬والمؤرخين‭ ‬المهتمين‭ ‬بتاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬ما‭ ‬يساعدهم‭ ‬على‭ ‬تكوين‭ ‬صورة‭ ‬واضحة‭ ‬عن‭ ‬حقبة‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬البلاد‭ ‬والخليج‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭.. ‬مؤمنين‭ ‬بأن‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬الوقوف‭ ‬بأمانة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬التي‭ ‬تستحق‭ ‬التوثيق‭.

{ انتهى  }
bottom of page