top of page

مقالات رئيس المركز 

د. عمر الحسن

Picture No.3.JPG
2019/05/26

ليس دفاعًا عن "علي بن صالح الصالح"

تُعد الساحة السياسية بمثابة حقل ألغام، يُمكن أن يُوقِع في كثير من الأحيان، المسؤولين ذوي المواقف المشهود لها بالطيبة والإنسانية والوطنية والكفاءة المهنية، ويُعرِّضهم للهجوم والانتقاد بذريعة الأشياء التي يقولونها أو يفعلونها، عن سوء فهم لها، من قِبَل زملائهم السياسيين أو وسائل الإعلام أو عامة الناس.
وينطبق هذا على ما تعرض له معالي السيد "علي بن صالح الصالح"، رئيس مجلس الشورى؛ ففي جلسة نقاش للمجلس بشأن ضريبة القيمة المضافة ارتأت عضوة بالمجلس، بأن القطاعات الأكثر فقرًا في المجتمع البحريني ستعاني ماليًّا نتيجة فرض هذه الضريبة، خاصة في حالة شرائها لسيارة جديدة". فردّ رئيس المجلس: "فقير ويشتري سيارة"، وكان ذلك مجرد تعليق بريء فيه حسن النية أُخرج في غير موضعه.
بعد ذلك بدأت بعض وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، بالانتقادات ضد ما اعتبر أن رئيس المجلس يسخر من الفقراء.. فكان رده السريع والقاطع، بأن كلمة "فقير" وضعت في غير موضعها، وأن الكلمة الأدق هي "ذوي الدخل المحدود"، لأن تعريف كلمة فقير دوليًا ولدى المؤسسات ذات العلاقة هو الذي لا يرتقي دخله اليومي لتأمين حاجاته وأسرته اليومية من مأكل ومشرب وملبس وغيرها. كما أن مصطلح فقير بالأصل مصطلح يختلف تفسيره في المجتمع البحريني مثلاً عن بقية مجتمعات الدول الأخرى، ومعنى فقير في البحرين ليس ذلك الذي لا يستطيع شراء سيارة، وإنما الشخص غير القادر على تلبية احتياجاته الضرورية.
ومن وجهة نظر الكثيرين، لم يكن هناك أي استخفاف على الفقراء في كلام رئيس مجلس الشورى وكل ما في الأمر أنه كان يصحح كلام النائبة من أن 80% من دخل القيمة المضافة مصدرها الفقراء، وهو ما يعني أن القدرة الشرائية لدى الفقير كبيرة جدا، لتشكل هذه النسبة، بينما الفقير الحقيقي هو الذي يعجز عن تأمين قوت يومه لا أن يشتري السيارة.
علي بن صالح الصالح شخصية ودودة يحبها ويحترمها كل من عرفه.. كرّس حياته لخدمة أمته ووطنه قبل وبعد توليه رئاسة مجلس الشورى، تولى أكثر من مسئولية وأكثر من مهمة.. صاحب مواقف مشهودة في العمل الوطني العام، فيصلح أن نطلق عليه لحكمته وعقلانيته ورقيه في التعامل رجل المهام الصعبة. ولأنه شخصية عامة مهمة في المجتمع استغلت قلة قليلة هذه الفرصة فحاولت التشويه والتشويش باعتباره شخصية وطنية بامتياز تحترمه وتقدره كافة مكونات الشعب البحريني، متواضع تجده بين الناس يشاركهم أفراحهم وأحزانهم، أي إن سيرته ومسيرته عطرة. وقد تطور هذا النقد والتشويه ليطال مجلس الشورى؛ مما يوحي بأن هذه الهجمات ليست أكثر من محاولة لمهاجمة النظام. 
على أي حال ليست البحرين وحدها التي تتعرض لتحريف التعليقات التي يُدلي بها السياسيون ويتم إخراجها من سياقها ومعانيها ومقاصدها؛ فهناك أمثلة كثيرة في بعض دول العالم؛ مثل مصر والجزائر والأردن والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا واليابان وأستراليا والبرازيل وبريطانيا نفسها، حين يرتكب السياسيون خطأً، أو يأتون بأي تعليق له عدة تفسيرات تستغله المعارضة أو المتربصون، في محاولة للتشويه وتوجيه الانتقادات، ومنها على سبيل المثال.
في عام 2008، حين كان رئيس الوزراء البريطاني، "جوردون براون"، يخاطب أعضاء مجلس العموم، بشأن مسألة نجاح برنامجه الذي عُني بإنقاذ البنوك البريطانية، وسط الانهيار المالي العالمي. وبقيامه بذلك، قال إن حكومته "لم تنقذ العالم فقط"، بدلا من أن يقول "ننقذ البنوك البريطانية"، الأمر الذي قُوبل بسخرية فورية من المعارضين المحافظين في مجلس العموم البريطاني. وفي الأسابيع التالية، تم استخدام كلمات "براون" كدليل من قِبَل المعارضين المحافظين، ضده بصفته رئيسًا للوزراء وأحد زعماء حزب العمال البريطاني، على غطرسته، على الرغم من حقيقة أن تعبيره كان خطأً واضحًا. وأشار "ديفيد كاميرون"، زعيم المعارضة آنذاك إلى الواقعة عدة مرات؛ من أجل مهاجمة "براون"، حتى إنه قال: "حسنًا، لقد أصبح الآن على المحك. إنه مشغول جدًّا في الحديث عن مسألة إنقاذ العالم، وقد نسي مصالح هذا البلد".
ومن المفارقات أن وضعًا مشابهًا قد ظهر بعد سنوات فيما كان "ديفيد كاميرون" يشغل منصب رئيس الوزراء؛ ففي عام 2016، أثناء مناقشة سياسة زيادة التمويل لتعليم اللغة الإنجليزية للمرأة المسلمة بالمجتمعات المهاجرة، ادعى أن من صفات المرأة المسلمة أنها "شخصية خاضعة أو منقادة تقليديًّا"، وعلى الرغم من أن كلمته ربما صاغها بشكل سيئ، إلا أن ما كان يحاول إيصاله هو أن البطالة بين النساء في مجتمعات المهاجرين المسلمين في بريطانيا مرتفعة، وهي حقيقة لا جدال فيها. وبالتالي بدأ خصومه، ومعظمهم من النشطاء اليساريين وأعضاء حزب العمال، يتهمونه بكراهية الإسلام، ويدّعون أن كلمته انطوت على عنصرية وتمييز ما ضد المرأة المسلمة.
إن هذا التضليل للحقيقة الكامنة لكلمة كاميرون لا تهدف سوى إلى صرف انتباه العامة عن القضية السياسية التي كان يحاول مناقشتها، والتي شملت تنفيذه خططًا لإنفاق 20 مليون جنيه إسترليني على توفير دروس لتعلم اللغة الإنجليزية للمرأة البريطانية المسلمة في مجتمع المهاجرين في كل من المنازل والمدارس البريطانية، التي حظيت بالفعل بدعم واسع بين الكثيرين. 
وفجر أحمد أويحيى رئيس وزراء الجزائر السابق جدلا واسعا بعد أن وصف شهداء ثورة التحرير الوطني بـ"القتلى" بدلا أن يقول الشهداء، وذلك خلال مشاركته في منتدى باريس حول السلام في نوفمبر 2018، الذي استضافته العاصمة الفرنسية بمناسبة مرور مائة عام على نهاية الحرب العالمية الأولى، وهي الكلمة التي أثارت استياء واسعا، لأنها قيلت في محفل دولي وفِي مناسبة عالمية وتاريخية، ولأنها قيلت في فرنسا.
وأثار وزير التنمية المحلية المصري السابق، اللواء أبوبكر الجندي ثورة غضب بين أبناء الصعيد (جنوب مصر)، بعدما صرح، بأنه سيوقف زحف "الصعايدة" إلى القاهرة، وهو الأمر الذي دفع عددا من نواب البرلمان لتقديم بيانات عاجلة ضده، مطالبين إياه بتقديم اعتذار رسمي أو إقالته. وفي واقع الأمر، لم يكن الوزير يقصد إهانة أبناء الصعيد، الذين وصفهم بأنهم "رمز الوطنية والأصالة"، في تصريحات لاحقة، وإنما قصد "الاهتمام بتنمية محافظات الصعيد التي حُرمت من التنمية في العهود السابقة، وتطلع الدولة إلى هذا الجزء من الوطن باعتباره في قلب عملية التنمية الشاملة، والارتقاء بهذه المنطقة وتحقيق الخير لأبنائها، غير أن تصريحاته أسيئ فهمها.
ولعل تصريحات وزير الخارجية المصري السابق، "نبيل فهمي"، كانت هى الأخرى مثالا واضحا لإساءة الفهم وخروج الأمور عن سياقها، حينما وصف العلاقة بين مصر وأمريكا بـ"الزواج الشرعي". وذلك في معرض حديثه عن العلاقات القوية بين الولايات المتحدة ومصر. وما ذكره الوزير هو أنه بخلاف العلاقات العابرة بين الدول، فإن العلاقات المصرية - الأمريكية هي علاقات ممتدة على مدى طويل ومتشعبة وإستراتيجية، وأراد توصيل رسالة بكلام مبسط، مفاده أن "العلاقة مع أمريكا تقوم على الندية والتكافؤ وتستند إلى الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي منهما."
ومثال آخر وهو أن الدكتور "نبيل العربي"، الأمين العام لجامعة الدول العربية، عبر عن أسفه لما وصفه بـ''سوء الفهم الذي نتج عن تعليق أدلى به خلال المؤتمر الصحفي الختامي لقمة شرم الشيخ عام 2015، والذي فسر على أنه يحتوي على إساءة للديانة المسيحية''، حيث قال، إنه ''لم يقصد على الإطلاق التعرض للأمور العقائدية أو الإيمانية، وإنما كان يقصد فقط الإشارة إلى الأحداث التاريخية والصراعات التي دارت بالفعل في القارة الأوروبية خلال القرون الوسطى، وهى الصراعات التي لم تشهدها المنطقة العربية سواء بين أبنائها المسيحيين أو المسلمين''.
وكان العربي قال ردا على أحد الأسئلة ''أحنا مش كاثوليك وبروتستانت عندنا كتب مختلفة وأوضاع مختلفة''، وهو ما انتقده رجال دين مسيحيون وحقوقيون، مؤكدين له أن الكتاب المقدس هو كتاب واحد لكل المسيحيين بتعدد طوائفهم وشدد العربي، على احترامه الكامل والعميق للديانة المسيحية ولإخوانه المسيحيين الذين يشكلون جزءا أساسيا من نسيج المجتمع العربي.
وبمراجعة سريعة لعشرات المقالات والتغريدات والأخبار المحلية والإقليمية والدولية التي تحدثت عن موضوع المقال، نجد أن معظمها إيجابيًا بما في ذلك برنامج مدته ساعة بثته المحطة التليفزيونية البريطانية "بي بي سي"، وهذا يدل على أن الرجل هو قيمة وقامة محليًا وإقليميًا في المجتمع، فهو معروف بتواضعه، والكل يعرف حقيقة تاريخ وأصالة ومنهجية "علي بن صالح الصالح"، التي نالت ثقة الملك ورئيس الوزراء وولي العهد، وجعلته أحد رجالات البحرين التي يفخر بها وبمسيرتها وعطائها المجتمع البحريني بكل مكوناته.

{ انتهى  }
bottom of page