top of page

مقالات رئيس المركز 

د. عمر الحسن

Picture No.3.JPG
3/1/2020

الحالة الأمنية في البحرين عام 2019.. نظرة تقييمية (1-2)

يُمثِّل الأمن أحد المُقوِّمات الأساسيّة لنجاح عمليّة التنمية، والنموّ، والارتقاء بمُختلف المجالات؛ حيث لا يتحقَّق الازدهار لهذه المُرتكَزات، إلا في ظلّ وجود أمن راسخ يُمكّن الإنسان من الاطمئنان على ذاته، وثروته، واستثماراته، ومن ثمّ، كان الحفاظ على القانون والنظام، وحماية الأمن الداخلي، والاستقرار هو الهدف الرئيسي لكل دولة ذات سيادة في العالم، ولا يتم إدراك هذا الهدف والوصول إليه إلا إذا كان هناك جهاز أمني كفء وقيادة أمنية تدرك حجم وخطورة مهامها وقادرة على النهوض بها دون إفراط أو تفريط، وهي مهمة جسيمة تتحمل مسؤوليتها وزارة الداخلية.
وانطلاقًا من هذا الوضع، واستنادًا إلى هذا الحجم من المسؤولية الملقى على وزارة الداخلية البحرينية، باعتبارها المسؤول عن الحفاظ على القانون والنظام وحماية الأمن الداخلي وتحقيق الاستقرار، فقد طبقت الأمن بمفهومه الشامل بدقة، وتعاملت بأعلى درجات المهنية مع كافة الممارسات العدائية والإرهابية، والتي تأهلت لها، وتم تدريبها عليها، وعلى أحدث الإمكانات التكنولوجية التي أحسنت استخدامها، ما مكنها من التصدي لهذه الممارسات، بل وإجهاضها قبل وقوعها، الأمر الذي أدى إلى تراجع هذه الأعمال وتقلص الخسائر البشرية والمادية بدرجة غير مسبوقة خلال العام 2019.
ويرصد مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية يوميًّا التحديات الأمنية التي تواجه البحرين منذ أحداث فبراير 2011 وحتى اليوم، وذلك من خلال محورين أولهما: التحديات الأمنية وتطورها من حيث الكم والنوع، وثانيهما: أداء وجهود وزارة الداخلية في المواجهة على المستويين الداخلي والخارجي، وهو ما سنعرض له: 
أولاً: التحديات 
الأمنية خلال العام 2019:-
1- العمليات الإرهابية: 
أ- الاعتداءات ضد رجال الشرطة: لم يشهد عام 2019 أية اعتداءات ضد رجال الشرطة، في حين أسفر العام 2018 عن استشهاد فرد شرطة واحد، وإصابة آخر، وشهد العام 2017 استشهاد (4) وإصابة (24)، والعام 2016 استشهاد فرد واحد وإصابة (6) آخرين.. أمَّا الفترة من فبراير 2011 وحتَّى نهاية ديسمبر 2015 فقد استشهد (19) وجرح (2500)، بمعدَّل (500) كلّ عام. ويتَّضح من هذه المقارنة استمرار انخفاض الاعتداءات بشكل تدريجي وصولا لانعدامها، وهو ما يدل على حقيقة استعداد رجال الشرطة الجيّد لصدِّ هذه الاعتداءات وردعها قبل وقوعها. 
ب- الاعتداءات ضد المنشآت العامة: وصل عددها هذا العام إلى (3) فقط، وهي نفس نسبة العام 2018 بينما وصلت في 2017 الى (50)، مقابل (53) في 2016, أمَّا في الفترة من فبراير 2011 وحتَّى ديسمبر 2015 فقد كانت (459)؛ أي بمعدل (91) اعتداءً كلّ عامٍ، وهو ما يعكس استمرار التعاون بين أجهزة الأمن والإدارات الأخرى لتفادي أي هجمات أو اعتداءات.
ج- الاعتداءات ضدّ الأفراد والممتلكات الخاصَّة: لم تشهد المملكة وقوع هذا النوع من الاعتداءات خلال العام 2019, في حين أن عددها وصل الى (58) مخلفة وراءها قتيلاً واحدًا، عام 2018, وفي عام 2017 بلغت (4)، وعام 2016 كانت (5)، بينما خلال الفترة من فبراير عام 2011 وحتَّى نهاية عام 2015 كانتْ أكثر من (142)؛ أي بمعدَّل 28 اعتداءً كلَّ عامٍ.. ويلاحظ أنَّ الزِّيادة في الاعتداءات هذا العام اختلفت كليًا عن العام السابق، والذي تزامن مع فترة التَّرشُّح للانتخابات البلدية والتشريعية، في محاولة لعرقلتها وإثارة البلبلة حولها.
د- زرع الخلايا الإرهابيَّة: كشفت القوات الأمنية خلال العام 2019 عن (8) خلايا إرهابية ذات ارتباطات إقليميَّة خطَّطت للقيام بعمليَّات تخريب واستهداف شخصيَّات عامَّة وحافلات شرطة. نذكر منها الكشف عن خلية إرهابية تضم 9 أشخاص مدعومة من إيران لإنشاء مخازن تحت الأرض لتخزين الأسلحة والمتفجرات واستخدامها في عمليات إرهابية، في حين أن عددها في العام 2018 كان (7)، وفي عام 2017 (12)، بينما كانتْ (6) عام 2016.. أمَّا في الفترة من عام 2011 وحتَّى ديسمبر 2015 فقد وصلتْ إلى (18) خليَّة سنويًا. ويتَّضح من هذه الأرقام أنَّه رغم تعاون القوى الخارجيَّة مع الجماعات الإرهابيَّة بالدَّاخل فقد نجحت قوات الأمن في التضييق عليها، ليقلَّ عددها بمعدَّل النِّصف تقريبا مقارنةً بعام 2017؛ وبمعدَّل ثلاثة أضعاف عن الأعوام من 2011 إلى 2015. وهو ما يعني نجاحها في توجيه ضربات استباقيَّة لهذه الخلايا وامتلاكها القدرة على تعقب الإرهابيين والتحقيق معهم.
هـ- التَّهديدات الأمنيَّة الافتراضيَّة عبر شبكات التَّواصل الاجتماعيّ: شكل استخدام شبكات التَّواصل الاجتماعيّ عام 2019 تحديات وتهديدات أمنيَّة؛ وذلك من خلال إثارة ما يسمى بحرب «الإعلام الاجتماعيّ»، حيث ظهرت أعداد من الحسابات الوهميَّة لأشخاص وتنظيمات؛ استهدفت تشويه سمعة المملكة، والتحريض على العنف، وإثارة النَّزعة الطَّائفيَّة فيها، بالإضافة إلى عمليات التزوير واختراق الحسابات الأخرى، وقد بلغ عددها نحو (5) قضايا، نذكر منها، الكشف عن شبكة متصلة من الحسابات الوهميَّة تديرها جهات خارجية في محاولة لنشر الشائعات والأخبار الكاذبة، في حين أن عددها وصل إلى(10)، في العام 2018؛ ما يعني نجاح الأجهزة الأمنية في الحد من حجم هذه التهديدات بشكل كبير.
2- محاولة المعارضة إشراك جهات خارجية في الشأن الداخلي البحريني: ويؤكد ذلك التصريحات الإيرانية الرسمية وغير الرسمية والتي بلغ عددها (120) تصريحا خلال العام 2019, بينما كانت (72) عام 2018, فضلاً عن تواصل المعارضة مع منظَّمات معادية، ومع وسائل إعلام أجنبيَّة وتزويدها بمعلومات مغلوطة، وقد بلغ عدد التَّقارير الدّوليَّة والإعلاميَّة المنحازة التي تناولت البحرين (680)، في حين كانت خلال العام 2018 (540) تقريرًا.
3 - الجرائم العابرة للحدود، وتجسدت في:
- الفساد والأمن الاقتصاديّ؛ سجَّلت هذه النَّوعيَّة من القضايا المتعلِّقة بارتكاب جرائم التَّزوير والاحتيال والرّشوة وغسل الأموال وتمويل الإرهاب في العام 2019 نحو (67) قضية، بلغ عدد المتهمين فيها نحو (38)، في حين كان عددها في العام 2018 (63) قضيَّة، وفي 2017 (68). 
- قضايا المخدّرات: وصل عدد قضايا التعاطي والاتجار والتَّهريب إلى (954) قضية خلال العام 2019, بلغ عدد المتهمين فيها نحو (1122)، بينما كانت عام 2018 نحو (694) قضية، وفي عام 2017 (1081)، وبلغت (1059) عام 2016.
ثانيًا - جهود المواجهة:
سارتْ جهود المواجهة على مستويين: الأوَّل، داخلي عن طريق مشاركة القيادة السِّياسيَّة والمؤسَّسات الرسمية والمجتمع المدنيّ في إطار من الشَّراكة المجتمعيَّة.. والثاني، خارجي باعتبار أن للأزمة أبعادًا خارجية بوجود داعمين خارجيين.
- المواجهة الداخلية:
أ- جلالة الملك حمد بن عيسى:
الأمن الوطني في رؤية جلالة الملك «حمد»، ركيزة أساسية للمحافظة على استقرار واستقلال البلاد وصيانة الوحدة الوطنية والحفاظ على الحريات، ولا يمكن أن تحدث التنمية بدونه.. وانطلاقًا من إدراكه العميق لحجم التحديات والتهديدات التي تواجه المملكة، تتابعت خطواته لتعزيز القدرات الأمنية وتطويرها بما يتواكب مع التطور في التحديات، مستندًا في ذلك إلى دراسات وبحوث ومستشارين على درجة من الخبرة والمعرفة، وذلك بتزويد الأجهزة الأمنية بأحدث الأسلحة والمعدات والمنظومات لرفع قدراتها وتحسين أدائها، بالتوازي مع إصداره (4) قوانين، منها قانون رقم (8) لسنة 2019 بشأن حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية، ومصادقته في مايو على تعديلات قانون العقوبات الخاصة بتجريم كافة أشكال التعاطف أو التبرير للأعمال الإرهابية التي تقع داخل أو خارج حدود المملكة، ومصادقته في 24 ديسمبر على التعديلات الجديدة المتعلقة بحيازة المواد المتفجرة، والتي تأتي لحماية المجتمع من الإرهاب وتعزيز العقوبات الرادعة لمرتكبيه.
واستكمالاً لمنظومة المجابهة الداخلية، قام بـ(5) زيارات لقوة دفاع البحرين والوحدات التابعة لها، ودعا إلى العمل المشترك بين وزارة الداخلية وقوة دفاع البحرين والحرس الوطني وجهاز الأمن الوطني لتظل البحرين تنعم بالأمن وتسير في طريق التنمية، كما كان حريصا على ضرورة التَّكامل بين الجهود الدَّاخليَّة والخارجيَّة الإقليمية والدولية، وهو ما تجسد في تصريحه يوم 19 أغسطس 2019 بأهمية «الالتزام بأمن المنطقة والحرص على العمل المشترك مع دولها، بما يضمن إلزام الجميع بالقوانين والأنظمة التي تحتكم لها علاقات حسن الجوار، والاحترام المتبادل لسيادة الدول واستقلالها». 
ولم يغفل وسط هذا الاهتمام التوجيه بتعزيز الجانب الإنساني والحقوقي، حيث اهتم بنشر مبادئ حقوق الإنسان، والتأكيد عليها، ووجه وزارات المملكة لخلق الوعي بضرورة احترامها وتطوير المعارف النظرية والمهارات العملية بها وكيفية حمايتها من خلال إصدار تشريعات ناظمة لها، خاصة أن المملكة من أوائل الدول التي اهتمت بهذه الحقوق، ولديها مؤسسات وجمعيات ولجان تضمن حقوق الإنسان عددها (28) ما بين حكومية وبرلمانية وأهلية، تعني بالرصد والمتابعة والتحقق وفق المعايير الدولية، من بينها: (المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان)، و(الأمانة العامة للتظلمات)، و(وحدة التحقيق الخاصة بسوء المعاملة التابعة لوزارة العدل)، و(مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين)، و(اللجنة التنسيقية العليا لحقوق الإنسان)، و(لجنتي حقوق الإنسان) في مجلسي النواب والشورى، و(إدارة التدقيق الداخلي والتحقيقات) التابعة لوزارة الداخلية، بالإضافة إلى أمين المظالم الذي يرأس (لجنة حقوق السجناء والمحتجزين)، فضلا عن تنظيم وزارة الداخلية العديد من برامج التدريب في مجال حقوق الإنسان لموظفيها، بما في ذلك مناهج ودراسات حقوق الإنسان في أكاديمية الشرطة الملكية.
ب- السلطة التنفيذية:
رئيس مجلس الوزراء:
الحكمة في اتخاذ القرار ومناقشة أصحاب الرأي والمشورة كانت السمة المميزة لسمو رئيس الوزراء الأمير «خليفة بن سلمان» في مواجهة التحديات الأمنية التي شهدتها المملكة على مستويين: الأول: مجلس الوزراء، والذي استحوذت الشؤون الأمنيَّة على حوالي 60% من اجتماعاته، فمن بين «36» جلسة عام 2019 كانت هناك «24» جلسة تناولت المحور الأمنيَّ، ركَّزتْ توجيهاته فيها على تطوير المنظومة الأمنيَّة، ورفع قدراتها وتحسين أدائها، وتعزيز استخدامها لآلياتها بشكل منضبط في إطار قانوني وإنساني، فضلا عن استعراض أبرز التحديات الأمنية التي تواجهها المملكة.
أما المستوى الثاني، فهو «مجالسه الأسبوعية»، التي يعقدها ووصل عددها خلال العام 2019 إلى «24» مجلسًا، وذلك بهدف الإطلاع مباشرة على مشاكل الوطن وهمومه، حيث يحضرها قادة مكونات الشعب وأصحاب الرأي، ويكون النقاش فيها مفتوحًا في كل المجالات. 
 سمو ولي العهد:
ترجمة لروح المجتمع البحريني ونسيجه وهويته؛ سار سمو ولي العهد الأمير «سلمان بن حمد»، بالتحصن بالشعب ومشاركته في همومه، من خلال مجالسه الأسبوعية، التي تشكل منصة جامعة لكافة أبناء المجتمع، والتي بلغت (28) مجلسا خلال العام 2019, وقام بزيارة (13) مجلسا، أشاد فيها بجهود وزارة الدَّاخلية في حفظ أمن واستقرار المملكة، وتبنيها لبرامج ومبادرات التَّواصل عبر قنوات الشراكة المجتمعية، وتعزيز مفهوم الهوية الوطنية.

{ انتهى  }
bottom of page