مقالات رئيس المركز
د. عمر الحسن

2019/04/28
"حمد بن عيسى"
عقدان مزهران.. ماضٍ عريق ومستقبل واعد
بمناسبة مرور عشرين عامًا على تولي جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة الحكم؛ نظم مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة (دراسات)، ندوة تحت رعاية سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة؛ لقراءة ما جاء في كتاب "عقدان مزهران"، الذي أصدره المركز، متضمنا الإنجازات التي تحققت في عهد جلالته خلال العقدين الماضيين، وذلك بمشاركة مجموعة كبيرة من الشخصيات الفكرية والسياسية والدبلوماسية، بحرينية وعربية.
في البداية، أشار الشيخ ناصر إلى أن الكتاب يوثق قصة أمة ووطن وملك، وسيكون مرجعًا للأجيال القادمة، من خلال تسليط الضوء على إنجازات امتدت إلى 20 عامًا، جعلت البحرين وجهة للمستثمرين ورجال الأعمال.
وقد تشرفت بالحضور بدعوة من الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة، رئيس مجلس أمناء المركز الذي أدار الندوة، وأكد من جانبه على أن الكتاب الذي يضم عشرة فصول، وثق الإنجازات التي تحققت على مدى عقدين وأفضت إلى ترسيخ دولة القانون والمؤسسات بارتكازها على الأسس الدستورية المتينة، مستعرضا رؤية الملك الحكيمة وجهوده في تحقيق النهضة الشاملة على كل المستويات، والتي أثمرت عن نقل المملكة إلى مصاف الدول المتقدمة، وبفضلها أصبحت نموذجًا يحتذى في التطوير والنماء والإصلاح والحريات، وتعيش هذه الأيام حاضرًا مزدهرًا.
في حين، قدم دولة "سمير الرفاعي"، رئيس وزراء الأردن الأسبق، قراءة معمقة لفصل عبقرية الدبلوماسية البحرينية، مؤكدا أن رغبة الإصلاح في المملكة لم تكن مرتبطة بأية ضغوط داخلية أو خارجية، وإنما نتيجة إيمان الملك بضرورة التطوير والتحديث والعصرنة.
وأكدت، "فوزية زينل"، رئيسة مجلس النواب، أن البحرين استطاعت مع تلاقي الإرادتين الملكية والشعبية، المضي قدمًا نحو ترسيخ دولة القانون والمؤسسات، وأن مجلس النواب ومنذ العام 2002 حقق الكثير من الإنجازات للوطن والمواطن بالتعاون الإيجابي مع الحكومة، وبالتكامل الفاعل مع مجلس الشورى.
وفي كلمتها، أشارت "هالة الأنصاري"، الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة، إلى أن الكتاب استطاع أن يعيد توضيح مشروع رجل الدولة المفكر من خلال الطرح الرصين لإنجازات الملك، وأبرز ما يمكن أن نسميه النموذج البحريني في إدارة شأنه واستقلالية قراره، وبشراكة متزنة لكافة مكوناته ضمن نسيج اجتماعي استوعب عطاء المرأة وقدر إسهاماتها، فأصبح لها اليوم السبق في الريادة.
فيما سلط رئيس جامعة الأزهر "د.محمد المحرصاوي"، الضوء على دور جلالته في تعزيز قيم المواطنة والمحافظة على هوية البحرين والعبور بها إلى بر الأمان في ظل أزمات كبيرة عاشتها المنطقة العربية.
في حين أشار "د.هادي اليامي"، عضو مجلس الشورى السعودي إلى أن النموذج البحريني في صيانة حقوق الإنسان، هو أحد ثمار مشروع الملك الإصلاحي، وأن المملكة كانت سباقة في مجالات التشريعات الحديثة وتعزيز حرية الرأي والتعبير، التي امتدت من المستوى المحلي إلى المستوى الخليجي والعربي.
وعليه، جاءت الندوة كاشفة بأفكار المثقفين العرب والخليجيين وصريحة بمداخلاتهم وواقعية بتلامساتهم للحقائق، بعد أن التزموا فيها موقفًا شفافًا بعيدًا عن المجاملات البروتوكولية، ليصلوا إلى نتيجة ثابتة، وهى أن الطريق الذي قُطعت بعض أشواطه رغبة في تحقيق هذه الإنجازات، سوف تقدر على مواصلة ما تبقى من أشواطه، بإرادة القيادة السياسية الحكيمة والمجتمع.
مما تقدم نجد أن تعدد الإنجازات وشمولها كافة المجالات يجعل من الصعب ضمها في كتاب واحد، فكل فصل من فصوله يصلح لأن يكون موضوعًا لكتاب مستقل وفق ما أشار إليه المشاركون، ونظرًا لأهمية موضوع الندوة وبمناسبة صدور الكتاب، نشير هنا إلى أن "مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية"، قد رصد مسيرة هذه الإصلاحات والإنجازات، وألقى الضوء على فترة حكم الملك منذ تسلمه الأمانة عام 1999 من خلال إصداره عددًا من الكتب المتخصصة بموضوعات محددة. فمنذ العام 2002 يصدر المركز كتابًا سنويًا يتناول بالرصد والتحليل الإنجازات التي تتحقق في مختلف المجالات، وبعد مرور عشر سنوات على توليه الأمانة، وفي العام 2009 أصدر كتاب عنوانه (بعد عشر سنوات على حكم الملك حمد.. الحقوق والحريات والتنمية في البحرين)، تلاه كتاب (عقد من التنمية في البحرين.. الديمقراطية وحقوق الإنسان والتغير الاجتماعي) عام 2010، وفي نفس العام قام المركز بالتعاون مع المجلس الأعلى للمرأة بإعداد كتاب (المرأة في عهد حمد). وفي عام 2014 أصدر كتاب (حقوق الإنسان في عهد حمد) بالتعاون مع وزارة شؤون حقوق الإنسان، وفي نفس العام والعام الذي تلاه أصدر المركز كتابين يرصدان الجانب الإنساني في تصريحات القيادة السياسية البحرينية من خلال قراءة معمقة في خطابات وتصريحات الملك ورئيس الوزراء وولي العهد.
وفي عام 2016 أصدر كتاب (خليفة بن سلمان آل خليفة.. زعامة صنعت تاريخًا)، كما وثق في كتابه الذي أصدره عام 2017، بعنوان (حمد بن عيسى آل خليفة والحكم الرشيد)، ما قام به الملك منذ توليه الأمانة، مركزًا على إدارته الرشيدة لأزمة 2011 وما بعدها في كافة مجالات العمل الوطني، وقد حرص المركز على أن تكون جميع هذه الإصدارات باللغتين العربية والإنجليزية، فأصبحت مصدرًا مهمًا للباحثين والأكاديميين والمهتمين بقضايا الخليج والدارسين من طلبة الماجستير والدكتوراة.
وبهذه المناسبة، نعرض لبعض هذه الإنجازات في محاولة لتسجيل نقطة عربية، تدل على أن القيادة هي الحكمة، وأن النظام الناجح هو الذي يمتلك الرؤية، وأن قدرة القائد تقاس بقدر استماعه الإيجابي لمعارضيه ومؤيديه في إطار من حفظ الأمن والحقوق سواء بسواء.
ففي مجال السياسة الخارجية انتهجت البحرين في عهد جلالته سياسة خارجية تعاونية نشطة وإيجابية، خادمة للنهوض الوطني، متوجهة إلى إعلاء مكانة البحرين الإقليمية والدولية، وتحقيق مصالحها وأمنها والمحافظة على سلامتها واستقلالها وسيادتها، والارتقاء باقتصادها، دائرتها الأولى الخليجية والعربية والإسلامية، ودائرتها الثانية الإطار الجغرافي القريب في آسيا ودائرتها الثالثة القوى الدولية. وكانت أهم مبادئ هذه السياسة، عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والانتصار للحقوق العربية والتعايش السلمي، وتحقيق التعاون والتنسيق والتضامن مع الدول الأعضاء في مجلس التعاون وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.
أما في مسار "التطور الديمقراطي"، فقد شكلت قناعة الملك بهذا الخيار وسيلة لبناء مجتمع ينعم بالأمن والاستقرار والتطور، والتي بدأت مسيرته بإصدار ميثاق العمل الوطني عام 2000 كعقد اجتماعي ووثيقة فوق دستورية ترسم طريق المستقبل، والذي حظى بموافقة شعبية عند التصويت عليه بنسبة 98.4%، واستند إليه دستور البلاد المعدل عام 2002. وقد كان لتوجيهات جلالته دور أساسي في تمكين المجلس الوطني بغرفتيه النواب والشورى من اتخاذ التشريعات التي أدت لحفظ أمن واستقرار الوطن ومكتسباته.
وكان نتيجة ذلك أن أجريت الانتخابات البرلمانية والبلدية بشكل منتظم كل 4 سنوات منذ عام 2002 وحتى 2018، ولأول مرة في منطقة الخليج يسمح بإنشاء جمعيات سياسية (أحزاب) بلغ عددها حتى الآن (20) جمعية، فيما صدر خلال العقدين الماضيين (1027) تشريعا.
التشريعات
من مارس 1999 – مارس 2019
نوعها عددها النسبة %
حقوقية 298 29.02
اقتصادية 257 25.02
التنمية البشرية 241 23.5
سياسة خارجية 102 9.93
أمنية 79 7.7
إدارية 50 4.87
المجموع 1027 100
وفي مجال حقوق الإنسان، تعهد منذ خطابه الأول في 13 مارس 1999، أن يرتكز حكمه على مبادئ الشفافية والانفتاح والعدالة وحقوق الإنسان؛ حيث بدأ جلالته بعفو كامل عن المعتقلين السياسيين، وإلغاء قانون ومحكمة أمن الدولة. فيما صادقت المملكة على كل المواثيق والاتفاقيات والعهود المعنية بحقوق الإنسان، والتي غدت جزءا من منظومتها التشريعية، وفاعلة في أداء مؤسساتها الحكومية ونظامها التعليمي، فأنشأت ديوانا للرقابة المالية والإدارية عام2002، ومحكمة دستورية. وفي 2009 تم إلغاء نظام الكفيل للعمال الوافدين، وأنشئت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان. وفي 2011 أنشئت وزارة معنية بهذه الحقوق، فضلا عن اللجان الحقوقية في مجلسي النواب والشورى، ووجود (11) لجنة حقوقية حكومية تابعة للوزارات والهيئات، ومكتب التظلمات، ومفوضية حقوق السجناء والمحتجزين، بالإضافة إلى (9) جمعيات أهلية حقوقية.
كما كان الجانب الإنساني والحقوقي بارزًا في إدارة الملك لأحداث فبراير2011، فكانت مبادرته بإنشاء "اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق" بالتعاون مع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، و"آلية الحوار الوطني"، واللجان المعنية بتنفيذ توصيات كل منهما. كما بادر بالدعوة لإنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان. والتزامًا بمتابعة تنفيذ الاتفاقات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان؛ حرصت المملكة على تقديم تقريرها الدوري لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في موعده.
ومنذ تسلمه الأمانة، حرص جلالته على توفير حرية الرأي والتعبير، وتوفير البيئة والضمانات القانونية والسياسية لممارستها، وبرز ذلك في إنشاء جمعية الصحفيين عام 2000، وما نصت عليه المادة 23 من دستور عام 2002، وقانون مباشرة الحقوق السياسية رقم 14 لسنة 2002 والمرسوم بقانون رقم 47 لسنة 2002 بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر والقانون رقم 33 لسنة 2002 بشأن النقابات العمالية، والقانون رقم 26 لسنة 2005 الذي يجيز تأسيس الجمعيات السياسية والمرسوم بقانون رقم 39 لسنة 2005 بإنشاء معهد التنمية السياسية، وإطلاق الملك جائزة البحرين لحرية الصحافة في 2010، وتوالي صدور تصاريح إنشاء الصحف حتى بلغ عدد الصحف اليومية (6) بعد أن كانت (2) عام 2002، إضافة إلى (37) صحيفة ومجلة أسبوعية وشهرية، والسماح بتنظيم الندوات والمؤتمرات والمحاضرات والحلقات النقاشية والتي وصل عددها 759 ما بين عامي 2012 – 2016، والاعتصامات والمسيرات والتي وصل عددها 364 خلال نفس الفترة. وتم اختيار المنامة مقرًا لاتحاد الصحافة الخليجية عام 2005، ومقرًا للمكتب الإقليمي للاتحاد الدولي للصحفيين عام 2009، واحتلت البحرين المرتبة الثالثة عالميًا عام 2018 في مؤشر نسبة مستخدمي الإنترنت التي بلغت 98% من إجمالي سكان البحرين، وهو نفس العام التي قفزت فيه المملكة 60 مرتبة عالمية في سرعة الإنترنت.
وتعد التنمية البشرية، ركيزة أساسية في مشروع الملك الإصلاحي الذي يستهدف الارتقاء بالإنسان البحريني إلى مستوى نظيره في بلدان العالم المتقدمة، وقد أتاح لها الموارد المالية اللازمة، ففي التعليم، غدت المملكة خالية من الأمية الأبجدية وتحولت حاليًا نحو إلغاء الأمية الحاسوبية، بفضل سياسة إلزامية التعليم الأساسي ومجانية هذا التعليم قبل الجامعي، وأصبحت ضمن الفئة الأولى من الدول التي حققت الأهداف الأساسية لبرنامج الأمم المتحدة الخاص "بالتعليم للجميع"، وفقًا لتقارير اليونسكو السنوية حتى عام 2018. وأطلق عدة مبادرات لتطوير التعليم والتحول من الاستهداف الكمي إلى استهداف الجودة وتعزيز المواطنة على رأسها مشروع الملك حمد لمدارس المستقبل، ومشروع التمكين الرقمي والمدارس المنتسبة لليونسكو، والمناهج المعززة لقيم التسامح والتعايش وحقوق الإنسان، وارتفع عدد مؤسسات التعليم العالي من 2 قبل تولي الملك الأمانة إلى 22 في الوقت الحالي.
ورغم انخفاض إيرادات النفط لم تخفض الدولة إنفاقها على التعليم، والدليل أن ميزانية وزارة التربية والتعليم كانت عام 2000، حوالي 87 مليونا، وفي عام 2017 بلغت 381 مليون دينار، وزادت في عام 2018 إلى 387 مليون دينار، أي ما يزيد على 10% من الميزانية العامة الإجمالية، وذلك بهدف تحديث التعليم وفق أفضل المناهج العالمية.
ويتمتع المواطن البحريني والمقيم بالرعاية الصحية المجانية بإطلاق الملك مبدأ منظمة الصحة العالمية "الصحة للجميع"، وعليه، أصبحت المملكة خالية من الأمراض الوبائية. نتيجة العمل بالاستراتيجيات الصحية الثلاث التي دشنها (2002 – 2010)، و(2011 – 2014)، و(2015 – 2018). فيما ارتفعت ميزانية القطاع الصحي بشكل ملحوظ من 78 مليون دينار عام 2000 إلى أكثر من 323 مليون دينار في ميزانية 2018 في مقابل 305 ملايين دينار في 2017. ومن خلال هذه الاستراتيجية دشن المجلس الأعلى للصحة - الذي أنشأه الملك في عام 2013 -الخطة الوطنية للصحة (2016- 2025).
أما في مجال الإسكان الذي عده الملك أولى أساسيات الاستقرار المجتمعي، فقد حرص على توفير المسكن الملائم للمواطن الذي يراعي المعايير التي أكدت عليها الصكوك الدولية بتكلفة مالية معقولة، فوجه بتأسيس لجنة الإسكان والإعمار عام2001. وكانت مبادرته بتقديم المزيد من التسهيلات الإسكانية والتي استفاد منها أكثر من 30 ألف أسرة. وفي عام 2003 كان إنشاء مدينة زايد، وفي نفس العام تم تنفيذ برنامج ضخم للتوسع في الخدمات الإسكانية، حتى بلغ إجمالي الخدمات التي قدمتها وزارة الإسكان أكثر من 36 ألف خدمة مدعومة في العقد الأول من الألفية. وشهد العقد الثاني بداية تنفيذ توجيهاته بتوفير40 ألف وحدة للمواطنين للقضاء على مشكلة طول فترة الانتظار، نفذ منها حتى نهاية 2018 ما يقارب من 35 ألف وحدة سكنية.
واحتل النهوض بالمرأة عبر تمكينها سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، مكانة مرموقة في المشروع الإصلاحي، فأصدر الملك في 22 أغسطس 2001 المرسوم رقم 44 بإنشاء "المجلس الأعلى للمرأة"، باعتباره الجهة الرسمية المعنية بشئونها، والذي أسهم في تعزيز حضورها كمساهم فاعل في التنمية الوطنية في جميع المجالات من خلال خطط وبرامج لتمكينها وإدماج احتياجاتها في برنامج التنمية، وتعزيز مبدأ تكافؤ الفرص ورفع الوعي بدورها وحقوقها وواجباتها. وبفضل هذه السياسة؛ أصبح عدد الجمعيات النسائية (20) جمعية، وتولت المرأة عدة مناصب حيوية في مواقع صنع القرار في السلطات الثلاثة وفي العمل الدبلوماسي والوظائف الدولية. وتعزيزا لمكانتها؛ صدرت العديد من القوانين كالمرسوم بقانون رقم 5 لسنة 2002 بتصديق المملكة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والقانون رقم 34 لسنة 2005 بإنشاء صندوق النفقة، والقانون رقم 19 لسنة 2009 بإصدار قانون أحكام الأسرة. وبمقتضى الدستور أصبح لها حق الانتخاب والترشح وأصبح حضورها ملموسا في الانتخابات التشريعية والبلدية. وفي انتخابات 2018 أصبح في المجلس النيابي المنتخب 6 نساء، وفي المجالس البلدية 4، وتتولى سيدة رئاسة المجلس النيابي حاليًا.
وفيما يخص المجتمـع المدنـي الذي يعده الملك شريكًا أساسيًا في تحقيق التنمية الشاملة المستدامة، وجه جلالته بالمحافظة على استقلالية مؤسساته مع العمل في نفس الوقت على رفع قدراتها وكفاءتها دون تدخل في شؤونها عن طريق المركز الوطني لدعم المنظمات الأهلية؛ من خلال تقديم الخدمات الاستشارية والفنية والتدريبية، إضافة إلى الدعم المادي، ما أدى إلى زيادة عددها حتى بلغت 617 جمعية في 2018، في مقابل 275 عام2001، فضلا عن حدوث تحول نوعي في اهتماماتها وأنشطتها، حيث ظهرت الجمعيات المتعلقة بحقوق الإنسان، وحماية المستهلك، إضافة إلى النقابات المهنية والعمالية.
وفي مجال الرعاية الاجتماعية؛ وجه جلالته أن تكون أجندة التنمية الاجتماعية التي تنفذها الحكومة في برامجها، تضمن توفير الحياة الكريمة للمواطنين وتحسين أوضاعهم المعيشية وتحقيق العدالة الاجتماعية ودعم المرأة المعيلة، ورعاية ذوي الإعاقة، ودمجهم اجتماعيًا، والرعاية للفئات المحتاجة.. إلى هذا كانت استراتيجية وزارة العمل والتنمية الاجتماعية عام 2002، فيما حرصت برامج الحكومة المتتابعة (2011 – 2014، و2015 – 2018)، على الأخذ بمنظور التنمية الاجتماعية الشاملة، فحرصت على القضاء على مشكلة البطالة، ووضع نسبتها في الحدود الآمنة 3 - 4% فضلاً عن مشروع التأمين ضد التعطل.
وشملت هذه البرامج تطوير برامج للمشاريع متناهية الصغر وبناء المراكز الاجتماعية وتأسيس الصندوق الاجتماعي الوطني، والمصادقة على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتدشين الاستراتيجية الوطنية الخاصة بهم، والاستراتيجية الوطنية للمسنين في2011.
أما في مجال البنية التحتية؛ فعند مقارنة وضعها عام 1999 وما آلت إليه في 2019، يتبين مقدار النهوض بهذا القطاع، من طرق وجسور وشبكات مياه وصرف ومحطات طاقة وتطوير الموانئ الجوية والبحرية وتطوير قطاع المواصلات والاتصالات والصيانة الدورية لهذه القطاعات حتى صارت في مستوى الدول المتقدمة. ففي مجال الاتصالات تجاوز عدد مشتركي الهاتف النقال 2.8 مليون مشترك في 2018؛ ما جعل البحرين الأولى عربيًا حسب تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) 2018. هذا فضلا عن إنشاء المرافق والبنية التحتية للمدن السكنية الجديدة، والتوسع العمراني الذي أضاف لمساحة البحرين البرية عن طريق ردم مياه البحر.
واحتل الاقتصاد وتحقيق التنمية الشاملة المستدامة، أسبقية أولى في اهتمامات الملك، حيث أمكن لهذا القطاع تحقيق الأهداف التنموية التي حددتها الأمم المتحدة قبل موعدها المحدد في 2015، فغدت المملكة خالية من الفقر، وغدا المواطن البحريني ينعم بمتوسط دخل سنوي نحو 30 ألف دولار، وغدا معدل التضخم ضمن المستويات الأقل عالميًا في حدود من 1– 2%، وأمكن تحقيق معدل نمو بلغ متوسطه 7% سنويًا على مدى العقد الأول من الألفية وحتى منتصف 2014. وساعد في تحقيق هذا المعدل المرتفع تفعيل التجارة الحرة في إطار مجلس التعاون الخليجي، والتحول إلى الاتحاد الجمركي في 2003، وإبرام اتفاقية التجارة الحرة البحرينية الأمريكية في 2006، فضلا عن المهارة في قيادة الاقتصاد في التعامل مع تداعيات الأزمة المالية العالمية 2008، وأزمة البحرين في فبراير 2011 والتي أدارها الملك بحكمة واستطاع الخروج من هذه الأزمات بأقل الأضرار، وهو الأمر الذي قام به أيضا لتجاوز تأثير انخفاض أسعار النفط منتصف 2014، من خلال ضبط الإنفاق والتوجيه بإجراءات تحقق سرعة عودة الاقتصاد إلى المعدلات التي كان يحققها قبل الأزمة والسيطرة على التضخم.. كل هذا فضلا عن الاستفادة من عمق البحرين الخليجي، فكان تبني الأشقاء في مجلس التعاون برنامج التنمية الخليجي للبحرين في 2011 الذي قرر 10 مليارات دولار على 10 سنوات، وكان تبنيهم لبرنامج التوازن المالي في 2018 ودعمه بـ 10 مليارات دولار على خمس سنوات.
أما الأمن الوطني، فهو في رؤية الملك حمد ركيزة أساسية لمواجهة التحديات الأمنية التي تتعرض لها المملكة، وللمحافظة على استقرار واستقلال البلاد وصيانة وحدتها الوطنية وضمان الحفاظ على الحريات والحياة الأفضل للجميع، ولا يمكن أن تحدث التنمية بدونه. واتساقًا مع هذا التوجه، تتابعت خطواته لإصدار التشريعات المتعددة المعززة لدور المؤسسات الأمنية ورفع قدراتها وتعزيز الأمن الوطني في مجالاته المختلفة. فضلا عن تعزيز التعاون مع المستويات الخليجية والعربية والإقليمية والدولية في محاربة الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة العابرة للحدود، والانضمام والتصديق على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة. وتعزيزا للشراكة المجتمعية في الحفاظ على الأمن الوطني، استحدثت المملكة منذ 2005 نظام شرطة خدمة المجتمع، وواصلت محاربة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وأدخلت تعديلات على بعض أحكام قانون العقوبات، فيما يتعلق بتجريم الرشا والاختلاس في القطاعين الحكومي والأهلي.
كما شاركت في الجهد الدولي لمكافحة الإرهاب والتطرف. والإنجاز الأكبر في مجال الأمن الوطني جاء حين وقعت أحداث فبراير 2011 التي طال تهديدها أمن واستقرار البحرين، فكانت الأسبقية الأولى للملك هي سرعة احتواء هذه الأزمة، ما أمكنه العبور بالبحرين إلى بر الأمان، وسرعة تحقق الأمن والاستقرار لاستئناف عملية التنمية الشاملة المستدامة.
على العموم، عندما نتناول مسيرة عقدين من حكم جلالة الملك حمد، فنحن أمام ملحمة كبرى من الإنجازات ومن الريادة، وأمام تجربة ديمقراطية رائدة فتحت أبواب الحريات والمشاركة الشعبية، مرتكزة على مبادئ الشفافية والانفتاح والعدالة.. هذه الإنجازات غير المسبوقة في كل المجالات بلا استثناء، وهذه الريادة انطلقت من مشروع إصلاحي تاريخي كبير استند إلى رؤية جلالته لمستقبل البحرين وآمال وطموحات شعبها؛ ما جعلها نموذجا وقدوة ونبراسا لغيرها من الدول وإلهاما لأجيال قادمة يجب أن تكون على علم ووعي بهذه الإنجازات والجهود لأهميتها الكبرى في ذاكرة التاريخ والوطن.