العدد 27 خريف 2001
بصدور هذا العدد من مجلة شؤون خليجية تكون المجلة قد أكملت عامها الثالث, والأول بعد تحولها إلى مجلة فصلية علمية محكمة، وبمراجعة الأعداد الأخيرة سنلحظ أن هناك تنوعًا في الدراسات المنشورة. هذا التنوع يعكس في واقع الأمر مدى التعقد الذي يشهده الواقع السياسي في عالم اليوم على كافة المستويات، إلا أن مجلة شؤون خليجية كان لها السبق في إثارة بعض الموضوعات من خلال هذه الدراسات، فقد ركزت على قضية محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين في دراسة علمية للدكتور أحمد الرشيدي في العدد الرابع والعشرين وهي القضية التي برزت بعد ذلك على العديد من المستويات، كما تطرقت الدراسات المنشورة بالمجلة إلى العديد من الموضوعات الهامة بالنسبة لدول الخليج وللدول العربية بصفة عامة من خلال أسلوب علمي في مناقشة هذه القضايا، كما قدمت المجلة خمسة ملفات، الأول حول موقف دول مجلس التعاون من الانتفاضة، والثاني عن التطور الديمقراطي في العالم العربي مع التركيز على دول المجلس كحالة للدراسة، وقد أسهم هذا الملف في إيضاح العديد من الحقائق حول ما يحدث في هذه الدول في سياق التطوير والتحديث السياسي الذي صار أمرًا لا مفر منه في ظل التطورات التي يشهدها العالم في مطلع القرن الحادي والعشرين. أما العدد الثالث فقد اشتمل على ملفين:- الأول: حول الحالة العراقية الكويتية والثاني: حول انتخابات الرئاسة الإيرانية، أما العدد الرابع فقد قدمنا فيه ملفًا يعالج موضوعًا جديدًا هو العلاقات الهندية الخليجية وذلك كنقطة بداية لملفات أخرى حول العلاقات الخليجية الآسيوية، وهي علاقات هامة بحكم الروابط التاريخية والاستراتيجية بين دول الخليج والقارة الآسيوية، وكذلك بحكم التطورات الهامة التي تشهدها القارة الآسيوية حيث يرى الكثير من المحللين أن القرن الجديد سوف يكون قرنًا آسيويًا، وفي باب المتابعات قدمت المجلة العديد من الموضوعات الجديدة المركزة بهدف توفير قاعدة من المعلومات الدقيقة حولها تمهد الطريق للبحث المفصل والحوار المتكامل من حولها في المستقبل، ومعظم هذه القضايا لها صلات بالأوضاع في منطقة الخليج والمنطقة العربية، كما قدمت المجلة تحليلات هامة لبعض الأحداث وقضايا الساعة في باب قضايا وآراء، هذا بالإضافة إلى ما تضمنته الأبواب الأخرى من تقديم لأحدث الكتب والإصدارات المعنية بقضايا الخليج والعالم العربي إضافة إلى القضايا العالمية ذات الصلة بالمنطقة ، كما قدمت المجلة تغطيات وافية للعديد من المؤتمرات والندوات والتقارير الاستراتيجية التي ربما خلت العديد من المطبوعات العربية الأخرى من مجرد إشارات لها،وفي هذا العدد تواصل شؤون خليجية عطاءها فتقدم للقارئ العربي ثلاثة أبواب جديدة الأول تحت عنوان شخصيات دبلوماسية تقدم فيه إطلالة على عالم الدبلوماسية من خلال التعرف على حياة أحد مشاهير الدبلوماسيين وتقديم آرائه وأفكاره وإسهاماته في هذا المجال، والباب الثاني تقدم فيه المجلة بلغة الأرقام معلومات وافية عن دول مجلس التعاون الخليجي والثالث تحت عنوان بانوراما خليجية تقدم فيه أهم الأخبار الخليجية خلال الشهور الثلاثة الماضية وبهذا يتحقق الهدف من تحول المجلة إلى مجلة علمية فصلية محكمة وهو سد النقص أو على الأقل المساهمة في تحقيق هذا الهدف بحيث تكتمل أمام القارئ العربي في كل مكان الصورة حول ما يحدث في العالم من حولنا.وأسرة المجلة تحاول في كل عدد أن تضيف جديدًا معتمدة في ذلك على فريق متكامل من الباحثين المتخصصين والذين نأمل منهم أن يقدموا المزيد من الإسهام العلمي المتميز للقارئ العربي الذي يستحق منا بغير شك كل الاهتمام.
العدد 26 صيف 2001
إفتتاحية العدد: مسؤولية البحرين والسعودية فى لجنة حقوق الإنسان الدولية
فى الوقت الذي تراجع فيه دور الأمم المتحدة في إدارة قضايا العالم السياسية في ظل سيادة نموذج القطب الأوحد الذي تمثله الولايات المتحدة الأمريكية ، توجهت إلى قضايا أخرى ظهرت على الساحة ومثلت قاسمًا مشتركًا لجميع دول العالم، وبالتالي انتعش فيها دورها وتعاظم تأثيرها بصورة كبيرة. في مقدمة هذه القضايا: حقوق الإنسان، البيئة، المخدرات، الإرهاب، الجريمة المنظمة وغيرها.
ومن بين هذه القضايا برزت قضية حقوق الإنسان وأصبحت تأخذ اهتمامًا غير مسبوق وأبعادًا معقدة ومتشابكة، وهذا ما يظهر من مئات المنظمات والجمعيات، الوطنية والإقليمية والدولية، الحكومية وغير الحكومية، التي تهتم بهذا الموضوع وتصدر تقاريرها بصورة دورية، وتمتلك أدوات عديدة للتأثير والفعل بحيث إنها تعد من أهم الأطراف الفاعلة على الساحة الدولية، بل إنها أصبحت إحدى آليات تنفيذ السياسة الخارجية لبعض الدول،والتقارير الدورية التي تصدرها الخارجيتان الأمريكية والبريطانية فضلاً عن الاتحاد الأوروبي عن حالة حقوق الإنسان في العالم هي مثال بارز في هذا الصدد، وتستخدم حقوق الإنسان في حالات أخرى في مجال الضغط السياسي، في إطار العلاقة بين الدول وبعضها البعض، وكغيرها من قضايا عديدة تعاني الازدواجية والكيل بمكيالين.
ومع ثورة الاتصالات وانتشار الإنترنت أصبحت تقارير حقوق الإنسان التي تصدرها منظمة العفو الدولية أو الخارجيتين الأمريكية والبريطانية أو الاتحاد الأوروبي وغيرها من المنظمات المعروفة مثل بيت الحرية وهيومان رايتس ووتش، فضلاً عن منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ، أصبحت هذه التقارير تمتلك قدرة كبيرة على الانتشار وبالتالي التأثير وخاصة من خلال الإعلام الذي يتيح الاطلاع عليها لأكبر قدر ممكن من البشر في كل أنحاء العالم، ولعل في الاهتمام الذي تحظى به الاجتماعات السنوية للجنة الدولية لحقوق الإنسان في جنيف ما يؤكد ذلك.
ومن هنا فقد أدركت جميع الدول أنه من الضروري التفاعل مع هذه الحركة باعتبارها أمراً واقعاً ومؤثراً لا يمكن تجاهله لما ينطوي عليه هذا التجاهل من تهديد جدي لمصالحها، وهذا ما أدركته الكثير من الدول العربية خلال الفترة الأخيرة.
ومن أهم أجهزة أو لجان الأمم المتحدة التي اتسع نشاطها وزادت سلطاتها وصلاحياتها وبرزت على السطح بصورة غير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة على الرغم من أن إنشاءها كان في عام 1946، هي لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وهي الجهاز الأساسي المعني بحقوق الإنسان داخل الأمم المتحدة ، وتعتمد عليها المنظمة الدولية في تقييم مدى احترام دول العالم لحقوق الإنسان، وبالتالي أولوية الدول في الحصول على أنواع الدعم والمساعدات من أجهزة المنظمة والهيئات المنبثقة عنها، كما أن تقارير اللجنة هي أحد المصادر الأساسية التي تعتمد عليها الشركات العالمية والمستثمرين الدوليين في تحديد الأماكن الملائمة للتوجه باستثماراتهم إليها.
وتختص اللجنة بصياغة الاتفاقيات والمعاهدات الخاصة بحقوق الإنسان وكان أبرزها العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وغيرهما من الاتفاقات الدولية.
ومن هنا تبرز أهمية الانتخابات التي جرت مؤخرًا لتجديد نصف أعضاء اللجنة، حيث انضم عضوان عربيان جديدان إليها وهما البحرين والسودان ليصبح عدد الدول العربية الأعضاء في اللجنة ست دول، حيث هناك الجزائر وسورية وليبيا والسعودية. وهذا، في الواقع، انعكاس لإدراك الدول العربية خلال الفترة الأخيرة ـ بعد سنوات من التجاهل ـ لأهمية هذه اللجنة وأهمية التواجد بها، فلم تعد حقوق الإنسان مجرد مفاهيم مثالية نظرية وإنما أصبحت إحدى الآليات المهمة والفاعلة في تحديد شكل التفاعلات والعلاقات بين الدول المختلفة، وبين القوى المتعددة داخل الدولة الواحدة، وهذا ما يبرز من التنافس الكبير الذي شهدته انتخابات اللجنة الدولية لحقوق الإنسان مؤخرًا، وحرص الدول الكبرى من أوروبا وأمريكا وآسيا وأفريقيا على التواجد فيها حتى أن الولايات المتحدة فقدت مقعدها باللجنة لأول مرة منذ إنشائها في عام 1946.
ولا شك في أن وجود ست دول عربية باللجنة يمثل فرصة كبيرة من الضروري استثمارها لإزالة كثير من جوانب اللبس حول حقوق الإنسان في العالم العربي، وطرح رؤى وتصورات متميزة تعكس الخصوصية العربية الحضارية والدينية. وتتأكد هذه الفرصة بالنظر إلى عدة أمور هي:
1 ـ التطورات الديمقراطية الحادثة في العديد من الدول العربية وبعضها أعضاء في اللجنة مثل البحرين التي لاقت إشادة المنظمات المعنية بحقوق الإنسان في العالم ومنها لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وعلى ذلك فإن العالم العربي يستطيع ـ من خلال ممثليه في اللجنة ـ أن يقدم نفسه بشكل مختلف يدحض الصور النمطية التي اعتادت بعض الجهات أن تظهره بها خلال السنوات الماضية.
2 ـ أغلب الدول العربية الأعضاء في اللجنة توجه لها انتقادات من قبل بعض الجهات الدولية فيما يخص حقوق الإنسان بها، تتفاوت من حيث المضمون والشدة من دولة إلى أخرى، إلا أنها تعكس في مجملها الأنواع المختلفة للانتقادات الموجهة للعرب، مما يتيح لأعضاء اللجنة العرب الرد على الاتهامات بشكل تكاملي .
3 ـ يتعرض العرب ـ ربما أكثر من غيرهم ـ للاستخدام السياسي لقضايا حقوق الإنسان ضدهم، وأقرب مثال على ذلك ما حدث في الاجتماع الوزاري الأخير في المنامة وقبله بروكسل بين دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي، حيث تعمد الجانب الأوروبي الحديث عن حقوق الإنسان في دول المجلس ردًا على مطالبتها له بالإسراع في الوفاء بالالتزامات التي تقررها اتفاقية التعاون الاقتصادي الموقعة بين الجانبين في 1988، مما هدد الاجتماع بالفشل بعد أن رد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل متهماً الاتحاد الأوروبي باستخدام هذه القضية لتحقيق أهداف سياسية.
4 ـ بالإضافة إلى الدول العربية الست هناك خمس دول إسلامية أعضاء في اللجنة هي نيجيريا والسنغال واندونيسيا وماليزيا وباكستان. أي أن الدول الإسلامية تمثل حوالي 21% من عدد أعضاء اللجنة البالغ 53 عضوًا، وتمثل الدول العربية حوالي 11%. والتشابة كبير في الاشكاليات الخاصة بحقوق الإنسان بين الدول العربية وتلك الإسلامية، مما سيوفر فرصة للتعاون والتنسيق داخل اللجنة.
5 ـ لا شك أن فشل الولايات المتحدة في المحافظة على مقعدها باللجنة، قد يعني أن روحًا جديدة بدأت تسري بها ، تسعى إلى التركيز الحقيقي على مسائل حقوق الإنسان ورفض المتاجرة السياسية بها، وهذا يوفر فرصة للحديث عن "حقوق الإنسان" وليس " الدول الكبرى وحقوق الإنسان"، كما أنه يعكس حقيقة أساسية هي أن الأمور في اللجنة أصبحت تخضع لتوازنات القوى ولا تسير (أوتوماتيكيًا) وفق هوى طرف ما حتى لو كان الولايات المتحدة .
إن الجهود العربية لن تنجح إلا إذا تمت في إطار أوسع لا يقتصر فقط على الدول الست الأعضاء في اللجنة بل يمتد ليشمل دول الجامعة العربية ودول منظمة المؤتمر الإسلامي، بحيث تكون هذه الدول هي "رأس الحربة" في اللجنة الدولية لتحرك عربي أو إسلامي يستثمر بصدق وجودهم بها من أجل تصحيح بعض الأخطاء والمفاهيم.
وإذا نظرنا إلى الدول العربية الست الأعضاء في لجنة حقوق الإنسان الدولية، سوف نجد أن البحرين والسعودية عليهما مسئولية كبيرة في هذا الصدد. السعودية بمكانتها الدينية والروحية والرمزية المهمة في العالمين العربي والإسلامي، وعلاقاتها القوية مع الخارج وحضورها السياسي والاقتصادي الفاعل في العالم. والبحرين بنموذجها السياسي والاقتصادي الذي يحظى بالقبول والاحترام على المستوى الدولي فضلاً عن علاقاتها الخارجية الطيبة والمتزنة في محيطيها الإقليمي والعالمي. يضاف إلى ذلك تمتع الدولتين بالقبول من قبل الدول العربية بشكل عام والأعضاء في اللجنة بشكل خاص مما سيتيح لهما القدرة على قيادة التحرك العربي والإسلامي نحو التنسيق والتعاون ، ولاكتساب مزيد من المصداقية للدولتين اللتين يقع عليهما العبء الأكبر في التحرك لتحقيق الأهداف السابقة ، من المهم أن تستكملا التوقيع على الاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان التي أقرتها اللجنة وأهمها العهدين بالحقوق السياسية والحقوق الاقتصادية ، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة بالنسبة للبحرين والتي وقعت عليها المملكة العربية السعودية العام الماضي ، خاصة وأن معظم ما ورد في هذه الاتفاقيات من بنود قد أخذت بها الدولتان في تشريعاتهما وقوانينهما ، ولهما الخيار في التحفظ على البنود التي تتعارض مع قيم وثقافة المجتمع .. وسيعزز هذا من مصداقيتهما في اللجنة ويشجع على إعادة انتخابهما لأن في ذلك مصلحة وطنية يجب المحافظة عليها .
* تدعيم التعاون بين لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة ولجان حقوق الإنسان العربية سواء كانت أهلية أو برلمانية أو حكومية، إضافة إلى اللجان ذات الطابع الإقليمي مثل لجنة حقوق الإنسان التابعة للجامعة العربية وتلك التابعة لمجلس التعاون أو التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
* إجراء الحوار المستمر مع المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، فالحوار يؤدي إلى إبراز الإنجازات العربية في مجال حقوق الإنسان أو تبيان الخلل فيها ، وقطع الطريق أمام القوى التي تستغل شعارات حقوق الإنسان لتحقيق أهدافها الخاصة، والمعروف أن العشرات من المنظمات الحكومية وغير الحكومية ترتبط باتفاقات مع لجنة حقوق الإنسان للأمم المتحدة وتعمل تحت لوائها .
* التعاون بين الدول التي تتعرض لانتقادات متشابهة حتى مع اختلاف حضاراتها وانتماءاتها لمزيد من توضيح الصورة والمشاركة في صنع توجهات وسياسات اللجنة وليس مجرد استقبالها.
* فضح الممارسات الإسرائيلية المخالفة لحقوق الإنسان والتي تمثل جرائم حرب في الأراضي العربية المحتلة، خاصة وأن العديد من منظمات حقوق الإنسان في العالم قد أدانت هذه الممارسات وطالب بعضها بتقديم المسؤولين عنها لمحاكمتهم كمجرمي حرب، كما أدانت ممارسات إسرائيل المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ماري روبنسون.
والواقع أن لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ، بما أنها مسؤولة عن وضع المرجعية القانونية والفلسفية لهذه الحقوق، فقد حرص في وضع نظام تشكيلها على أن تكون ممثلة لكل القارات في العالم لإتاحة الفرصة للثقافات والحضارات المختلفة لأن تشارك في أعمالها ونشاطاتها، ولم يتح للحضارة العربية – الإسلامية خلال السنوات الماضية أن تضع بصماتها على نظرية حقوق الإنسان في ظل السيطرة الغربية شبه التامة في هذا الصدد, على الرغم من أن العرب قد شاركوا في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من خلال رئيس لجنة صياغة الإعلان المصري د.محمود عزمي و اللبناني شارك مالك.
* إزالة التعارض المفتعل والمختلق بين الإسلام وحقوق الإنسان، وتقديم مفاهيم ومعايير عربية وإسلامية لهذه الحقوق لا تختلف عن جوهرها الذي يصب في تقدير ورقي وتقدم الإنسان، ولكنها تعكس الخصوصيات الثقافية والحضارية والدينية.
العدد 25 ربيع 2001
إفتتاحية العدد: الأوبك صوت العقل في سوق النفط العالمي
اتفقت الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك " ـ خلال اجتماعها الأخير في فيينا يومي 16و17 مارس 2001 – على ثاني خفض خلال العام الجاري في إنتاجها النفطي بمقدار مليون برميل يوميًا، أي بنسبة 4%، ليصل إنتاج دول المنظمة ـ باستثناء العراق ـ إلى 24.2 مليون برميل يوميًا بدءًا من أول أبريل2001.
وبذلك تكون المنظمة قد قررت خفض انتاجها بمقدار 2.5 مليون برميل يوميًا في مدة قصيرة لا تتجاوز ثلاثة شهور في محاولة لتحقيق الاستقرار في أسعار النفط الخام المنخفضة في الأسواق العالمية، خوفًا من أن يؤدي عدم تقييد الإنتاج وإطلاقه إلى انهيار الأسعار على غرار ما حدث عام 1998.
وعلى الرغم من أن قرار أوبك بخفض الإنتاج لم يلق ترحيبًا كبيرًا في الغرب ـ إذ عبرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الأخرى المستهلكة للنفط عن عدم رضاها ـ إلا أنه يعد تسوية تتسم بالاتزان والتعقل، مما يدعم موقف المنظمة في السوق الدولية للنفط.
وقد عبر هذا القرار ،الذي اتخذته المنظمة عقب قرار سابق بخفض انتاجها بمقدار 1.5 مليون ب/ي بدءًا من أول فبراير الماضي ، عن الاعتدال في السياسات التي تقودها وتعمل من أجلها دول مجلس التعاون الخليجي في منظمة "الأوبك" هذا الاعتدال الذي شكل ـ إلى جانب إدراك الحاجة إلى توخي الحرص خلال معظم حقبة التسعينيات ـ عونًا كبيرًا للاقتصاد العالم، خاصة وأن دعم الاستقرار والنمو المطرد في الدول النامية، كان دائمًا مركز اهتمام "الأوبك" في إقرار سياساتها الخاصة بإمدادات سوق النفط الخام. وبذلك نجد أن قرار الأوبك للمرة الثانية بخفض إنتاجها، بالرغم من وصف البعض له بأنه "خفض كبير" قد قطع شوطًا لا بأس به نحو تحقيق تسوية سياسية واقتصادية تهدف إلى رفع عوائد المنظمة والحفاظ على مصالح دولها، التي تعتمد بشكل أساسي على النفط في دخلها الاقتصادي دون الإضرار بالاقتصادات الغربية.
ويوفر هذا القرار أكثر التسويات الممكنة واقعيًا داخل الأوبك وبين الأوبك والدول المستهلكة خاصة في ضوء توافر المؤشرات والإحصائيات التالية:
ـ وجود فائض ضخم من المعروض في السوق النفطية يتراوح بين 2 إلى 3 ملايين برميل يوميًا، يتم تخزينه عالميًا، مما سيؤثر سلبًا على الأسعار خلال العام الجاري إذا لم تبادر أوبك بسحبه من الأسواق، وكانت وكالة الطاقة الدولية ذاتها، التي أنشئت أساسًا للتعبير من مصالح الدول المستهلكة، قد عدلت بالزيادة تقديرها للمخزونات التجارية لدى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمقدار 1.17 مليون برميل في اليوم وهو مستوى غير مسبوق في مثل هذه التعديلات.
ـ إن هذا المستوى المنخفض لأسعار النفط في الوقت الحالي، والذي يقترب من 22 دولارًا للبرميل من سلة نفوط أوبك، قد جاء أثناء ذروة موسم الطلب العالمي على النفط في فصل الشتاء، لذلك خفضت أوبك إنتاجها خشية انهيار الأسعار بعد انتهاء فصل الشتاء في النصف الشمالي من الكرة الأرضية كنتيجة طبيعية لتراجع الطلب العالمي على النفط في مثل هذا الوقت من كل عام.
ـ قامت أوبك بخفض انتاجها آخذة في اعتبارها عودة الصادرات النفطية العراقية إلى مستوياتها والتي تتراواح بين 2.3 إلى 2.5 مليون ب/ي في مارس 2001 مقارنة
بـ 1.37 مليون ب/ي في فبراير2001 و 1.7 مليون برميل في يناير و1.2 مليون برميل في ديسمبر الماضيين، حيث إن استئناف الصادرات العراقية من شأنه زيادة المعروض النفطي ومن ثم تعزيز الاتجاه الهبوطي لأسعار النفط، والمعروف أن العراق يقع خارج نظام الحصص الإنتاجية للمنظمة نظرًا للعقوبات الدولية المفروضة عليه.
ـ من العوامل الأخرى المهمة التي دفعت أوبك إلى تخفيض إنتاجها هو تصاعد المؤشرات الدالة على تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي والذي يتوقع أن ينخفض عام 2001 إلى 3.2% مقارنة بـ 4.5 %عام 2000 وما يتبعه من تراجع الطلب العالمي على النفط ومن ثم التأثير سلبًا على الأسعار إذا ما استمر الإنتاج عند نفس مستوياته، وذلك في ظل المؤشرات التي تؤكد تباطؤ الاقتصاد الأمريكي، أكبر مستهلك للنفط في العالم بنسبة 25% من إجمالي الاستهلاك الدولي، وتأثير ذلك على الاقتصادات الأوروبية والآسيوية التي تعتمد في صادراتها على الولايات المتحدة، إضافة إلى انكماش الاقتصاد الياباني، ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم، فضلاً عن انهيار أسهم شركات التكنولوجيا وتداعيات ذلك كله على البورصات الآسيوية والناشئة وعلى اقتصادات البلاد النامية.
وكان نتيجة ذلك، أن وكالة الطاقة الدولية، في تقريرها الشهري عن سوق النفط "مارس 2001" قد عدلت بالخفض مرة أخرى تقديرها لنمو الطلب العالمي على النفط هذا العام ، مؤكدة صحة موقف أوبك ، حيث توقعت أن يصل إجمالي الطلب العالمي إلى 76.8 مليون برميل يوميًا منخفضًا بمقدار 460 ألف برميل في اليوم عن التقدير الأصلي للوكالة.
وبشكل عام يأتي قرار الأوبك الأخير بخفض الإنتاج متوازيًا مع التوجهات العامة للمنظمة، والتي تهدف بالأساس إلى الحفاظ على توازن واستقرار أسعار النفط العالمية ، بما يمنع انهيارها إلى مستويات تضر بالأداء الاقتصادي لدول المنظمة، وعدم ارتفاعها إلى مستويات عالية قد تضر بأداء الاقتصاد العالمي ومعدلات نموه الأمر الذي ينعكس بالسلب على الطلب العالمي على النفط وذلك إذا ما علمنا أن أسعار النفط المتدنية كانت أحد الأسباب الرئيسية وراء انتعاش الاقتصاد العالمي، وخاصة الأمريكي، خلال العقد الماضي.
كما أن ارتفاع الأسعار عن الحد المعقول يؤدي إلى تشجيع الاكتشافات والتنقيب عن الاحتياطات المرتفعة التكاليف ، ومن ثم تتضرر الدول المنتجة نفسها. وفي هذا الإطار يمكن تفهم أسباب لجوء المنظمة إلى إقرار أربع زيادات متتالية في إنتاجها خلال العام 2000، وبقيمة إجمالية تصل إلى 3.7 ملايين برميل يوميًا، بهدف تهدئة أسعار النفط استجابة لمصالح الدول المنتجة والمستهلكة للنفط على السواء.
وتنبع هذه التوجهات من أن الاضطراب وعدم استقرار أسواق النفط يضر بالمنتجين والمستهلكين على حد سواء، إذ أن استقرار الأسعار عند مستوى مناسب – كالسعر الذي وضعته أوبك عند 25 دولارًا للبرميل والذي يقع داخل النطاق السعري الذي وضعته أوبك بين 22و28 دولارًا للبرميل كشرط لتعديل الإنتاج ـ يعد أمرًا ضروريًا لا يضر بالدول المنتجة ولا المستهلكة وهو الأمر الذي تسعى إليه "الأوبك " دائمًا.
ومما يؤكد حرص المنظمة على استقرار الأسعار، هو اتفاق الدول الأعضاء على عقد اجتماع استثنائي يومي 5 و 6 يونيو2001 ( قبل الاجتماع الدوري في سبتمبر2001) وذلك بهدف تقويم السوق وتطوراتها ومتابعة مستوى الأسعار حيث طمأن وزير النفط السعودي الدول الصناعية بأن المنظمة ستقوم بزيادة إنتاجها إذا ما تعرض الاقتصاد العالمي لمزيد من التدهور قائلاً : " مثلما اتخذنا إجراءات للمحافظة على السعر ومنعه من الهبوط إلى أقل من 25 دولارًا سنحافظ على المستوى إذا تعدى 28 دولارًا "، وهو التصريح الذي قوبل بارتياح شديد من قبل الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس بوش.
ومما يعكس هذا الاهتمام أيضًا ، هو حرص أعضاء المنظمة على التنسيق والتشاور المستمر فيما بينهم الأمر الذي تمثل في اجتماع وزراء نفط أوبك مرة كل شهرين بعدما كانوا يجتمعون مرتين في السنة، كما تبرز الإشارة أيضًا إلى أهمية التنسيق بين دول أوبك ـ التي تنتج 40% فقط من الإنتاج العالمي ـ والمنتجين خارجها بهدف تنسيق السياسات الإنتاجية من أجل استقرار السوق النفطية الأمر الذي تمثل في حضور كل من المكسيك وأنجولا وسلطنة عمان وروسيا كمراقبين في الاجتماع الأخير للمنظمة لمساعدتها في دعم أسعار النفط.
وواقع الأمر ، أن لدول مجلس التعاون الخليجي ـ والتي يصفها الخبراء بأنها صوت العقل في سوق النفط العالمي ـ دورها الملموس في تثبيت المنطق السابق، ودفع السوق العالمي للنفط إلى التوازن والاستقرار منذ الثمانينيات متصدية لأية مزايدات سياسية تضر بالسلعة الاقتصادية "الأهم" لدى الاقتصاد العالمي، وهي النفط.
العدد 24 شتاء 2001
بدءًا من هذا العدد تتحول مجلة شئون خليجية إلى مجلة فصلية علمية محكمة ،وهذا التحول يأتي استجابة لمتطلبات عصر جديد يقوم على التكامل بين العلم والممارسة ،ومن ثم يمكن قراءته وفهمه في إطار استكمال مسيرة المجلة في تقديم معالجة علمية موضوعية للقضايا الخليجية والعربية بصفة عامة ،إضافة إلى القضايا العالمية ذات الصلة بالمنطقة العربية بما يساعد على إيضاح كافة جوانب الموقف أمام صانع القرار السياسي في الوطن العربي وإثراء الحوار الفكري بين الأكاديميين والممارسين في شتى القضايا التي تدخل في نطاق الاهتمام العربي ،وبما يؤدي في المحصلة النهائية إلى التوصل إلى السياسات والوسائل والأساليب الملائمة التي تفرزها التفاعلات المعاصرة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا وتقنيًا ،ولا شك في أن الطبيعة المعقدة لهذه التفاعلات تفرض التسلح بالعلم والمعرفة المنظمة وتوظيفها في خدمة الممارسة العملية ،ومن ثم فقد تبلور هدف المجلة في تقديم الخدمة العلمية لصانع القرار وللباحثين مع مخاطبة القارئ المتخصص والعادي على السواء بأسلوب يفتح آفاق التفكير العلمي المنظم بصدد القضايا التي تشغل الأمة وتوسع من مساحة العلم والعقلانية والموضوعية في تناول ما تفرضه هذه القضايا من مسائل وإشكاليات ،وهو ما يتضح من خلال الأقسام التي تشملها المجلة فثمة قسم للدراسات يقدم دراسات متعمقة حول موضوع من الموضوعات التي تدخل في نطاق اهتمام المجلة ،كما أن هناك ملفًا يعالج قضية معينة معالجة متكاملة وقسمًا آخر للمتابعات الذي يركز على جزئية معينة تركيزًا مفصلاً متعمقًا يحيط بها من مختلف الجوانب ،كما خصصت المجلة قسمًا خاصًا للآراء والأفكار بصدد القضايا المختلفة هذا بالإضافة إلى قسم لمتابعة ما ينشر في الصحافة ووسائل الإعلام الأجنبية بصدد القضايا محل الاهتمام وعرض للمؤتمرات والندوات وأهم الكتب .
ونأمل أن يكون هذا التبويب مفيدًا للقارئ ومساعدًا على تحقيق الأهداف التي يسعى مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية لإنجازها من خلال هذا الإصدار الجديد لمجلة شئون خليجية .
وفي نهاية هذا التقديم ، لا يفوتنا أن نتوجه بكل التقدير إلى السادة أعضاء الهيئة الاستشارية الذين لبوا نداء المركز لتقديم خبراتهم العلمية والأكاديمية والتي من شأنها إثراء ما ينشر في هذه المجلة ،هذا بالإضافة إلى الباحثين الذين قدموا مساهماتهم في هذا العدد وفريق العمل الجاد من العاملين بالمركز ، والذين كان لجهدهم الأثر الأكبر في إنجاز هذا الإصدار الجديد لمجلة شئون خليجية في ثوبها الجديد في فترة قياسية.