14/10/2020
على هامش الانتخابات الأمريكية.. «بنس» و«هاريس» في أهم مناظرة لنيابة الرئيس
أُدينت المناظرة الرئاسية الأولى لانتخابات الولايات المتحدة لعام 2020 بين «ترامب»، و«بايدن» في 29 سبتمبر على نطاق واسع، باعتبارها واحدة من أسوأ المناظرات على الإطلاق؛ نظرًا إلى افتقارها إلى مناقشة قضايا السياسية، وامتلائها بالمقاطعات والهجمات الشخصية بشكل مستمر، مما قلل من أهمية المناظرات السياسية المُتلفزة. ومع وضع هذا في الاعتبار تعلقت الآمال بإجراء مناقشة بناءة ومفيدة بشكل أكبر في المناظرة الوحيدة لمنصب نائب الرئيس بين شاغل المنصب «مايك بنس»، ومنافسته الديمقراطية «كمالا هاريس».
جرت المناظرة في مدينة «سولت ليك». وعلى عكس المواجهة الأولى كان النقاش أكثر اتساعًا وتطرق إلى قضايا أخرى ذات صلة بالناخبين الأمريكيين، ومن أبرزها الاقتصاد، والسياسة الخارجية للولايات المتحدة. وعلى الرغم من استمرار التوتر الواضح بين المرشحين واشتباكهما لفظيا أحيانا، فإن هذا الحدث كان بشكل ملحوظ أكثر تحفظًا في لهجته مقارنة بالمواجهة الرئاسية السابقة. وقد مثّل التناقض بين المناظرتين أحد نقاط الحوار الرئيسية التي أبرزها المحللون، حيث جادلوا بأن الأخيرة «قدمت فترة راحة بأمس الحاجة إليها من الطبيعة الفوضوية الحالية للخطاب السياسي الأمريكي». ووصفها «مايكل هيرش»، في مجلة «فورين بوليسي»، بأنها «مناقشة رصينة بشكل ملحوظ». بينما علق «راسل بيرمان» في مجلة «ذا أتلانتيك»، بأن «أكثر ما يثير الدهشة فيها أنها طبيعية على نحو غير معتاد». وأضاف «ألكساندر بيرنز»، من صحيفة «نيويورك تايمز»، أنها «أقرب إلى النقاشات السياسية التقليدية، وإن كانت تحدث في لحظة أزمة وطنية».
ومع ذلك، وكما في مناظرات نائب الرئيس السابقة؛ قام كلا المرشحين «بقراءة نقاط الحديث، وهاجم بالشكل المطلوب، وأيضًا تهرب من الأسئلة، وحاول التحدث لفترة أطول مما هو مسموح به». فمع «هاريس»، المعروفة بأنها مُناظرة ناجحة، و«بنس»، المدعوم بقوة من ولايات الغرب الأوسط الحاسمة، تختلف الشخصيتان بشكل كبير عن المرشحين الرئاسيين. يشير «أنتوني زورشر»، من وكالة الـ«بي بي سي»، إلى أن «أسلوب بنس الهادئ والمنهجي المعتاد يخالف عدوان ترامب السابق، لكنه أيضًا لم يجد غضاضة في إزعاج منسقة المناظرة سوزان بيج».
وعلى هذا النحو، لم يكن مفاجئا أن تسيطر الخلافات حول فيروس كورونا على الإجراءات الأولى للمناقشة، حيث تبادل الطرفان الاتهامات بشأن تعامل الولايات المتحدة مع الجائحة. وشنت «هاريس» هجومًا على سوء إدارة ترامب لها. وصرحت بأن «الشعب الأمريكي شهد أعظم فشل لإدارة رئاسية في تاريخنا»، واتهمته بتعمد إخفاء معلومات عن الفيروس، زاعمة أنهم «عرفوا وتستروا عليه»، كما استشهدت بأن 210.000 أمريكي ماتوا حتى الآن بسبب الفيروس. وعندما سُئلت عن لقاح لـ«كوفيد-19»، أوضحت أنها تؤيد لقاحًا مدعومًا من قبل المتخصصين، لكنها لن تأخذ اللقاح الذي روج له ترامب.
وفي رده، على هذه الاتهامات، استخدم «بنس» نبرة مختلفة عمدًا عن تلك التي استخدمها ترامب خلال الأزمة في محاولة لطمأنة الناخبين بأن الإدارة الحالية فعلت كل ما في وسعها، وإن كان ذلك بشكل غير مقنع. وفي الواقع، أتى بكلمات بعيدة جدا عن الشائع استخدامها على لسان ترامب مثل أن الأمريكيين الذين ماتوا بسبب الفيروس «سيكونون دائمًا في قلوبنا وفي صلاتنا»، كما حاول أن يجعل من هذه الانتقادات وكأنها إدانة للشعب الأمريكي، مجادلاً منافسته بقوله: «عندما تقول إن ما فعله الشعب الأمريكي خلال الأشهر الثمانية الماضية لم يُبد نفعا، ففي هذا استخفاف كبير بما قدمه من تضحيات».
وعلى الرغم من أن تعامل واشنطن مع الجائحة كان هدفًا رئيسيًا لـ«هاريس»؛ فقد كان من الممكن الاستفادة منه بشكل أكبر من خلال تحدي سجل بنس الخاص بشأن الاستجابة للفيروس، حيث غاب نائب الرئيس بشكل كبير عن قيادة فريق العمل التابع للبيت الأبيض المعني بالمكافحة وسط تضليل واسع النطاق من ترامب. بالإضافة إلى ذلك، كان من الممكن أن تُدين حدث «ناقل العدوى الفائق»، السيئ السمعة في البيت الأبيض يوم 26 سبتمبر. ومن هنا، قال «زورشر»: إن «فرصة الهجوم الواضحة لهاريس تُركت من دون استغلال».
وفيما يتعلق بالاقتصاد، ادعت «هاريس» أن الاقتصاد الأمريكي في وضع «كارثي تام»، ورد «بنس»، بأن «ذلك سيحدده الأمريكيون في بطاقات الاقتراع، موضحًا أن «عام 2021 سيكون أكبر عام اقتصادي في تاريخ البلاد». فيما كانت هناك أيضًا لحظة ساخنة بين الاثنين حول ما إذا كانت حكومة بايدن سترفع الضرائب أم لا، حيث قاطع «بنس» بيان «هاريس»، لحثها على «قول الحقيقة» بشأن الخطط المالية للمرشح الديمقراطي.
وعلى عكس المناظرة الأولى، كانت السياسة الخارجية إحدى القضايا الرئيسية التي تمت مناقشتها. وعلق «هيرش»، بأن المرشحين «أمضيا وقتًا مفاجئًا يتصارعان حول السياسة الخارجية، ودور أمريكا في العالم، وكيفية أداء «بايدن» دور زعيم عالمي».
وفي الواقع، شنت «هاريس»، هجومًا متماسكًا على سياسة ترامب الخارجية، والذي تضمن علاقته الوثيقة بالرئيس الروسي بوتين، حيث أشارت إلى أنه «يثق فيه أكثر من مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي». وجادلت بأن أمريكا الآن أقل أمانًا مما كانت عليه عام 2016، بسبب نهجه الأحادي على صعيد السياسة الخارجية. فيما أشارت إلى استعدائه لحلفاء أمريكا في الشؤون الدولية، وحثته على أن يكون «مُخلصًا لأصدقائنا، بدلاً من استرضائه الطغاة».
وفي رده، دافع «بنس» عن ترامب، مشيرًا إلى دوره في هزيمة «داعش»، وتقليل التهديد الإيراني من خلال اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، موضحًا أن كلا من هاريس وبايدن عارضا الضربة التي استهدفت سليماني، وأشار أيضًا إلى أنه بصفته نائب الرئيس وقتئذ، أعرب بايدن عن معارضته للعملية التي قُتل فيها أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة.
وفيما يتعلق بنهج السياسة الخارجية تجاه الصين، أشار «هيرش» إلى أن كلا المرشحين تجنبا سؤالاً، «حول ما إذا كانت بكين خصمًا أم منافسًا»؛ لكن «بنس»، ادعى أن إدارة ترامب «وقفت في وجه الصين ومازالت تقف قوية». وردت «هاريس»، بتوجيه اللوم إلى معركة ترامب مع الصين، والتي زعمت أنها أسفرت فقط عن «خسائر في الأرواح والوظائف ومكانة أمريكا».
من جانب آخر، علقت «فيليب إليوت» من مجلة «تايم»، بأن «بنس مارس دور المحاضر على هاريس، وأن حملة إعادة انتخاب ترامب ونائبه كانت تعتمد قبل المناظرة على النساء، لكن عندما جلس «بنس»، مع أول مرشحة ملونة لنائب الرئيس، وتجاهلها وحاضر عليها، فقد هذه الأصوات».
ومع أن المناظرة لم تكن عدائية مثل سابقتها، إلا أنها كشفت عن أن حملة ترامب تواجه مشكلة، حيث أبدى «بنس» فنا في تجاهل الأسئلة، فعندما سُئل إن كان تحدث مع ترامب حول نقل السلطة بعد إصابته بـ«كوفيد-19»، كان مراوغا ولم يرد، وبدلا من ذلك وبخ هاريس واتهمها بأنها تقوض ثقة الناس بالعلم عندما عبرت عن شكوك من تعجل الرئيس لإنتاج عقار. وعندما سُئل عن خطة الرعاية الصحية، طلب من منافسته الإجابة عن سؤال لم يطرح، وهو موقف «بايدن» من زيادة عدد أعضاء المحكمة العليا. وعندما سُئل عن حق المواطنين في معرفة الحالة الصحية الحقيقية للرئيس، حوله إلى هاريس وأثنى على ترشيحها. ولما سُئل عن الإجهاض تحدث عن سجل منافسته في مجلس الشيوخ ومقتل قاسم سليماني. وفي المقابل، استخدمت هاريس الأسلوب نفسه. ومثل بنس حاولت الحديث عن سيرتها الذاتية، بدلا من الإجابة عن سؤال حول سلطة الرئيس، فيما رفضت التوقف عن الحديث عندما طلبت منها بيج تلخيص كلامها.
وكما هو الحال في المناظرة الرئاسية الأولى، كان المحللون مترددين في إعلان فوز ساحق لأيهما. وأعلن «جون هوداك» من «معهد بروكينجز»، أن الحدث كان «الأهم من نوعه منذ أن بدأت مناظرات نائب الرئيس قبل 40 عامًا». ومع ذلك فإن الحقيقة تكمن في أن تلك المناظرة لم تقدم القليل من المعلومات الجديدة، ولكنها مثلت للناخبين شكلا من أشكال رقي الخطاب السياسي الرفيع المستوى في الولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي جادل فيه كل من «بيرنز» و«مارتن» من صحيفة «نيويورك تايمز»، بأن هاريس «أعربت عن إدانتها لسياسات إدارة ترامب»، أشار «هيرش»، إلى أنها بدت في بعض الأحيان «متعجرفة»، ولا سيما عند مقاطعتها لبنس أثناء حديثه. ورغم الخلفية التي تتمتع بها ومهاراتها في إدارة المناظرة كما تشاء، ربما تكون هذه فرصة ضائعة لتوجيه مزيد من الانتقادات ومحاسبة إدارة ترامب قبل الانتخابات الرئاسية.
وفي هذه الأثناء، كان يُنظر إلى «بنس» باعتباره لن يكون قادرًا على الرد بقوة وفقًا للعديد من المعلقين السياسيين، ولكن ما تمت ملاحظته أنه حقق ما يحتاج إليه في تلك المناظرة بطريقة غير متوقعة. وكتب «بيرمان» إن «بنس دافع عن سجل الإدارة الأمريكية وخفف من حدة الانتقادات التي طالت ترامب. وأضاف «زورشر»، أن «إحجام كلا المرشحين عن الضغط بقوة على بعضهم البعض جعل المناظرة برمتها لا تلقي المزيد من الضوء على مواقف أي من الجانبين بشكل واضح أو تكشف عن أدائهما». وخلص إلى أنه في حين أن «كلا منهما مر بلحظات قوة أثناء المناظرة، وبعض العثرات فيما يتعلق بذكرياتهما وخلفيتهما، فإن تلك اللحظات كانت قليلة ومتباعدة نوعًا ما».
وفي الواقع، ربما كان أكبر موقف نوقش بعد انتهاء المناظرة هو موقف الذبابة التي هبطت على رأس بنس خلال المراحل الأخيرة من المناظرة. ووصف «بيرمان» الموقف بأنه «أكثر اللحظات التي لا تنسى»، كما لو كان هذا دليلاً على عدم تأثير المناظرة على نتيجة الانتخابات الرئاسية. واستغل «ديفيد فروم»، من مجلة «ذا أتلانتيك»، الموقف ذاته عبر مقارنته عدم ردة فعله تجاه الذبابة بتقاعسه عن مواجهة فيروس كورونا؛ وكتب أن نائب الرئيس أظهر «رفضًا متعمدًا للاعتراف بالحقائق السلبية الأكثر وضوحًا خلال فترة رئاسة ترامب».
ولعل أحد الجوانب التي أشار إليها العديد من المحللين هو أنه بالنظر إلى تقدم عمر كل من «بايدن» و«ترامب»، فإن المناظرة بين كلا النائبين كانت اختبارًا لهما كرؤساء محتملين في المستقبل. وزعم «زورشر» أن المرشحين كانا يحاولان إظهار نفسيهما كقادة لأحزابهم في الأيام المقبلة، حيث حاولت «هاريس» «إثبات أنها يمكن أن تكون حاملة لواء الديمقراطيين بمجرد خروج «بايدن» من المسرح السياسي». في حين أن «بنس» بات «يضع نصب عينيه الرئاسة الأمريكية»، ووضع الأسس لذلك من خلال محاولة تحديد ملامح مواقفه الخاصة بشأن قضايا قريبة من الناخبين الإنجيليين». وأضاف «بيرمان» في هذا الصدد أن مناظرة نائب الرئيس قدمت «نافذة على عالم وحياة سياسية من دون ترامب في محيطها».
على العموم، قد يكون لهذه المناظرة تأثير ضئيل على النتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية في نوفمبر. ومع ذلك فقد قدمت إعادة ضبط للمناقشات السياسية التي تشتد الحاجة إليها بين القادة السياسيين. علاوة على ذلك، تم النظر في المزيد من القضايا، مثل ملامح السياسة الخارجية على الرغم من أن العديد من الأسئلة لا تزال بلا إجابة من قبل كلتا الإدارتين. ومع ذلك، فإن جميع المحللين اعتبروها تمثل على الأرجح «نقاشًا سياسيًا منظمًا»، بالمقارنة باللهجة العدوانية في المناظرة التي كانت بين كل من «ترامب» و«بايدن». فيما اعتبر العديد من المحللين أن تركيز المشاهدين على تلك الذبابة التي كانت على رأس بنس هو استعارة مثالية للحالة السياسية الحالية التي يرثى لها في الولايات المتحدة.