24/10/2020
هل يهزم «ترامب» استطلاعات الرأي في الانتخابات الأمريكية للمرة الثانية؟
يوم الثالث من نوفمبر المقبل يجرى احد أهم الانتخابات الرئاسية الأمريكية في التاريخ، حيث توفر البيانات التي قدمتها أحدث استطلاعات الرأي المتاحة للمحللين والناخبين على حد سواء صورة ديناميكية للنتيجة المحتملة بين «دونالد ترامب»، و«جو بايدن». وفي حين أن استخدام هذه البيانات يكون دائمًا محدودًا من حيث أنه لا يؤكد النتيجة، إلا أنه يقدم تمثيلاً لشعبية المرشحين وبرامجهم.
وحتى الآن، تشير بيانات الاستطلاع بالإجماع إلى فوز «بايدن» في الانتخابات، حيث يتقدم بفارق في استطلاعات الرأي الوطنية، وهو أيضًا متقدم في العديد من «الولايات المتأرجحة» التي ستحدد في النهاية من سيفوز. ومع ذلك، فإن فريق حملته لم يحتفل بعد نظرًا إلى ما حدث في الانتخابات السابقة عام 2016, فقد كانت «هيلاري كلينتون» متقدمة في استطلاعات الرأي، لكنها خسرت في النهاية أمام «ترامب»، الأمر الذي لا يزال في أذهان مؤيدي المرشح الديمقراطي.
وطوال الحملة الانتخابية بأكملها احتل «بايدن» الصدارة بنقاط مئوية عالية. ومع تغير مقدار الفارق الذي يتقدم به يوميًا ظل بالقرب من 10 نقاط مئوية باستمرار. ووفقًا لاستطلاعات شركة «أوبينيم» للأبحاث وصحيفة «الجارديان» فقد تقدم بفارق 17 نقطة مئوية على ترامب في 13 أكتوبر. وأفادت «بي بي سي»، بتقدمه 10 نقاط مئوية في 18 أكتوبر، حيث حصل على 52% من الأصوات بينما حصل ترامب على 42% من الناخبين. ومع ذلك، وكما اتضح عام 2016, فإن بيانات الاقتراع الوطنية لا تحسم نتيجة الانتخابات، فقد كانت «هيلاري كلينتون» متقدمة بنسبة 6.7% في استطلاعات الرأي قبل عشرين يومًا من الانتخابات. وعلى الرغم من أنها حصلت على حصة أكبر من الأصوات الشعبية إلا أن ذلك لم يكن كافيا للفوز بالرئاسة.
ويعتمد نظام الانتخابات الأمريكية على نظام المجمع الانتخابي، الذي يبلغ إجمالي عدد أصواته 538 صوتًا، ويجب الحصول على 270 صوتًا أو أكثر للمرشح لضمان فوزه بالرئاسة. ويضع هذا النظام تركيزًا أكبر على اكتساب المزايا في الولايات الرئيسية التي تمتلك عددًا أكبر من الأصوات، مثل كاليفورنيا، وتكساس، وفلوريدا، ونيويورك وغيرها. وبالتالي، يتم تحديد النتيجة الحقيقية للانتخابات في هذه «الولايات المتأرجحة». في حين تميل معظم الولايات الأخرى إلى اتباع الديمقراطيين أو الجمهوريين، كما أن هناك العديد من الولايات التي لديها ديموجرافية سياسية أكثر توازنا. ولعل أبرز الولايات المتأرجحة في عام 2020 هي أريزونا، وفلوريدا، وميشيغان، وتكساس، وبنسلفانيا، والتي تمثل وحدها 114 صوتًا من أصوات المجمع الانتخابي، مما يجعلها أهدافا حاسمة لكلا المرشحين.
وعلى الرغم من أن سباق الاقتراع يكون متقاربا بشكل كبير في الولايات المتأرجحة؛ لكن «بايدن» لا يزال يحتفظ بهامش فوز محدود في العديد منها. ففي «فلوريدا» يتقدم على «ترامب» بنسبة 48.2% مقابل 46.8%، لكن في ولاية «أيوا» لديه هامش انتصار يبلغ 1.2% فقط (47.5% إلى 46.3%). وحتى الآن يتقدم «ترامب» في اثنتين فقط من الولايات المتأرجحة الرئيسية، وهما «أوهايو»، و«تكساس». ومع ذلك، فإن تقدمه أقل بكثير مما كان عليه عام 2016 عندما فاز بهامش كبير. وفي تكساس يتمتع بميزة ملحوظة بنسبة 49.2% مقابل 44.8%، لكن في أوهايو (التي تقدم 18 صوتًا للمجمع الانتخابي) يتقدم بنسبة 0.5% فقط (بنسبة 46.5% مقابل 46%).
وفي الوقت الحالي توجد العديد من الولايات المتأرجحة في أيدي الديمقراطيين. في «ميشيغان»، يمتلك «بايدن» 50.1% من الأصوات المتوقعة مقابل 42.9% لترامب. في حين أنه يتمتع في فرجينيا بميزة كبيرة تبلغ 51.7% مقابل 40.3%. ويبدو أن أحد الأسباب الرئيسية لمثل هذا التقدم هو الإنفاق الهائل لحملته في هذه الولايات. وكتبت صحيفة «نيويورك تايمز» أن حملة بايدن «قد أنفقت ما يقرب من ضعف إنفاق حملة ترامب على الإعلانات في التليفزيون والراديو لعدة أشهر، مع توجه معظم هذا الإنفاق نحو الولايات المتأرجحة الحاسمة، مثل ميشيغان، وبنسلفانيا، وويسكونسن». وتنصح الصحيفة ترامب أن «يوظف المتغيرات للتمكن من الولايات ذات الميول الجمهورية مثل ولايتي أريزونا وجورجيا». كما أوضحت «آني جوان» في صحيفة «واشنطن بوست» أنه على الرغم من أن «حملة بايدن ليس لديها طموح للفوز بأكبر عدد من الناخبين في المناطق الريفية، إلا أنها ترى تخفيف دعم ترامب كفرصة لتقليص فرصه في المناطق الريفية المحافظة بشدة».
وبالنسبة لترامب فإن السيطرة على العديد من الولايات المتأرجحة أمر حاسم لآماله في إعادة انتخابه، وبدونها لا يمكنه الفوز. كما أن الفارق الضيق في تكساس مثير للدهشة، بالنظر إلى أن آخر مرة صوتت فيها الولاية لصالح ديمقراطي كانت في عام 1976. وبالفعل، وصف «دان بالز» من صحيفة «واشنطن بوست» هذه الولاية بأنها «أكثر ولاية سياسية مثيرة للاهتمام بالبلاد في الوقت الحالي، حيث تخضع لتغييرات كبيرة تهدد هيمنة الحزب الجمهوري عليها. وعلى الرغم من أنه من غير المحتمل، «فإن التعثر المحدود لبايدن في الولاية مع 38 صوتًا انتخابيًا من شأنه أن يحول دون فرص الرئيس في الفوز بولاية ثانية».
ومع تعثر حملة إعادة انتخاب ترامب أشار المحللون إلى العديد من القضايا التي تحول دون فوزه أيضا، والتي منها ضعف إدارته في التعامل مع «جائحة كورونا»، حيث مثلت قضية رئيسية بالنسبة للناخبين. ووفقًا لاستطلاع أجرته شبكة «ايه بي سي» الأمريكية وافق 35% فقط من الأمريكيين على طريقة إدارته للأزمة و72% رأوا أنه لم يأخذ الأمر على محمل الجد بما فيه الكفاية». من ناحية أخرى، فإن أساليبه لحشد الدعم قد باءت بالفشل أيضا. ويرى «نيك كوراسانيتي» في صحيفة «نيويورك تايمز» بأن طرقه السابقة لاحتلال صدارة المشهد لم تؤت ثمارها. ففي عام 2016 اعتمد بشدة على التجمعات الضخمة والتغطية الإخبارية عبر القنوات التلفزيونية لإيصال رسالته؛ لكن عام 2020 «كانت المسيرات أقل وأصغر بسبب الوباء، وحصلت أيضًا على تغطية تليفزيونية». وكانت «مونيكا مكديرموت» من جامعة «فوردهام بنيويورك» أكثر صراحة في تقييمها، حيث أشارت إلى أن حملته كانت «مروعة خاصة في الآونة الأخيرة، لافتقاد ترامب لأي انضباط أو سيطرة.. إنه ينفر الناس من اليسار واليمين، لكنه يبدو أنه لا يحاول جاهدا الفوز بأصوات الناخبين».
ويعكس هذا الاستنتاج مثال عام 2016, حين كانت حملته مفككة ومليئة بالأخطاء؛ لكن انتصاره في النهاية هو السبب الرئيسي حاليا وراء عدم احتفال خصومه السياسيين قبل تأكيد أي شيء. ومن ثم، فإن تنبؤات العديد من المحللين التي بشرت بالفعل بانتصار بايدن يجب أن يُنظر إليها بحذر. وزعمت صحيفة «الا يكونوميست» أنه «من المرجح جدًا أن يُهزم ترامب في المجمع الانتخابي». وألمحت صحيفة «فاينانشال تايمز» إلى «انتصار محتمل» لبايدن.
وفي ضوء هذا الموقف تساءل العديد من المحللين عما يمكن أن يفعله «ترامب» للهروب من هزيمة انتخابية واضحة، حيث أشاروا إلى المحاولات الجديدة والمكثفة لبث حالة من السخط؛ باعتبارها الاستراتيجية الأكثر ترجيحا لزيادة دعمه. وجادلت «سارة دوهل» من حركة نشطاء «إندفيزيبل» بأنه يحاول «إذكاء الفوضى والخوف لأن هذا هو ما يجيده». بالإضافة إلى ذلك، هناك بعد آخر يجب النظر إليه. حيث شهدت الانتخابات الرئاسية «مفاجأة أكتوبر»، وهي إصابة ترامب بكورونا، والتي من المحتمل أن تقلب الطاولة على فرصه للفوز. وقد حدث هذا لصالح ترامب في عام 2016, حيث كشف مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، «جيمس كومي»، عن تحقيق مع «هيلاري كلينتون»، قبل 11 يومًا فقط من بدء الاقتراع. وكتب «أنتوني زورشر» من شبكة «بي بي سي»، أن «حدثًا سياسيًا زلزاليًا مشابهًا قد يكون كافيا لدفع ترامب إلى النصر». ومع ذلك لم يقتنع الجميع. وبالنسبة لـ«لاري جاكوب» من «جامعة مينسوتا»، فإن الانتخابات قد حُسمت بالفعل ما لم تحدث أية صدمات سياسية أخرى.. لا يوجد شيء قد يحدث لترامب من شأنه أن يغير مسار الانتخابات.. إنه يحتاج إلى قنبلة هيدروجينية لينفجر».
وفي الواقع، لن يمثل اختيار الرئيس القادم للولايات المتحدة التحدي الوحيد المطروح أمام الناخبين حاليا، حيث إنه سيتم تحديد نتائج انتخابات مجلس الشيوخ أيضًا، وستكون هناك العديد من المعارك السياسية التي تدور رحاها. وبالنسبة إلى كلا المرشحين الرئاسيين فإن نجاح حزبيهما في سباق انتخابات مجلس الشيوخ سيكون بدوره أمرًا حاسما في نجاح مهامهما الرئاسية. يشير «دانيال شتراوس» في صحيفة «الجارديان» إلى أنه «في حالة فاز ترامب بالرئاسة وفقد الجمهوريون السيطرة على مجلس الشيوخ، فسيحد ذلك بشدة من السلطات التشريعية التي يمكن أن يصدرها. وبالمثل، إذا فاز بايدن وفشل الديمقراطيون في السيطرة على مجلس الشيوخ، فهذا يعني أن الكثير من القوانين التشريعية التي ينوي الرئيس الجديد تمريرها سوف تلاقي حتفها عند تقلده منصبه الرئاسي». تقول« مولي رينولدز» من معهد «بروكينغز انستيتيوشن» إن «نتيجة السباق الانتخابي في مجلس الشيوخ سيكون لها عواقب وخيمة على قدرة بايدن على الحكم إذا هزم ترامب فعلاً».
وتشهد انتخابات مجلس الشيوخ أيضًا تحديًا لبعض كبار الشخصيات في الحزب الجمهوري؛ حيث يواجه زعيم الأغلبية في المجلس «ميتش ماكونيل» تحديًا من قبل المنافسة الديمقراطية «آمي ماكغراث» في ولاية «كنتاكي». بينما في ولاية «ساوث كارولينا» يدير الجمهوري المخضرم «ليندسي جراهام» سباقًا شرسًا مع منافسه الديمقراطي «جايمي هاريسون». وفي ولاية أريزونا تقدم المنافس الديمقراطي «مارك كيلي» بمقدار 11 نقطة في استطلاعات الرأي ضد منافسته الجمهورية «مارثا ماكسالي».
وإلى جانب تحليل بيانات استطلاعات الرأي والسابقات الانتخابية الشرسة في الولايات الأمريكية الرئيسية لا يزال هناك العديد من الأسئلة التي لم يتم الإجابة عنها حول كيفية سير الانتخابات البرلمانية وملامح نتائجها المتوقعة وكيف سيكون رد فعل ترامب إذا خسر حزبه فيها. وتعتبر الانتخابات الرئاسية لعام 2020 فريدة من نوعها بالفعل، حيث تم تسليم عدد قياسي من بطاقات الاقتراع عن طريق البريد. ومع ذلك لا يزال من المتوقع أن يحاول عشرات الملايين التصويت بأنفسهم دون اللجوء لهذه الطريقة. وذكرت صحيفة «الجارديان» أن «أكثر من 18 مليون شخص من المؤكد أن يدلوا بأصواتهم بأنفسهم وسط بيانات تشير إلى أن الديمقراطيين أكثر احتمالا للتصويت بهذه الطريقة من الجمهوريين».
وأدى إصرار «ترامب» المستمر على شبهة فساد نتائج الانتخابات الرئاسية؛ بسبب إرسال بطاقات الاقتراع عبر البريد, إلى زيادة احتمالية التوصل إلى نتائج متنازع عليها. وكتب «ديفيد سميث» في صحيفة «الجارديان» أنه «يمكن لترامب أن يغرق أقدم ديمقراطية دستورية في العالم في أزمة من خلال الاعتراض على النتائج باللجوء إلى القضاء، ونشر نظريات المؤامرة، وتعبئة المؤيدين له والمتشددين في الشارع».
على العموم، مع بقاء أيام فقط على انطلاق سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لا يزال الجدول الزمني لها غير معروف حتى الآن. وعلى الرغم من أن «بايدن» يتقدم بشكل كبير في استطلاعات الرأي الوطنية وبفارق ضئيل في الولايات المتأرجحة الرئيسية، فإن أي احتفالات مبكرة لحملته ستظل أمرًا مستبعدًا؛ حيث إن ما دار في انتخابات عام 2016 لا تزال ذكرى في أذهان الناخبين. ومن الواضح أن «مفاجأة أكتوبر»، سيكون لها تأثير لتغيير المسار المتوقع للانتخابات الرئاسية. ومع ذلك، لا يزال من المتوقع حدوث المزيد من التقلبات والانعطافات حتى قدوم أول ثلاثاء من شهر نوفمبر القادم.