top of page
30/10/2020

مخاطر تهدد الأمن العالمي بعد رفع حظر الأسلحة عن إيران

مع إعلان طهران، في 18 أكتوبر 2020، أنها لم تعد تعتبر نفسها خاضعة لعقوبة حظر تداول الأسلحة، التي فرضتها الأمم المتحدة كجزء من اتفاق إيران النووي لعام 2015، يواجه الغرب وحلفاؤه معضلة استراتيجية كبرى. من الناحية النظرية، يعني هذا أن إيران أصبحت تتمتع بحرية استيراد وتصدير الأسلحة التقليدية دون إشراف من المنظمة الدولية، وإن كانت لا تزال خاضعة لعقوبات من قِبَل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

 

وليس مفاجئًا أن هناك الآن الكثير من التكهنات عما إذا كانت إيران ستبدأ استيراد وتصدير الأسلحة على نطاق أوسع مما فعلته سابقًا، وإذا فعلت ذلك، فما أنواع الأسلحة والتقنيات التي ستسعى للحصول عليها، ومن ثم سترسلها إلى أذرعها في المنطقة؟

 

لقد رأى بعض المحللين الغربيين أن إيران لن تسعى لاستغلال موقفها الجديد؛ لأنها ستواجه انتقامًا أمريكيًّا محتملاً، ولكن لم يقتنع البعض الآخر بهذا الأمر، مشيرين إلى الاتفاقات الدبلوماسية بين روسيا والصين وإيران بشأن صادرات الأسلحة التي يُقال إنها سارية بالفعل. إن المخاطر كبيرة بلا شك، وتتمثل -كما توضح مجلة بوليتيكو- في أن إيران »يمكنها الآن نظريًّا شراء أسلحة لتحديث الترسانة العسكرية التي يعود تاريخها إلى ما قبل الثورة الإسلامية عام 1979، وبيع معداتها المنتجة محليًّا في الخارج». ويضيف موقع المونيتور أن «إيران تتطلع إلى شراء الطائرات الصينية والروسية لتحل محل أسطولها القديم، وأيضًا أن المسؤولين الروس قد طرحوا بالفعل إمكانية بيع نظام الدفاع الجوي المتقدم إس-400 لإيران».

 

ويرى المحللون الغربيون أن عوامل مثل التردد المزعوم لروسيا والصين في تزويد إيران بأسلحة جديدة، والصعوبات المالية التي تواجهها إيران، تجعل تخزين الأسلحة أمرًا غير محتمل في المستقبل القريب. وكتبت إيلي جيرانمايه، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن زيادة واردات الأسلحة الإيرانية «من غير المرجح أن تحدث في المدى القريب». وأضافت أنه على الرغم من «عدم وجود شك في أن موسكو وبكين ستوقعان صفقات أسلحة مع طهران، إلا أنه يمكن للضغط السياسي والاقتصادي الكبير للولايات المتحدة على روسيا وشركات الأسلحة الصينية المملوكة للدولة أن يقلل من رغبتهما وقدرتهما على المضي قدمًا في مثل هذه الصفقات».

 

وقد تم الاستشهاد بالصعوبات المالية التي تواجهها إيران كسبب رئيسي لعدم حصولها على أسلحة نوعية أو حتى تقليدية بكميات كبيرة، حيث وصف أوميد شكري كاليشار، من جامعة جورج ميسون في مجلة ناشيونال إنترست، الوضع بأن إيران تواجه «عجزا مزمنا في الموازنة» نتيجة العقوبات الاقتصادية. وزعم إميل الحكيم، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، أن «إيران لا تملك الموارد، أو الأفراد، أو العقيدة، أو البائعين المتحمسين لتسليحها بسرعة لتصبح قوة تقليدية».

 

وفي الواقع، قد يكون الرفض من روسيا والصين لرغبة إيران في استيراد الأسلحة التقليدية سابقًا لأوانه، حيث توجد بالفعل تقارير تفيد بأن طهران بدأت الحصول على أسلحة من الخارج. وذكر سايمون واتكينز، من «أويل برايس»، أن إيران قد توصلت بالفعل إلى اتفاق لشراء أسلحة مصنوعة في كوريا الشمالية كجزء من صفقة الشراكة الاستراتيجية مع الصين، وأن هذه الصفقة ستشهد نقل صواريخ هواسونغ- 12 الباليستية، التي يبلغ مداها الفعال 4500 كيلومتر، وستكون جميعها جزءًا من علاقة ثلاثية أوسع، تنسقها بكين، ويسهلها الإطلاق الوشيك لنظام العملة الرقمية الجديدة من قِبَل الصين»، وستسمح مثل هذه الديناميكية لبكين بتجنب العقوبات بسبب التجارة مع إيران، وسيكون لها أيضًا تأثير ضئيل إلى حد ما على كوريا الشمالية؛ لأنها تقع بالفعل تحت تأثير العقوبات بشكل واسع النطاق.

 

ولكن هنري روم، مُحلل الشأن الإيراني في مجموعة أوراسيا، يرى أن المحادثات الرئيسية بشأن اتفاقيات الأسلحة «من المرجح أن تكون مجمَّدة حتى تتضح نتيجة الانتخابات الأمريكية»، وأن كلا من الصين وروسيا «لديهما مصالح جيوسياسية كبيرة في دول الخليج، التي لا تشعر بالارتياح مع زيادة الأسلحة القادمة إلى طهران».

 

وعلى الرغم من أن معظم تركيز المحللين كان على الأسلحة التي ستسعى إيران إلى استيرادها لنفسها، فإن هناك قضية رئيسية أخرى وهي الأسلحة التقليدية التي ستنقلها إيران الآن إلى عملائها في الشرق الأوسط. وتوضح مجلة «بوليتيكو» أنه نظرًا إلى أن «دول الخليج، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، قد تفوقت على إيران منذ فترة طويلة»، فقد «اتجهت طهران بدلاً من ذلك نحو تطوير صواريخ باليستية محلية الصنع»، وهو الأمر الذي سيمكّنها الآن من تزويد الآخرين بحرية.

 

لكن الخبراء لاحظوا أيضًا أن حظر الأسلحة لم يفعل شيئًا يُذكر للحد من دعم إيران لعملائها؛ فقد أوضح كولدا، من «المجلس الأطلسي»، أن إيران باعت أو منحت نظام الدفاع الجوي «بافار 373» و«خرداد 3» إلى سوريا، وأضاف أن «الأسلحة الخفيفة والذخيرة تم تسليمها أيضًا إلى المليشيات الشيعية في العراق وسوريا، وكذلك إلى جماعة حزب الله اللبنانية»، وأن إيران على الأرجح زوّدت المتمردين الحوثيين في اليمن بـطائرات مُسيرة من طراز « قاصف 1» والأسلحة الخفيفة.

 

ومما لا يثير الدهشة، أن رفع عقوبات الأمم المتحدة بشأن الأسلحة عن إيران أدى إلى اتخاذ الولايات المتحدة إجراءات استباقية، وأشار «دان هافيرتي»، من مجلة فورين بوليسي الأمريكية، إلى أن «إدارة ترامب تعمل على استباق انتهاء حظر الأسلحة، من خلال إطلاق حزمة جديدة من العقوبات على طهران، بغرض استهداف البنوك الإيرانية والجيش الإيراني على حد سواء»، وفي الواقع، في أوائل أكتوبر، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على ثمانية عشر مصرفًا إيرانيًّا في إطار حملتها للضغط الاقتصادي على طهران.

 

وفي اليوم الذي انتهت فيه العقوبات، أعاد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو تأكيد معارضة الولايات المتحدة، وأن «بلاده ستستخدم سلطاتها لمعاقبة أي فرد أو كيان يسهم في توريد أو بيع أو نقل الأسلحة التقليدية إلى إيران أو منها»، كما أضافت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة «كيلي كرافت»، أن «بلادها ستواصل تحميل إيران المسؤولية، حتى لو كان ذلك يعني أنه يجب علينا التصرف بمفردنا حيال طهران».

 

ومع ذلك، أشار المعلقون إلى أن هذه العقوبات الجديدة قد تؤدي إلى تعزيز علاقات إيران مع الصين، فقد كتبت «إميلي جين»، من مركز الأمن الأمريكي الجديد في مجلة «ذا ديبلومات» اليابانية، أن «لدى إيران دوافع اقتصادية وسياسية متزايدة للانحياز إلى شراكتها الاستراتيجية مع الصين»، وذلك في ظل استعداد بكين لتجاهل العقوبات الاقتصادية، وستمثل هذه الدوافع «شريان الحياة الاقتصادي» بالنسبة لإيران، وستثبت أهميتها بشكل متزايد في الأيام المقبلة.

 

وهناك مشكلة أخرى بالنسبة إلى الولايات المتحدة تتعلق بفاعلية آلية «سناب باك»، المعنية بإعادة فرض عقوبات أمريكية على طهران، حيث يشير كل من المدعي العام الأمريكي السابق «مايكل موكاسي»، و»جميل جافر»، مدير معهد نايت فيرست أمندمنت في جامعة كولومبيا، في مجلة «بارونز» الأمريكية، إلى أن «استدعاء تلك الآلية لن يفيد كثيرًا ما لم يمتثل حلفاؤنا السابقون لحظر الأسلحة المعاد فرضه، ويجبرون الآخرين على القيام بذلك أيضًا».

 

هذا الموقف يقود إلى مسألة أخرى تتعلق بمن يقع عليه اللوم على هذا الوضع، فقد أشارت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية إلى أن اللوم يقع على عاتق الأمم المتحدة، وكتبت أن انتهاء صلاحية حظر الأسلحة أبرز «عيوب الاتفاق النووي لعام 2015»، كما أظهر فشل الأمم المتحدة في ضمان مبدأ الأمن الجماعي. وانتقدت الصحيفة أيضًا المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا لعدم دعمها للولايات المتحدة في مهمتها لتمديد الحظر، بحجة أنها «ظلت صامتة على الرغم من تاريخ إيران في الترويج لنشر الإرهاب في القارة الأوروبية والمنطقة العربية». وبالمثل، يشير كل من «موكاسي» و«جافر» إلى أنه «إذا توقع الأوروبيون أن موقف الولايات المتحدة قد يتغير بعد انتخابات نوفمبر القادمة، فهم مخطئون».

 

ومع كل هذه الانتقادات، من المهم أيضًا الاعتراف بأن إيران لا تزال تخضع لعقوبات على ترسانتها العسكرية من قِبَل الاتحاد الأوروبي، بغرض استهداف حصولها على أي أسلحة تقليدية والتقنيات الخاصة بالصواريخ، ولن تنتهي صلاحيتها حتى عام 2023 على أقرب تقدير. ونصح السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة «نيكولاس دي ريفيير»، مصنعي الأسلحة بـ«ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والمسؤولية في النظر للعواقب التي قد تترتب على عمليات النقل المحتملة من الأسلحة على كل من الأمن والاستقرار الإقليميين».

 

وأخيرا يتضح من وجهات النظر المتضاربة للمحللين الغربيين بشأن تداعيات عدم تعرض إيران الآن لحظر استيراد الأسلحة الذي كانت تفرضه الأمم المتحدة، أن الوضع معقد ولا يمكن التنبؤ به؛ ففي حين يتوقع الكثيرون أن يتوخى النظام في طهران الحذر، ربما تقوم إيران بالفعل باستيراد أسلحة من كوريا الشمالية، وهو ما يكشف عن أن الدول يمكنها دومًا إيجاد حلول لمشكلاتها الدبلوماسية المعقدة. وستكون هناك حالة من التخبط والتوتر لدى واشنطن في حال انتخاب رئيس أمريكي جديد؛ حيث إنه سبق لـ«جو بايدن» أن أعرب عن التزامه باستعادة الاتفاق النووي الإيراني. وفي نهاية المطاف، بغض النظر عن المخطئ في نشوء هذا الوضع الراهن، فمن الواضح أن الغرب فقد سيطرته على هذه القضية مع واشنطن، وبالتالي قد يجد نفسه يسارع في اللحاق بالركب في السنوات القادمة.

{ انتهى  }
bottom of page