7/11/2020
الانتخابات الرئاسية الأمريكية.. واختبار آليات الديمقراطية الدستورية
بعد ساعات من إغلاق صناديق الاقتراع في جميع أنحاء الولايات المتحدة، لا تزال هوية الرئيس القادم للبلاد غير معروفة. وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من الولايات الخمسين في البلاد أعلنت بالفعل نتائجها، إلا أن العديد من الولايات المتأرجحة الرئيسية، التي كان من المتوقع أن تحدد شكل الانتخابات لم تقدم تقديرات بشأن الفائزين والخاسرين؛ نظرًا إلى التقارب الكبير بين «دونالد ترامب»، و«جو بايدن» في عدد الأصوات، وأيضًا بسبب التأخر في إحصاء عدد قياسي من بطاقات الاقتراع عبر البريد في العديد من الولايات.
وعليه، ترك هذا السيناريو البلاد - بل والعالم- في ترقب لإعلان نتائج ولايات؛ ويسكونسن، وجورجيا، وكارولينا الشمالية، وميشيغان، وأريزونا، وبنسلفانيا، وهو الأمر الذي سيستغرق عدة أيام. وبسبب هذا التأخير، فضلا عن إصرار «ترامب»، على أن نتيجة الانتخابات قد تم تحديدها بالفعل، وأن منافسيه يحاولون «سرقة» الانتخابات منه؛ توقع المحللون حدوث اضطرابات مدنية في البلاد. فيما تزايدت إمكانية حدوثها عندما تعلن النتائج بشكل نهائي، ومن المحتمل أن يتم الطعن فيها أمام المحكمة.
وعلى الرغم من أن النتيجة النهائية للانتخابات غير مؤكدة، فقد كشف الشكل العام لها؛ أن أداء «بايدن»، كان أقل من المتوقع، وأن «ترامب»، تجاوز ما كان متوقعًا من حملته؛ وهو الأمر الذي جعل هناك تساؤلا حول استطلاعات الرأي، التي أجريت قبل الانتخابات، والتي أشار العديد منها إلى انتصارات كبيرة للديمقراطيين، حيث تبين أنها كانت خاطئة، نظرًا إلى خضوع آلية الاقتراع بأكملها الآن لمزيد من التدقيق في إحصاء الأصوات.
ومع إعلان 41 ولاية من الولايات الخمسين عن الفائزين المؤكدين أو المتوقعين بحلول الرابع من نوفمبر، فإن مصير هذه الانتخابات سينحصر في الولايات المتأرجحة، حيث توقع الكثيرون بالفعل من سيحتل البيت الأبيض للأربع سنوات القادمة. ومع وجود الكثير منها على المحك بالنسبة للولايات المتحدة والمجتمع الدولي، ستحدد النتيجة النهائية من خلال فروق بسيطة بشكل لا يصدق. وحتى الآن، فإن المنافسة في ميشيغان، وبنسلفانيا، وجورجيا، وكارولينا الشمالية، متقاربة للغاية بين المرشحين، ويمكن لها إما الذهاب إلى بايدن، أو ترامب، أو تقسيمهما بين الاثنين.
وربما تكون أكبر نقطة نقاش في هذه الانتخابات هي غياب «الموجة الزرقاء» المتوقعة لانتصارات الديمقراطيين. وقبل وصول النتائج الأولى، كانت حملة بايدن متفائلة بحذر بشأن توقعاتهم، حيث اعترف كبير موظفي البيت الأبيض السابق في عهد أوباما، «ويليام دالي»، بأن حزبه يواجه «انتخابات منقسمة ومتقاربة للغاية». ومع ذلك، لم يتمكن الديمقراطيون حتى الآن من تأكيد الاستيلاء على أي ولايات جديدة من انتخابات عام 2016, وشعروا بخيبة أمل بسبب فشلهم في تأمين فلوريدا، مما يدعم آمال ترامب بشكل كبير في إعادة انتخابه. ولاحظت «مارجريت سوليفان» من صحيفة «واشنطن بوست»، أنه «على الرغم من التنبؤات حول مدى الاختلاف الكبير في انتخابات عام 2020, بدا الأمر مألوفًا للغاية ليلة الثلاثاء». وادعى «ماثيو إيسبل»، في صحيفة «التايمز»، أن «خسارة فلوريدا تمثل ليلة عصيبة للديمقراطيين»، كما جادل «لاري ساباتو»، من جامعة «فيرجينيا»، أن خسارتها كانت بمثابة «انتكاسة كبيرة» لاحتمالات فوز نائب الرئيس السابق. علاوة على ذلك، تبددت الآمال المبكرة في تحقيق انتصارات مفاجئة بتكساس، وأوهايو بعد فترات طويلة من عدم اليقين.
ونتيجة لهذا الأداء المخيب على ما يبدو، بدأ المعلقون في الإشارة إلى أوجه القصور في حملة بايدن. وكتب «فيريتي بومان»، في صحيفة «التليجراف»، أنها كانت «تتجاهل الناخبين من أصل إسباني وتغدق الاهتمام، بدلاً من ذلك على الناخبين السود في مدن الغرب الأوسط الكبرى». ويبدو أن هذا قد تم إثباته من خلال نتيجة ولاية فلوريدا. ويضيف «هنري زيفمان»، من صحيفة التايمز أنه «إذا خسر بايدن ولاية جورجيا، فسوف يثير ذلك تساؤلات جدية حول كيفية تخصيص حملته لوقته خلال المراحل الختامية من الحملة».
ومع كل تلك الادعاءات ربما لا يزال «بايدن» يحقق انتصارًا انتخابيًا ضئيلاً. ووفقًا لصحيفة «نيويورك تايمز»، فإن الأصوات البريدية المتبقية التي سيتم عدها في ولاية بنسلفانيا هي لصالحه حيث يحتاج للتغلب على تقدم ترامب الحالي إلى 700.000 صوت في ولايته. وبالمثل، يدعي «سام هانكوك» من صحيفة «إندبندنت»، أن بايدن «يبدو أنه مستعد للظفر بولاية ويسكونسن، ويمضي للأمام لتأمين تفوق أكثر من 20.600 صوت». وبالطريقة ذاتها التي حدثت مع هيلاري كلينتون عام 2016, حقق «بايدن»، تقدمًا كبيرًا في إجمالي التصويت الشعبي الوطني. ويتقدم بايدن في التصويت بنسبة 50.2%، مقابل 48.2% لترامب. ومع ذلك، فإن فوزًا آخر في التصويت الشعبي سيقدم عزاءً ضئيلاً إذا لم تنته إدارة ديمقراطية بدخول البيت الأبيض في يناير 2021.
وعلى الرغم من ذلك تكررت عدم قدرة حملة بايدن على الفوز بالولايات المصوتة للجمهوريين في التنافس على مقاعد في الكونجرس. وفي حين كان من المتوقع أن يسيطر الديمقراطيون على مجلس النواب، إلا أن الآمال في الحصول على العديد من مقاعد مجلس الشيوخ الرئيسية من منافسيهم لم تتحقق. ومن بين المواقع التي أخفقوا فيها الحملات البارزة ضد الجمهوريين البارزين من أمثال، «ميتش ماكونيل»، و«ليندسي جراهام»، في ولايتي كنتاكي، وساوث كارولينا على التوالي.
ومع ضعف أداء الديمقراطيين فاجأ نجاح حملة إعادة انتخاب ترامب العديد من المحللين، بالإضافة إلى الإمساك بثقة بالولايات الجمهورية التقليدية في الجنوب والغرب الأوسط، فضلا عن العديد من الولايات المتأرجحة على الرغم من بيانات الاقتراع التي تشير إلى احتمال انتصارات بايدن. وأوضح «غاري أبرناثي»، في صحيفة «واشنطن بوست»، أن التصويت المبكر الذي يهيمن عليه الديمقراطيون قد تمت موازنته من خلال «حجم وحماس مؤيدي ترامب الذين غمروا أماكن الاقتراع في يوم الانتخابات». ولهذا السبب، زعم «تيم ستانلي»، في صحيفة «التلغراف»، أن ترامب «حظي بليلة انتخابية جيدة»، وأنه فاز «بنصر أخلاقي». في غضون ذلك، يعزو «مايكل هيرش»، من مجلة «فورين بوليسي»، أداء ترامب المفاجئ إلى الرئيس «الذي حوّل نفسه إلى نوع من الأيقونة الثقافية»، على الرغم من أن فيروس كورونا وضع الاقتصاد في حالة انهيار رهيب وتسبب في انتقادات إزاء رد فعله الذي اتسم بالتردد».
وبهذا المعنى، فاز «ترامب»، بـولاية «فلوريدا»، حيث كانت حملته تغازل بشدة الناخبين الكوبيين والفنزويليين الأمريكيين، وتسعى إلى تصوير «بايدن» على أنه مرشح اشتراكي. وفي هذا الصدد رأى العديد من الخبراء أن الاستحواذ على معظم أصوات فلوريدا الانتخابية «أمر حاسم»، لاحتمالات إعادة انتخابه. لكن مع ذلك أوضحت «جاكي جودارد»، من صحيفة «التايمز»، أن «خسارة فلوريدا بالنسبة لبايدن لم تكن ضربة قاضية له، أما بالنسبة لترامب، فإن الفشل في الفوز بهذه الولاية كان سيمثل عقبة لا يمكن التغلب عليها تقريبًا في طريقه إلى كرسي الرئاسة».
ومن ثمّ، تركت نجاحات ترامب غير المتوقعة في جميع أنحاء الولايات العديد من المعلقين في حيرة بشأن عدم توقع نتيجة الانتخابات النهائية. وربما تكون عدم دقة استطلاعات الرأي، التي أجريت قبل الانتخابات، السبب الرئيسي لتلك الحيرة. ومع توقع الغالبية العظمى منها قبل الانتخابات فوزًا كاسحًا لـ«بايدن» في العديد من الولايات المتنازع عليها، يتساءل المحللون الآن عن فائدة وجدوى مثل هذه الاستطلاعات خلال الانتخابات المستقبلية. وفي هذا الصدد أوضح «أبرناثي»، أنه «بغض النظر عن النتيجة النهائية، من المحتمل أن تكون صناعة استطلاعات الرأي نفسها أكبر الخاسرين في هذه الانتخابات».
وفي حالة الانتخابات الرئاسية لعام 2020 تحدد التباينات والاختلافات ما بين الاستطلاعات المبكرة، والمتأخرة أي القضايا كانت أكثر أهمية للناخبين في يوم التصويت. وأشارت استطلاعات الرأي التي أجريت على الناخبين في مراكز الاقتراع بشكل كبير إلى أن حالة الاقتصاد الأمريكي كانت العامل الحاسم الذي يؤثر على أصوات الناخبين في هذا اليوم، حيث وجد استطلاع أجرته مؤسسة «أديسون ريسيرش»، للأبحاث»، أن «واحدًا فقط من كل خمسة ناخبين يعتبر فيروس كورونا وطريقة التعامل معه هو القضية الرئيسية التي ستحسم الانتخابات برمتها». ومع ذلك، وعند وضع هذه الاستطلاعات في الاعتبار، من المهم ملاحظة أنها تمثل فقط أولئك الذين حضروا شخصيًا مراكز الاقتراع، وليس الملايين الذين قدموا أصواتًا عبر البريد، بدلاً من ذلك.
ووفقا للعديد من المحللين، فإن هناك احتمال حدوث اضطرابات مدنية ونتائج انتخابات متنازع عليها قانونًا في الأيام المقبلة. وتصاعدت هذه المشاكل بسبب الخطابات العدوانية للرئيس ترامب وتغريداته، التي يتهم فيها منافسيه بمحاولة تزوير نتيجة الانتخابات، فضلا عن ادعائه أنه سيفوز حتمًا بالانتخابات، وأنه سيذهب إلى المحكمة العليا للطعن في أي نتيجة نهائية لم تكن في صالحه، وهو الأمر الذي وصفه «كريس ريوتا»، و«جون شارمان»، و«بيتر ستوبلي»، في صحيفة «الإندبندنت»، بأنه «خطاب ملتهب ومليء بالادعاءات الكاذبة».
وبالفعل، كان هناك رد فعل عنيف واسع النطاق لهذه التعليقات والاضطرابات، وما يمكن أن تسببه. وعلق «أنتوني زورشر»، من شبكة «بي بي سي»، بأنه «سيكون هناك سيناريو هو الأسوأ يخشى وقوعه العديد من الأمريكيين، وهو رفض رئيس الولايات المتحدة لأي نتيجة ليست لصالحه»، مضيفا أيضًا أنه «سواء فاز ترامب أو خسر، فقد ألقى بظلاله على هذه الانتخابات مهما كانت، حيث إنه يشكك في آلية الديمقراطية الأمريكية بأكملها».
على العموم، يبدو من المرجح أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020 ستختبر مدى استدامة آلية الديمقراطية الدستورية الأمريكية. ويتوقع المعلقون بالفعل إصدار طعون قانونية من كلا الطرفين في حالة الاقتراب الشديد من الأرقام النهائية وحسم النتائج لصالحهما؛ وهو الأمر الذي قد يترك العد النهائي لإجمالي الأصوات الانتخابية على الصعيد الوطني غير مؤكد لعدة أسابيع قادمة، وهي الحالة المشابهة لانتخابات عام 2000, بين «جورج دبليو بوش»، و«آل جور».
فضلا عن أن هناك قضية أخرى محتملة في المستقبل تتعلق بإشكالية تأجيل حسم الفائز بالانتخابات لحين فصل المحكمة العليا في الطعون، والتي قد تنتهي فعليًا بتقرير مصير الانتخابات، كما حدث فعلاً في عام 2000. ومع وضع هذه الديناميكية في الاعتبار فإن تعيين الجمهوريين مؤخرًا لقاض جديد للمحكمة العليا يمكن أن يكون أمرا مثيرا للجدل والشكوك أيضًا.