top of page
3/12/2020

اغتيال فخري زاده وانعكاساته على العلاقات بين أمريكا وإيران

في الأسابيع الأخيرة من رئاسة دونالد ترامب، بدأت الإدارة الجمهورية الحالية وحليفتها إسرائيل بممارسة أكبر قدر ممكن من الضغط على النظام الإيراني، ويبدو أن الإدارة قد علمت أن طهران لديها خيارات وإمكانيات محدودة للرد؛ بسبب آمالها في إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة بمجرد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض. وفي أعقاب الهجمات الإلكترونية واغتيال جنرال كبير وما تردد عن التهديد بضربات جوية ضد النظام الإيراني خلال السنوات الأربع من ولاية ترامب، أسفر التصعيد الأخير عن اغتيال العالم النووي الإيراني «محسن فخري زاده» في 27 نوفمبر 2020.

 

يُنسب اغتيال فخري زاده إلى إسرائيل على نطاق واسع، ومن المعروف أن زاده يمثل تهديدًا أمنيًّا كبيرًا، ويبدو أن دوافع الهجوم تستند إلى رغبة مزدوجة لإعاقة البرنامج النووي الإيراني ورغبة جو بايدن في استعادة الاتفاق النووي الإيراني، ومع قيام طهران مؤخرًا بزيادة إنتاجها من اليورانيوم المخصب، أكد الخبراء والمعلقون أن استهداف شخصية إيرانية بارزة يمثل أحد أكثر المحاولات المباشرة حتى الآن لعرقلة فعاليتها المستقبلية. ويثير الاغتيال العديد من الأسئلة الجديدة في المستقبل القريب والبعيد، أبرزها كيف سيكون رد فعل النظام الإيراني، وما إذا كان هناك المزيد من الإجراءات الوشيكة ضد إيران، وما إذا كان ذلك سيؤدي إلى تدهور العلاقات بما يكفي لإدانة خطط بايدن لإعادة انضمام الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الإيراني قبل أن تتولى إدارته مهام منصبها.

 

وعلى الرغم من أن مقتل فخري زاده قد لا يكون آخر عمل عنيف ضد إيران خلال عام 2020، إلا أنه كان بالفعل عامًا شهد العديد من النكسات للنظام في طهران. ويجادل ديفيد كيركباتريك ورونين برجمان وفرناز فاسيهي، من صحيفة نيويورك تايمز، بأنه لم «تتعرض الجمهورية الإيرانية لسلسلة من الهجمات السرية من قبل مثلما حدث في عام 2020». كما أشار كريم فهيم وجوبي واريك وميريام بيرجر، من صحيفة واشنطن بوست، إلى الاغتيال باعتباره «ثالث هجوم رفيع المستوى لزعزعة قيادة طهران» بعد الضربة الأمريكية بالطائرة المُسيرة التي قتلت قاسم سليماني في يناير واغتيال قيادي بارز في تنظيم القاعدة بطهران في أغسطس.

 

وعلى الرغم من عدم إعلان أي دولة أو مجموعة مسؤوليتها عن الاغتيال، ومن غير المرجح أن يقوم أي شخص بذلك علنًا، إلا أن هناك قبولًا واسع النطاق بأن إسرائيل متورطة؛ فقد زعم ديفيد إي سانجر، من صحيفة نيويورك تايمز، أن «هناك القليل من الشك في أن إسرائيل كانت وراء عملية الاغتيال». وبالمثل، كتبت لويز كالاهان، من صحيفة التايمز، أن العالِم قُتل «في كمين مُحكَم وذي صوت مسموع على جانب الطريق، وأنه عندما ألقت إيران باللوم على وكالة الاستخبارات الإسرائيلية الموساد، لم يشك أحد في ذلك مرة واحدة».

 

إن تورط الولايات المتحدة غير مؤكد، على الرغم من أن هولي داجرس، من المجلس الأطلسي، علقت قائلة: «من الممكن أن يكون اغتيال فخري زاده أحد الخيارات المطروحة على الرئيس الأمريكي للرد على الحشد النووي الأخير».

 

ولقد تلقى الهجوم إدانات من شخصيات سياسية بارزة، فقد وصف مدير وكالة المخابرات المركزية السابق «جون برينان» الأمر بأنه «عمل إجرامي ومتهور للغاية»، محذرًا من أنه «ينطوي على مخاطر انتقام فتاك، ويمثل انتهاكا صارخا للقانون الدولي»، وأضاف متحدث باسم الاتحاد الأوروبي أن الهجوم «يتعارض مع مبدأ احترام حقوق الإنسان في أوروبا». وخوفًا من احتمال حدوث تصعيد عنيف، دعا وزير الخارجية الألماني «هايكو ماس» جميع الأطراف المعنية إلى الامتناع عن اتخاذ خطوات قد تؤدي إلى مزيد من التصعيد.

 

ولقد أثيرت تكهنات بعدم قدرة إيران على الدفاع عن موظفين حكوميين رئيسيين؛ حيث أشارت كالاهان إلى أن فخري زاده كان «أحد أكثر الأشخاص الخاضعين لحراسة مشددة في إيران»، وبالتالي فإن اغتياله سيكون بمثابة إحراج كبير لقدرة النظام على حماية مسؤوليه. وكتبت داجرس أيضًا أنه نظرًا إلى أن فخري زاده كان «هدفًا واضحًا» فقد أظهر الهجوم «السهولة التي يمكن بها اختراق الدفاعات الإيرانية الداخلية ومدى إمكانية عمل وكالات الاستخبارات والخصوم في البلاد»، وأضافت أنه «قد يتساءل الكثيرون في طهران عمن سيصبح الهدف التالي». ووصف بروس ريدل، من معهد بروكنجز، قدرة إسرائيل الواضحة على ضرب أهداف إيرانية بأنها «غير مسبوقة» وأنها «لا تُظهر أي مؤشر على أن الإيرانيين يمكنهم الرد بشكل فعال».

 

كما كان هناك بعض الخلاف بشأن مدى تأثير وفاة فخري زاده سلبًا على مهمة إيران في امتلاك أسلحة نووية. ووصفته كالاهان بأنه شخص «كان يجمع كل الخيوط المختلفة لبرنامج إيران النووي»، كما وصفته صحيفة واشنطن بوست بأنه شخص «كان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه القوة الدافعة وراء برنامج إيران النووي، بما في ذلك الجهود السرية لتطوير قنبلة نووية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين». وكتب مارك فيتزباتريك، الزميل المشارك في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، على تويتر: «إنه على الرغم من فداحة الحادثة، فإن برنامج إيران النووي قد تجاوز منذ فترة طويلة النقطة التي بات يعتمد فيها على أفراد».

 

ونظرًا إلى الاختلاف بشأن تأثير غياب علماء البرنامج النووي الإيراني، خلصت إيلي جيرانمايه، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إلى أن «الهدف من القتل لم يكن إعاقة البرنامج النووي، ولكن تقويض فرص الدبلوماسية» والضغط على إيران لكي تُقدم على الرد في وقت تكون فيه عرضة للخطر».

 

ولقد فرضت الطبيعة السافرة للهجوم ضغوطًا كبيرة على طهران، لتقرر ما إذا كانت ستختار الانتقام أو تتوخى الحذر، وبالتالي تخاطر بإثارة ضجة من المتشددين. وكتب كيركباتريك وبرغمان وفصيحي، من صحيفة نيويورك تايمز، أن «العمليات تضع طهران أمام خيار مؤلم، إما تبنّي مطالب المتشددين بالانتقام السريع أو محاولة بدء بداية جديدة مع الإدارة الأقل عدائية للرئيس المنتخب بايدن».

 

وفي أعقاب الاغتيال، أعلنت الشخصيات السياسية الإيرانية بصوت عالٍ سعيها للانتقام، لكن الإجراءات ضد إسرائيل والولايات المتحدة قبل أن يتولى جو بايدن منصبه ستكون على الأرجح خطأ فادحًا، وستمثل ذريعة لترامب ونتنياهو حتى منتصف يناير المقبل. ويعكس هذا التردد تصريح المرشح الرئاسي الإيراني «حسين دهقان» بأن رد طهران «سيهبط مثل الرعد على رؤوس المسؤولين»، بينما دعا الرئيس الحالي حسن روحاني إلى التحلي ببعض «الصبر الاستراتيجي». وكتب كيركباتريك وبرغمان وفصيحي أيضًا أن فخري زاده «أصبح آخر ضحية في حملة من الهجمات السرية الجريئة التي يبدو أنها تهدف لإحراج القادة الإيرانيين؛ بتذكيرهم بنقاط ضعفهم»، وأضافوا أنه «بالنسبة إلى الإيرانيين البراجماتيين، فإن الأسابيع الأخيرة لترامب في منصبه ليست وقتًا للرد والمخاطرة بتجدد الأعمال العدائية».

 

وتتجلى إحدى الطرق القليلة التي يمكن لإيران أن ترد من خلالها في زيادة تصعيد برنامجها النووي على الرغم من اغتيال فخري زاده. وفي صحيفة التايمز، ذكرت هانا لوسيندا سميث أن «إيران تستعد لتكثيف تخصيب اليورانيوم ردًّا على الاغتيال»، مع تصويت البرلمان الإيراني على رفع مستوى تخصيبها إلى 20%، وهو أعلى بكثير من نسبة 4.5% المنتجة حاليا.

 

ومع وضع هذا التصعيد في التوترات في الاعتبار، رأى المحللون أيضًا أن الهجوم كان محاولة متعمدة لتبديد آمال إدارة بايدن القادمة والنظام الإيراني في استعادة الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015. وإذا كانت طهران غاضبة بما يكفي لإقدامها على تصرف عسكري بحق الولايات المتحدة بشكل مباشر أو ضد إسرائيل، فسيخسر بايدن أي رأس مال سياسي جاد لاستعادة المفاوضات مع طهران. ولاحظ ديفيد إي. سانجر، من صحيفة نيويورك تايمز، أن الاغتيال «يهدد بإعاقة» خطط بايدن لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وأن هذا «ربما كان الهدف الرئيسي للعملية». ويضيف باتريك وينتور وأوليفر هولمز، من صحيفة الغارديان، أيضًا، أن ترامب وحلفاءه في الشرق الأوسط «مصممون على إضعاف فرص الدبلوماسية، من خلال استعداء إيران قبل تسليم ترامب السلطة لبايدن في 20 يناير».

 

وختاما، يمثل اغتيال العالم النووي الإيراني الكبير محسن فخري زاده أكثر من مجرد هجوم على برنامج إيران لامتلاك أسلحة نووية؛ ففي الكمين الذي استهدفه، كشف خصوم طهران عن نقاط ضعف أمنية رئيسية متأصلة في النظام الإيراني، ويمكن الآن أن تحد بشدة من القدرات المستقبلية لبرنامجهم النووي. وإلى جانب هذا العمل النوعي، تعوق عملية الاغتيال الآن أيضًا المستقبل المحتمل لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الإيراني تحت قيادة جو بايدن، في ظل تركز الأضواء على الحكومة الإيرانية وإقدامها على أي عمل عدواني متصور مرتبط الآن بهذا الحدث. وبالنسبة إلى طهران، فإنه مازال هناك وقت حتى يوم 20 يناير 2021 من المحتمل جدًّا أن تتعرض خلاله لضغوط أكبر.

{ انتهى  }
bottom of page