top of page
4/12/2020

تفاصيل تقرير المجلس الأطلسي حول: «دليل لعمليات نقل أسلحة إيرانية غير مشروعة إلى البحرين»

تزايدت عزلة إيران وابتعادها عن الشؤون الدولية؛ بسبب رغبتها الطويلة الأمد في خلق الانقسام والصراع في الشرق الأوسط من أجل مصلحتها الاستراتيجية، ولطالما دعمت إيران عملاءها بالوكالة في المنطقة، ويعتبر نقل الأسلحة والمعدات لهذه المليشيات، مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، أحد الجوانب الرئيسية لهذا الدعم، ومع وجود إيران على مقربة شديدة من خصومها الإقليميين، والمياه الدولية للمنطقة التي تحرسها الولايات المتحدة، صعّد النظام الإيراني نقله غير المشروع للأسلحة من خلال وسائل بديلة، وكانت البحرين هدفًا رئيسيًّا لهذه العمليات، فقد عرض المسلحون المدعومون من إيران على طهران وسيلة لنقل موادهم المهربة إلى مناطق الصراع البعيدة، وكرّست إيران جهودها على الصعيدين السياسي والعسكري.

 

ولفهم هذا التهديد بشكل أفضل، نشر المجلس الأطلسي مؤخرًا تقريرًا أعده خبير تجارة الأسلحة «تيم ميتشيتي»، بعنوان: «دليل لعمليات نقل أسلحة إيرانية غير مشروعة إلى البحرين»، يكشف عن حجم المحاولات الإيرانية لنقل الأسلحة إلى البحرين، ويُظهِر أيضًا التنوع الكبير في المواد التي يتم نقلها، فضلاً عن الأصل الصيني لهذه المواد، كما يستكشف النطاق الواسع لعمليات نقل الأسلحة غير المشروعة، مع الاستنتاج القاطع الذي مفاده أن إيران لم تعد قادرة على الإنكار بطريقة منطقية، نظرًا إلى تعدد المؤشرات التي تربط حركة هذه الأسلحة بالبحرين.

 

ويعتبر تيم ميتشيتي، خبيرا في التجارة غير المشروعة للأسلحة والمواد عبر الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا، وكان سابقًا رئيس العمليات الإقليمية لمركز أبحاث التسلح في الصراعات، ويدير الآن شركة استشارية خاصة تركز على الحد من التسلح وأمن سلسلة التوريد، ويعمل مع عملاء مثل مؤسسة بيل ومليندا جيتس والصندوق العالمي. وأوضح تيم ميتشيتي في مقدمته أن التقرير هو نتيجة فترة بحث ميداني تم إجراؤه بين عامي 2016 و2018، وأن المواد التقليدية وغير التقليدية المصادَرة في البحرين تم فحصها وتحليلها فعليًّا، وأدى هذا التحليل لاحقًا إلى تقييم مستقل لمملكة البحرين فيما يتعلق بشبكات الإرهابيين العاملة في البحرين، وتهريب هذه المواد غير المشروعة إلى أماكن أخرى.

 

وتعد النتيجة الرئيسية للتقرير أن هناك أدلة لا جدال فيها على أن الأسلحة التي ينتهي بها المطاف في أيدي المسلحين المتطرفين في البحرين يتم تصنيعها في الصين وتزويدها من قِبَل إيران. وكتب ميتشيتي في تقريره أنه من بين «المواد غير المشروعة الموثقة» هناك نمط واضح يُظهر أن الجماعات المسلحة «تلقت دعمًا عسكريًّا سريًّا من إيران»، واعترضت قوات الأمن العام البحرينية هذه الأسلحة والمواد. كما أن الفترة من 2013 إلى 2018 «شهدت أعلى مستوى من المواد المصادرة».

 

إن الحجم الهائل للمحاولات الإيرانية لتهريب الأسلحة بشكل غير مشروع إلى البحرين جدير بالملاحظة؛ فقد عثرت السلطات البحرينية على عدد كبير من البنادق الهجومية والمسدسات والمدافع الرشاشة الإيرانية خلال فترة الخمس سنوات. ولاحظ ميتشيتي أنه تم أيضًا ضبط ما يقرب من 8000 طلقة و85 قنبلة يدوية خلال 41 عملية، وجميع القنابل الخمسة والثمانين يمكن إرجاعها مباشرة إلى شبكة التهريب الإيرانية.

 

وهناك شكل آخر من الأسلحة التي تم تهريبها من قبل الجهات الفاعلة المدعومة من إيران عبر الخليج العربي إلى البحرين وهي الطائرات المسيرة. وكتب «ميتشيتي» أن «الطائرات المسيرة التي تمت مُصادرتها من الجماعات المتحالفة مع إيران عبر بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية تضم مكونات داخلية تتوافق مع المكونات الموثقة في صناعة العتاد العسكري الإيراني، كما تُعد هذه المكونات المشتركة هي واحدة من أهم المؤشرات الدالة على ما يتم توريده بطريقة غير مشروعة من المواد غير التقليدية إلى إيران». وفي الواقع، استخدم المتمردون الحوثيون في اليمن طائرات مُسيرة إيرانية من طراز «قاصف 1» و«صماد» وصفتها الأمم المتحدة بأنها «متطابقة تقريبًا في التصميم والأبعاد والمواصفات» مع الطائرات المسيرة الإيرانية المستخدمة.

 

وفي مؤشر آخر على تورط إيران، يشير ميتشيتي إلى أن الأسلحة والمواد التي تم استردادها من المسلحين المدعومين من إيران في البحرين مطابقة لتلك التي ضُبطت من السفينة «جيهان 1»، والتي قرر فريق خبراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن مصدرها إيران، وكانت تحاول تصدير الأسلحة إلى اليمن. ويصف ميتشيتي قضية «جيهان 1» بأنها «واحدة من أغنى مصادر الأدلة التي تنقل الأسلحة غير المشروعة إلى دول المنطقة من إيران».

 

كما وثّق ميتشيتي كيفية إدارة مساعدة الوكلاء الإقليميين من قِبَل إيران كعملية عسكرية. وأحد هذه الجوانب التي أبرزها المؤلف هو استخدام كوزمولاين (Cosmoline)، وهي مادة شمعية مُشتقة من البترول يتم استخدامها مع الآلات والمعدات؛ لمنع التآكل أثناء السفر إلى الخارج. وأضاف ميتشيتي أن «وجود (Cosmoline) يشير إلى معرفة بالصيانة المناسبة للأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة» وأيضًا «قد يشير إلى طريقة النقل المحتملة إلى البحرين».

 

وهناك دلالة رئيسية أخرى على أن الغالبية العظمى من الأسلحة الصغيرة التي نقلتها إيران إلى البحرين ومناطق أخرى من الشرق الأوسط تم تصنيعها في الصين، وغالبًا في مصنع بعينه لم يذكر التقرير اسمه، ولكنه أكد أن أكثر من نصف البنادق الهجومية التي تم العثور عليها في البحرين كانت من طرازات صينية الصنع من البندقية الهجومية من أصل سوفيتي (ايه كيه 47)، والمعروفة باسم النوع (56-1).

 

ومن الأمثلة التي تسلط الضوء على وجود معدات صينية الصنع في تهريب الأسلحة الإيرانية في الشرق الأوسط، اعتراض السفينة البحرية الأمريكية (جيسون دنهام) لسفينة أسلحة في أغسطس 2018، والتي صادرت فيها أكثر من 2500 بندقية هجومية صينية الصنع متجهة إلى اليمن. كما أوضح ميتشيتي أنه نظرًا الى أن العلامات الموجودة على البندقية تشير إلى أنه تم إنتاجها في عام 2017 أو 2018، فهذا يدل على «قصر المدة بين نقطة التصنيع ونقطة إعادة الإرسال، وهو ما يشير إلى أنه تم نقل البنادق على الفور من المستلم الأول إلى اليمن». بالإضافة إلى ذلك، فإن اعتراض التحالف بقيادة السعودية على سفينتين في خليج عدن في يونيو 2020 اكتشف أكثر من 3000 بندقية هجومية صينية الصنع إلى جانب معدات إيرانية الصنع، مثل الرشاشات الخفيفة وأجهزة الإرسال، والتي كانت «متطابقة تقريبًا» مع «أجهزة موثقة في البحرين واليمن من قطع السفينة جيهان 1».

 

وبالإضافة إلى المعدات الصينية التي تم اكتشافها، فإن الأسلحة والمعدات التي تم الاستيلاء عليها في البحرين لها أصول روسية وإيرانية. وحدد ميتشيتي وجود مسدسات ماكاروف روسية الصنع، وإلى جانب بنادق هجومية صينية الصنع وذخيرة إيرانية الصنع، وأشار كذلك إلى أن القنابل اليدوية المهربة في البحرين «مطابقة» لتلك التي تنتجها منظمة الصناعات الدفاعية الإيرانية (DIO)، وأن بعضها «مكتوب عليه اختصار يمثل DIO». وبالمثل، كانت مواد C-4 المتفجرة التي تم اكتشافها «مطابقة» لمثيلاتها المصنوعة في إيران.

 

وبعيدًا عن مصدر هذه الأسلحة والمعدات التي تم تهريبها إلى البحرين من قِبَل إيران، يُظهر التقرير أيضًا أدلة على أن إيران ووكلاءها قد حاولوا عمدًا إنكار مسألة التلاعب بالأسلحة وطمس علامات الهوية والمصنع المطبوعة عليها. أوضح ميتشيتي في التقرير أن «العلامات الممسوحة»، بما في ذلك إزالة الأرقام التسلسلية وعلامات المصنع الموجودة على الأسلحة المهربة باتت «سمة مشتركة» في كل البنادق الهجومية والمسدسات والمتفجرات «المكتشفة في البحرين والمرتبطة بشبكة إيران». بالإضافة إلى ذلك، ما يقرب من نصف البنادق الهجومية التي تم العثور عليها في البحرين قد تمت إزالة الأرقام التسلسلية وعلامات المصنع من عليها؛ وهو شيء لطالما كان أحد اللمسات البارزة «للمعدات وأسلحة المهربة سرًا».

 

ومع ذلك، فإن استخدام عملية تُعرف بالحفر الحمضي كشفت أن كل هذه الأسلحة تم تصنيعها في بادئ الأمر في أحد المصانع الصينية، واستحوذت عليها إيران بطريقتها، وأن البنادق المضبوطة من جميع مناطق الصراع، مثل العراق وسوريا واليمن وجمهورية الكونغو الديمقراطية تبين أنها تحمل تسلسلا مماثلا للأرقام التسلسلية لتلك التي تم الاستيلاء عليها في البحرين، وبناء على ذلك، يشير ميتشيتي بقوة إلى «أن معظم هذه البنادق من المحتمل أن تكون من المخزون التسلحي للدولة الإيرانية». وبالإضافة إلى ذلك، أضاف أن الأرقام التسلسلية للأسلحة الموجودة في البحرين تشير بشكل كبير إلى أنها كانت من هذا المخزون، وليست من مشتريات السوق السوداء.

 

وفى النهاية لم يقدم التقرير توصيات لمنع عمليات التهريب في المستقبل، لكن ميتشيتي يوصي المجتمع الدولي «باتخاذ خطوات لزيادة الشفافية وتعزيز أنظمة المراقبة لوقف عمليات نقل الأسلحة غير المشروعة»، وأشار إلى أنه من غير المرجح أن توقف إيران نشاطها، أو أنها ستسعى بدلاً من ذلك إلى تغيير نهجها، وكتب أنه «في حين أن إتاحة هذه النتائج الواردة في التقرير للجمهور أمر مهم، فمن المنطقي الاعتقاد بأن إيران قد تكيف وتطور تقنياتها وتكتيكاتها وإجراءاتها ردًّا على ذلك، من أجل إنكار كل هذه التهم الموجهة إليها». وبالتالي، فإن منْعها من الاستمرار في تنفيذ هذه العمليات في الشرق الأوسط سيتطلب نهجًا تعاونيًّا يُحاسب طهران بشكل مناسب على أفعالها وانتهاكاتها، وكذلك بكين باتت مسؤولة عن توفير هذه الأسلحة والمعدات لطرف لا يمكن الوثوق به في نقله إلى مليشيات متطرفة.

{ انتهى  }
bottom of page