top of page
12/12/2020

تعيين بايدن الجنرال السابق لويد أوستن وزيرا للدفاع يثير الجدل

أثار تعيين جو بايدن للجنرال السابق «لويد أوستن» وزيرًا جديدًا للدفاع الجدل داخل السياسة الأمريكية حول ما إذا كان ينبغي تعيين قائد عسكري سابق مرة أخرى في منصب سياسي مدني رئيسي، فضلا عن تجاهله المرشحة المفضلة من جانب العديد من المحللين لهذا المنصب «ميشيل فلورنوي»، ولا يعني هذا أن أوستن، البالغ من العمر 67 عامًا والذي ولد في ولاية ألاباما، غير مؤهل لهذا المنصب؛ فقد كان أوستن محاربًا مخضرمًا في الجيش الأمريكي مدة 40 عامًا، وأصبح أول رجل أمريكي من أصل إفريقي يترأس القيادة المركزية للجيش الأمريكي، كما لعب دورًا رائدًا في القتال الأمريكي ضد داعش في العراق وسوريا. وفي ما سيصبح بالتأكيد مجلس الوزراء الأكثر تنوعًا في تاريخ البلاد، سيكون أوستن أول وزير دفاع أمريكي من أصل إفريقي في البلاد. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن يؤدي هذا في حد ذاته إلى تفادي الانتقادات داخل الحزب الديمقراطي فيما يتعلق بالاختيارات الجديدة المرتبطة بمسؤولي الدفاع الأمريكيين البارزين.

 

وسيوفر الجنرال السابق ذو الخبرة العالية قدرًا من الهدوء والاتزان للبنتاجون بعد أربع سنوات من الارتباك في عهد دونالد ترامب. ولاحظت شبكة بي بي سي أن الجنرال المتقاعد «يتمتع بسمعة قيادية قوية، ويتجنب أنظار العامة، ويجري مقابلات قليلة، ويفضل عدم التحدث علانية عن العمليات العسكرية».

 

تعتبر شخصية أوستن المتحفظة هي الشخصية التي من المحتمل أن تروق لكل من بايدن وكبار مسؤولي الدفاع الأمريكيين، بعد خمسة وزراء خارجية دائمين وقائمين بالوكالة خلال رئاسة ترامب. ويبرر بايدن اختياره في مقالة افتتاحية لمجلة ذي أتلانتيك، أنه خلال حياته المهنية «واجه كل تحد بمهارة غير عادية ولياقة تنم عن شخصية عميقة، وأنه مثال للشخصية الوطنية». وذكرت صحيفة واشنطن بوست أيضًا أن بايدن أُعجب «بطريقة أوستن المهنية التي تكسر الحواجز في الجيش، وخبرته في إرضاء عائلات من فقدوا ذويهم في حرب العراق، واستيعابه للكلفة البشرية للحرب».

 

وبصفته الرئيس السابق للقيادة المركزية للجيش الأمريكي، يتمتع أوستن بخبرة طويلة في الدور الأمريكي بالشرق الأوسط، كما شغل منصب نائب رئيس أركان الجيش الأمريكي. وقبل هذه الأدوار، كان وزير الدفاع الجديد يقود القوات الأمريكية على الأرض في العراق. وفي عام 2008، قاد الفيلق المتعدد الجنسيات في بغداد. وقد استشهد به بايدن باعتباره من أدوات انسحاب القوات الأمريكية من البلاد.

 

كما أدى أوستن أيضًا دورًا رئيسيًّا في استجابة الولايات المتحدة لصعود داعش في العراق وسوريا في عام 2014؛ ووصفه بن رايلي سميث، من صحيفة التليجراف، بأنه «المهندس العسكري» للجهود التي تقودها الولايات المتحدة ضد داعش. ومن جانبه، كتب بايدن أيضًا أن أوستن «قد صمم ونفذ الحملة التي هزمت داعش في النهاية، ما ساعد في بناء تحالف من الشركاء والحلفاء مكون من أكثر من 70 دولة عملوا معًا للتغلب على عدو مشترك».

 

وعلى الرغم من هذه الخبرة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، فإن عدم خبرة أوستن النسبية في القضايا المتعلقة بشرق آسيا والصين قد سلط الضوء عليها المنافسون السياسيون، مثل عضو الكونجرس الجمهوري «مايك غالاغير»؛ فقد كتب على تويتر ردًّا على التعيين أن الجنرال السابق «ليس الاختيار الصحيح، إذا كنت تعتقد أن الصين تشكل تهديدًا عاجلاً».

 

ويبدو عنصر رئيسي آخر في هذا التعيين هو الشخص الذي تخطاه بايدن من أجل أوستن لمنحه منصب وزير الدفاع، وهي وكيلة وزارة الدفاع السابقة للسياسة ميشيل فلورنوي؛ فعلى الرغم من أنه بدا اختيارًا ملموسًا لدورها بعد الانتخابات، فإن أسابيع من الصمت والتقاعس من جانب بايدن بشأن موعد تسميتها رسميا وزيرة للدفاع أدى إلى إثارة التكهنات بأنها قد لا تكون في نهاية المطاف في حكومة بايدن على الإطلاق، ولذلك، وصف روبي جرامر وجاك ديتش، من مجلة «فورين بوليسي»، اختيار أوستن بـ«المفاجئ»، موضحين أن الجنرال السابق «بدا أنه حصل على ميزة متأخرة في منافسة ثلاثية على الوظيفة» مع فلورنوي ومنافس آخر، وهو وزير الأمن الداخلي السابق جيه جونسون.

 

وبسبب هذا الإقصاء، ستكون هناك حتمًا العديد من الأسئلة عن عدم إسناد المنصب إلى فلورنوي بعد يناير 2021. ويرى الكاتب ماكس بوت، في صحيفة واشنطن بوست، أن تعيين فلورنوي المتوقع كان واضحًا للغاية، لدرجة أنه قبل ساعات فقط من عرض أوستن على النائب الديمقراطي آدم سميث رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأمريكي، قدّم التأييد الكامل لفلورنوي، مشيرًا إلى أنها كانت «أفضل شخص مؤهل لشغل المنصب».

 

ومع ذلك، فإن الهواجس بشأن قربها من شركات دفاع أمريكية بارزة أثارت قلق التقدميين داخل الحزب الديمقراطي، حيث أشار جرامر وديتش إلى أنه «في الأسابيع الأخيرة، واجه فريق بايدن الانتقالي انتكاسة من الجناح اليساري للحزب»؛ بسبب دعم الفريق فلورنوي في تدخلها في الشرق الأوسط وليبيا في عام 2011، ومن ثم فإن اختيارها بحاجة إلى المزيد من التدقيق.

 

ومن غير المرجح أن يهدأ الاستياء من الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي بتعيين أوستن، ومع ذلك، جادل جرامر وديتش بأن ترشيح أوستن قد لا يساعد فريق بايدن على تلك الجبهة أيضًا؛ حيث خدم أوستن في مجلس مديري شركة (رايثيون) لأنظمة الدفاع. وأكدت كوين أن «أنصار فلورنوي سوف يسارعون إلى الإشارة إلى أن ارتباطها بشركة الدفاع (بوز ألن هاملتون) كان أحد الأسباب التي جعلت التقدميين يتحدون لمعارضة ترشيحها».

 

وقد أثير جدل آخر حول ما إذا كان ينبغي تعيين جنرال سابق في أعلى منصب دفاعي مدني في أمريكا. وذكرت صحيفة ذي إندبندنت أنه «بصفته ضابطًا عسكريًّا محترفًا، من المحتمل أن يواجه أوستن معارضة من البعض في الكونغرس وفي مؤسسة الدفاع، الذين يؤمنون برسم خط واضح بين القيادة المدنية والعسكرية للبنتاغون».

 

وسيتطلب تعيين أوستن تنازلاً من الكونجرس الأمريكي؛ لأنه خرج من الخدمة العسكرية الفعلية منذ أربع سنوات فقط، في حين ينص القانون على أن يكون وزراء الدفاع خارج الجيش مدة سبع سنوات على الأقل قبل توليهم أي منصب سياسي. وقد استُثني من هذا اثنان فقط من الجنرالات الأمريكيين السابقين عندما أصبحا وزيرين للدفاع؛ هما: رئيس أركان الجيش الأمريكي جورج مارشال عندما عينه هاري ترومان في عام 1950، وجيمس ماتيس من قِبَل ترامب في عام 2017.

 

ومن جانبه، انتقد «جيم غولبي»، المستشار الخاص السابق لـ بايدن ومايك بنس، هذا التعيين، في صحيفة نيويورك تايمز، حيث أوضح أنه في حين أن أوستن «قائد سابق يتمتع بالكفاءة والقدرة والاحترام»، «يجب أن يقود مدني -وليس جنرالًا متقاعدًا مؤخرًا- البنتاجون»، مستشهدًا بتعيين الجنرال جيمس ماتيس، وزير الدفاع السابق، في عام 2017 وكيف أن حالة التنازع وفرض السيطرة التي أعقبت تولي إدارة ترامب مقاليد الأمور جعلت «ماتيس» يميل بشدة إلى اختيار رئيس لهيئة الأركان المشتركة، وهو الجنرال جوزيف دانفورد، وبالتالي هذا ما أدى إلى ترك القادة المدنيين في البنتاغون «مهمشين».

 

وفي السياق ذاته، تبنى لورين ديجونج شولمان، المسؤول السابق في البنتاجون والآن في مجلس الأمن القومي الأمريكي، نفس موقف غولبي، مشيرًا إلى أن «الجنرالات المتقاعدين ليسوا خيارات بديلة يمكن اللجوء إليها لتحل محل القادة المدنيين» وأن «كثيرا من الجنرالات الرفيعي المستوى لا يقومون بتعيينات في نصابها الصحيح على مستوى العالم.

 

ومع ذلك، تم الرد على هذه الانتقادات المتعلقة بتعيين أوستن من خلال العديد من الدفاعات القوية عنه. وفي تفسيره لمجلة ذي أتلانتيك الأمريكية، كتب بايدن «إنني أحترم وأؤمن بأهمية السيطرة المدنية على جيشنا وبأهمية وجود علاقة عمل مدنية-عسكرية قوية»، لكن الولايات المتحدة تحتاج إلى «قادة مثل لويد أوستن الذي يفهم جيدًا أن جيشنا ليس سوى الأداة الوحيدة لحماية أمننا القومي».

 

ووصف لورين طومسون، المحلل العسكري في معهد ليكسنغتون للأبحاث في مجلة فوربس الأمريكية، أن التعيين بأنه «خيار ملهم يخدم الإدارة الأمريكية الجديدة بشكل جيد ولا يمثل تهديدًا لمبدأ السيطرة المدنية على الجيش»، مشيرًا إلى أن فهم الجنرال المتقاعد للحرب «لا يمكن أن يضاهيها سوى القليل من معاصريه». وداخل أروقة الكونجرس الأمريكي، دافع النائب الديمقراطي في مجلس الشيوخ جاك ريد أيضًا عن أوستن، مشيرًا إلى أنه «بكل إنصاف، عليك أن تعطي الفرصة للمرشح لإثبات كفاءته»، ودعمه زميله السيناتور الديمقراطي ريتشارد بلومنتال، قائلاً: «ربما سيكون أوستن رائدًا لا يستهان به في قيادته وزارة الدفاع».

 

وأخيرا، يبدو أن تعيين لويد أوستن في منصب وزير دفاع جو بايدن يعكس الرغبة المستمرة للرئيس الأمريكي المنتخب في وجود أوستن ووزراء آخرين، على شاكلته، في حكومته؛ لمواجهة فترة من الفوضى سادت البيت الأبيض تحت حكم ترامب. ومن الصعب التساؤل بشأن المؤهلات العسكرية لـ أوستن؛ لكونه القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية و«مهندس» الرد العسكري الأمريكي على داعش، ولكن افتقاره النسبي إلى الخبرة في التعامل مع التهديدات الأمنية المنبثقة من الصين قد يظل سلاحًا فعالاً في أيدي المنتقدين الجمهوريين للإدارة الأمريكية القادمة. ومع كل هذا ربما بقي أن نرى ما إذا كان انضمام أوستن إلى شركة «ريثيون»، عملاق صناعة أنظمة الدفاع الأمريكية، بعد تقاعده من الخدمة في 2016، وهي من أكبر مقاولي «البنتاجون» ستمثل نقطة خلاف محتملة بين الكونجرس الأمريكي والبيت الأبيض.

{ انتهى  }
bottom of page