top of page
26/12/2020

مستقبل السياسة الخارجية في ظل القيادة الأمريكية الجديدة

مع نهاية عام 2020 الذي شهد العديد من الاضطرابات، وفي ظل استعداد الإدارة الديمقراطية لجو بايدن لدخول البيت الأبيض في يناير2021؛ أصبح الشكل المستقبلي للسياسة الخارجية الأمريكية مجالا لتكهنات خبراء ومحللي الشؤون الخارجية. فبعد أربع سنوات من رفض إدارة ترامب للتعددية، وقيادة أمريكا العالمية للحلفاء الديمقراطيين؛ يبدو أن هناك توقعات من قبل المحللين أن الإدارة القادمة ستعمل على إعادة دور واشنطن العالمي كقائد للغرب.

 

ولاستكشاف هذه الآلية، عقد «المجلس الأطلسي»، بواشنطن، ندوة بعنوان «مستقبل السياسة الخارجية في ظل القيادة الأمريكية الجديدة»، تضمنت عدة مناقشات حول مستقبل السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وقضايا مثل الحاجة إلى تعزيز الديمقراطيات، وإعادة تأكيد القيادة الأمريكية، والتهديدات العالمية التي سيواجهها بايدن في عام 2021، وتشكيل رد على نهج الصين.

 

وفي كلمته، لاحظ «فريدريك كيمبي»، من «المجلس الأطلسي»، أنه في ظل اختيار شخصيات مثل «جيك سوليفان» مستشارًا للأمن القومي لبايدن، و«أنتوني بلينكن» وزيرا للخارجية؛ من الواضح أن الإدارة القادمة «تنوي أن تأخذ أمريكا في اتجاه مختلف تمامًا» عن سابقتها. وأنه كجزء من هذا التغيير سيكون هناك إعادة تأكيد للتحالفات الديمقراطية، فيما أسماه «الميثاق العالمي للديمقراطيات»، مؤكدا أن هذه الفترة يمكن أن تكون «مؤثرة مثل السنوات التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الأولى والثانية في تشكيل الجغرافيا السياسية الدولية».

 

تناولت المناقشة الأولى: القيادة الأمريكية المستقبلية للديمقراطيات، ورأسها «جدعون راشمان» من صحيفة «فاينانشال تايمز»، وشارك فيها «آن ليندي» وزيرة الخارجية السويدية، و«ستيفن هادلي» مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق. ومن المجلس الأطلسي، السفير «دانييل فرايد» و«كارولين مولتيرير».

 

في البداية، أشار «فرايد» إلى أن بايدن ليس وحده في الترويج لتحالف الديمقراطيات، حيث تسعى بريطانيا للترويج لمجموعة الدول العشر للديمقراطية (D-10)؛ لتحل محل الدول الصناعية السبع(G-7) ، ما يُضيف الهند وكوريا الجنوبية وأستراليا إلى طاولة صُنّاع القرار العالمي. وحول النجاح المحتمل لما سُمي «تحالفات ديمقراطية عالمية»، أشارت «ليندي»، إلى أن هذا الجهد أمر حيوي، بالنظر إلى أنه كان هناك «تراجع قوي للديمقراطية» في السنوات الأخيرة، وأنها لا تزال «متحمسة» للمستقبل، واستشهدت بفترة مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد بيل كلينتون، كمثال للحكومة الجديدة لإمكانية متابعة عملياتها. وأضاف «هادلي» أن نهج واشنطن الأخير «الأقل انخراطًا» في التعامل مع أوروبا يجب أن يسير عكس اتجاهه، وسيكون مطلوبًا من الرئيس الأمريكي القادم «نوعًا مختلفًا من القيادة».

 

وعن مقدار الثقة التي فقدها حلفاء واشنطن خلال السنوات الأخيرة، وكيف يمكن استعادة ذلك؛ لاحظت «ليندي» أن هذه السنوات شهدت «نقصًا» في اتخاذ إجراءات بشأن قضايا مثل التعددية وحقوق الإنسان من جانب أمريكا؛ لكن يمكن للغرب الآن أن يتطلع إلى «أساس جديد عندما يتعلق الأمر بالديمقراطية». ومع ذلك، حذرت من أنها لا تزال «قلقة للغاية من التدهور الواضح» للديمقراطية العالمية. ومن خلال شرح تجربته الخاصة بالعمل مع إدارة بوش، تحدث «هادلي» عن كيفية «تقديم» صانعي السياسة الأمريكية في السابق خططهم فقط للحلفاء الأوروبيين، قائلا: «في المستقبل، ستكون هناك حاجة إلى «شراكة» حقيقية لإقامة تعاون حقيقي بين النظامين الأمريكي والأوروبي».

 

وعن كيفية قيام «بايدن» بدعم تحالف ديمقراطي لمواجهة المنافسة الصينية. أجاب «هادلي» أنه على واشنطن اجتذاب «كل من الديمقراطيات القوية والأقل استعدادًا، وتحفيزها للتحرك في اتجاه مزيد من الحرية». مضيفا: من المهم إدراك أنه مطلوب «عدد كبير» من الدول لتحقيق «التوازن» الدبلوماسي لمواجهة الصين، ولن تكون جميعها دولا ديمقراطية. ومع ذلك، فإن التمسك بالقيم الديمقراطية يجب أن يكون «شرطًا للاندماج» في هذه النواة الديمقراطية للدول المتحالفة مع أمريكا».

 

وحول التراجع الأخير للديمقراطية، وكيف يمكن تحقيق عكس ذلك، سلطت «ليندي» الضوء على التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية كأسباب لظهور الأحزاب الشعبوية في الغرب، مع ما يصاحب ذلك من تقديم كبش فداء من قبل مجموعات مختلفة ليصبح «حديث الساعة». وبالإشارة إلى دورها السابق بصفتها وزيرة خارجية، أوضحت كيف إن آلية الاتحاد الأوروبي بموجب (المادة 7) لمعاقبة الدول التي تعمل ضد الديمقراطية «لم تنجح»، حيث عطلت كل من بولندا والمجر هذه الإجراءات بحقهما عندما تمت إدانتهما بتعمد إضعاف مؤسساتهما الديمقراطية.

 

وفيما يتعلق بالحالة الأمريكية، قال «هادلي» إن انتخاب ترامب كان نتيجة لشعور عدد كبير من الأمريكيين بأنهم «ضحية للعولمة»، و«الخيانة من قبل السياسيين»، وأن لدى المواطنين «شكاوى حقيقية»، مشيرا إلى أن الانقسامات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في واشنطن بحاجة إلى معالجة عاجلة، لكن بايدن «يفهم ذلك». كما أن التعامل الناجح مع الأمر سيوفر لأمريكا «أساسا قويا» يتم من خلاله تعزيز الديمقراطية دوليًا.

 

ودارت المناقشة الثانية حول المخاطر العالمية في عام 2021، ورأسها «رايان هيث»، من مجلة «بوليتيكو»، وشارك فيها «إيلين لايبسون» من جامعة «جورج ميسون»، و«جيمس كلابر» المدير الأمريكي السابق للاستخبارات الوطنية.

 

في البداية، سأل «هيث» عما إذا كانت هناك مواجهة فورية في البيت الأبيض،و خاصة بعد التهديد العالمي الذي تناوله بايدن. ورد «كلابر» بأن الأزمة التي «تأتي في المقدمة» هي تغير المناخ، في حين أضافت «لايبسون» أن هناك «خطرًا ملحًّا» يتمثل في كيفية رؤية الدول الأخرى واشنطن على أنها «عملاق جريح» بسبب مشاكلها الداخلية، وأن الحاجة إلى «استجابة مؤسسية متعددة الأطراف» ستكون مطلوبة لهذا الغرض. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك اتفاق على أن القضايا المحلية ستحتل أكبر قدر من الاهتمام للحكومة الجديدة بمجرد استلامها السلطة. وحول «فراغ القوة العالمية» المحتمل الناجم عن التراجع الأمريكي دوليًا؛ قال إن «النظام العالمي الراسخ يتغير، لكن هذا «تطور طبيعي» للجغرافيا السياسية، وليس في حد ذاته سببًا عاجلاً يستدعي الاهتمام». وأضافت «لايبسون» أنه بينما غلب اتجاه «باتت خلاله كل دولة منكفئة على نفسها»، فإن احتمالية «تنافس الأنظمة العالمية» بين واشنطن وبكين هي مصدر قلق أكبر من «فراغ السلطة».

 

وفيما يتعلق بخطر «الدول المارقة» في عام 2021، أشارت «لايبسون» إلى أنه من «المؤثر» بالنسبة لبوتين في قبوله نتيجة الانتخابات الأمريكية محاولة زعمه التكافؤ مع واشنطن؛ لكن في الوقت ذاته، فإن إدارة بايدن ستكون «حذرة للغاية» منها، ولا سيما فيما يتعلق بتهديداتها الإلكترونية والمنافسة بينهما في الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، أشار «كلابر» إلى أن «غياب الحقيقة» هو تهديد آخر «خبيث»، ظل يتطور «لمدة عشرين عامًا»، وأضافت «لايبسون» أن هذا سيمثل «تحديًا لمجتمع الاستخبارات»، ومقياسًا لكيفية «وصول السياسيين إلى عقول وقلوب الناخبين» في المستقبل.

 

أما المناقشة الثالثة فكانت حول إرساء مؤسسة في الداخل قادرة على تولي القيادة الأمريكية في الخارج، أدارتها «سوزان جلاسر»، من مجلة «ذا نيويوركر»، وشاركت فيها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة «مادلين أولبرايت».

 

بدأتها «جلاسر» بالسؤال عما إذا كانت أمريكا تستطيع تطوير سياسة خارجية ناجحة وتفعيلها؛ وردت «أولبرايت» بأن واشنطن كانت في السنوات الأخيرة «تدير سياسة خارجية غير متماسكة»، حيث كانت «غائبة» عن دعم حلفائها، بينما تتبعت «طريقة معاملات لمضايقة أولئك الذين يتحدونها». ومن وجهة نظرها، ترى أن انتخاب بايدن ونائبته هاريس يمثل الآن «فرصة هائلة» لتطوير سياسة خارجية جديدة لما وصفته بـ«حقبة جديدة تمامًا» من الجغرافيا السياسية. وحول كيفية القيام بذلك، أوضحت أنه من الأهمية التأكد من أن «الشعب الأمريكي لا يخشى الحديث عن السياسة الخارجية»، وأنه يجب على السياسيين إثبات أن هناك سببًا حقيقيًا للاهتمام بها.

 

وفيما يتعلق بتحقيق حالة من التوازن الداخلي والدولي لأولويات الإدارة الأمريكية القادمة؛ أشارت إلى أنه من «الضروري» «الاهتمام بالسياسة الداخلية والخارجية في نفس الوقت»، وأن بايدن قد شكل «طاقمًا مثاليًا للقيام بذلك» من خلال اختيار الكفاءات ذوي الخبرة الذين لديهم إحساس بما يجب القيام به محليًا». وعن الكيفية التي يمكن بها لواشنطن استعادة مصداقيتها الدولية، أشارت إلى أن الإدارة المقبلة تحتاج إلى إظهار «نوع من التواضع» لتغيير سمعتها الحالية بأنها «غير جديرة بالثقة»، و«غير مهتمة» بمخاوف حلفائها إطلاقًا.

 

من جانبها، لم تفوت «أولبرايت» الفرصة لتوجيه اللوم لبعض القادة الجمهوريين، بمن فيهم وزير الخارجية الحالي «مايك بومبيو». وفي إشارة إلى استخدامه منصبه في زيادة وطأة الانقسام الحزبي، الديمقراطي والجمهوري منذ عام 2018؛ لاحظت أنه «يمكن للمرء أن يتحدث إلى دولة مقسمة بالفعل من دون أن يجعلها أكثر إثارة للانقسام والتشرذم مما هي عليه». وحول ما إذا كان الجمهوريون في الكونجرس سيحاولون تقييد تصرفات وسياسات بايدن الخارجية لتقوية تحالفاته الديمقراطية مع الدول المتوافقة معه؛ علقت بأن هذا الأمر سيكون «صعبًا»، وأن السيناتور الجمهوري «ليندسي جراهام»، الداعم لترامب، «يجب أن يعود إلى رشده في هذا الصدد».

 

فيما تناولت المناقشة الرابعة استراتيجية حلفاء واشنطن تجاه الصين، وأدارتها «بيثاني إبراهيميان»، من موقع «أكسيوس الأمريكي»، وشارك فيها «سارة كيرشبيرغر»، من «معهد السياسات الأمنية»، و«ماثيو كرونيج»، من «المجلس الأطلسي»، و«توماس رايت»، من «معهد بروكينجز».

 

وبدأتها «إبراهيميان» بالسؤال عن التحدي الذي تمثله بكين للنظام الدولي القائم على قواعد غربية متعارف عليها. وأجابت «كيرشبيرغر» أنه من الصعب تحديد طبيعة التحدي من الصين ومدى شدته، بالنظر إلى أن بكين «لديها طريقة لإظهار وجوه مختلفة لهذا التحدي بالنسبة لمختلف دول العالم أجمع»، ولا سيما أن بعض الدول تنظر إليها على أنها شريك، بينما يستشعر آخرون «خطورة تحدياتها العسكرية»، مضيفة أن «الطبيعة المنهجية والخطيرة لهذا التحدي «هي الجزء الأكثر إثارة للقلق، حيث لا يزال من الصعب تصور طريقة ناجحة لـ«كبح جماح الصين كليًا».

 

وفي سؤال حول حالة وقوة المؤسسات الغربية في مواجهة الصين؛ أشار «كرونيج» إلى أن «الهدف الطويل المدى» السابق المتمثل في دمج الصين في المؤسسات الدولية لتغيير سلوكها كان نهجًا معقولاً، ولكنه ظل نهجًا غير ناجح. وفي الوقت الحاضر، من المفيد للغرب أن تقوم واشنطن وحلفاؤها «بإعادة تأكيد» دورها ومساهماتها في نظام دولي متعدد الأطراف عبر تشكيل مؤسسات جديدة معنية «بتوحيد الديمقراطيات بأكملها» على القيم الغربية المشتركة.

 

وفيما يتعلق بإمكانية التنافس بين القوى العظمى المتمثلة في واشنطن وبكين، صرح «رايت» بأن بكين «تخشى النموذج الغربي»، وأنه ليس هناك الكثير من «الأمل» مستقبلا في احتمال وجود حكومة صينية أكثر ليبرالية، لا تسعى لتحدي واشنطن بنفس الشراسة الراهنة. وعما إذا كان بإمكان أمريكا وحلفائها الصمود أكثر في وجه الصين في عصر المنافسة الراهن؛ شدد على أن أمريكا يجب أن تركز على تقوية نفسها على أسس سياسية واقتصادية أكثر من الاهتمام بالتفوق العسكري. وعلى الرغم من التأكيد أن هذا التنافس لم يصل بعد إلى مرحلة «حرب باردة جديدة»، فإن واشنطن يجب أن تتبنى دروسًا من المواجهة السابقة مع الاتحاد السوفيتي، وخاصة من خلال «التحلي بالانضباط» في كافة مواقفها إزاء المنافسة الدولية.

 

وفي الأخير، قدمت مناقشات «المجلس الأطلسي» معرفةً وفهمًا حول التحديات الدولية التي ستواجه الولايات المتحدة تحت قيادة رئيسها الجديد. ومع تدهور حالة الديمقراطية في عام 2020 وبزوغ التهديدات العالمية في عام 2021 لا يزال هناك تقدير ثابت من قبل المحللين الغربيين لأهمية النظر في خطورة التهديدات التي تمثلها بكين للدول الغربية، من حيث النواحي الأمنية والتنافسية الأخرى. وعلى الرغم من مناقشة هذا التحدي بشكل شامل، فقد كانت الحلول لهذا التهديد -باستثناء تشكيل تحالفات جديدة مكونة من الديمقراطيات لمواجهة هذا الخطر- غائبة بشكل ملحوظ. وبشكل عام، تظل هذه المناقشات حول تحديد أيديولوجية القيادة الأمريكية ناجحة في إبراز الحاجة الماسة إلى تبني سياسة خارجية جديدة من قبل إدارة بايدن القادمة.

{ انتهى  }
bottom of page