1/1/2021
آراء في مذكرات باراك أوباما «أرض الميعاد»
في ظل مواجهة الولايات المتحدة مستقبلا سياسيا غير مؤكد، نظرًا إلى أن فوز «جو بايدن» في الانتخابات الرئاسية كان محل شك «دونالد ترامب» بشكل علني؛ أصدر الرئيس السابق «باراك أوباما» مذكراته الأولى منذ تركه منصبه عام 2017، والتي يعرض فيها الإجراءات الدولية للولايات المتحدة بين عامي 2009 و2017 من منظور القائد العام الأمريكي نفسه.
تحمل مذكرات أوباما اسم «أرض الميعاد»، وتأتي في كتابين يشرح فيهما بالتفصيل السنوات الثماني الكاملة لرئاسته، والتحول في الخطاب السياسي الأمريكي الذي تم تضخيمه خلال رئاسة ترامب. تقول «إليزابيث هاريس» في صحيفة «نيويورك تايمز»، إن «أوباما خطط لتغطية سنواته الثماني كرئيس في مجلد واحد، ولكن أصبح واضحًا أثناء كتابته أن مثل هذا الكتاب سيكون ضخمًا وغير عملي». يتناول هذا الكتاب، طفولة الرئيس السابق البالغ من العمر 59 عامًا، والسنوات الأولى في منصبه حتى عملية قتل زعيم تنظيم القاعدة «أسامة بن لادن» في مايو 2011، وعرضا للتحديات التي واجهته خلال فترة رئاسته، وقبوله لكيفية سير الأحداث بشكل مختلف لو أنه اتخذ قرارات مختلفة.
وفيما يتعلق بردود الفعل، فقد لقي الكتاب ترحيبًا حارًا من النقاد والمعلقين. ووصفه «جوليان بورغر»، من صحيفة «الجارديان»، بأنه «701 صفحة من السرد المكتوب بأناقة مقدمًا تأملًا وتعمقًا، حيث يعرض كثيرًا من دوافع أوباما الخاصة». في حين صرحت «ألكسندرا ألتر» من صحيفة «نيويورك تايمز»، بأنه «ظهر في فترة تشهد اضطرابات سياسية وثقافية واجتماعية عميقة، وأنه بالتأكيد أحد أكثر الكتب التي طال انتظارها في هذا العقد». في حين أشارت «جينيفر سزالاي» في نفس الصحيفة إلى أنه «أقل حميمية وأكثر سياسية من كتاب الرئيس السابق الأكثر مبيعًا «أحلام من والدي»، حيث تقدم المذكرات الجديدة في المقابل وجهات نظر عن قرب للقضايا الرئيسية التي واجهها أوباما خلال فترة ولايته الأولى، بما في ذلك التحفيز الاقتصادي والرعاية الصحية والهجرة والبيئة والحرب في أفغانستان».
علاوة على ذلك، يعد من عوامل اتساق الكتاب، المزاج التأملي لأوباما، نظرًا إلى تجنبه تبرير جميع قراراته وتشويه سمعة منافسيه. ويصفه «إيلي ستوكولز»، من صحيفة «لوس أنجلوس تايمز»، بأنه «استبطان عميق، وكأنه يقرأ محادثة يجريها أوباما مع نفسه، يشكك في طموحه خلالها ويتصارع فيما إذا كانت التضحيات تستحق العناء». ولأن شبح رئاسة ترامب تلقي بثقلها بلا شك على الكتاب؛ فقد أضاف «ستوكولز»، بأنه «تحرر أخيرًا من السياسة الانتخابية، وأقر الرئيس السابق بأن المشروع الأمريكي أصبح أكثر صعوبة، وأنه كافح في بعض الأحيان للعثور على الأمل، الذي جسده للكثيرين».
وعلى الرغم من أن «أرض الميعاد» تناول بشكل كبير القضايا الأمريكية المحلية، فإن السياسة الخارجية الأمريكية والأمن القومي تمت مناقشتهما باستفاضة. وكتب «ستوكولز»، ان في الكتاب «لا يوجد مكان يتضح فيه ثقل عبء الرئاسة أكثر من توصيفات أوباما بشأن قرار الإذن بعمل عسكري». وكتب «أوباما» نفسه أنه، أثناء قيادته جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب، «لم يسعدني أي من هذا ولم يجعلني أشعر بالقوة»، حتى مع كون العمل «ضروريا»، وأن مسؤوليته التأكد من أن العمليات كانت فعالة قدر الإمكان».
ومن بين قضايا السياسة الخارجية التي يعلق عليها أوباما، حرب العراق وسلوك إدارة بوش، حيث يصف استخدام بوش معالجاته للمعلومات الاستخباراتية لكسب التأييد العام لغزو عام 2003 «المقيت»، والعمل العسكري نفسه بـ«الخطأ الاستراتيجي»، وشبهه بـالتورط في مستنقع «فيتنام قبل عقود». إلا أنه ادعى أيضًا أن «العمليات في أفغانستان والعراق لم تتورط في القصف العشوائي أو الاستهداف المتعمد للمدنيين»، والذي كان من ثوابت الحروب السابقة، وأنه «مع استثناءات صارخة، مثل انتهاكات الجيش الأمريكي في سجن (أبو غريب) بالعراق، أظهرت قواتنا في مسرح العمليات مستوى رائعًا من الانضباط والاحتراف». ومع ذلك، كان هناك إقرار بالخطأ عندما تم ذكر قضية التعذيب، حيث انتقد مرة أخرى «الطرق المخادعة، المتعجرفة، وأحيانًا السخيفة التي وصفها لي بعض كبار المسؤولين من الإدارة السابقة لتلك الممارسات».
وفي كتاباته حول الشؤون الخارجية والقرارات الدولية الكبرى في فترة رئاسته المبكرة، تم التطرق بشكل متكرر إلى الرئيس المنتخب الجديد، ونائبه السابق «جو بايدن»، واصفًا زميله الديمقراطي بأنه «لائق وصادق ومخلص»، بالإضافة إلى أنه «رجل مقدام، يستعين برأي المحيطين به»، وفي تعليقه على ارتكاب «بايدن»، الزلات والأخطاء في خطاباته وتصريحاته، تم تعليل ذلك بأن هذه كانت «تافهة مقارنة بنقاط قوته».
وفي وصفه لقرارين رئيسيين، يُظهر «أوباما»، نائبه كمستشار «يحث على توخي الحذر والتمهل بدلاً من اتخاذ قرار سريع». وقد كان من بين الاختلافات الرئيسية بين الاثنين ما إذا كان سيتم إرسال المزيد من الجنود الأمريكيين إلى العراق وأفغانستان أم لا، وما إذا كان سيتم المضي قدمًا في عملية قتل أسامة بن لادن زعيم القاعدة أم لا. وكتب «أوباما»، أن نائبه حذره لتجنب «المستنقع الخطير» بأفغانستان ونشر المزيد من القوات عام 2009؛ وهو ما أرجعه أوباما إلى أن بايدن «عانى» بسبب دعمه السابق لحرب العراق عام 2003. وفيما يتعلق بمقتل «بن لادن»، ادعى بأن نائبه حذره أيضًا من «العواقب الهائلة حال أخفقت المهمة»، واقترح تأجيل العملية لحين توافر معلومات استخبارية نهائية عن مكان وجود زعيم القاعدة. بينما أوضح أنه بمجرد اتخاذ القرار قدم «بايدن» دعمه الكامل. وفي السياق ذاته، ثمن الرئيس السابق تحذيرات نائبه، قائلا: «كما كان صحيحًا في كل قرار رئيسي اتخذته كرئيس، أقدر استعداد جو لمقاومة التيار السائد وطرح أسئلة صعبة، غالبًا من أجل إعطائي المساحة التي أحتاجها للتشاور».
وفيما يتعلق بالشرق الأوسط، أشار أوباما إلى نضال إدارته «المبكر»، ودعوته إلى التغيير، وأنه كان يريد من القادة في المنطقة أن «يفتحوا عقولهم على الحقائق الصعبة الأخرى.. وأن الأصولية الإسلامية التي هيمنت على جزء كبير من العالم الإسلامي كانت غير متوافقة مع الانفتاح والتسامح اللذين غذيا التقدم الحديث، وأن القادة المسلمين في كثير من الأحيان روجوا لمظالم ضد الغرب من أجل صرف الانتباه عن إخفاقاتهم في الداخل».
وحول سياسة الولايات المتحدة خلال ما سُمي بـ«الربيع العربي»، قال: «لم يكن لدي طريقة واضحة لشرح التناقض الصارخ، بخلاف الاعتراف بأن العالم كان فوضويا؛ وأنه في خضم تسيير السياسة الخارجية، كان عليّ الموازنة باستمرار بين المصالح المتعارضة». كما أشار إلى أن أفعاله كانت منصبة أيضًا على «تعزيز ما اعتبرته أعلى القيم الأمريكية».
وانتقد الزعيم الإسرائيلي، «بنيامين نتنياهو»، وكتب عنه أن «رؤيته باعتباره المدافع الرئيسي عن الشعب اليهودي من أي أهوال كارثية سمحت له بتبرير أي شيء تقريبًا يبقيه في السلطة».
وبالنسبة إلى السياسة البريطانية، أشاد الرئيس السابق، برئيس الوزراء البريطاني الأسبق ورئيس حزب العمال آنذاك «جوردون براون»، ووصفه بأنه «درس الوضع جيدًا»، و«كان على قدر المسؤولية» خلال الانهيار المالي العالمي لعام 2009، في حين وصف «ديفيد كاميرون»، بأنه يتمتع «بالثقة كما لو كان لم يشعر بأي ضغوط في حياته أبدًا».
ويتعلق القسم الأخير من الكتاب بالتغييرات في السياسة الأمريكية، والتي طرأت خلال رئاسة أوباما وأدت إلى الأزمة السياسية الحالية في البلاد (في إشارة منه إلى العنصرية)، حيث أوضح الرئيس السابق أن انتخابه عام 2008 كان بمثابة الحافز والدافع الرئيسي لتلك الأزمة الراهنة، قائلا: إن «مسألة انتخابي وتواجدي في البيت الأبيض قد أثارت ذعرًا عميقًا، وشعورًا بأن نظامًا ما قد تعطل، وهذا هو بالضبط ما استشعره «ترامب» عندما بدأ في نشر تأكيدات بأنني لم أولد في الولايات المتحدة وبالتالي رئيسًا غير شرعي». ومن غير المفاجئ أن ينتقد «أوباما» بشدة «ترامب»، حينما قال: إنه «كان بالنسبة لملايين الأمريكيين الذين فزعهم تواجد رجل أسود في البيت الأبيض، بمثابة إكسير لقلقهم العنصري في النهاية».
وعلى الرغم من أن فترة رئاسة «ترامب» تطغى على الكتاب، إلا أن ما قاله «إيلي ستوكولز»، في صحيفة «لوس أنجلوس تايمز»، يشير إلى أن «الحذف العام لاسم ترامب يبدو مقصودًا، وذلك مع عدم ذكر الرئيس الجمهوري بالاسم حتى الصفحة 672 من الكتاب. وعندما كان يتم الإشارة إليه كان «أوباما» يكتفي بوصفه بأنه «شخصية تلفزيونية تسوق لنفسها وعلامتها التجارية على أنهما ذروة النجاح الرأسمالي والتباهي منقطع النظير». وبنفس القدر تم انتقاد الحزب الجمهوري، حيث أوضحت «جينيفر سزالاي» من صحيفة «نيويورك تايمز»، أن الكتاب يُظهر كيف يتهم أوباما المؤسسين الجمهوريين باستغلال مشاعر العجز والاستياء لدى الكثيرين من أجل تطبيق سياساتهم الخاصة في المقام الأول».
وفي الواقع، يجب تسليط الضوء على توقيت إصدار الكتاب، وخاصة مع اعتراض «ترامب» على نتيجة الانتخابات الرئاسية. ومما لا شك فيه أنه يوضح الاختلافات الصارخة بين السلوكيات الشخصية لـ«أوباما»، و«ترامب». يشير «جوليان بورغر»، إلى أن «قراءة السيرة الذاتية لـ«أوباما» في الأيام الأخيرة من فترة ولاية «ترامب»، هدفها إلقاء النظر على طرفين متناقضين، والتساؤل مرة أخرى كيف جاءت نفس الدولة لاختيار رجلين متباينين من هذا القبيل». وفي الوقت نفسه، تفتح شعبية «أوباما» بين الديمقراطيين الطريق أيضًا للوصول إلى عدد كبير من مبيعات الكتاب، ولا سيما أن مذكرات «ميشيل أوباما» لعام 2018 وصلت مبيعاتها إلى أكثر من 14 مليون نسخة حول العالم. وبالتالي، توقع كل من «الكسندرا ألتر»، و«إليزابيث هاريس»، أن الكتاب الجديد، «سيكون أحد المذكرات السياسية الأكثر مبيعًا في كل العصور، وشريان حياة محتمل لبائعي الكتب المتأثرين بتداعيات وباء كورونا».
على العموم، تستكشف هذه المذكرات بدقة الصعوبات الأولية التي واجهها الرئيس الديمقراطي، وتقدم وصفًا للأسباب الكامنة وراء قراراته، فضلاً عن لمحة سريعة عن النظام الدولي الذي بدا أنه اختفى في عهد ترامب، ومع ذلك قد يعاد تشكيله الآن مرة أخرى مع جو بايدن خلال السنوات الأربع القادمة في البيت الأبيض.
ومع ذلك، ونظرًا لأن الكتاب هو الإصدار الأول فقط من سلسلة يتوقع أنه تكون من مجلدين، فمن المفهوم أن بعض المعلقين غير راضين عن «أرض الميعاد» باعتباره مسحًا شاملاً لمواقف إدارة أوباما، وخاصة أن الموضوعات الأخرى الأكثر سخونة، مثل «الخط الأحمر» في سوريا، واستخدام الطائرات بدون طيار في العمليات القتالية، وترسيخ منظور رقابة الدولة، وهو مصطلح سلبي المعنى يشير إلى فرض حكومة دولة ما رقابة على عدد كبير من مواطني وزوار الدولة المعنية؛ لم يتم تناولها ويُفترض أنها متروكة للتناول في المجلد الثاني.