top of page
8/1/2021

انعكاسات طلب ترامب من سكرتير جورجيا تزوير نتائج الانتخابات

بعد فترة غير معتادة من الهدوء في عيد الميلاد؛ عاد الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، «دونالد ترامب» إلى السيطرة على عناوين الأخبار الدولية مرة أخرى من خلال محاولاته تقويض النتيجة المقبولة على نطاق واسع للانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020. ففي حديثه، عبر الهاتف مع سكرتير ولاية جورجيا المتأرجحة، «براد رافينسبيرجر»، حاول إقناعه بتغيير نتيجة انتخابات الولاية لصالحه. ومع ذلك ظلت محاولاته غير ناجحة.

 

وأدى رفض ترامب بشكل متزايد قبول نتيجة انتخابات نوفمبر، واكتشاف محاولاته للاحتفاظ بالرئاسة، إلى تعرضه لانتقادات من قبل صحيفة «واشنطن بوست»، فضلا عن سخرية المحللين السياسيين والمنافسين له، بالإضافة إلى أن عواقب الإجراءات القانونية الناتجة عن هذه الإجراءات المضللة ستخيم عليه أيضا خلال الأسابيع المقبلة وخاصة بعد كارثة اقتحام أنصاره الكونجرس الأمريكي بهدف تعطيل التصديق على فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية. وكتبت «إيمي جاردنر» في صحيفة «واشنطن بوست»، أنه خلال المكالمة الهاتفية التي استمرت ساعة، قام ترامب، الذي كان برفقته رئيس موظفي البيت الأبيض، «مارك ميدوز»، والمحامية «كليتا ميتشل»، بتوبيخ «رافينسبيرجر» تارة، ومحاولة تملقه تارة أخرى، وتوسل إليه أن يتصرف، وهدده بعواقب جنائية غامضة إذا استمر في متابعة ادعاءاته الكاذبة بفوز بايدن».

 

وعلى وجه الخصوص، قدم «ترامب» مبادرات متعمدة لـ«رافنسبرجر»، بشأن إمكانية تغيير نتيجة الانتخابات الرئاسية في جورجيا، والتي أدت إلى خسارة الجمهوريين أمام الديمقراطيين، حيث قال: «أريد فقط الحصول على 11780 صوتا، للفوز بالولاية»، كما أخبره بأنه «يجب إعادة التحقق من النتيجة مرة أخرى». وبالنظر إلى فوز «بايدن» بأصوات جورجيا بشكل حاسم بأغلبية 11779 صوتا، يعد طلب ترامب باكتشاف هذا العدد من الأصوات الوهمية، أمرا هزليا مثيرا للسخرية. وتماشيا مع هذا، واصل إنكاره للهزيمة في الانتخابات، قائلا: «لا مجال لخسارة ولاية جورجيا، مُصرا على فوزه بمئات الآلاف من الأصوات». وبطريقته المعتادة، وجّه أيضا العديد من الاتهامات إلى «رافينسبرجر» نفسه؛ قائلا له: «أنت تعرف ما فعلته ولا تقوم بالإبلاغ عنه، هذه جريمة جنائية، لا يمكنك ترك ذلك يحدث».

 

ومن جانبه، رفض «رافينسبرجر»، هذه المزاعم، التي من بينها أن أكثر من 5000 ورقة اقتراع أدلى بها مواطنون أمريكيون متوفون في جورجيا، ودحض هذا الادعاء بأن «شخصين فقط هما اللذان قد أدليا بأصواتهما وتوفيا».

 

وحول رد فعل المعلقين الغربيين، كانت هناك إدانة واسعة النطاق لأفعال ترامب. وعلقت «جاردنر»، قائلة: «لقد قدّمت المحادثة لمحة عن مدى استنزاف الرئيس ويائسة بشأن خسارته، وكيف أنه أيضا غير راغب أو غير قادر على ترك منصبه، بينما لا يزال يؤكد أنه يستطيع تغيير نتيجة عدد كافٍ من الولايات للبقاء في المنصب». وكتب «مايكل شير» في صحيفة «نيويورك تايمز»، ان «محاولة تملق المسؤولين المنتخبين من حزبه والتنمر عليهم كانت تصرفا غير موفق من قبل رئيس مهزوم، لتحطيمه الحدود القانونية والأخلاقية بينما يسعى للبقاء في السلطة». كما خلص «ديفيد فروم» من «ذا أتلاتيك»، إلى أن ترامب «أوضح أنه انتهى فقط في العرض؛ مفاجأة انتخابات 2020».

 

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها «ترامب» حشد الدعم من المشرعين في الولايات المتحدة لعكس نتيجة نوفمبر. ففي نفس الشهر الذي جرت فيه الانتخابات حاول من دون جدوى التأثير على الجمهوريين في ولاية «ميشيغان» أثناء زيارتهم للبيت الأبيض. وفي ديسمبر 2020 حاول الضغط على «برايان كيمب»، الحاكم الجمهوري لولاية «جورجيا»، للضغط على ناخبي الولاية قبل تصويت المجمع الانتخابي لتغيير فوز بايدن.

 

ويعد الفرق بين تغطية عمل «ترامب» هذا مقارنة بالعديد من أعماله السابقة هو التركيز على تداعياته القانونية المحتملة. وفي صحيفة «واشنطن بوست» استشهد «غاردنر» بباحثين قانونيين وصفوا المكالمة بأنها «إساءة استخدام صارخة للسلطة وعمل إجرامي محتمل». وأشار «كارل توبياس» أستاذ القانون في جامعة «ريتشموند» في فرجينيا، إلى أنه قد يكون «في مأزق قانوني بعد تنصيب بايدن»، وخاصة إذا كانت «وزارة العدل أو المدعون الفيدراليون يعتقدون أنه قد انتهك القانون». وكان أستاذ القانون الدستوري في جامعة «نيويورك»، «ريتشارد بيلدس»، أكثر انتقادا له، حيث أشار إلى أن «الرئيس إما أنه يحاول عن قصد إجبار مسؤولي الدولة على إفساد نزاهة الانتخابات، أو أنه مخدوع لدرجة أنه يصدق ما يقول».

 

في غضون ذلك، أوضح «مايكل برومويتش»، المدعي الفيدرالي السابق في نيويورك أنه «ما لم تكن هناك أجزاء من الشريط تنكر بطريقة ما النية الإجرامية»، فإن عبارة «أريد فقط أن أجد 11780 صوتًا؛ تنتهك قانون الولايات المتحدة رقم «53» قانون 20511»، أن «يقوم عن علم وبشكل متعمد بتخويف أو تهديد أو إكراه أو محاولة ترهيب أو تهديد أو أي شخص» بشأن نتيجة الانتخابات. ووافق محامي الدفاع الجنائي الأمريكي، «ريان لوك» على ذلك، وادعى أن «التسجيل وحده يكفي لبدء تحقيق وهو أيضًا سبب محتمل لإصدار لائحة اتهام».

 

وفي بيان أكثر انعكاسًا للموقف، قال «نوح بوكبيندر»، المدير التنفيذي لـ«مجموعة مواطنين من أجل المسؤولية والأخلاق» إن «رئيس الولايات المتحدة قد تم ضبطه في تسجيل وهو يحاول التلاعب بالانتخابات الرئاسية، حيث يمثل هذا سقطة في أمريكا، وكذلك أمام التاريخ وكسلوك». ومن ناحية أخرى، أيد بعض الديمقراطيين مسألة محاكمة ترامب. وكتب النائب الديمقراطي السابق، «تيد ليو» في رسالة إلى زملائه المشرعين أن ترامب «لأغراض الانتخابات الفيدرالية، طلب من رافنسبرجر إيجاد بطاقات اقتراع إضافية».

 

ومع ذلك، فإنه قد لا يتم تنفيذ مثل هذا الإجراء أثناء تولي ترامب منصبه أو حتى بعد مغادرته لعدة أسباب، منها أن محاكمته أو عزله ستخاطر بتحويل الإجراءات إلى مهزلة قانونية تهيمن عليها الانتخابات نفسها، بدلاً من تصرفات ترامب. ومن ثم فإن هذا من شأنه أن ينتقص من شعار الإدارة الديمقراطية القادمة الراسخ، وهو السعي لإصلاح دولة منقسمة سياسيًا اعتبارًا من يناير 2021 فصاعدًا. وكما أوضح «ديفيد فروم»، بمجلة «ذي أتلانتيك»، يمكن لـ«بايدن»، «إرسال إشارة إلى وزارة العدل مفادها بأن مقاضاة «ترامب» كرئيس أمريكي سابق على ارتكابه جرائم فيدرالية سيكون أمرًا مثيرا للانقسام، وبالتالي يجب تجنبها إذا كان ذلك ممكنًا»؛ لكن ذلك أيضًا لا يمنعه من حماية الرئيس السابق من أي إجراءات جنائية إزاء انتهاك مسؤولياته المدنية».

 

ومع ذلك، وكما هو الحال مع العديد من الإجراءات الرئاسية التي اعتمدها «ترامب» مؤخرًا، فإن الطبيعة المثيرة للجدل لادعاءاته، أدت أيضًا إلى انقسام القادة الجمهوريين. وأشار «ديفيد تشارتر» في صحيفة «التايمز»، إلى أن «التيار الجمهوري منقسم بشكل متزايد»، بشأن جهوده لمناهضة نتائج الانتخابات الأمريكية، بينما كتب «جوش وينجروف»، من وكالة «بلومبرج»، ان هذه الجهود المناهضة «أدت إلى تأجيج الخلاف بين الجمهوريين داخل الكونجرس».

 

وتتشابه محاولات «ترامب» الأخيرة لعكس نتائج الانتخابات الرئاسية مع ما تم الكشف عنه عام 1973 من تسجيلات صوتية سرية سيئة السمعة للبيت الأبيض آنذاك، والتي وجهت ضربة قاضية إلى الرئيس الأمريكي الأسبق، «ريتشارد نيكسون» خلال فضيحة «ووترغيت» الشهيرة. وبينما استقال «نيكسون»، في النهاية بسببها، فإن اقتراب مغادرة ترامب منصبه يجعل هذه حقيقة غير محتملة في الوقت الحاضر.

 

ومن بين أولئك المطلعين على كلتا القضيتين، لا تزال مخالفات ترامب وانتهاكاته بارزة للعيان. فالصحفي البارز «كارل بيرنشتاين»، الذي غطى الفضيحة التي أنهت رئاسة نيكسون، وصف جهود مناهضة الانتخابات لـ«ترامب» بأنها «أسوأ بكثير»، مضيفًا: «لدينا رئيس مجرم ومخرب، وفي أي رئاسة أمريكية أخرى، سيكون هذا الانتهاك كافيًا لإقالة الرئيس ودعوة فورية من أعضاء الكونجرس بما في ذلك حزبه لإعلان استقالته على الفور».

 

ومع ذلك، وتوافقا مع ما جرى طيلة أربع سنوات، فإنه سيتضح أن ترامب سينجو من تبعات الكوارث السياسية الأخيرة، وخاصة أن عامل الصدمة تجاه أفعاله الخبيثة والمتكررة قد تضاءلت بالفعل وطأته في ظل موجات الجدل المثيرة اليومية المتوقعة حيالها. علاوة على ذلك، فمع تركه منصبه في غضون الأسابيع القليلة القادمة، أصبح هناك مزيد من اللامبالاة على نطاق واسع تجاه أفعاله اليائسة أكثر من أي وقت مضى.

 

وعلى الرغم من ذلك، فقد رفض «ترامب»، إعلان تراجعه واستسلامه   -حتى بعد الكشف عن التسجيلات المسربة، حيث وصف «رافينسبرجر»، على موقع التواصل الاجتماعي، «تويتر» بأنه «غير راغب، أو غير قادر على الإجابة عن أسئلة مثل، الاحتيال عبر الاقتراع تحت الطاولة، وتدمير بطاقات الاقتراع، والناخبين خارج الولاية، والناخبين المتوفين، وأكثر من ذلك أنه لا يعلم شيئًا عن هذه القضايا!». وبالمثل، ففي تجمع حاشد في «دالتون»، بولاية «جورجيا في الرابع من يناير 2021 قبل جولة الإعادة في انتخابات مجلس الشيوخ بالولاية، تعهد مرة أخرى «بالقتال المستميت ضد نتيجة الانتخابات وكرر ادعاءه بأنه لا توجد طريقة تجعلنا نخسر الأصوات بجورجيا».

 

على العموم، مع بقاء حوالي أسبوعين فقط على مغادرة ترامب البيت الأبيض رسميًا، يبقى أن نرى مدى الفوضى والجدل الذي يمكن أن يثيره خلال الفترة المتبقية له في منصبه، حيث يواجه بالفعل احتمالات وجود دعاوى قضائية متعددة ضده تتعلق بمجموعة من القضايا السياسية والمالية والتي قد يكون بمقدور مؤسسة الرئاسة حمايته منها. ومع ذلك يبدو أنه أضاف إلى هذه القائمة المتزايدة من المخالفات والانتهاكات قضية أخرى تتعلق بمحاولته الحصول على مساعدة سياسية بطريقة غير شرعية لنيل مزيد من الأصوات في ولاية جورجيا المتأرجحة، وهو ما يمثل هزيمة أخرى مؤلمة له، تجعل من المرجح أن يسيطر على عناوين الأخبار من الآن وحتى 20 يناير 2021.

{ انتهى  }
bottom of page