top of page
25/9/2019

تداعيات الهجوم على شركة أرامكو السعودية

تصاعدت حدة التوترات من جديد في الخليج العربي في أعقاب الهجوم الإرهابي على منشأتين لشركة أرامكو النفطية شرق المملكة العربية السعودية، يوم 14 سبتمبر، وهما منشأة معالجة بقيق وحقل خريص النفطي، مما أعاق القدرة التشغيلية لهما، وأحدث صدمة اقتصادية وجيوسياسية في جميع أنحاء العالم.
وقوبل الهجوم بردود فعل دولية وعربية رافضة ومستنكرة، لما يمثله من تصعيد للتوترات الإقليمية قد يهدد الاستقرار في المنطقة والعالم، ومنها البحرين والإمارات والكويت ومصر والجزائر والأردن واليمن، وفلسطين وجيبوتي وباكستان وبريطانيا، وروسيا، وفرنسا وتركيا، والمنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومنظمة التعاون الإسلامي، والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي.
وكان وزير الخارجية الأمريكي، «مايك بومبيو»، قد حمّل إيران مسؤولية الهجوم، قائلا: «إن إيران شنت هجوما غير مسبوق على إمدادات الطاقة في العالم، وتضمن أمريكا محاسبتها على هذا العدوان»، مؤكدا أنها «تقف وراء ما يقرب من 100 هجوم على السعودية، وأنه «ليس هناك دليل على أن الهجمات جاءت من اليمن». ومن جانبها، نفت إيران ذلك. وقال وزير خارجيتها، «جواد ظريف»: إن أمريكا «فشلت في ممارسة أقصى مستويات الضغوط فتحولت إلى ممارسة أقصى درجات الخداع». وفي هذا الصدد، أشار الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب» إلى إمكانية استخدام القوة العسكرية ردًا على الهجوم، قائلا: «هناك اعتقاد بأننا نعرف الجاني، ومتأهبون للرد، وندرس تحت أي شروط سنتحرك». 
الموقف الأمريكي الحاد جعل كثيرا من المحللين يعتقدون بأن حربًا أمريكية إيرانية قادمة في الخليج العربي في حالة التأكد من أن الأخيرة هو المسؤولة عن الهجوم. ومن ثمّ، بدأ كثير منهم في تقدير النتائج المحتملة على المدى الطويل والقصير. 
وفيما يتعلق بالآثار القصيرة المدى، فإنها تتمثل في زعزعة استقرار سوق النفط العالمية؛ حيث ذكرت «أرامكو» أن الأضرار التي لحقت بمنشآتها، سوف تخفض الإنتاج بمقدار 5.7 ملايين برميل يوميًا، وبقدر خسارة يصل إلى أكثر من5% من المعروض العالمي الخام، الأمر الذي جعل السعر العالمي يرتفع بشكل كبير ليصل إلى أعلى مستوياته في ستة أشهر، حيث وصل إلى20% في بعض الأسواق، وقفزت أسعار خام برنت بنسبة 10% مسجلة 66.28 دولارا للبرميل، وهو ما وصفته وكالة «بلومبرغ»، بأنه «أكبر ارتفاع في يوم منذ عام 1988»، فيما أشار آخرون إلى أنها تعد أكبر زيادة منذ أزمة الخليج عامي 1990 و1991 بعد غزو العراق للكويت. فيما هبطت أسعار النفط 5%، بعد إعلان الرياض استعادة حوالي 70% من فاقد إنتاجها. 
وعلى مدى السنوات الثمانين الماضية، تعد الشركة السعودية أرامكو أكبر شركة منتجة للنفط في العالم، حيث تتولى إدارة احتياطي نفطي يبلغ 265 مليار برميل (15% من الاحتياطي العالمي)، واحتياطي من الغاز يبلغ 288 تريليون قدم مكعبة، وتبيع أكثر من عشرة ملايين برميل من النفط يوميا، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف إنتاج أكبر شركة نفطية مدرجة في البورصة في العالم، وهي اكسون موبيل. 
يقول «تيلاك دوشي»، لوكالة «رويترز»: «في عالم النفط ربما يعادل هذا الهجوم هجمات 11 سبتمبر، فمنطقة «بقيق» بلا جدال هي أهم مواقع البنية التحتية في العالم لإنتاج النفط ومعالجته». ويشير «روبرت ماكنالي»، في صحيفة «الجارديان»: إلى أن «أرامكو هي المرفق الأكثر أهمية في العالم لإمدادات النفط». وبحسب الوكالة، فإن منطقة «خريص» التي تعرضت للهجوم، يصل إنتاجها إلى 1.5 مليون برميل في اليوم، ما يعني أن السوق سيظل متقلبًا إلى أن يعمل المرفق بكامل طاقته مرة أخرى. وفي هذا السياق يقول «إيميل حكيم»، من «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، إن «تلك المنشآت تعتبر بنية تحتية لا يستهان بها لتلبية الطلب على صادرات النفط العالمية». 
ولعل البرهان الأفضل على زعزعة السوق النفطي، هو سماح الرئيس «ترامب» باستخدام «الاحتياطي الاستراتيجي» للنفط للولايات المتحدة في أعقاب الهجمات. وكتب عبر «تويتر»، يقول: «بناء على الهجوم الذي قد يكون له تأثير على أسعار النفط، فقد أجزت استخدام الاحتياطي الاستراتيجي بكمية يتم تحديدها بما يكفي للحفاظ على إمداد جيد للسوق». ولا يزال من غير المؤكد أن هذا الإجراء وحده سيكون كافيًا لمعادلة الآثار السلبية لعدم استقرار السوق وسط الأزمات الاقتصادية الأخرى التي يعاصرها العالم.
وربما هذا الهجوم هو الأخطر على الإطلاق لكونه قد خلق أكبر اضطراب في سوق النفط منذ سنوات. يقول «كيث جونسون» في «مجلة فورين بوليسي»، «إن الهجوم يعيد المخاطر الجيوسياسية الى سوق النفط الذي عانى من تأرجح النمو الاقتصادي، والحروب التجارية». 
أما فيما يتعلق بالآثار السياسية والأمنية الطويلة المدى، فلا يزال من الصعب اكتشافها إلى حد ما، بالنظر إلى أن الجاني الحقيقي لم يتحدد بعد. فإذا تبين أن الحوثيين هم الذين نفذوا هذا الهجوم، فمن المحتمل أن تخف حدة الآثار إلى حد ما. ويشير الحادث الذي وقع على بعد أكثر من 500 كيلومتر من اليمن -إذا كان مصدره الحوثي- إلى مدى دقة القدرات الهجومية والتطور الذي وصلت إليه الجماعة، والتي لم تنجح أبدا في تنفيذ مثل هذا الهجوم. وفي حال ما إذا تم التيقن من ذلك، فإن الولايات المتحدة، حسبما قال «ترامب»، عليها «تقديم المزيد من المساعدة للسعودية في حربها باليمن في ضوء قدرات الحوثيين الهجومية المتنامية؛ من خلال زيادة المساعدات العسكرية، أو تقديم المزيد من التدريب للجيش السعودي، أو حتى من خلال التدخل المباشر». 
ولكن من الناحية الواقعية، يعد هذا احتمالا ضعيفا؛ بالنظر إلى معارضة الكونجرس، وتعهدات ترامب المستمرة بدعم السعودية في اليمن عن بُعد فقط. وحتى الآن، لا يمثل الحوثيون تهديدًا كبيرًا للولايات المتحدة بصورة مباشرة؛ ما يجعل واشنطن غير مهتمة بالدخول في صراع طويل الأمد معهم.
أما إذا تبين أن إيران هي المسؤولة عن هذا الهجوم، وخاصًة في ظل التيقن من أنه قد شُن بواسطة طائرات مسيرة إيرانية؛ فإن التداعيات ستكون مختلفة إلى حد كبير. ونشرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، تقريرا أشارت فيه إلى أن «المحققين باتوا مقتنعين بشكل متزايد بأن الهجمات الصاروخية انطلقت من قاعدة إيرانية في المنطقة الشمالية للخليج التي تبعد مئات الأميال من إيران. وقالوا «كل شيء يشير إليها.. الحطام والمعلومات الأمنية يؤشران إلى هذا الدور». وأكد التقرير، أنه رغم غياب الصور التي تظهر مكان انطلاق الصواريخ، فإن هناك أدلة يتم فحصها تشير إلى اتصالات قبل تنفيذ الهجمات، وأدلة جنائية، وتضم الحطام وبقايا الصواريخ والطائرات المسيرة، والمواد الكيماوية والدمار الذي خلفته. وبحسب الصحيفة، فإنه تم العثور على صاروخ لم ينفجر في موقع الهجوم، وعلى بقايا تبدو أنها تكنولوجيا صواريخ كروز إيرانية. 
وذكر موقع «ميدل إيست آي»، أن ثمة سببين وراء شن هذه الهجمات: الأول، رسالة من إيران إلى أمريكا وحلفائها بأنه ما دامت الضغوط والعقوبات مستمرة عليها، فلا أحد سينعم بالاستقرار في المنطقة. والثاني، توجيه إيران ردا قويا على الغارات الإسرائيلية الأخيرة التي انطلقت من مناطق تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية (شمالي شرقي سوريا) على مواقع للحشد الموالي لطهران.
وعليه، يتوقع العديد من المحللين، أن الهجوم الأخير سيثير احتمالية اندلاع حرب في الخليج بين واشنطن وحلفائها من جهة، وإيران من جهة أخرى. وتلك الحرب ليست في مصلحة أي منهما في الوقت الحالي، حيث؛ تدرك إيران جيدًا أنه بالمقارنة مع خصومها، فهي ضعيفة اقتصاديًا وغير مستعدة عسكريًا لمواجهة مجموعة من أفضل الجيوش الممولة من الناحية العسكرية على المستوى الدولي. 
وعلى الجانب الآخر، لا تحبذ السعودية الدخول في صراع مع إيران، بالنظر إلى أن هذه الحرب ستكون على مقربة منها وستلحق الضرر بالدول المجاورة وتهدد مكاسبها الاقتصادية في العقود الأخيرة، وتفضل على ذلك تشديد العقوبات على طهران. كما أن الولايات المتحدة على الرغم من تبنيها حملة «الضغط الأقصى» ضد إيران والتي تتألف من العقوبات الاقتصادية والسياسية، فإنها تتجنب وقوع مثل هذه الحرب، في ضوء أن انتخاب الأمريكيين لترامب تم نظرًا لمناهضته خوض الحروب وسعيه إلى التقليل من التدخلات الخارجية العسكرية الأمريكية التي يعتبرها مكلفة. 
وعلى الرغم من هذه المواقف المتعلقة بجميع الأطراف المعنية، تظل الحرب احتمالًا حقيقيا. وفي هذا الصددـ تقول مجلة «ذا إيكونومست»، البريطانية: «قد يعيد الهجوم ترامب إلى سابق عهده مرة أخرى ليكون موقفه متشددا وصارما حيال طهران». فإذا تبين أنها قد وجهت الهجوم بنفسها، إما من خلال استخدام طائرات بدون طيار أو صواريخ أطلقت من أراضيها، فسوف يتعين على السعودية والولايات المتحدة تقديم رد عسكري ملموس؛ سواء كان ذلك عبر ضربة صاروخية تكتيكية محدودة النطاق أو رد مسلح أوسع مثل تحرك عسكري داخل الأراضي الإيرانية، وخاصة في ظل انزعاج الشركاء الإقليميين بسبب عدم وجود استجابة من قبل الولايات المتحدة والاعتقاد بأن الأمريكيين ليسوا على استعداد للمساهمة في هذا المجال». 
يقول «آرون ديفيد ميلر» من «مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي»: «تسعى الولايات المتحدة إلى عدم السماح بوقوع مثل هذا الهجوم مرة أخرى عن طريق ردع الهجمات المستقبلية والمحتملة». وعليه يرى كثير من المراقبين السياسيين، أن هذا الهدف من الممكن أن يؤدي بالرئيس الأمريكي إلى «اتخاذ إجراءات هجومية لمنع استمرار دائرة العدوان الإيراني تجاه الحلفاء المقربين». وفي حالة تبني هذا النهج، فمن المرجح أن تشعر إيران بأنها مضطرة الى الرد مرة أخرى عن طريق شن هجمات إما ضد حلفاء الولايات المتحدة أو أفراد ومنشآت أمريكية في الشرق الأوسط، وهو ما قد يُنذر ببداية صراع واسع النطاق حتمي الوقوع. 
وسواء أكان هناك حرب أم لا، فإن هذا الهجوم سيؤثر بلا شك على المدى الطويل في عرقلة أي احتمالات للمفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران في الأسابيع والأشهر المقبلة. وبعد فترة وجيزة من الهجوم؛ صرح «ترامب»، قائلا: «تقول الأخبار المزيفة إنني على استعداد للقاء المسؤولين الإيرانيين من دون أي شروط، هذا بيان غير صحيح كالمعتاد!». 
وتوقع كثير من المحللين، أن يتخذ ترامب خطوات نحو فتح حوار مع طهران في أعقاب قراره بإقالة مستشار الأمن القومي، «جون بولتون»، المتشدد حيال طهران، وبدا الأمر كما لو كانت واشنطن تستعد للتقارب معها. وعلق «روبرت مالي»، العضو السابق في مجلس الأمن القومي في عهد باراك أوباما، بأن «رحيل بولتون لا يجعل اجتماع ترامب روحاني أمرا أكيدا، لكنه أكثر ترجيحا». ومع ذلك، فإنه في ضوء هذا الحادث وما صرح به ترامب لاحقًا، يبدو التفاؤل الذي أبداه العديد من المراقبين لا أساس له من الصحة.
على العموم، من الواضح، أنه على المدى الطويل والقصير، فإن الهجوم على منشأتي نفط أرامكو يبدو أنه سيغير الواقع الإقليمي بشكل كبير. وفي ضوء توجيه اتهام إلى النظام الإيراني بالوقوف خلفه، يتبين أن مسارعة الحوثيين إلى تبني العمل الإرهابي، لم يكن سوى تمثيلية إيرانية من أجل التغطية على الموقع الحقيقي الذي انطلقت منه تلك الهجمات. 

{ انتهى  }
bottom of page