top of page

19/2/2021

هل تعزز تبرئة ترامب فرصه لولاية رئاسية ثانية؟

على الرغم من خطورة الجرائم التي اتهم الرئيس السابق، «دونالد ترامب»، بارتكابها، وأبرزها التحريض على التمرد، إلا أن إدانته في محاكمته الثانية بمجلس الشيوخ كانت دائمًا بعيدة المنال لمن يرغبون في رؤيته ممنوعا من الترشح لأي منصب سياسي مرة أخرى. فمع سيطرة الحزب الجمهوري على ما يقرب من نصف المقاعد في مجلس الشيوخ -حيث يتطلب تفعيل إدانته تأييد ثلثي الأعضاء- لم يحدث هذا؛ وانضم سبعة جمهوريين فقط إلى الديمقراطيين في التصويت، لتصبح الحصيلة النهائية 57 صوتًا لصالح إدانته، مقابل 43 صوتًا مع تبرئته، مما يقل بكثير عن العدد اللازم لإدانته ومنعه من الترشح لمنصب في المستقبل والبالغ 67 صوتًا.

 

وبالنسبة إلى ترامب وأنصاره، كان ما حدث بمثابة إظهار لبراءته، ولكن بالنسبة إلى خصومه ومنتقديه كانت هذه النتيجة مجرد تبرئة لعدم وجود التأييد اللازم للإدانة. وعلى الرغم من هذا الرفض لنتائج المحاكمة، فإن الإخفاق في محاسبته على أفعاله الرئاسية يمكن أن يكون له تداعيات هائلة على السياسة الداخلية الأمريكية، خاصة أنه سيظل حرا في سعيه لمنصب جديد أو ترقية الحلفاء المخلصين، حيث لا تزال مكانته السياسية بين قاعدة مؤيديه قوية للغاية، كما أن تأثير مؤيدي شعاره «اجعل أمريكا عظيمة مجددا»، لن يتلاشى كما كان يأمل الكثير من الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء.

 

وفي الواقع، لقي إخفاق المجلس التشريعي في محاسبة ترامب استياء وخيبة أمل العديد من الدول الغربية. وأشار «جو بايدن» -الذي اختار إبقاء المحاكمة بعيدة عن أفعاله في البيت الأبيض- إلى أن الفشل في إدانة ترامب «يذكرنا بأن الديمقراطية هشة، فذلك التصويت النهائي لم يؤد إلى إدانة؛ لأن جوهر الاتهام ليس محل نزاع». وقدم رئيس الوزراء البريطاني، «بوريس جونسون»، تقييمًا مختلفًا تمامًا قائلا: «أعتقد أن المحاكمة توحي بكل وضوح بأنه بعد كل هذه الجلبة فإن الديمقراطية الأمريكية مازالت قوية». فيما جادلت صحيفة «فاينانشال تايمز»، بأن «حكم البراءة يتوّج فترة مظلمة في التاريخ السياسي للولايات المتحدة بدأت برفض ترامب لنتائج انتخابات 3 نوفمبر، وبلغت ذروتها في أسوأ حلقة من العنف السياسي في قاعات الكونجرس، الأمر الذي لم يحدث منذ أكثر من قرنين».

 

في الوقت نفسه، وصفت صحيفة «سيدني مورنينج هيرالد»، التبرئة بأنها «ضربة حتمية لكنها محبطة لمبادئ الديمقراطية والعدالة والمساءلة». في حين اعتبرتها صحيفة «دير شبيجل»، «فشلا غير مسبوق للديمقراطية الأمريكية». وكما كان الحال لعدة أشهر وحتى الآن، انتهز خصوم واشنطن الجيوسياسيون الفرصة لمهاجمتها. وكتب «لي هايدونغ» في صحيفة «جلوبال تايمز»، التي تسيطر عليها بكين، أن «عقول المواطنين الأمريكيين العاديين وحتى النخب السياسية في حالة من التقلب المستمر، في ظل أن الانقسامات الاجتماعية لا يمكن أن تخف حدتها».

 

وفي كل الأحوال كانت نقطة التباحث المُشتركة بين الخبراء والمعلقين هي أن التصويت لا يبرئ الرئيس الخامس والأربعين. ووصف «بيتر بيكر»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، الحكم، بأنه «هروب، وليس تبرئة»، كما زعم «ديفيد ريمنيك» من مجلة «نيويوركر»، أنه «على عكس مؤيديه الجمهوريين، فإن التاريخ لن يكون متسامحًا بشكل كبير مع ترامب، منتقدا فشل الأدلة القوية ضده في تأييد إدانته بنسبة الثلثين». وكتبت «مارجريت سوليفان» في صحيفة «واشنطن بوست»، أنه «على الرغم من القضية التي لا يمكن دحضها، والخاصة بالادعاء الديمقراطي، فإن الحقيقة لم تكن كافية لإدانته». ومتفقة مع هذه الآراء، وصفت «ماشا جيسن» من مجلة «نيويوركر»، المحاكمة بأنها «معركة قيمة ضد الضجيج، ضد الفوضى، وقد انتصرت الفوضى».

 

وعلى الرغم من ذلك من المهم أيضًا الإشارة إلى إيجابيات المحاكمة، وأعداد الجمهوريين الذين صوتوا ضد زعيمهم السابق. وأشار «ديفيد فروم» في مجلة «ذا أتلانتيك» إلى أن كثرة مديني الرئيس السابق تشير إلى أنه أصبح يفتقد التأثير والنفوذ السياسي، وفي حين أن ذلك «لم يكن كافيًا لاستبعاده رسميًا من الحصول على منصب رئيس الولايات المتحدة مرة أخرى، إلا أنه عمليًا سيكون بمثابة رفض علني رسمي ودائم له». وأوضح «مايكل هيرش» في مجلة «فورين بوليسي» أن «تصويت 57 مقابل 43 هو في الواقع أقوى تصويت من هذا النوع من قبل الحزبين في تاريخ الولايات المتحدة».

 

غير أن هذه المحاولات لانتزاع نصر سياسي لم تكن مقنعة لـ«إي. جاي ديون»، الكاتب في صحيفة «واشنطن بوست»، حيث شدد على أنه «عندما أتيحت الفرصة للتصويت من أجل كشف أن ما فعله ترامب كان أمرًا مستهجنًا فقد قدم سبعة جمهوريين فقط في مجلس الشيوخ، و10 من نظرائهم في مجلس النواب الفرصة للقيام بذلك».

 

على هذا النحو تم التشكيك أيضًا في دور مجلس الشيوخ في المحاكمة، نظرًا إلى أن الرئيس السابق حُكم عليه أساسًا من قبل هيئة محلفين قوامها 100 شخص لا يزال عدد كبير منهم موالين سياسيًا له. وهكذا، كانت المحاكمة دائمًا «تحت هيمنة ديناميكية سياسية وليست قانونية». وقد انعكس هذا في نهج كبار الجمهوريين في مجلس الشيوخ، الذين حاولوا وصف جهود العزل بأكملها بأنها «غير دستورية»، بدلاً من التصويت ضد ترامب.

 

وعلى الرغم من إدانته لزعيمه السابق أكد زعيم الجمهوريين، «ميتش ماكونيل»، أن عملية الإقالة هي «حماية البلاد من المسؤولين الحكوميين، وبما أن ترامب لم يعد في منصبه فهو غير صالح دستوريًا للإدانة». وبناء عليه لاحظ السناتور الديمقراطي، «خواكين كاسترو»، أن هذه الاستراتيجية تعني أن ترامب «تم التخلي عنه بشكل تقني». بينما وصف «إي. جاي ديون» في الوقت نفسه معظم الجمهوريين في مجلس الشيوخ بـ«الجبن، حيث كان أمرا منتظرا ومتوقعًا».

 

علاوة على ذلك فإن مكانة ودور الهيئة التشريعية المعنية بالمساءلة قد نالها التشويه أيضا. وأوضحت «فيكتوريا بيكيمبيس» في صحيفة «الجارديان» أن المحاكمة الثانية لعزل ترامب الفاشلة «تُظهر مشكلة متزايدة بشأن القدرة الفعلية للنظام السياسي على منع الانتهاكات الرئاسية للسلطة». وبالنسبة إلى الكثيرين لم تعد عملية العزل تشكل تهديدًا أو رادعًا أمام السلوك السيئ، أو حتى غير القانوني، من قبل أقوى صاحب منصب على الأرض». وأضاف «مارتن بينجلي» في نفس الصحيفة أن «43 عضوًا من أعضاء الشيوخ الجمهوريين كانوا راضين عن أن تحريض حشد على مهاجمة الكونجرس ومحاولة إلغاء الانتخابات أمر لا يستحق العقاب».

 

ومع ذلك لم يكن الجمهوريون وحدهم هم من تعرضوا للانتقاد، فقد واجهت إجراءات المساءلة المتسارعة مزيدًا من التدقيق في أعقاب التصويت بالانتخابات الرئاسية الأخيرة. كما لم يحضر المدعون الديمقراطيون شهودًا لتقديم شهادات -على الرغم من وجود مئات المرشحين المحتملين لهذا الأمر- وانتهت إجراءات المساءلة بأكملها في غضون أيام، وكانت أقصر بكثير من محاكمة عزل ترامب الأولى التي كانت قد تناولت اتهامات أقل خطورة من تلك الراهنة.

 

وبدورها سعت صحيفة »نيويورك تايمز» لتوضيح أن «المحاكمة انتهت بعد خمسة أيام فقط»؛ لأن «الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء لم يكن لديهم رغبة في إجراء مساءلة مطولة»، وأيضًا لأن «مؤيدي ترامب قبل أن تبدأ تلك المساءلة أوضحوا أنهم ليسوا مستعدين لتحميله أيا من المسؤولية على خلفية الاتهامات الموجهة إليه». ومع وجود مثل هذه الأسباب القوية التي تعزز موقفه فإن الرغبة في المضي قدمًا في إجراءات مساءلته قد تكون خطوة خاطئة بكل المقاييس».

 

وفي ظل هذا الواقع الجديد كانت هناك أيضًا العديد من الأسئلة حول مستقبل الحزب الجمهوري. ففي أعقاب أعمال الشغب التي اندلعت يوم 6 يناير الماضي بدا أن الحزب الذي يُعرف أيضا باسم «الحزب الكبير القديم» قادرًا أخيرا على التخلص من نفوذ ترامب، ولكن يبدو أن تبرئته تفتح الباب مرة أخرى لعودته للدخول في معارك سياسية مستقبلية.

 

وفي أعقاب المحاكمة ركز العديد من المعلقين على جهود زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ «ميتش ماكونيل» المستقبلية للحد من تأثير مؤيدي شعار «اجعل أمريكا عظيمة مجددا»، على مسار السياسة الأمريكية، حيث لا يخفى أنه وجه انتقادات لاذعة لترامب -رغم التصويت على تبرئته من تهمة التحريض على التمرد- معتبرا أنه «مسؤول» عن اعتداء 6 يناير على مبنى الكابيتول.

 

ومع ذلك فشلت هذه التقديرات في الأخذ في الاعتبار مدى القوة المطلقة للدعم الحالي لترامب وإرثه، في ظل القدرة المحدودة للرئيس الجديد على التصدي لتلك القوة. وكتب «جورج ويل» في صحيفة «واشنطن بوست» أن «ماكونيل يعرف أن قبضة ترامب على الجمهوريين لا تزال قوية، لكنها يمكن زعزعتها؛ وأن الأمر متوقف بالفعل على نتائج الانتخابات التمهيدية لمجلسي الشيوخ والنواب عام 2022». وأضاف «هيرش» أنه في أثناء المساءلة «ربما يكون زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ أراد الجمع بين أمرين وهما التصويت بعدم الإدانة والبراءة وانتقاد ترامب في الوقت ذاته»، لكن تصريحاته «في المجلس تشير إلى أن معيار النجاح للجمهوريين في الأيام القادمة في الساحة السياسية لن يكون بالوقوف في صف ترامب».

 

وعلى الجانب الآخر علق «كورت بارديلا»، عضو مجلس النواب السابق عن الحزب الجمهوري، قائلاً: إنها «تعتبر دليلاً على أن وضع ترامب كزعيم للحزب الجمهوري لم يتغير على الرغم من أن نتائج الانتخابات أظهرت أن أجندته وبرامجه لن تلبي تطلعات وأهداف الحزب الجمهوري». وقال «نيك ألين» في صحيفة «دايلي تليجراف»: إن ترامب «يعتزم استخدام إجراءات مساءلته وتبرئته كمنصة انطلاق لعودة قوية إلى المسرح السياسي لاستهداف أعدائه ودعم المرشحين الجمهوريين الموالين له في انتخابات الكونجرس العام المقبل على الصعيدين المالي والشخصي على حد سواء».

 

 

على العموم، إن تبرئة الرئيس السابق، «دونالد ترامب»، تعني أكثر بكثير من مجرد تحديد المصير السياسي له، حيث أثارت عاصفة سياسية في واشنطن، وخاصة بعد فشل مجلس الشيوخ في إدانته بارتكاب أخطر التهم القانونية التي وجهت لرئيس أمريكي على الإطلاق، وهو ما يمثل إخفاقًا لهذا الكيان التشريعي بأكمله، علاوة على ذلك يوضح هذا أن الدعم السياسي لرئيس بعينه كفيل بغض الطرف عن الإجراءات غير القانونية التي كان قد ارتكبها.

 

وبالنهاية لا يزال احتمال بقاء ترامب لاعبًا رئيسيًا في السياسة الداخلية والسياسة الدولية أيضًا أمرًا ثابتًا، على الرغم من مهزلة نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية وما أعقبها من أحداث مضطربة مباشرة.

{ انتهى  }
bottom of page