26/3/2021
تجربتا البحرين والإمارات.. والدروس المستفادة من الدول الرائدة في طرح اللقاحات
بينما تتنازع الدول الأقوى والأكثر نفوذا في العالم بشأن تخصيص ملايين الجرعات من لقاحات فيروس كورونا من قبل موردي الأدوية الرئيسيين، قدمت العديد من البلدان مثالاً يحتذى به من خلال التخطيط والتنفيذ الحازم لاستراتيجيات الاستجابة للفيروس، وأبرزها البحرين والإمارات العربية المتحدة، . ووفقًا لموقع «عالمنا في البيانات»، بلغ معدل توزيع اللقاح لكل 100 شخص في الإمارات 34.8، وفي البحرين 10.2. وتضع هذه الإحصائيات البلدين في المرتبة الثانية، والرابعة على التوالي في قائمة الدول ذات الريادة العالمية في تطعيم المواطنين، متقدّمين بكثير على دول مثل الولايات المتحدة، وألمانيا وفرنسا وغيرها.
وفي ضوء هذه التطورات، عقد «المجلس الأطلسي»، بواشنطن، ندوة عبر الإنترنت، بعنوان «الدروس المستفادة من الدول الرائدة في طرح اللقاحات.. استعراض نماذج الإمارات والبحرين»؛ بهدف فهم واستكشاف سبب تحقيق هذين البلدين نجاحًا كبيرًا في طرح اللقاحات، وكيف تم شراؤها من الشركات المُصنعة، والتدابير التي تم اتخاذها في وقت مبكر؛ أدارتها «كريستين فونتينروز»، و«جوناثان فيرزيجر»، من «المجلس الأطلسي»، وشارك فيها «فريدة الحوسني»، المتحدثة الرسمية باسم القطاع الصحي في الإمارات، و«مناف القحطاني»، عضو الفريق الوطني للتصدي لفيروس كورونا في البحرين.
في البداية، أكدت «فونتنروز»، أن جهود التلقيح العالمية تمثل «تحديًا كبيرًا ولغزًا لوجستيا»، لكنّ الدولتين -السابق ذكرهما- واجهتا «هذا التحدي بشكل أفضل من معظم الدول الأخرى، وبالتالي، قدمتا دروسًا يمكن تطبيقها في دول أخرى»، ثم سألت المشاركين عن استجابات التلقيح الخاصة ببلدانهم، و«الأولويات الرئيسية» التي تم تأكيدها في استراتيجيات التلقيح الخاصة بهم.
من جانبها، أرجعت «الحوسني»، نجاح نهج الإمارات في برنامج التطعيم الخاص بها، إلى دور «القيادة في وقت الأزمة»؛ الأمر الذي تم إثباته من خلال «الالتزام والمشاركة» من جانب المواطنين والمقيمين، حيث قدمت العائلات المالكة والحكومة نموذج «القدوة» المهم في تلقيهم التطعيمات من أجل «مكافحة الخرافات حول اللقاحات» في ذلك الوقت. علاوة على ذلك، نجحت في «التوافق والتنسيق» بين أصحاب المصالح، في كل من القطاعين العام والخاص، لدعم سياسة الحكومة وتقديم حوافز للموظفين ممن تلقوا التطعيمات، وأكدت أن هذا الإجراء بالتحديد كان عاملاً رئيسياً في جذب عدد كبير من السكان لتلقي بالفعل الجرعة الأولى من اللقاح. ومع ذلك، أشارت إلى أن مستوى الإقبال الذي ظهر مسبقًا على اللقاحات كان «أعلى من المتوقع».
وفي شرحه لنهج البحرين في مكافحة الوباء، أكد «القحطاني»، أن الحكومة عرفت منذ اليوم الأول أن الطريقة الأكثر فعالية لمكافحة انتشار الفيروس هي من خلال برنامج «الاختبار والعزل»، وأن «التطعيم هو السبيل الوحيد لإنهاء هذا الوباء وإنقاذ الأرواح». واستكمالًا لذلك، تصدت للشائعات المُحيطة باللقاحات، وانتهجت دائمًا «الشفافية فيما يتعلق بالبيانات»، وتعاونت مع منظمات المجتمع المدني، وهو ما أدى إلى تخفيف مخاوف البحرينيين تجاه اللقاح.
وعن وسائل الحكومة لشراء اللقاحات من مطوري ومصنعي الأدوية متعددي الجنسيات، أوضح، أنه في وقت مبكر من يوليو 2020، كان لدى المملكة ثلاثة برامج لقاحات تعمل في آن واحد من أجل زيادة احتمال الحصول على لقاح فعال، كما أجريت التجارب بالتعاون مع دولة الإمارات «لاختبار قبول المجتمع» تجاه اللقاحات، عزز من ذلك التطوع اللاحق لآلاف الأشخاص لتجارب اللقاح الأولى في البلاد، والذي مثّل «إعجابًا» لا يرقى إليه الشك من الشعب البحريني.
وفيما يتعلق بالتحديات الحالية المتعلقة بشراء اللقاح واستخدامه، أشار «القحطاني»، إلى أن المملكة تستهدف تلقيح أكثر من مليون شخص فوق سن 18 عامًا، وأن هناك معضلة «تحديد المُستحق»؛ وبمن يجب أن يكون التالي في الصف خلف عمال الخطوط الأمامية في القطاع الطبي لتلقي اللقاح. ومع وضع هذا السيناريو في الاعتبار، تم إثبات جهود الحكومة لـ«تأمين كمية جيدة من اللقاحات» في وقت مبكر من الجائحة. ونظرا لأن البحرين لا تملك القدرة على تطوير لقاحات خاصة بها، فهي تعتمد بشكل كبير على واردات اللقاحات من دول أخرى. وعلى الرغم من ذلك، فإنها مستعدة لمواجهة أي موجة جديدة بسبب ما تتمتع به من سمعة دولية ممتازة وعلاقات دبلوماسية قوية مع الدول الأخرى على مستوى العالم. وفي ظاهرة جديرة بالملاحظة، أشار إلى أن الجائحة أظهرت «وحدة الإنسانية» في جميع أنحاء العالم، وكيف كان تبادل «المعرفة والخبرة» بين الدول مفيدًا بشكل كبير وقت الأزمة.
وحول سؤال «فيرزيجر»، عن دور الإمارات «كمركز إقليمي» لتلبية الطلب على الخدمات اللوجستية المخصصة لنقل اللقاحات، وكيف ستستخدم الدولة ما يسمى بـ«دبلوماسية اللقاح» لإثبات دورها الرائد في إتاحة اللقاحات الجديدة لكافة الدول الأخرى. في هذا الصدد، أشارت «الحوسني»، إلى أن الإمارات «لطالما وضعت الإنسان على رأس أولوياتها»، وقد ظهر ذلك من خلال التعاون الدولي في التجارب السريرية على كافة اللقاحات الجديدة، وهو الأمر الذي أضاف «قيمة كبرى» لجهود برنامج التطعيم الخاصة بها، مشيرة في الوقت ذاته، إلى أنها تقدم المساعدة والدعم لدول أخرى حول العالم باختلافها، لا سيما فيما يتعلق بالقدرات اللوجستية المتطورة لتخزين ونقل توزيع اللقاحات، فضلا عن موازنتها الدقيقة بين قدرتها على تلبية متطلبات برنامج التطعيم الخاصة بها، وتقديم مساهماتها للغير في آن واحد.
وبالمثل، أقر «القحطاني»، أيضًا بوجود «تحديات» أمام توفير الخدمات اللوجستية في هذا الصدد، ومع ذلك، فإن ما يقرب من 35% من سكان البحرين؛ مواطنين ومقيمين، قد تلقوا حتى الآن واحدًا على الأقل من اللقاحات الفعالة للتصدي لانتشار الفيروس، مع التزامها بمبدأ «صفر نفايات» في عمليات المكافحة الراهنة خلال الأزمة، مثل التخلص بطريقة آمنة من النفايات الطبية والفلوريسنت المتولدة من زيادة استخدام الأقنعة والمطهرات حتى الآن.
وفيما يتعلق بالتعاون بين البلدين، وخاصة أنه لا يمكن أن يكون من قبيل المصادفة أنهما «تتصدران العالم أجمع في معركته ضد كوفيد-19»، كما رأى «فيرزيجر»؛ وفي هذا الصدد، شددت «الحوسني»، على التأثير «المهم للتعاون الإقليمي»، حيث تتعاون كل من الإمارات والبحرين بشكل وثيق في عملية طرح اللقاحات لملايين الأشخاص ويعتبران نفسيهما جزءًا من «فريق واحد» في هذه «التجربة الجديدة تمامًا». وأكد القحطاني ذلك، وأضاف أن «الدروس المستقاة» لمكافحة الوباء تكمن في أن الفيروس يصيبنا من دون أي تمييز على أساس الدين أو الجنس، وأن التعاون الدولي بات ضروريًا في مثل هذه الحالة لخدمة جميع الدول باختلافها، وذلك في إشارة إلى البحرين التي قامت بالفعل بمشاركة تجربتها ومدى فعالية اللقاحات التي تلقتها مع دول عدة مثل المملكة المتحدة والمكسيك.
وفيما يتعلق بالحالة البحرينية، ذكر «القحطاني»، أن الاستجابة للوباء «تمت بشكل مختلف»، حيث لم تكن هناك عمليات إغلاق بشكل كامل، بل وضعت الحكومة في المقابل قيودا وتدابير فعالة لحماية الصحة العامة. وأوضح أن هذا النهج لاقى نجاحا بسبب الإدراك الحقيقي لمدى الارتباط المباشر بين «سلوك الفرد»، و«سلوك الفيروس»، كون الأخير يتأثر ويتحور باستهتار وتهاون الأول ويصبح سريع الانتشار، وبالتالي كانت عمليات الإغلاق ذات جدوى في وقف تفشي الجائحة في مناطق أخرى أشد إصابة من البحرين. وربما يرجع نجاح استراتيجية الاحتواء التي تبنتها إلى «التفكير الاستباقي» من أجل خلق تعاف مستدام من هذا الفيروس.
على العموم، قدمت الندوة التي عقدها «المجلس الأطلسي»، نظرة ثاقبة حول الأساليب المستخدمة من قبل (الإمارات، والبحرين) في تعاملهما بشكل جيد مع الوباء خلال الأيام الأولى لتفشيه، وسلطت الضوء على ما قامتا به من تدابير لتأمين حصتيهما من اللقاحات واستخدامها لتحقيق معدلات رائدة عالميًا في تطعيم مواطنيهما. ففي حين انخرطت دول أكبر مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا في خلافات حول حصصها من اللقاحات، تمكنت الدولتان من تطوير استراتيجيات واضحة لاستخدام اللقاحات ووضعها موضع التنفيذ بسبب امتلاكهما خيار التحرك المبكر لتأمين قدرٍ كافٍ منها، وتوفير كل التدابير اللوجستية اللازمة مسبقًا والمتعلقة بعمليات تخزين والنقل.
وفي الأخير، أظهرت الجهود التي تبذلها حكومتا الدولتين لمواجهة أي معلومات مغلوطة عن اللقاحات، مدى «الانفتاح»، و«الشفافية»، في مناهجهما المعنية بمعالجة الوباء، وهو ما افتقر إليه بشكل ملحوظ العديد من حكومات الدول الغربية، كما أن نقاط القوة في اقتصاداتهما، سمحت لهما بالقيام بذلك على الرغم من أن لديهما عددا أقل من السكان؛ الأمر الذي جعلهما «نموذجا»، و«قدوة»، لبقية العالم في كيفية التعامل مع انتشار الفيروس وبرامج التطعيم الخاصة به بشكل أكثر كفاءة ونجاحًا.