top of page

14/4/2021

قراءة في حادث محطة «نطنز» النووية الإيرانية

قبل أيام قليلة، قام الجيش الإسرائيلي بعملية عسكرية في إيران استهدفت منع تواجدها في سوريا وفي مناطق أخرى في الشرق الأوسط. وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، فإن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة أنها مسؤولة عن الهجوم الذي استهدف سفينة شحن إيرانية تابعة للحرس الثوري الإيراني يوم 6 أبريل. وكانت إيران قد أعلنت قبلها بيوم واحد إلقاء القبض على جاسوس إسرائيلي ومعه عدد من الأشخاص. وفي العام الماضي أعدمت أحد مواطنيها بعد إدانته بالتجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل.

ومن المعلوم أنّ إيران تتهم إسرائيل بأنها وراء مقتل «محسن فخري زادة» مهندس البرنامج النووي الإيراني، فيما لم تنف إسرائيل مسؤوليتها عن ذلك. وبحسب صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، فإنه في السنتين الأخيرتين قامت إسرائيل بأكثر من 100 عملية ناجحة برا وبحرا وجوا في إيران، وكان ذلك في مقابل عمليات قامت بها إيران عن طريق أذرعها من المليشيات والمنظمات في المنطقة، بداية من حزب الله في لبنان إلى المليشيات الشيعية في العراق وسوريا إلى الحوثيين في اليمن، كالهجوم بالصواريخ على القاعدة الأمريكية في «عين الأسد» في العام الماضي، وعلى سفينة بملكية إسرائيلية جزئية في مارس 2021.

غير أن قمة العمليات الإسرائيلية الأخيرة ضد إيران كانت استهداف مفاعل «نطنز» النووي، وهي العملية التي نجم عنها انفجار دمر بشكل كامل نظام الطاقة الداخلي الذي يزود أجهزة الطرد المركزي تحت الأرض، وهي الأجهزة التي تخصب اليورانيوم، وتفيد الأنباء المتواترة عن الحادث بأن الانفجار عطل عملية إعادة التخصيب مدة 9 شهور على الأقل. ويقع هذا المفاعل في الصحراء في محافظة أصفهان وسط إيران، ويعد محور برنامج إيران النووي، ويخضع لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة.

وفيما أكدت إيران احتفاظها بحق الرد، متهمة إسرائيل صراحة بأنها التي دبرته لوقف مسار رفع العقوبات الأمريكية عنها، وإضعاف موقفها التفاوضي في فيينا، أعلنت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن الموساد يقف خلف الهجوم على الموقع النووي الإيراني، وحددته بأنه «هجوم إلكتروني». ومن الجدير بالذكر أن تقارير مفتشي الطاقة الذرية كانت قد أفادت بخرق إيران لمستوى تخصيب اليورانيوم، وأنها تخصبه بدرجات محظورة، وبدرجة نقاء أعلى من المنصوص عليها في الاتفاق النووي، ورغم هذه التقارير فإن منظمة الطاقة الذرية الإيرانية كانت قد أعلنت زيادة سرعة التخصيب في مفاعل نطنز، الأمر الذي أعطى إسرائيل ذريعة ومبررا كافيا للتخطيط لعملية التفجير وتنفيذها.

يأتي هذا الحادث في الوقت الذي يزور فيه وزير الدفاع الأمريكي «أوستن» إسرائيل في أول زيارة لمسؤول أمريكي رفيع المستوى في إدارة بايدن؛ لبحث عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، وخاصة أن إسرائيل تعارضه بشدة. ولدى استقباله نظيره الأمريكي، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أن إيران «تشكل تهديدا استراتيجيا للأمن الدولي وللشرق الأوسط ولدولة إسرائيل، وأن الأخيرة ستعمل جاهدة مع الولايات المتحدة لضمان تأمين المصالح الحيوية للعالم والولايات المتحدة في أي اتفاق جديد مع إيران لمنع حدوث سباق تسلح خطير». من جانبه، أعلن الوزير الأمريكي التزام واشنطن «الصلب» تجاه إسرائيل، وضمان تفوقها العسكري النوعي، وتعزيز أمنها، غير أن إجراء عملية نطنز وقت زيارة الوزير الأمريكي قد يعطي انطباعا بأنها قد تمت بضوء أمريكي أخضر لتعزيز الموقف التفاوضي للولايات المتحدة في فيينا.

وعشية انطلاق محادثات فيينا في 6 أبريل بين الأطراف الموقعة على الاتفاق النووي، الذي كان قد تم التوصل إليه عام 2015 بين إيران ومجموعة 5+1 (الولايات المتحدة - روسيا - الصين - بريطانيا - فرنسا - ألمانيا)؛ لمحاولة إنقاذ الاتفاق، وتمهيد الطريق أمام الولايات المتحدة للعودة إلى الاتفاق الذي كانت قد انسحبت منه في 2018، وتحفيز إيران على الامتثال له من جديد، أعلنت أمريكا أنها مستعدة لرفع بعض العقوبات المفروضة على إيران، لكن فقط تلك المتصلة بالملف النووي الإيراني، أي رفعا محدودا للعقوبات مقابل قيود دائمة، يمكن التحقق منها على برنامجها النووي.

وفي واقع الأمر، لم تضمن محادثات فيينا مباحثات مباشرة بين واشنطن وطهران، ويشارك من الجانب الأمريكي الدبلوماسي «روبرت مالي» لإجراء مباحثات مع الأطراف الأخرى بخلاف إيران من دون توقع انفراجة سريعة، وهو ما يعني أن الأطراف الأخرى تنشغل بالوساطة بين إيران والولايات المتحدة لإعادة الطرفين إلى الامتثال للاتفاق، فيما تتوسع إدارة بايدن في شمول المباحثات قضايا مهمة، من بينها برنامج الصواريخ الباليستية، ودعم إيران لقوات تعمل عنها بالوكالة في الشرق الأوسط. 

وتشمل المباحثات أيضا تحديد الخطوات التي يتعين على كل من الطرفين الأمريكي والإيراني اتخاذها، غير أن الأخيرة تعارض المقترح الأمريكي بشأن التخفيف التدريجي للعقوبات، وتطلب انفراجة سريعة، والعودة إلى الاتفاق كما كان قبل يونيو القادم موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية. وفي الوقت الذي أكدت فيه الإدارة الأمريكية أن تمسك إيران برفع العقوبات كلها -وإلا فلا- يضع المباحثات في طريق مسدود، مع احتمال تحولها إلى محادثات مباشرة أمريكية إيرانية.

ومن الجدير بالذكر أن «محكمة العدل الدولية» كانت قد قبلت في فبراير 2021 النظر في دعوى إيرانية ضد العقوبات الأمريكية، واعتبرت طهران هذا القرار «انتصارا سياسيا» لها. وفي العام الماضي وحده -وفق ما صرح به وزير الخارجية الأمريكي السابق «مايك بومبيو»- أدت العقوبات الأمريكية المشددة على إيران إلى تخفيض الميزانية العسكرية لها بنسبة 24%، وحرمت نظامها من 70 مليار دولار، كانت ستستخدمها في تمويل الإرهاب والصواريخ الباليستية والبرامج النووية، إذ مارست الولايات المتحدة عليها ما سُمي «سياسة الضغط القصوى»، لحرمانها من الموارد المالية التي يمكنها بها تمويل أنشطتها، في مقدمة ذلك استهداف وصول صادرات النفط الإيرانية إلى مستوى صفر، وتعطيل معاملاتها المالية ووارداتها من المواد الأولية وصناعة السيارات والطيران المدني.

واستمرارا لذلك، دخلت العقوبات الأمريكية على القطاعين النفطي والمالي الإيراني حيز التنفيذ في 5 نوفمبر 2018، وشملت مشتريات الحكومة من الدولار الأمريكي، وتجارتها من الذهب والمعادن النفيسة، ومعادن الجرافييت والألمنيوم والحديد والفحم، وبرامج الكمبيوتر التي تستخدم في الصناعة والتحويلات المالية بالريال الإيراني، وأي إجراءات مالية لجمع تمويلات تتعلق بالدين السيادي الإيراني، وقطاع السيارات ومشغلي الموانئ والطاقة والنقل البحري، والتحويلات المالية المتعلقة بالنفط، والتحويلات والتعاملات المالية مع البنك المركزي. وأسفرت هذه العقوبات عن تراجع شديد للتجارة الدولية مع إيران، وانكماش اقتصادها، وتضرر إنتاج النفط وصادراته، وانهيار سعر عملتها (السعر غير الرسمي 250 ألف ريال للدولار، وسعر البنك المركزي 42 ألف ريال)، وارتفاع حاد في معدلات التضخم والبطالة وعجز الميزانية العامة. ويعدّ هذا الأثر بذاته نقطة ضعف في الموقف التفاوضي الإيراني في محادثات فيينا لصالح الجانب الأمريكي.

ووفق هذا المعنى، لا يقف حادث المفاعل النووي في «نطنز» منفصلا عن محادثات فيينا، ودلالاته الأولى أن الأسباب التي دفعت إسرائيل إلى رفض الاتفاق النووي عام 2015 مازالت قائمة، وهو ما صرح به وزير الدفاع الإسرائيلي لدى استقباله نظيره الأمريكي، من خلال إشارته إلى انتهاز إيران فرصة انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي لتسريع برنامجها النووي، أملا في امتلاك سلاح نووي بالسرعة التي تمكنها من جعله أمرا واقعيا، كما يعني أن رسالة الطمأنة التي بعثت بها إدارة بايدن ليست كافية. ويؤكد ذلك تصريح «نتنياهو» بعد الحادث بأن الحرب على التسلح الإيراني هي مهمة ضخمة، وأن الوضع الموجود اليوم لا يعني أنه موجود غدا.

وتبرز الدلالة الأكثر أهمية في أن إعلان طهران احتفاظها بحق الرد يعني إدخال المنطقة في عدد من العمليات المتبادلة، التي قد تعطل المباحثات الجارية في فيينا، أو تدفع أيا من الطرفين إلى الانسحاب من المباحثات أو اتخاذ موقف سلبي منها، كما أن الرسالة الأهم التي وجهتها إسرائيل من هذه العملية هي أن المنشآت النووية الإيرانية ليست بعيدة عنها. ومع ذلك، فإن مثل هذه العمليات قد تؤدي إلى تعرض المنطقة لمخاطر التلوث الإشعاعي، فيما لو تطورت إلى شن ضربة عسكرية على محطات إيران النووية، مع إدراك إسرائيل أن امتلاك طهران قنبلة نووية يمثل تهديدا لوجودها، ودعوتها العالم إلى إيقاف برنامجها النووي قبل فوات الأوان، وقد زاد من هذه المخاوف تحركات إيران الأخيرة لزيادة تخصيب اليورانيوم، ما يدق ناقوس الخطر للمنطقة كلها. ومن المعلوم أن إسرائيل قد سبق لها عام 1981 القيام بإجراء استباقي في العراق بتدمير مفاعل اوزيراك النووي، وفعلت الشيء نفسه مع سوريا عام 2007، ولا يعني بعد المسافة بين إيران وإسرائيل أن الأهداف الإيرانية ليست في مرمى أسلحتها.

وإدراكًا لذلك، فإن المخاوف العربية -وخاصة الخليجية- لا تقل عن المخاوف الإسرائيلية، لهذا لا نجد حماسا عربيا أو خليجيا لعودة هذا الاتفاق ما لم تُعالج هذه المخاوف، وخاصة أن هذه المخاوف قد عززها الهجوم الصاروخي الإيراني في 2019 على البنية التحتية النفطية السعودية، والهجمات السيبرانية الإيرانية على شركة أرامكو السعودية، والهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ من قبل الحوثيين المدعومين إيرانيا على أهداف سعودية. وقبل انطلاق محادثات فيينا كانت هناك مطالب خليجية بأن تكون دول الخليج العربية حاضرة في المفاوضات؛ لأنها المتضرر الأول من برنامج إيران النووي، فيما سبق أن عارضت السعودية الاتفاق النووي لأنه لا يتناول تصرفات إيران في المنطقة بشكل عام.

على العموم، يستمر التوجس الخليجي مع انطلاق محادثات فيينا من دون مشاركة خليجية، فيما كانت فرنسا تدعو إلى هذه المشاركة.

في هذا الاطار ، قال الأمير تركي الفيصل رئيس مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية إن «العودة للاتفاق النووي بحالته التي كان عليها لن يحل مشكلة خطر القيادة الإيرانية على المنطقة، بل قد يؤجج النزاعات فيها، ويدفع إلى أن تقوم دول الخليج بخيارات أخرى لحفظ أمن واستقرار المنطقة». ويأتي هذا التصريح على اعتبار أنه إذا ما رُفعت العقوبات عن إيران وتمت العودة إلى الاتفاق بوضعه القديم، فإن مليارات الدولارات المجمدة ستعود لها في الخارج، ما يجعلها في وضع أقوى مما كانت عليه قبل الانسحاب الأمريكي من الاتفاق.

وعليه، نجد أن حادث «نطنز» لن يكون الأخير، ويظل الاحتمال الأكثر واقعية لعدم تكراره هو توسيع دائرة التفاوض في فيينا لتشمل دولا شرق أوسطية.

{ انتهى  }
bottom of page