18/9/2019
«ضم غور الأردن».. توظيف انتخابي أم هدف إسرائيلي؟
في خطوة استفزازية جديدة تتعارض مع كل حقائق التاريخ وثوابت الجغرافيا وأبسط مبادئ القانون والأعراف الدولية؛ أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم 10 سبتمبر عزمه ضم منطقة غور الأردن حال بقائه على رأس الحكومة بعد الانتخابات العامة التي جرت أمس 17 سبتمبر. وستعمل خطته على تمديد القانون المدني الإسرائيلي حالة الطوارئ، لتشمل الأجزاء التي تسيطر عليها إسرائيل في هذه المنطقة، وشمال البحر الميت على طول حدود الضفة الغربية مع الأردن. وأكد نتنياهو أنه «لم يوجد رئيس وزراء إسرائيلي سابق اقترح القيام بذلك، وأن هذه الفرصة لم تتح منذ عام 1967»، وأنه «من المشكوك فيه أيضا أن تتكرر قبل 50 عامًا أخرى».
ويُمثل غور الأردن الذي تبلغ مساحته 2400 كيلومتر نحو30% من الضفة الغربية. وتعد المنطقة موطنا لحوالي 10 آلاف مستوطن إسرائيلي و80 ألف فلسطيني، وتقول إسرائيل منذ فترة طويلة إنها تعتزم الحفاظ على السيطرة العسكرية هناك في ظل أي تسوية مع الفلسطينيين.
وقوبلت المبادرة بردود فعل دولية وعربية رافضة ومستنكرة لافتقارها إلى الدلالة السياسية، والتاريخية، والقانونية، والاستراتيجية، أو الأخلاقية، ومنها روسيا، وفرنسا، وألمانيا، ومصر والأردن، وتركيا، وإيران، وفلسطين، والسعودية والإمارات، والبحرين والمنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي، والجامعة العربية، مؤكدين أنه «تطور خطير وعدوان إسرائيلي جديد بإعلان نيتها انتهاك القانون الدولي»، وأن هذه الخطوة بمثابة «تقويض لفرص تحقيق أي تقدم في تسوية سلمية هادفة، إذ «ستجعل الدولة الفلسطينية المستقبلية مُحاطة بإسرائيل، بدلاً من تقاسمها الحدود مع الأردن»، بالإضافة إلى ترك مدينة أريحا أكثر عزلة، فضلا عن أن قرار الضم يُعتبر مخالفًا لقرارات مجلس الأمن أرقام (252 و267 و271 و298 و465 و476 و478).
ووفقا للعديد من المحللين فإن هناك عاملين رئيسيين وراء تبني رئيس الوزراء الإسرائيلي هذه الخطة، الأول: هو أنها تحقق هدفًا صهيونيا رئيسيا يتمثل في بسط سيطرة إسرائيل على كل فلسطين التاريخية، إذ يلتزم نتنياهو وحزبه الليكود بضمان هذه النتيجة؛ فقد رفضوا مرارًا حل الدولتين، وبدلاً من ذلك يفضلون حكم فلسطين في إطار الدولة الإسرائيلية. وفي هذا السياق، يوضح «زاك بوشامب» في موقع «فوكس» الأمريكي أن «ضم وادي الأردن في هذه اللحظة ليس استجابة لتهديد أمني، ولكنه يمثل طعنة في قلب فكرة حل الدولتين، إذ من شأنه أن يقلص الأراضي الفلسطينية المتبقية إلى الحد الذي يجعل هذه الفكرة مستحيلة». ويمكن القول إنه بمثابة «إعلان بأن إسرائيل ليست مهتمة بإنشاء دولة فلسطينية، بل هي تأخذ الأرض التي تريدها لنفسها».
الثاني: هو أن عملية الضم تعتبر إنقاذا لنتنياهو من مقصلة الانتخابات التي كان مهددا فيها بقوة، إذ قد تمنحه دفعة تصويتية كبيرة. فعقب فشله في تأمين أغلبية في الانتخابات الأولى هذا العام سعى رئيس الوزراء إلى تجنب تكرار هذا الإخفاق، وخاصة أنه يحظى باستطلاعات رأي سيئة؛ فقد تراجع تأييد حزب الليكود إلى مستوى أقل من حزب (أزرق أبيض) -المنافس الوسط للحكومة- وكان متوقعا أن يجني الأول «31» مقعدًا مقابل «32» للأخير. ونتيجة لذلك، يتوقع الكثيرون تكرار نفس نتائج انتخابات أبريل.
وبناء عليه، يبقى إعلان ضم غور الأردن محاولة مُلتفة لسحب الأصوات بعيدا عن الأحزاب اليمينية الأخرى. ومع اعتماد معظم تلك الأحزاب، مثل (اوتزما يهوديت وشاس واليمين الجديد والبيت اليهودي وتكوما)، برامج صهيونية متشددة تروق للناخبين؛ فمن المحتمل أن تكون خطة نتنياهو محاولة لتقديم أوراق اعتماده. يوضح «بيتر بومونت»، في صحيفة «الجارديان»، أن لدى «نتنياهو باعا طويلا في الإدلاء بتصريحات مُهيجة عشية الانتخابات، بهدف حشد المؤيدين عن طريق الوعد ببناء المستوطنات أو الضم أو رفض الانسحاب». كما يقول «ميحول سريفاستافا» في صحيفة «الفايننشال تايمز»: إن «استراتيجيته التي تكررت على مدار العقد الماضي هي إثارة الخوف في أنفس المصوتين وإقناعهم بأنه الوحيد القادر على حمايتهم، وقد مكنته من الحصول على مقعد رئيس الوزراء 4 مرات حتى الآن»، وهو الواقع الذي فطن إليه خصومه. يقول «يائير لابيد» زعيم حزب «أزرق أبيض»: «لقد أمضى نتنياهو 13 عامًا كرئيس للوزراء ولم يمنعه أحد من تطبيق السيادة على غور الأردن، إنه لا يريد الأرض، وإنما الفوز بالأصوات».
وبغض النظر عن تصريحات نتنياهو التي يظل من غير المؤكد ما إذا كانت الفرصة ستسنح بتنفيذها أم لا، فإنه بعد أكثر من عقد من الزمان في السلطة يريد الكثير من الإسرائيليين رؤية شخص جديد يتقلد منصب رئيس الوزراء. يقول «ستيفن كوك» من «مجلس العلاقات الخارجية»: «يوجد داخل حزب الليكود بعض الأعضاء ممن يفضلون زعيمًا آخر»، بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن حزب (أزرق أبيض) قد شن حملة فعالة لإلقاء الضوء على إخفاقاته العديدة؛ فقد «تحدى الحزب أوراق اعتماده للأمن القومي، وانتقد سعيه لإبرام اتفاقيات مؤقتة مع حماس، وركز على مشاكله القانونية، وسلط الضوء على القضايا المحلية مثل العلاقة بين الدين والدولة، والاقتصاد، والفساد، والرعاية الاجتماعية»؛ والتي يبدو أنها ألحقت الضرر برئيس الوزراء في استطلاعات الرأي.
ورأى بعض المحللين أنه حتى في حال نجاحه في تشكيل حكومة جديدة فسيكون مشتتا ولن يتمكن من تنفيذ مخططه. ويتوقع الكثيرون أنه سيستغل ما يوفره له منصب رئيس الوزراء من حصانة ضد توجيه أي اتهام بحقه، وإهمال قضايا أخرى من السياسة الداخلية والخارجية، بما في ذلك ضم غور الأردن. ويذكر «انشيل فايفر» في صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية: «إذا فاز نتنياهو فسوف يقضي وقته في السعي لنيل حصانة من المقاضاة.. وليس ضم غور الأردن». ويواجه نتنياهو حاليا عددا لا يحصى من محاكمات الفساد التي طالت سمعته وشرعيته السياسية سنوات.
وفي المقابل، يرى آخرون أنه بغض النظر عن الاتهامات التي يواجهها فإنه سيعمل على تنفيذ خطة الضم حال نجاحه. ويعتمد هؤلاء على حقيقة أن المبادرة تلقى قبولاً في السياسة الإسرائيلية منذ عقود، وتحظى بدعم الأحزاب الإسرائيلية حاليا، ولا تزال مدعومة داخل الكنيست، كما أن تنفيذها سوف يمنحه انتصارًا سياسيا واضحًا. وفي هذا السياق، يقول «ناثان ثرال» في صحيفة «الجارديان»: «حتى خصوم نتنياهو الرئيسيين يعتقدون أن أي كيان فلسطيني يتم تأسيسه في الضفة الغربية يجب أن تحاصره إسرائيل وألا تكون له حدود مع الأردن»، مضيفا أن «الأمر ليس صخبا انتخابيا، سيتعرض نتنياهو لضغط هائل من أجل التنفيذ، ومن الصعب رؤية الكنيست يعترض أي إجراءات للاستيلاء على غور الأردن».
وبالنظر إلى الدعم الذي يقدمه له الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» فمن المرجح ألا تُؤثر أي معارضة لـ«نتنياهو» في الوقت الحالي على خطة الضم. يقول «بيتر بومونت» في صحيفة «الجارديان»: «ما كان غير معتاد في الماضي أصبح الآن ممكنًا بدعم الإدارة الأمريكية الراهنة». وتؤكد «زها حسن» من «مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي» أنه «حتى الآن أثبت ترامب وإدارته أنهما متواطئان مع الخطط الإسرائيلية المعنية بالسيطرة على الجزء الأكبر من الأراضي الفلسطينية المحتلة». ولعل هذا كان واضحًا في قرار البيت الأبيض نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس واعترافها بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المحتلة. لذا يوجد «الحافز القوي لأي حكومة إسرائيلية جديدة لضم 60% من مساحة الضفة الغربية في ظل بقاء ترامب في السلطة».
وبالنظر إلى العواقب المحتملة لهذه الخطوة على الصعيدين المحلي والإقليمي؛ فإنها ستنهي أي احتمالات لجعل فلسطين دولة مستقلة ذات سيادة، وستقضي على أي إمكانية للدخول في أي تسوية جدية. وكما يقول «دوف ليبر» في صحيفة «وول ستريت جورنال»، فإن «هذه الخطوة إذا نفذت ستُشكل تحديا جوهريا لما اتفق عليه الإجماع الدولي، بأن السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين مشروط بإجراء مفاوضات ثنائية لتحديد الحدود الدائمة لكل طرف، كما أن إسرائيل ستكون معزولة بشكل أساسي من قبل المجتمع الدولي، وأي تقدم نحو المصالحة مع العالم العربي سيتم تقويضه إلى حد كبير».
وعلى المدى القصير، من الممكن أن يؤدي انتهاك اتفاقية «أوسلو» بهذا الشكل إلى عدم الاستقرار والعنف داخل الضفة الغربية، وبين إسرائيل والفلسطينيين. وفي هذا الصدد، يشير «غيث العمري» من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» إلى أن «عملية الضم ستخلق بيئة سياسية مشحونة بالتوتر والسخط بين الفلسطينيين الذين سيحاولون الرد بقوة على مثل هذه الخطوة، وقد يُلجئ الضغط الداخلي السلطة الفلسطينية إلى إنهاء التعاون الأمني مع إسرائيل ووقف كل العلاقات الدبلوماسية، الأمر الذي من شأنه أن يشعل التوترات بين الضفة الغربية وإسرائيل بشكل كبير». علاوة على ذلك فإنه «قد يدفع إلى تصعيد الهجمات العنيفة ضد الأفراد والممتلكات الإسرائيلية كتدابير انتقامية ضد مخطط الضم؛ وربما يعقب ذلك بداية شن حرب إسرائيلية أخرى على قطاع غزة».
على العموم، ليس غريبًا على نتنياهو اتخاذ خطوات مثيرة للجدل فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، في ضوء الأهداف الآيديولوجية والمكاسب الانتخابية المحتملة التي قد يحصل عليها، وفي ضوء الدعم الأمريكي اللامحدود، والصمت العربي غير المبرر. ومع ذلك، فإن تعهده بضم وادي الأردن قد يكون الخطوة الأكثر استفزازًا وإثارة حتى الآن، بما قد تؤدي إليه من حالة عدم استقرار وعنف في المنطقة على المدى الطويل، بما يُمكن القول معه إنه قضى على أي تسوية سلمية مستقبلية.