17/4/2021
مستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي «نتنياهو».. وجهات نظر غربية
زادت التحديات أمام «بنيامين نتنياهو» الذي كان بمثابة قوة مهيمنة لا يستهان بها في الحياة السياسية الإسرائيلية طيلة أكثر من عقد من الزمان بشكل جذري في العام الماضي، إذ توالت عليه الفضائح ولوائح الاتهام الجنائية وتراجعت نسبة تأييد الناخبين له، ممثلة بذلك تحديًا كبيرًا لنفوذه وسلطته؛ في الوقت الذي كان فيه خلال الفترة من عام 2017 إلى عام 2019 تحديدا في أوج قوته، إذ كان يتمتع بأغلبية في الكنيست وبدعم سياسي قوي من إدارة ترامب. وفي أعقاب الانتخابات الأخيرة في مارس 2021، بدا جليًا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأطول خدمة في منصبه قد أُجبر على مغادرة صدارة المشهد السياسي بقوة أكبر مما كانت في أي وقت مضى.
وفي الواقع، سيُحدث سقوط «نتنياهو» من السلطة فراغًا سياسيًا في السياسة الإسرائيلية. وعلى الرغم من وجود العديد من قادة المعارضة الذين يمكنهم عمليًا الحصول على الدعم السياسي اللازم لتشكيل حكومة ائتلافية أخرى، فإن الافتقار الكبير إلى الدعم الأمريكي من إدارة بايدن يمثل إشارة إلى أن هذه الفترة الطويلة من القلق في السياسة الداخلية الإسرائيلية من غير المرجح أن تختفي بسرعة مع وجود «نتنياهو» أو بدونه.
وعلى الرغم من ذلك، أشار العديد من المعلقين الغربيين إلى أن خبرة نتنياهو في المنافسات السياسية للحفاظ على سلطته يمكن أن تكون مفيدة للغاية، لاستمرار كونه زعيمًا لإسرائيل. وكتب «آبي تشيزمان» في صحيفة «التليجراف» أنه عندما مثُل نتنياهو أمام المحكمة في الخامس من أبريل 2021، كانت «حياته السياسية على المحك» بينما كانت البلاد «غارقة في أسوأ أزمة سياسية في تاريخها»، والأهم من ذلك أن الناخبين «منقسمون بشدة» حول مصيره السياسي والقانوني؛ نظرًا إلى محاكمته بتهم الرشوة والفساد وخيانة الأمانة، ومن المرجح أن تؤدي هذه المزاعم إلى انهيار الحياة السياسية لشخص لا يتمتع بالدعم التاريخي الذي تمتع به نتنياهو، حتى لو تضاءل هذا الدعم بشكل لا يمكن إنكاره في السنوات الأخيرة».
وبدلاً من تهميشه واختيار أحد السياسيين البارزين الآخرين، فإن السياسة الإسرائيلية المتصدّعة تشير إلى أن الرجل الذي يُحاكم بتهمة الفساد مكلف الآن من قبل الرئيس الإسرائيلي «رؤوفين ريفلين» بتشكيل حكومة ائتلافية جديدة. لهذا، لاحظت «إيزابيل كيرشنر» في صحيفة «نيويورك تايمز» أن «الأدوار المزدوجة لنتنياهو كمدعى عليه في محاكمة فساد، وقيامه بتشكيل حكومة جديدة، تعني أن هناك ضائقة سياسية ودستورية تصيب الأمة وتزداد سوءًا من سنة إلى أخرى».
وبالنسبة إلى العديد من المحللين، أصبح واضحًا أن حياة نتنياهو السياسية قد استمرت أكثر مما كان متوقعًا، ولا سيما بالنظر إلى ما يرون أنه احتمالات ضئيلة لتشكيل حكومة ائتلافية من الأحزاب المعارضة لسياساته. وكتب «جوزيف فيدرمان» في صحيفة «واشنطن بوست» أن جهود نتنياهو «لجذب خصومه السياسيين إلى ائتلاف تبدو ذات احتمالات ضئيلة للنجاح». في حين أشار «أوليفر هولمز» في صحيفة «الجارديان» إلى أن «التوقعات الحالية تشير إلى أن نجاح نتنياهو سيحتاج إلى الجمع بين المتشددين من اليمين والقائمة العربية الموحدة، جنبًا إلى جنب مع الأحزاب الأصغر، وأنه نظرًا إلى الاختلافات داخل هذه الأحزاب، فإن التحالف الدائم لهؤلاء الأعضاء هو في النهاية حقيقة غير مرجحة».
علاوة على ذلك، فإن الإسرائيليين أُنهكوا من قيادة نتنياهو الدائمة. وفيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية غير الحاسمة في مارس 2021، صرح «مارك ستون»، من شبكة «سكاي نيوز»، بأن الإسرائيليين أبدوا رفضًا واضحًا لنتنياهو كزعيم لهم، وأظهروا أنهم يريدون أن يرحل الرجل الذي طالما احتل صدارة المشهد السياسي لسنوات عديدة». وخلصت مجلة «ذي إيكونوميست» أيضًا إلى أنه في حين يمكن اعتبار نتنياهو «سياسيًا رائعًا ودبلوماسيًا ماهرًا، إلا أن تصميمه على التمسك بالسلطة يحمل ما قد يضر بالديمقراطية»، وأنه «مع شعوره باليأس من الحصول على أفضلية في الانتخابات، انحنى لتحقيق شراكة مع المتعصبين لليهود». واتفقت مع هذا الرأي صحيفة «واشنطن بوست» بتأكيدها أن ما تحتاج إليه إسرائيل هو «إنهاء عهد نتنياهو وتأثيره الاستقطابي على البلاد».
بالإضافة إلى ذلك، كان تأثير مشاكل نتنياهو القانونية والسياسية على حكم البلاد مصدر انتقادات. وأعرب «شالوم ليبنر»، في مجلة «فورين بوليسي» عن أسفه أن «حكومة إسرائيل ليس لديها أحد يُمسك بزمام الأمور مع وصول البلاد إلى حالة الشلل؛ بسبب سلسلة من الانتخابات غير الحاسمة». وألقى باللوم بشأن هذه الفوضى التشريعية بشكل مباشر على نتنياهو، الذي حل البرلمان بعد إخفاقه في مهمته الموكلة إليه لتشكيل ائتلاف حاكم جديد»، مشيرا إلى أن «عجز الحكومة يجعل الأمر صعبًا للغاية على المُشاركين في الحوار لإجراء حوار يتصف بالمهنية مع مؤسسات الدولة، فضًلا عن تقويض مراكز السلطة المتنافسة لبعضها البعض».
من جانب آخر، فإن الدعم الخافت من واشنطن لعثرات نتنياهو أمر واضح. وعلق «ليبنر» بأن «كلا من الرئيس الأمريكي بايدن ونائبته هاريس قد بذلا جهدًا لتأكيد التزامهما القوي برفاهية إسرائيل، لكنهما كانا حذرين بنفس القدر من عدم تأييد نتنياهو أو رؤيته الشخصية للعالم، حيث لا تزال واشنطن بعيدة -علانية على الأقل- عن الصراع الدائر في إسرائيل واتخاذ قرارها المستقل بشأن أفضل السبل في القضايا التي ستؤثر على إسرائيل بشكل مباشر». لذلك، وعلى عكس ما حدث عندما شغل «ترامب» المكتب البيضاوي، لا يمكن لرئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي الاعتماد على المساعدة السياسية الخارجية من الولايات المتحدة؛ لتخفيف ضغوطه الداخلية.
وفي حسابه لإجراءات السياسة الخارجية الأخيرة للحكومة الإسرائيلية، ادعى «فريد كابلان» من مجلة «سليت» أن الهجوم الإلكتروني الإسرائيلي الأخير على منشأة الإنتاج النووي الإيراني في «نطنز» كان بمثابة «تخريب» فردي من قبل نتنياهو، حيث إن «زرع مناخ من الخوف والأزمة يمثل أفضل أمل له للتمسك بالسلطة». وبالمثل، كان «جاي مينز» قد اقترح قبل الهجوم في مقال لمجلة «فورين بوليسي»، بعنوان خيار «أوزيراك الإسرائيلي»، أن نتنياهو يمكن أن يضرب إيران بنفس الطريقة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق «مناحيم بيجن» ضد العراق حين استهدف قصف مفاعل أوزيراك العراقي عام 1981، على الرغم من أن الأكاديميين اعتقدوا أن مثل هذا الهجوم كان سيتضمن أساليب تقليدية، بدلاً مما استخدم بالفعل من وسائل إلكترونية.
وفي الوقت الراهن، لا تزال فكرة الإطاحة بنتنياهو من السلطة مطروحة للنقاش من قبل بعض الخبراء الغربيين. ونشر «أنشيل بفيفر» في صحيفة «التايمز» تقريرا يشير إلى «نفتالي بينيت»، البالغ من العمر 48 عاما، وهو زعيم حزب «يمينا» اليميني، والذي عمل في الماضي مديرا لمكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وإلى أنه يبدو أن بإمكانه لعب دور رئيسي في إنهاء فترة حكم رئيس الوزراء القياسية البالغة 12 عاما، وربما يصبح رئيس وزراء إسرائيل القادم». وظل «بينيت»، الذي يُطلق عليه لقب «صانع الملوك» الجديد في إسرائيل، غير ملتزم بآراء أو مسارات عمل نتنياهو بعد سنوات شابها الكثير من التنافس والعداء أيضًا. وهكذا، بدلاً من جعل نتنياهو هو من يقرر مستقبل السياسة الإسرائيلية، اقترح «بفيفر» أن هذا المستقبل قد يتحدد قريبا من خلال معركة بين قلب وعقل نفتالي بينيت نفسه». وبغضّ النظر عمن يمكن أن يخلف نتنياهو، دعت مجلة «الإيكونوميست» قادة المعارضة الإسرائيلية إلى «تنحية غرورهم جانبا وجلب بعض الهواء النقي إلى حالة الشرود التي لا معنى لها التي انتابت الحياة السياسية الإسرائيلية، وبالتالي التخلص من الإرث السياسي لنتنياهو».
ومع ذلك، فإن توقعات المحللين لا تستبعد فكرة قدرته على الخروج من هذه الأزمة في نهاية المطاف. وكتب «مارك ستون» في شبكة «سكاي نيوز»: «لا تقللوا من قدرة نتنياهو على إيجاد طريق للبقاء في السلطة، حتى لو تم ذلك عبر صفقة ائتلافية غريبة ومختلة الموازين بشكل لا يمكن تخيله». وفي هذا الصدد، أوضح «جوشوا ميتنك» في مجلة «فورين بوليسي» أنه «بدأ في مغازلة القائمة العربية الموحدة لتشكيل ائتلاف حكومي على الرغم من سياسات حكومته المثيرة للجدل تجاه الفلسطينيين والعرب داخل إسرائيل، وأنه في حالة أن تؤتي مثل هذه الصفقة ثمارها، فإنها ستجعل رئيس القائمة «منصور عباس» صانع ملوك محتملا لنتنياهو في محاولته اليائسة والمتزايدة للتشبث بالسلطة في الوقت الراهن».
واستمرارًا لهذا النهج، أشار «جيفرى جولدبرج»، في مجلة «ذي أتلانتك»، إلى أن نتنياهو معروف بحنكته، وأنه على الرغم من متاعبه وأزماته، سيتوصل إلى إبرام خطة معقولة تمكنه من البقاء كرئيس للوزراء عبر اعتماده على خلق مواءمة بين مزيج من الأحزاب اليمينية والأرثوذكسية المتطرفة لتشكيل ائتلافه إذا تطلب الأمر». وبالمثل، حذرت مجلة «الإيكونوميست» من أنه «يجب ألا نستبعد ما قد يقوم به أبدًا لأنه عنيد وواسع الحيلة ولا تزال هناك عدة طرق يمكن أن يتمسك بها بالسلطة». ومع ذلك، واصلت المجلة تأكيدها أنه «سيكون من العار أن يسلك هذه الطرق في الوقت الذي يريد فيه معظم الإسرائيليين رؤية مغادرته للسلطة».
وفي هذا السياق، قالت «كيرشنر» إن «أفضل حل له للتغلب على مشاكله القانونية هو البقاء في السلطة والحصول على نوع من الحصانة». بدورها، أكدت صحيفة «واشنطن بوست» أن بقاء نتنياهو في السلطة في نهاية المطاف سيعتمد بالأساس على مناوراته، إذ أظهرت مواقفه أنه سيفعل أي شيء تقريبًا لتجنب ترك منصبه في وقت يُحاكم فيه بتهم الرشوة، وهي التهم التي يريد التخلص منها بتشريع يمنحه حق الحصانة».
على العموم، فإنه مع احتمالات استمرار هذه الفترة من حالة عدم اليقين السياسي في إسرائيل بعض الوقت، يمكن أن تكون هذه الحالة بمثابة المرحلة الأخيرة في مسيرة نتنياهو السياسية الطويلة بعد وقوع سلسلة من الفضائح والخلافات والصعوبات السياسية، غير أنه من الواضح أيضًا أنه لا ينبغي تجاهل أو التقليل من قدرته على تجاوز هذه العواصف السياسية والقانونية بطريقة ما، وبالتالي الظهور كرئيس وزراء مرة أخرى.
ومع ذلك، إذا كان هذا سيحدث مستقبلاً، فلا تزال هناك معارضة سياسية كبيرة تواجهه فضلاً عن أن انخفاض نسبة تأييده والمعارضة البرلمانية سيمثلان ضغوطًا مستمرة عليه أو على خليفته.