21/4/2021
النفط في عصر بايدن..علاقات الطاقة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط
من المرجح أن تؤدي رئاسة «جو بايدن»، إلى إحداث تغييرات جذرية في صناعة الطاقة العالمية، حيث يتعين على الرئيس الأمريكي الجديد، الحد من انبعاثات الكربون العالمية، ومعالجة تغير المناخ، بالإضافة إلى دعم قطاع النفط العالمي في أعقاب انهياره بعد جائحة كورونا، وتعزيز الجهود الدولية للقيام بكل ذلك.
وفي ضوء هذه التطورات، عقد «معهد الشرق الأوسط»، بواشنطن، ندوة عبر الإنترنت، بعنوان النفط في عصر بايدن.. علاقات الطاقة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط في ظل إدارة جديدة»؛ بهدف تحليل مستقبل صناعة الطاقة العالمية، وأثرها على الدول التي تعتمد على تصدير النفط، رأسها، «جيرالد فيرستين»، النائب الأول لرئيس المعهد، وشارك فيها، «سامانثا جروس»، مديرة مبادرة أمن الطاقة والمناخ في «معهد بروكنجز»، و«جان سيزنيك»، و«ربى حصري»، من «معهد الشرق الأوسط».
في البداية، أكد «فيرستين»، أن التغييرات في قطاع الطاقة العالمي والجهود المبذولة لمكافحة تغير المناخ، كانت «محور اهتمام» الحملة الانتخابية لبايدن، وأيضًا سياسته الحكومية اللاحقة، مع تحول الغرب إلى الطاقات المتجددة الذي من المرجح أن يتسارع بشكل كبير على مدى السنوات الأربع المقبلة. ومع وضع هذا في الاعتبار، تطرق إلى «التداعيات الخطيرة» على الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط بسبب جائحة كورونا، وكيف أن علاقة الطاقة بين الولايات المتحدة ودول الخليج جعلت صادرات النفط بمثابة «الدعامة الرئيسية للاقتصاد» لهذه الشراكة.
ومن جانبها، أوضحت «جروس»، أن إدارة «بايدن»، تريد أن تكون صناعة إمدادات الكهرباء في الولايات المتحدة متعادلة من حيث الأثر الكربوني بحلول عام 2035. وتعني مثل هذه السياسة أن استخدام الوقود الحفري سيتراجع لصالح أشكال أكثر صداقة للبيئة، مضيفة أنه لهذا السبب، يمثل مستقبل الغاز الطبيعي «معضلة كبرى» لإدارة البيت الأبيض الجديدة؛ في حين أن الجناح اليساري للحزب الديمقراطي ينظر بقوة إلى الغاز الطبيعي على أنه وقود حفري يجب القضاء على استخدامه، فإنه يظل أقل أنواع الوقود المستخدمة حاليًا على نطاق واسع، مؤكدة أنه إذا كان من الممكن احتواء انبعاثات غاز الميثان، فقد يكون «صديقًا للبيئة.
فيما طرحت «جروس»، عنصرًا آخر، هو استخدام الكهرباء في صناعة النقل الأمريكية، حيث إن بايدن «بالتأكيد سيتراجع» عن إلغاء «ترامب»، للقيود المفروضة على انبعاثات السيارات. وستشمل هذه التغييرات إصدار حوافز ضريبية للسيارات الكهربائية الجديدة لكل من المصنعين والمستهلكين، لكن هذا -كما أوضحت- سيكون «تحولاً أبطأ» مما كان متصورا على نطاق واسع بسبب الحاجة إلى بناء بنية تحتية مناسبة للسيارات الكهربائية، وكذلك الحاجة لإقناع الناس بالجدوى المستقبلية لهذه المركبات بديلا عن التي تعمل بالبنزين والديزل. وبمجرد حدوث ذلك، سيُحدث «تأثيرًا كبيرًا» في الطلب العالمي على النفط، حيث يذهب 7.5 ملايين برميل من النفط يوميًا حاليًا إلى المركبات البرية الأمريكية وحدها (من إجمالي متوسط ما قبل الجائحة يبلغ حوالي 100 مليون برميل يوميًا للعالم بأسره)، و5.3 ملايين برميل تتجه يوميًا نحو وسائل النقل الأخرى في الولايات المتحدة. وفي هذا الصدد، أشار «فيرستين»، إلى أن الشركة المصنعة البريطانية «جاغوار»، لن تصنع سوى السيارات الكهربائية اعتبارًا من عام 2025. وبالمثل، تعهدت شركة «فورد»، الأمريكية بالتحول إلى استخدام الكهرباء بالكامل بحلول عام 2030. وبالتالي، يبدو أن مستقبل الشركات الأمريكية سيتجه بعيدًا عن الوقود الحفري نحو مصادر الطاقة المتجددة.
وفي ختام ملاحظاتها، علقت بأن إدارة بايدن بالتالي في «مأزق سياسي»، حيث يمارس كلا الجانبين في حوار الطاقة العالمي ضغوطًا على البيت الأبيض. ومع ذلك، فإن الواقع على المدى القصير هو استمرار صناعة النفط كلاعب رئيسي في الاقتصاد الأمريكي دون «تراجع شديد» إلى أن يتم ترسيخ أشكال بديلة للطاقة بشكل أفضل.
وفي المقابل، ذكر «سيزنيك»، أن دول الخليج عانت من «صدمة هائلة» جراء جائحة كوفيد 19 خلال عام 2020، مما كان له تأثير خطير على دخل حكوماتها. وبالإشارة إلى الانتعاش المستمر لأسعار النفط خلال الأسابيع الأخيرة؛ مع تداول خام برنت الآن فوق 60 دولارًا للبرميل، أقر بأن صناعة النفط قد تعافت بشكل مطرد، حيث وصل الطلب إلى 90 مليون برميل من النفط يوميًا في العالم، وبالتالي فإن عجز الميزانية في البلدان المعتمدة في اقتصادها على عائداته «بدأ في الانحسار».
وحول جهود التنويع الاقتصادي في دول الخليج، أشار إلى أن هذا «ليس بالأمر الجديد»، وأن مثل هذه الجهود تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، وأنه في ظل القيادة الحالية بالمملكة العربية السعودية كان هناك «دفعة هائلة للتنويع»؛ بالابتعاد عن منتجات الهيدروكربونات والاتجاه إلى السياحة والتكنولوجيا والأشكال الأخرى لإنتاج الطاقة كوسيلة للحماية من أي أحداث مماثلة للجائحة في المستقبل. وبالنسبة لدول الخليج، أكد أن «الفكرة النهائية» هي تطوير تقنيات جديدة لإنتاج الطاقة يمكن بعد ذلك الاعتماد عليها وبيعها إلى دول أخرى. وبالفعل، شرعت الإمارات في الأخذ بهذا الاتجاه، مشيرا إلى أنها «فكرة رائعة للمستقبل وستؤتي ثمارها»، لكنه حذر أيضًا من أنه «لا يزال هناك طريق طويل لتحقيق هذه العملية، وستتطلب استثمارات كبيرة من كلا الحكومتين الخليجيتين وجهد خاص».
وردًا على سؤال حول دور السعودية المستقبلي في (أوبك+)؛ أكد «سيزنيك»، أن الرياض «لا تزال تريد أن تظل رائدة» المنظمة، وقد ظهر ذلك في دورها الرئيسي في الاتفاق على تخفيضات الإنتاج مع دول أخرى لتلبية متطلبات الفترة الحالية.
من ناحية أخرى، أشارت «حصري»، إلى أن «السؤال الذي يدور في أذهان الجميع في إيران هو ما إذا كان سيتم تخفيف العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة على البلاد، ومتى سيتم تخفيفها، مع وجود توقع قوي بأن هذا سيحدث، مؤكدة أن «المحصلة النهائية» لسياسة (الضغط الأقصى) لإدارة ترامب هي أنها «فشلت تمامًا» في تقييد صادرات النفط الإيرانية إلى مستوى الصفر. وعوضًا عن ذلك، زعمت أن متوسط الرقم اليومي لصادرات النفط الإيراني لعام 2020 بلغ أكثر من مليون برميل يوميًا، وبحلول يناير 2021 ارتفع هذا الرقم إلى ما يصل إلى 1.5 مليون برميل يوميًا، مع بقاء الصين والهند من بين الدول المستوردة لهذا النفط.
واستكمالًا للمناقشة، أوضحت أنه على الرغم من خطابها العلني بأن إدارة بايدن هي مجرد استمرار لسلفها، فإن القادة الإيرانيين «سعداء برؤية رحيل ترامب» ويعتقدون أن بإمكانهم التعامل مع بايدن. ومع ذلك، فقد أقرت بأن الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة ستمثل «الاختبار الأقوى» للعلاقات الأمريكية الإيرانية المستقبلية، وبالتالي علينا جميعًا الانتظار حتى الصيف على الأقل لاتخاذ إجراء رئيسي على هذه الجبهة.
علاوة على ذلك، فإنه في حال لم تستعد الولايات المتحدة وإيران الاتفاق النووي لعام 2015، وخففت واشنطن بدورها من بعض العقوبات، فقد أشارت «حصري»، إلى أن إيران أبلغت أوبك بالفعل أنها لن تقبل أي قيود جديدة على معدلات إنتاج النفط لديها أو مبيعاته، مما يدل على أنها «تستعد بالفعل» لزيادة في عائداتها النفطية و«استباق» أي محاولة للحد من جهودها في هذا الصدد. غير أن الأمر المثير للاهتمام حقًا، كما تقول «حصري»، لا يدور حول ما إذا كانت قادرة على زيادة إنتاجها، بل حول «الطريقة التي سيغير بها النظام الإيراني سنوات من نقص وانعدام التمويل في قطاع الطاقة ويغري كلاً من جهات التمويل المحلي والاستثمارات الأجنبية لتطوير مرافق الإنتاج لتلبية تلك الزيادة».وعن سؤال «فيرستين»، حول الصين وما هو موقفها من التفاوض مع طهران وسياستها فيما يتعلق بالاعتماد على موارد الطاقة، لاسيما وأنها تعتبر «مستهلكا رئيسيا آخر للنفط» إلى جانب الولايات المتحدة؛ أجابت «جروس»، أنه بالفعل كانت هناك تغييرات من بكين فيما يتعلق بنهجها حيال صناعة الطاقة، حيث عادت للانضمام إلى اتفاق باريس بشأن تغير المناخ في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة، وهو الشيء الذي يثبت مدى اعترافها بقوة واشنطن وعودتها إلى لعب دورها الدولي المعتاد». وبالمقابل، ستظهر الصين «بعض الاستعداد على الأقل للعودة إلى المفاوضات بشأن خفض الانبعاثات الكربونية العالمية. ومع ذلك، أشارت أيضًا إلى أنه على الرغم من أن الصين كانت «تتخذ الخطوات الصحيحة داخل مدنها» لإنهاء مسألة تعدين الفحم والاستخدام الكلي للسيارات الكهربائية، فقد شهدت استثماراتها الخارجية ضخ أموال طائلة في مجالات الطاقة عالية التلوث الناتجة عن الوقود الأحفوري.
كما أثارت «جروس»، قضية «الطاقة النووية»، كبديل محتمل لموارد النفط والفحم والغاز الطبيعي. وفيما يتعلق بمعالجة مخاوف السلامة بشأن استخدامها، ذكرت أنها تعد «الأكثر أمانًا» وباتت «ممكنة بالتأكيد» مع وسائل التقدم التكنولوجي، ولكن التحدي الحقيقي لهذا الشكل من الطاقة ورفضه تطغى عليه شكوك الرأي العام في النهاية. ولعل الدليل على ذلك، هو ما أشارت إليه من أن الشعب الألماني «رفض تمامًا» الاعتماد على الطاقة النووية كشكل من أشكال إنتاج الطاقة لديه، على الرغم من أن فرنسا تستخدمها على نطاق واسع.
وفيما يتعلق بسؤال «فيرستين»، حول السياسة النفطية للعراق ومدى جدواها، انتقدت «حصري» عدم وجود استراتيجية واضحة للطاقة ترعاها واشنطن تجاه بغداد، موضحة أهمية مكانة العراق كمنتج للنفط هي جيوسياسية في المقام الأول نظرًا لارتباط العراق بإيران، وهو الشيء الذي لطالما استغلته الأخيرة في الماضي للحصول على العملة الصعبة وتجنب شدة وطأة العقوبات الاقتصادية، مشيرة إلى أن قطاع النفط المحلي في العراق «لا يمكن أن ينمو بالطريقة المثلى» بسبب النظام السياسي الحالي، والذي «بات غير قادر على إدارة البلاد» كنتيجة مباشرة للغزو الذي قادته واشنطن عام 2003، كما أن صناعة النفط العراقية تمر حاليًا بـ «بالحقبة الصينية»، مع تقلص مشاركة وإسهامات الدول الغربية في تلك الصناعة مع مرور الوقت.
وحول مدى تأثير جائحة كورونا على أسواق النفط العالمية، لاحظت «جروس»، أنه في حين كان للوباء «تأثير لا يستهان به» على الطلب على صادرات النفط، لا يزال هناك مستقبل يكتنفه الغموض بشأنها، بحيث لا يمكن لأحد حتى الآن التنبؤ به. ومع ذلك، أكدت أن هناك «فرصة كبرى» لما يسمى «بالاستثمارات الخضراء، أو الصديقة للبيئة» التي تتولاها المؤسسات والمنظمات متعددة الجنسيات لمواصلة الابتعاد عن موارد الوقود الأحفوري، لا سيما مع وجود هيئات مثل الاتحاد الأوروبي، الذي هو من أكثر المتحمسين لتبني مثل هذه الاستثمارات لتسهيل الانتعاش الاقتصادي في 2021 و 2022.
على العموم، قدم «معهد الشرق الأوسط» عرضًا شاملاً للتطورات التكنولوجية والسياسية حول صناعة الطاقة العالمية في «عصر بايدن»، وما سيلحق بها خلال السنوات القادمة، وتم تسليط الضوء على سياسات كل من الولايات المتحدة، ودول الخليج، وإيران، وتقديم تفاصيل وافرة عن المسارات المستقبلية لكل من هذه الجهات الفاعلة في تلك الصناعة. علاوة على ذلك، كان هناك أيضًا اهتمام ببقية دول العالم وتم التركيز على التطورات والاتجاهات التكنولوجية المستقبلية، وعلى الأخص الأهمية المتزايدة لتطوير الطاقة الكهربائية، وكيف ستلجأ كل من هذه الجهات الفاعلة إليها، ومع أنه من الواضح أن المستقبل سيتبنى المشروعات الخضراء الصديقة للبيئة، يظل الحاضر يعتمد على الصادرات النفطية بشكل رئيسي.