top of page

28/4/2021

انعكاسات انسحاب أمريكا من أفغانستان على وجودها في منطقة الخليج

لم يكن إعلان بايدن في أبريل 2021 أن القوات الأمريكية ستغادر أفغانستان مفاجأة للغرب، فقد كان مثل هذا الانسحاب من أطول حرب خاضتها أمريكا وعدًا رئيسيًا في حملته الانتخابية، حيث ستتم العودة النهائية للقوات في 11 سبتمبر 2021، وذلك بعد عشرين عامًا من هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، والتي كانت الدافع الأساسي لتدخل واشنطن في أفغانستان.

وفي الوقت الحالي، هناك انقسام واضح بين المعلقين على ما إذا كان قرار الانسحاب يستحق التأييد أم لا، فضلا عن وجود تساؤلات حول ما هي آثاره التي ستترتب على أفغانستان والولايات المتحدة وحلفاء الأخيرة في الشرق الأوسط الذين تشكل أراضيهم قواعد لآلاف من القوات الأمريكية، وحول ما إذا كان القرار نهجًا معقولاً لإنهاء الحرب هناك، والتي تعرف باسم «الحرب الأبدية»، أو في المقابل يعد تخليًا كارثيًا محتملاً عن مهمة أمريكا في المنطقة.

في البداية، من المهم ملاحظة أن فكرة الانسحاب ربما جاءت نتيجة لعدم الاهتمام بهذه القضية من جانب السياسيين والعامة، وخاصة أن الصراع كان على هامش الاهتمام المحلي الأمريكي لسنوات عديدة. ولم تستحوذ الحرب هناك على اهتمام الرأي العام أو أعداء الولايات المتحدة كما فعلت الحرب في العراق. ففي حين عارض 62% من الأمريكيين وجود بلادهم في العراق عام 2007، لم تصل نسبة معارضة الوجود في أفغانستان إلى ما يزيد على 45% منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وفي عام 2019، أظهر استطلاع أجرته شبكة «إن بي سي»، أن ثلث الأمريكيين فقط يفضلون «انسحابًا سريعًا ومنظمًا»، حيث عارض 58% مثل هذا الإجراء. وخلص «جيوفاني روسونيلو» في صحيفة «نيويورك تايمز»، إلى أنه «من الممكن التفكير في القرار بأنه ليس استجابة للطلب العام، ولكن خطوة يعتقد أنها ضرورية وغير مكلفة نسبيًا في مجال الرأي العام».

وبالنسبة للمحللين الذين يدعمون قرار بايدن بالانسحاب، فإن حجتهم هي عدم تلقي واشنطن عائدًا يستحق لوجود قواتها هناك، فضلا عن إدراكهم صعوبات اتخاذ هذا القرار، الذي لم يستطع أسلافه القيام به. وكتب «روبي جرامر»، و«جاك ديتش» في مجلة «فورين بوليسي»، أن «الإدارات المتعاقبة فشلت في الوفاء بوعودها الانتخابية بالانسحاب من أفغانستان، مما أدى إلى عقدين من الصراع وإنفاق عشرات المليارات من الدولارات في المجال العسكري ومشاريع بناء الدولة في أفغانستان». وقدم سفير واشنطن السابق في أفغانستان، «مايكل ماكينلي»، تحليلاً في مجلة «فورين أفيرز»، أوضح فيه أن بايدن اتخذ «خيارًا صعبًا، ولكنه صحيح في لحظة من التحولات التاريخية في الحقائق الجيوسياسية العالمية». وعلق «هنري أولسن» من صحيفة «واشنطن بوست»، بأن القرار «يعكس حقيقة مؤسفة، ومع ذلك فهو القرار الصحيح». ووصف السياسيان الديمقراطيان «بيرني ساندرز»، و«رو خانا» الانسحاب بأنه «خطوة شجاعة وفرصة للنظر في التكاليف الهائلة لحوالي 20 عامًا من الحرب، والالتزام بطريقة أفضل نحو دعم الأمن والازدهار للأمريكيين».

ومن جانبه، رأى «أنتوني كوردسمان» من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، أنه «لا توجد طريقة جيدة يمكن من خلالها انسحاب واشنطن من أفغانستان، لكنها لا يمكنها الانتظار إلى أجل غير مسمى لتحسين مظهرها كراعية للسلام». وقدم رؤية إيجابية بشأن الانسحاب، حيث سيكون له «فوائد استراتيجية كبرى، لأنه سيحرر موارد الولايات المتحدة لتتمكن من التعامل مع العديد من مراكز عدم الاستقرار والتطرف خارج المنطقة. وتماشيًا مع ذلك، أوضح «ستيفن والت»، من جامعة «هارفارد»، أن «البقاء لفترة أطول لن يغير نتيجة الحرب»، على الرغم من أنه وصف أيضًا الانسحاب بأنه «ليس الحل الأفضل، وليس لحظة احتفال».

وبالنسبة لبعض المحللين تعتبر هذه الخطوة «قرارا صحيحا»، نظرًا إلى اعتقادهم أن واشنطن ليس لديها الكثير لإنجازه في البلاد. وأوضحت «إيما آشفورد»، من «المجلس الأطلسي»، أن «المحصلة النهائية هي أن واشنطن أنجزت ما ذهبت من أجله في أفغانستان، وهو الانتقام لما حدث في الحادي عشر من سبتمبر والإطاحة بطالبان، وأن هذا تحقق بالفعل منذ عام 2003 تقريبًا»، لذلك فإن «كل شيء منذ ذلك الحين كان توسيعًا للأهداف الأصلية، وهو ببساطة ليس ضروريًا لأمن الولايات المتحدة».

وردًّا على هذه الحجج، أشار عدد كبير من المعلقين إلى الانسحاب باعتباره «تخليا عن أفغانستان لتواجه مصيرها، والذي يتضمن سيطرة طالبان عليها إلى حد كبير، مشيرين إلى أن الوجود الحالي للولايات المتحدة ليس بحاجة إلى التقليل ليصبح عدد جنودها هناك 2500 فقط. وأوضح «مارفن وينباوم» من «معهد الشرق الأوسط»، أن «الانسحاب الآن يعد خطأ؛ لأن الإجراء قصير النظر وضيق في فهمه للمصالح الأمنية الأمريكية على المدى الطويل، حيث يماثل سياسة «أمريكا أولاً» من حيث إظهار عدم الاهتمام بالعواقب بالنسبة للوضع السياسي الراهن في أفغانستان، والذي هو إلى حد كبير من صنع الولايات المتحدة»، وحذر كذلك من أوجه التشابه مع الانسحاب السوفيتي في أواخر الثمانينيات، مشيرًا إلى أن فراغًا آخر في السلطة قد ينشأ لصالح المتطرفين الإسلاميين مثل طالبان. وخلافًا لحجة «آشفورد» -المذكورة أعلاه- ادعى «ماثيو كرونيج» من «المجلس الأطلسي»، أنه بالنسبة للولايات المتحدة «لا يوجد خطأ في التواجد الدائم، وخاصة أن التكاليف المحتملة للمغادرة أعلى من تكاليف الاستمرار».

من جانب آخر، مثل توقيت إعلان الانسحاب معضلة أخرى، خاصة مع استمرار المحادثات بين الحكومة الأفغانية وطالبان، حيث يبدو أنه يقوّض الموقف التفاوضي لكابول. وأوضح «مايكل كوجلمان» في مجلة «فورين بوليسي»، أن «خطة الانسحاب تعقّد جهود الولايات المتحدة للتوسط في السلام بين الحكومة الأفغانية وطالبان، وأنه بعد الانسحاب في سبتمبر، لن تكون القوة العسكرية الأمريكية موجودة للحد من انتشار طالبان». وبالمثل، حذر «عرفان نور الدين»، من «المجلس الأطلسي»، من عواقب الانسحاب؛ لأن «الحكومة في كابول يتم تقويضها، وطالبان وحلفاؤها لديهم القوة، ولن يصبح ممكنًا إيقاف إراقة الدماء في أفغانستان».

بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك أيضًا تحذيرات من تكرار أخطاء الماضي. وحذر النائب الجمهوري، «مايك والتز»، من أن إدارة بايدن «تكرر أخطاء انسحاب الرئيس أوباما من العراق عام 2011»، مضيفًا أن «الاستخبارات أوضحت أن القاعدة وغيرها من المنظمات الإرهابية ستنمو في الفراغ القادم وستظل تستهدف الولايات المتحدة وحلفاءها.

ووصف «ديفيد سيدني» من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، القرار بأنه «غبي استراتيجيا، وكارثة إنسانية ومُستهجن أخلاقيًا». واستمرارًا لهذه الانتقادات، عقد بعض المحللين مقارنة بين بايدن وسلفه. وكتب «إيليوت كوهين» في مجلة «ذي أتلانتيك»، أن «إدارة بايدن تُشبه حقًا إدارة ترامب ولكنها تتصف بشكل حضاري»، كما وصف جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق لترامب القرار أيضًا بأنه يعد «خطأ فادحا وفشلا في القيادة»، مضيفا أن «بايدن يبدو مثل سلفه، وأنه ينفذ سياساته مع تعديلات طفيفة فقط».

وعلى الرغم من وجود هذه الانقسامات، فإن هناك بعض نقاط الاتفاق. وعلى وجه الخصوص، هناك إجماع قوي على أن إدارة بايدن يجب أن تتجنب الوقت والقرار الذي يقيد مصالح البلاد. وفي الوقت الحالي، لا يخضع تاريخ انسحاب القوات من أفغانستان في سبتمبر 2021 للوضع على الأرض، مما يعني أنه في شكله الحالي، سيتم سحب أفراد الجيش الأمريكي بغض النظر عن استقرار الوضع هناك، كما تم اتخاذ القرار من دون اتفاق لوقف إطلاق النار أو اتفاق سلام مع حركة طالبان، مما يزيد من احتمالية أن تنتظر المجموعة المسلحة فقط الانسحاب قبل أن تضرب العاصمة كابول».

ومن خلال تقديم صورة قاتمة للمستقبل، علق «كوهين»، أنه «في أفغانستان ما بعد الولايات المتحدة لن يكون هناك تقاسم للسلطة، ولا مصالحة، ولا سلام للشجعان»، وستستمر الحرب وستبقى البلاد ساحة نزال لتنافس القوى العظمى، فضلاً عن موطن الأصولية الإسلامية السامة وغير التائبة التي كانت تؤوي القاعدة في السابق». ومع أخذ هذا في الاعتبار، حذر «ويليام وشسلر» من «المجلس الأطلسي»، من أنه في حين أن «التهديد الجهادي السلفي في المنطقة أضعف بكثير مما كان عليه قبل عقدين من الزمن، فإنه يجب على إدارة بايدن أن تتجنب السياسات التي لا تفرض إلا حظرًا فارغًا ضد مثل هذه العمليات غير المباشرة».

وهناك أمر آخر يتفق فيه المحللون إلى حد كبير، وهو أن الصراع في أفغانستان لم يحقق نتيجة حاسمة بالنسبة لواشنطن. وأشار كل من «ديتش»، و«جرامر» إلى أن «الإعلان عن نهاية اللعبة لأفغانستان يأتي في الوقت الذي تكافح فيه البلاد لرسم مستقبلها بعد الحرب»، في حين أشارت «كيمبرلي دوزير» و«دبليو هينيغان»، في مجلة «التايم» أيضًا إلى أن هذه الخطوة «تترك أفغانستان في حالة تخبط» فيما يرقى إلى «نهاية تعسة لحرب سيئة الإدارة بشكل مزمن والتي تداعت دون أن يلاحظها الأمريكيون». وأضاف «كوجلمان»، أن «الولايات المتحدة ستنهي قريبًا أطول حرب خارجية لها. وبالنسبة للأفغان، فقد استمرت الحرب ضعف المدة، كما أن معظم الأفغان لا يتمتع برفاهية الهروب منها».

من جانب آخر، أثار القرار أيضا تساؤلات حول الوجود الأمريكي الخارجي، ولا سيما في منطقة الخليج، حيث تسحب إدارة بايدن وجودها من العراق، على غرار إدارة ترامب. وكتب «دانييل ديبتريس» في صحيفة «ذا هيل»، أن «الوقت مناسب الآن لانسحاب أمريكي كامل من العراق، ولا يعني أن داعش لا تزال تعمل في العراق أن القوات الأمريكية بحاجة إلى أن تكون هناك»، مضيفا «يمكن لإدارة بايدن سحب قواتها المتبقية؛ لأن المهمة التي سعت واشنطن لإنجازها وهي القضاء على داعش قد انتهت». وكتب «إيريك شميت»، و«هيلين كوبر»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، أن الانسحاب من أفغانستان يُظهر أن الولايات المتحدة تخطط الآن «للقتال مع البقاء بعيدا في ارتباطاتها المستقبلية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى». وكجزء من هذا، يمكن لها وضع قوات في جمهوريات آسيا الوسطى، ومن ثم توسيع نفوذها في الخارج بدلاً من الحد منه. وأشار «كولين كلارك»، من مركز «صوفان» أيضًا إلى احتمال وجود قواعد أمريكية جديدة في هذه البلدان، حيث إن «الاعتماد فقط على القواعد الحالية في الخليج لن يكون مناسبًا من حيث نقل قوات الرد السريع لضرب أهداف مهمة».

وبالنسبة لـ«ستيفن سايمون»، و«ريتشارد سوكولسكي»، من «مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي»، فإن الانسحاب من أفغانستان والعراق يمكن أن يكون له تأثير على أعداد القوات الأمريكية المتمركزة في دول الخليج، حيث إن «إدارة بايدن ستستمر في النضال لمعرفة مقدار ما يكفي لاحتياجاتها العسكرية فيما يتعلق بالآلاف من العسكريين الآخرين في الخليج». ومع ذلك، فقد أكدا أيضًا أن «المحرك الرئيسي للوضع الحالي للقوات الأمريكية هو احتمال نشوب صراع مع إيران»، وبسبب هذا، فإن الطريقة الوحيدة القابلة للتطبيق أمام الولايات المتحدة لتبرير انسحاب قواتها من الخليج ستتمثل في إيجاد حل لتطلعات طهران النووية والإقليمية، وهو الأمر الذي يبدو غير مرجح حاليًا. ومع ذلك فقد أفادت بالفعل عدة مصادر بأن واشنطن قد سحبت بعض البطاريات المضادة للصواريخ من الخليج وكذلك أنظمة المراقبة وبعض الجنود؛ ربما تمهيدا لمزيد من التغييرات الجوهرية.

على العموم، يتضح جليًا وجود انقسام بين المحللين حول قرار بايدن الانسحاب من أفغانستان. وعلى الرغم من الإشادة به باعتباره إجراء محددًا لإنهاء أطول حرب للولايات المتحدة، فقد حظي بالازدراء بنفس القدر باعتباره يكاد يماثل التراجع عن مسؤوليتها لضمان الاستقرار في البلاد، وبالتالي مقياسًا لكيفية عملها في ظل إدارة جديدة لن تكون قادرة على دعم وحماية حلفائها القدامى.

علاوة على ذلك، فإن الانسحاب يفتح الباب أمام عودة محتملة لطالبان، وهو الأمر الذي من شأنه أن يقوض ما قدمته واشنطن طوال 20 عامًا. وأخيرا، وبينما أوضح «سايمون» و«سوكولسكي» أن انسحابًا مشابهًا للولايات المتحدة من الخليج غير مرجح حاليًا نظرًا إلى احتياجات مكافحة الإرهاب وردع إيران، يبقى السؤال الطويل المدى حول المدة التي ستنظر فيها واشنطن إلى وجودها في منطقة الخليج باعتباره لا يزال أمرا ضروريا لاحتياجاتها.

{ انتهى  }
bottom of page