top of page

6/5/2021

ثغرات بالقانون البريطاني تسمح بنشر الإرهاب

لطالما كانت المملكة المتحدة هدفًا للمتطرفين والإرهابيين الذين يهدفون إلى نشر الفوضى والذعر بين سكانها لكونها دولة غربية رائدة، الأمر الذي يجعل مكافحة الإرهاب تمثل أحد أكثر اهتمامات الأمن القومي إلحاحًا بها. وعلى مدار سنوات، استثمرت بريطانيا في إنشاء مؤسسات ومنظمات لأداء هذه المهمة. وبالنسبة للسنة المالية 2020-2021، خصصت الميزانية الوطنية 114 مليون جنيه إسترليني لعمليات مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى 83 مليونا إضافية لشرطة مكافحة الإرهاب، و31 مليونا أخرى لأجهزة الاستخبارات لاعتراض المهاجمين المحتملين.

وعلى الرغم من تخصيص الملايين لجهود مكافحة الإرهاب، فإن تهديد التطرف للأمن القومي يتزايد في ظل وجود موجة من الأنشطة المتطرفة والتجنيد عبر الإنترنت، والذي سهلته جائحة كورونا، مع وجود عدد كبير من العالقين جراء الإغلاق، وبالتالي من المرجح أن يستخدموا الإنترنت ويصادفوا المواد التي ينشرها هؤلاء المتطرفون. ويمثل عدد الأطفال والشباب الذين استغلتهم مثل هذه الأيديولوجيات المتطرفة عبر الإنترنت مصدر قلق كبير في هذا الشأن.

وفي محاولة لمعالجة هذه القضية، رصد تقرير جديد صادر عن «لجنة مكافحة التطرف»، بعنوان: «العمل مع الإفلات من العقاب، التطرف البغيض.. الحاجة إلى إطار قانوني»، أعده كل من «سارة خان»، رئيسة لجنة مكافحة التطرف، و«مارك رولي»، القائد السابق لشرطة مكافحة الإرهاب؛ أن المملكة المتحدة تعاني حاليًا من «غياب صارخ للتشريعات»، التي تتصدى للتطرف عبر الإنترنت، حيث يسمح القانون الحالي «بتمجيد الإرهاب وجمع المواد التي تشجيع عليه، وتعمد إثارة الكراهية والعنصرية» من قبل مجموعات مثل داعش. 

وبشكل أساسي، ركز التقرير على المعايير القانونية المُربكة فيما يتعلق بالتطرف ومحتواه، وبالتالي تمكن المتطرفون من استغلال الثغرات في امتلاك ونشر المواد والأيديولوجيات المتطرفة. وكتبت «خان»، أنه منذ تفجيرات لندن عام 2005، أصبحت «أحد الألغاز طويلة الأمد للحكومة هو كيفية التعامل مع الجماعات المتطرفة أو الأفراد الذين لم يتم القبض عليهم بموجب تشريعات مكافحة الإرهاب، ومع ذلك يشكلون خطرًا أمنيًا كبيرًا».

ومن جهته، أضاف «رولي»، أنه «أصيب بالصدمة من حجم المواد والسلوك المتطرف الذي يعتبر قانونيًا، خاصة أن القوانين فشلت في مواكبة التهديد المتطور للتطرف في الوقت الحالي». ولعل أبرز الأمثلة على ذلك، عدم عمل سلطات مكافحة الإرهاب بشكل فعال فيما يتعلق بداعية الكراهية «أنجم شوداري»، الذي جند ما بين 70 و100 شخص في أنشطة إرهابية في التسعينيات، والعقد الأول والثاني من القرن الحادي والعشرين؛ ولكن تمت مقاضاته وإدانته فقط بسبب أفعال غير قانونية عام 2016، وذلك بعد سنوات عديدة من بدء توجيه الشباب إلى التطرف. وعلقت «خان»، أنه إذا ظهرت شخصية من هذا النوع غدًا، فسنبقى على ما نحن فيه في نفس الموقف «المتمثل في عدم قدرتنا على كبح نفوذه الشائن».

وتأكيدًا لهذه النقطة، لاحقت الشرطة البريطانية في سبتمبر 2020، قائدا بارزا في جماعة المهاجرين المحظورة التابعة لشوداري في مطاردة عنيفة، بعد أن قطّع بطاقة المراقبة الإلكترونية التي أمرت بها المحكمة وهرب من منزله. وعلى الرغم من أنه تم القبض على المشتبه به في غضون 24 ساعة، فإن فقدان السلطات مثل هذا الجاني الخطير أظهر كيف أن منع الهجمات من قبل هؤلاء الأفراد لا يمكن ضمانه حاليًا.

علاوة على ذلك، أُحبطت الإجراءات التي اتخذتها «وستمنستر»، لمعالجة هذه المخاوف سابقًا من خلال الاعتراضات القانونية. ولاحظ «فيكرام دود»، في صحيفة «الجارديان»، أن «الحكومات المتعاقبة منذ عام 2005 حاولت تشديد موقف الحكومة ضد التطرف، لكنها فشلت جميعها بسبب المخاوف من أن القوانين الجديدة قد تجرّم المعارضة وحرية التعبير والآراء التي لا تحظى بشعبية». وفي محاولة الآن لإصدار توجيهات أوضح للمستقبل، أوصى «خان»، و«رولي»، بتكوين «إطار قانوني وعملي لمواجهة تهديد التطرف، بالإضافة إلى توسيع نطاق الجرائم الحالية المتعلقة بإثارة الكراهية إلى جانب الإرهاب والاستغلال عبر الإنترنت».

ولاستهداف مجموعات المتطرفين الذين كانوا في السابق بمقدورهم المطالبة بالتمتع بالحماية القانونية؛ أكد معدو التقرير، أن تلك الجماعات «التي تنخرط عن قصد وباستمرار في التطرف لا يمكن حظرها بموجب القوانين الحالية». وفي سعيهم لمنع الانتقادات الموجهة لانتهاكات حرية التعبير، أضافوا أن هذا التقرير يرسم «مسارًا يمكن للحكومة أن تسلكه يضمن حماية حرية التعبير مع تقييد النشاط الخطير للتطرف». ولتأييد هذا الأمر، دعوا إلى «اتخاذ إجراءات عاجلة لملء الفراغ القانوني المحيط بالتطرف والراديكالية». 

وعلى هذا النحو، حظيت توصيات التقرير بتأييد كل من رئيس الوزراء السابق، «ديفيد كاميرون»، و«توني بلير»، وكذلك الناشط في مجال حقوق الإنسان، «بيتر تاتشيل»، كما أعرب «نيل باسو»، القائد الحالي لشرطة مكافحة الإرهاب عن دعمه له، إلى جانب رئيس أساقفة كانتربري ورئيس المجلس الاستشاري الوطني للمساجد والأئمة في المملكة المتحدة.

ومع وضع ذلك في الاعتبار، أشار التقرير إلى أحد الجوانب المهمة في مكافحة الإرهاب وهو تأثير الإغلاق القسري جراء جائحة كورونا، وانتشار المواد المتطرفة على الإنترنت. وكتب «رولي» أن «التأثير الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي قد حول التطرف من عرض جانبي إلى تهديد كبير». وأوضح «دانيال كيميج» من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، أن «الإنتاج الدعائي لداعش أضحى أكثر صعوبة؛ كونه يعمل في مشهد أكثر عدائية تجاهها على وسائل الإعلام الاجتماعية مما جعل الوصول إلى ما تنتجه أقل سهولة في ضوء التضييق عليها من قبل شركات التكنولوجيا». 

وبالرغم من تلك الجهود، ظهرت نظريات المؤامرة والدعاية والمعلومات المضللة من الجماعات المتطرفة اليمينية والبيض المتطرفين. واستشهدت التقرير باستطلاع أجري عام 2020 وجد أن 15% من الشباب عامة، و20% من الذكور في بريطانيا يعتقدون الآن أن «الرواية الرسمية للمحرقة النازية كذبة، كدليل صارخ على أن مثل هذه الجماعات تتبنى نظريات المؤامرة اليمينية حول الإنترنت وتؤثر على أفكار الشباب والبالغين».

وتمثل وسائل التواصل الاجتماعي أداة شائعة للمتطرفين لاستهداف أولئك المعرضين للانجذاب لآرائهم المنحرفة. ووفقًا لـ«مايكل شوارتز» في صحيفة «نيويورك تايمز»، فإنه على وجه الخصوص، أصبح تطبيق (تليجرام)، «ملاذا لـمنظري المؤامرة اليمينيين المتطرفين والعنصريين والمناهضين للسلطة»، وذلك بعد أن قامت مواقع تويتر وفيسبوك بقمع مواد التطرف عقب أحداث الشغب في مبنى الكابيتول بواشنطن في يناير 2021. ومع ذلك، تمكن المتطرفون اليمينيون من الحفاظ على وجود قوي لهم على الإنترنت، حيث أشار التقرير إلى أن تلك المواد التي «لا تزال قانونية ومتاحة في بريطانيا، بما في ذلك تلك التي وزعتها المنظمات الفاشية المتطرفة التي تروج ادعاءات كاذبة حول إبادة جماعية للبيض تهدف إلى إثارة الكراهية ضد مجموعة عرقية أو دينية».

وفي حين أن هذه الوسائل مثلت تاريخيًا أرضًا خصبة للجماعات المتطرفة ونظريات المؤامرة الخاصة بها، فقد شهدت الأشهر الأخيرة تحركًا متزايدًا لجهود التطرف نحو ألعاب الفيديو والأطفال الذين يستخدمونها. وتوصلت الأبحاث التي أجرتها مبادرة «تكنولوجيا مكافحة الإرهاب» إلى أن لعبة الفيديو الشهيرة «روبلوكس»، قد تم استخدامها لهذا الغرض، حيث يشجع المتطرفون المستخدمين على لعب الأدوار كإرهابيين مشهورين مثل القاتل الجماعي النرويجي، (أندرز بريفيك). فيما حاولت المجموعة القومية البيضاء اليمينية، «البديل الوطني»، تجنيد أتباع باستخدام لعبة إطلاق النار العنيفة «كول اوف ديوتي: مودرن وورفير».

ومع ذلك، كان هناك المزيد من الإجراءات الضرورية لمواجهة ذلك التطرف، ومنها إطلاق تطبيق جديد باسم «iREPORTit» للهواتف الجوالة بهدف السماح لمستخدميها -دون التعريف بهويتهم- بالإبلاغ عن المواد الإرهابية المنشورة عبر الإنترنت بحيث يمكن إزالتها. وفي هذا الصدد، علق «نيل باسو» رئيس شرطة مكافحة الإرهاب قائلاً: «الضباط المتخصصون جاهزون للنظر في كل إحالة يتم إرسالها عبر التطبيق لإزالة مواد التطرف والعنف المنشورة على مواقع الويب». ويشير الواقع إلى أن هناك حاجة ماسة إلى مثل هذه التقنيات للإبلاغ عن المواد المتطرفة، حيث وجدت الأبحاث والدراسات التي أجراها مجلس مدينة لندن، أن «أربعة من كل خمسة من سكان لندن لا يعرفون المسار الصحيح للإبلاغ عن المواد المتطرفة المنشورة عبر الإنترنت إلى السلطات المعنية».

وتأتي الحاجة إلى وجود تشريعات جديدة لمواجهة التطرف في وقت شهد فيه المجتمع الغربي تصدر الأيديولوجيات المهمشة وملامح الغوغائية المشهد السياسي الراهن، وكان أبرز مثال على ذلك، أعمال التطرف والشغب التي ارتكبها مؤيدو الرئيس الأمريكي السابق، «دونالد ترامب»، وإيمان أنصار حركة «كيو آنون» اليمينية المتطرفة،  بنظرية المؤامرة وسعيها لإلغاء الانتخابات الأمريكية، مما أدى إلى اقتحام مبنى الكابيتول. وردًا على هذا العنف، كتبت «جيسيكا وايت» من «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، أنه على الرغم من أن مصادر التطرف اليميني «ضبابية» بطبيعتها وغير واضحة، إلا أن هناك «أدلة متزايدة» تربط المتورطين في مثل هذه الأعمال من الشغب بـ«الشبكات والمنظمات المتطرفة التي تنشر موادها المسمومة على المواقع الإلكترونية».

ومن جانبه، وصف الأمين العام للأمم المتحدة، «أنطونيو غوتيريش»، حركات تفوق العرق الأبيض والنازية الجديدة بأنها «ليست مجرد تهديد إرهابي محلي، بل عابر للحدود». وأصبحت هذه الحركات المتطرفة اليوم تمثل التهديد الأول للأمن الداخلي في عدة دول، وهناك أدلة على امتداد صور تأثيرها وانتشارها داخل الأجهزة الأمنية الغربية. وكانت مفوضة شؤون الجيش في البرلمان الألماني، «إيفا هوجل»، قد أعلنت استنادا إلى بيانات وكالة الاستخبارات العسكري، ارتفاع عدد حالات التطرف اليميني الجديدة المشتبه بها داخل صفوف الجيش من 363 عام 2019 إلى 477 حالة عام 2020 وحده، في حين بدأ «البنتاجون»، أيضًا تنفيذ برنامج لاقتلاع جذور التطرف، التي تعتبر بمثابة تهديدات تمس الأمن القومي، داخل صفوفها النظامية.

وعلى الرغم من ذلك، فإنه في عصر التطرف الراهن، تظل العوامل الديناميكية الأكثر إثارة للصدمة هي ميل مجموعات كبيرة من الشباب والأطفال إلى الانخراط في مثل هذه الأنشطة المتطرفة. وفي بداية فبراير 2021، أدين صبي 16 عاما من مدينة كورنوال في جنوب غربي إنجلترا، بارتكاب 13 جريمة تتصل بأعمال العنصرية والإرهاب، بما في ذلك تحميل دليل لصناعة القنابل من شبكة الإنترنت، بالإضافة إلى ذلك قاد إحدى الأذرع البريطانية التابعة لشبكة إرهابية نازية جديدة محظور نشاطها.

وفي حالة أخرى، تم اكتشاف شبكة إرهابية مكونة من مجموعة من النازيين الجدد في مدينة ديربي بقيادة شاب يبلغ من العمر 15 عامًا، وكانت تلك الشبكة تتألف بالكامل من أطفال أرادوا  مهاجمة أهداف في بلدة دوفر، ناهيك عن اتهامهم بحيازة أسلحة وتعديلها لتكون أسلحة حية. وفي 20 فبراير 2021، تم اتهام صبي 15 عامًا من مدينة برمنجهام بارتكاب جرائم إرهابية في أحدث سلسلة طويلة من الجرائم المروعة. وفي الوقت الحالي، لا يظهر استمرار مثل هذه الاعتقالات والإدانات أي علامة على التراجع حيث تواجه بريطانيا واقعًا متغيرًا مقلقًا في جهودها لمكافحة الإرهاب.

على العموم، من الواضح أن المملكة المتحدة، بالإضافة إلى الدول الغربية الأخرى، تواجه تحديات مستقبلية كبرى فيما يتعلق بمعالجة التطرف عبر شبكة الإنترنت ومسألة تجنيد الجماعات الإرهابية للشباب والأطفال. ومن هذا المنطلق، سعى تقرير «خان»، و«رولي»، إلى سد الثغرات القانونية التي تسمح بتعزيز الإرهاب ونشر الكراهية في البلاد، حيث خلصا إلى أن التهديدات الحالية المنبثقة من التطرف والعنف في المملكة المتحدة «ببساطة لا يتم التصدي لها»، حيث إن قوى التطرف «باتت قادرة على جذب مجموعات أكبر من أي وقت مضى لتجنيدهم»، مشيرين إلى أن «الوقت قد حان للتغلب على تلك القوى، لأن عواقب الفشل قاتمة للغاية ومسار مواجهتها مقلق جدًا».

{ انتهى  }
bottom of page