top of page

14/5/2021

قراءة في مذكرات سفير بريطاني عن تجربته الدبلوماسية

بعد أكثر من أربعين عامًا من عمله كدبلوماسي في وزارة الخارجية البريطانية، أصدر السير بيتر ويستماكوت، سفير بريطانيا سابقا لدى الولايات المتحدة بين عامي 2012 و2016، مذكراته عن حياته المهنية وتجاربه التي يمكن استخلاصها، بعنوان «يسمونها دبلوماسية»، وبهذه المناسبة عقد معهد بروكينجز في واشنطن ندوة عبر الإنترنت، في 5 مايو 2021، لمناقشة ما جاء بها، وضمت الندوة عددًا من المتحدثين الأكاديميين والدبلوماسيين والإعلاميين.

وكان السير بيتر ويستماكوت قد انضم إلى وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث في عام 1972، وبعد عدة عقود من الخبرة في مناصب مختلفة في إيران وتركيا والولايات المتحدة جرى تعيينه سفيرًا لبريطانيا في تركيا في عام 2002، ثم في فرنسا عام 2007، ثم في واشنطن في يناير 2012، في ولاية الرئيس باراك أوباما الثانية، ومنذ إنهاء مهمته في عام 2016، أصبح زميلًا متميزًا في مركز (المجلس الأطلسي) ومستشارًا للعديد من المنظمات الدولية.

وقد أدارت النقاش سوزان مالوني، مديرة برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينجز، بالإضافة إلى بروس ريدل، زميل أول في السياسة الخارجية في مركز سياسات الشرق الأوسط بالمعهد بعد تقاعده من العمل في وكالة المخابرات المركزية في عام 2006، حيث عمل مستشارًا رئيسيًّا لشؤون الشرق الأوسط ضمن فريق مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض في ظل إدارات أمريكية عديدة. 

وأدلى جون آر آلن، رئيس معهد بروكينجز، بالملاحظات الافتتاحية للمناقشة، حيث أشاد بـ«تجارب المتحدث الغنية» في المناقشات الدبلوماسية في الشرق الأوسط، بعده سألت سوزان مالوني، ويستماكوت، عن تجاربه في الشرق الأوسط، خاصة فيما يتعلق بإيران، والدروس والتجارب التي يمكن لدبلوماسيي المستقبل استخلاصها.

استعاد ويستماكوت تجاربه الدبلوماسية المبكرة في إيران قبل الثورة الإسلامية في السبعينيات، مشيرًا إلى أن عددًا قليلًا من الدبلوماسيين الأجانب توقّعوا كيف سيتم استبدال «مجتمع متسامح نسبيًّا» بـ«ثيوقراطية» راديكالية، وصفها بأنها «مأساة» ولكنها أيضًا «حقيقة جيوسياسية»، حيث لم يكن لكل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وجود دبلوماسي دائم في إيران منذ أحداث عام 1979.

وانتقلت مالوني بعد ذلك إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وتوجهت بالسؤال إلى ويستماكوت وريدل عن تجربتهما في هذه الصفقة «المسيّسة»، وما الدروس التي يمكن استخلاصها فيما يخص مستقبل الدبلوماسية في الشرق الأوسط.

وردًّا على ذلك، أوضح ويستماكوت أن السفراء الأجانب، من أوروبا وروسيا والصين على حد سواء، حاولوا إقناع المشرعين الأمريكيين بدعم الدبلوماسية، وأن صفقة إيران أعطت إيحاء بأنها «مهمة جدًّا» في ذلك الوقت، لكنه ادّعى أنه «لم يكن مقصودًا مطلقًا محاولة تقييد السلوك غير المقبول» لإيران في الشرق الأوسط؛ لأن هذا كان هدفًا «غير واقعي».

وأشار ويستماكوت إلى أن الصفقة أصبحت «معقدة» منذ ظهور الرئيس ترامب على الساحة، وخصوصًا بعد فرضه عقوبات على إيران، الأمر الذي جعل الشركات الدولية «قلقة للغاية» بشأن التعامل مع إيران مستقبلًا، لافتا إلى أنه في مايو 2018 «بدأ كل شيء ينهار».

وفيما يتعلق بالمحادثات الحالية في العاصمة النمساوية فيينا، أكد ويستماكوت إيمانه بـ«الإرادة السياسية الحقيقية» التي يُظهرها الجانبان لإنشاء إطار دبلوماسي بشأن القضية النووية الإيرانية، وصرح بأنه «مسرور للغاية» بجهود الولايات المتحدة لاستعادة الاتفاق.

ومن جانبه علق ريدل بأن محاولة الحصول على «صفقة أكثر تقييدًا» مع إيران «غير واقعية»، خاصة أن القادة الإيرانيين يؤكدون أن الولايات المتحدة هي التي انسحبت في عام 2018، وبالتالي يجب أن تكون مسؤولة عن تقديم المزيد لإعادة الاتفاق ثانية في عام 2021. 

كما سألت مالوني ويستماكوت عن استمرار إيران في سياستها باحتجاز الأجانب للحصول على منافع دبلوماسية، فأجاب بأن هناك محتجزين بدون سبب وجيه، منهم البريطانية «نازانين زاغاري راتكليف»، وآخرون، وأنه «إذا أطلقت إيران سراح هؤلاء فهذا يساعد على خلق مناخ أفضل بكثير».

كما تمت مناقشة قرار بايدن الانسحاب من أفغانستان، وعواقبه الدبلوماسية على الشرق الأوسط، وقد علق ريدل بأنه «لم يتفاجأ» بذلك الإعلان، نظرًا لمعارضته التدخل هناك، وأن الرئيس فعل الشيء الصحيح، بالنظر إلى أن المهمة الأولية للولايات المتحدة قد تحققت، وأن القاعدة أصبحت الآن «فُقاعة هواء» مقارنة بما كانت عليه في عام 2001.

وأضاف ريدل أن هناك إجماعًا في واشنطن على أن استخدام القوة وحدها ضد طالبان «لا يمكن لكسب الحرب»، لكنه توقع أنه على الرغم من أن الحكومة الأفغانية قد «تفقد بعض عواصم الولايات»، إلا أنه من المرجح أنها ستحتفظ بالسيطرة على كابول، وحشد الدعم الشعبي لمنع طالبان من استعادة البلاد بأكملها.

واتفق ويستماكوت مع تقييم ريدل، مشيرًا إلى أنه «ليس من المستغرب» أن يختار بايدن الانسحاب في عامه الأول في منصبه، مشددًا على ضرورة نجاح المحادثات الجارية والمستقبلية باعتبارها «أولوية قصوى» لأفغانستان لتكون دولة آمنة لمواطنيها.

بعد ذلك أثارت مالوني تساؤلا بشأن تحول الاستراتيجية الأمريكية من الاعتماد على الوسائل العسكرية إلى الدبلوماسية، وطلبت من المشاركين التعليق.

وقد علق ويستماكوت بأن الولايات المتحدة كانت تعتمد على العسكرية ولكن في إطار من الدبلوماسية، أما حاليا فقد تصبح الدبلوماسية بدون دعم عسكري غير ذات جدوى في مواجهة التهديدات أو الرد على الهجمات.

أما ريدل فقد انتقد قرار إدارة بوش بغزو العراق عام 2003، واصفًا إياه بأنه «القرار الأكثر حماقة الذي اتخذه أي رئيس أمريكي»، وأكد أنه من خلال هذه الدروس يجب على الدبلوماسية الأمريكية «تشجيع» التعاون والحوار بين دول الشرق الأوسط، وحث جو بايدن على تبنّي تحول نحو حل القضايا الإقليمية، من خلال الدبلوماسية، بدلًا من التهديد باستخدام القوة.

وفيما يتعلق بمستقبل الدبلوماسية في الشرق الأوسط، تحدث ويستماكوت عن خطة وزير الخارجية الأمريكي الجديد أنتوني بلينكن لتقليص عدد المعينين الدبلوماسيين الأمريكيين، مشيرًا إلى أن البعثات الدبلوماسية الأمريكية هي الأولى في العالم، وأنه يُمكنها أن تسترد مكانتها مرة أخرى، مؤكدًا أن حلفاء الولايات المتحدة «سعداء» بالتحول في اللهجة التي كانت مستخدمة إبان إدارة ترامب مقارنة بسياسة إدارة بايدن، حيث توجد «مؤشرات على تحسن الأمور».

وردًّا على سؤال من مالوني عن الدبلوماسية الحديثة في عصر التكنولوجيا، أوضح ويستماكوت أن الإجراءات التي يتخذها الدبلوماسيون في أوقات الأزمات الدولية، خاصة مع زيادة وسائل الإعلام الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي التي تعمل على مدار الساعة، والاتصالات الأسرع أيضًا، أصبحت أسرع مما كان متاحًا في السابق للدبلوماسيين الدوليين العاملين في الخارج، مؤكدًا أن «خبرة ومعرفة» الدبلوماسيين المحترفين في جميع أنحاء الشرق الأوسط لا تزال ذات أهمية قصوى، نظرًا لمعرفتهم بالسكان المحليين و«النصائح التكتيكية» التي يمكنهم تقديمها للحكومات بشأن القضايا الإقليمية، خاصة عندما «يبذلون الجهد» لفهم ثقافة ولغات البلدان التي يعملون فيها.

بالانتقال إلى الأسئلة، سُئل ويستماكوت مرة أخرى عن الوضع الحالي للدبلوماسية ومستقبلها، نظرًا للضرر المعنوي الملحوظ الذي أحدثته إدارة ترامب على هذا الهيكل الرئيسي للسياسة الخارجية الأمريكية، فأجاب بأن الدبلوماسيين الأمريكيين كانوا يشعرون بـ«الألم» خلال إدارة ترامب، حيث تم تقويض جهودهم باستمرار بسبب ما أسماه «حكومة عبر تويتر» إشارة الى استخدام ترامب موقع «تويتر» في تصريحاته السياسية، مشيرًا إلى أن هناك «لحظات صعبة» لممثلي أمريكا في الخارج؛ بسبب هجوم الرئيس السابق المتكرر على الناتو والاتحاد الأوروبي.

واختتمت الندوة بسؤال عما إذا كان ينبغي على الولايات المتحدة أن تسعى جاهدة لإعادة افتتاح سفارة في طهران، فردّ ريدل بأنه في حين أن المخابرات الأمريكية عانت من عدم وجود دبلوماسي في إيران لعقود عديدة، فإنه سيكون من المستحيل سياسيًّا لمثل هذه الفكرة أن تكون قابلة للتطبيق في ظل المناخ الجيوسياسي الحالي، وبدلًا من ذلك سيكون من الأفضل أن «تكون هناك بداية بشكل صغير». 

ووافق ويستماكوت على هذا التقييم، موضحًا أنه على الرغم من أن مثل هذا الشيء سيكون «نتيجة رائعة»، إلا أنه لا تزال هناك العديد من العقبات التي تحول دون حدوثه، وبالتالي لن يتم تحقيقه بسرعة.

بشكل عام، كشف السير بيتر ويستماكوت عن أهمية دور الدبلوماسية في الشرق الأوسط، وكذلك في استخدامها الحالي في محاولة حل القضايا الإقليمية، مثل المسألة النووية الإيرانية، ولكنه لم يذكر تفاصيل دوره في الدبلوماسية في الشرق الأوسط خارج إيران وأفغانستان، ولا تجاربه في الشرق الأوسط كسفير بريطاني لدى الولايات المتحدة من 2012 إلى 2016، كما كانت أسئلة الجمهور محدودة؛ بسبب ضيق الوقت، مما أدى إلى قلة عدد نقاط النقاش المتداولة في الحدث، ومع ذلك، فإن الندوة قد أعادت تأكيد فائدة الدبلوماسية في الشرق الأوسط، من خلال تقديم أدلة وآراء بشأن قدراتها في حل القضايا الإقليمية.

{ انتهى  }
bottom of page