11/5/2021
قراءة في اجتماع وزراء خارجية الدول السبع الكبار
اتجهت أنظار دول العالم ناحية لندن، حيث انعقد في 4 مايو لأول مرة منذ عامين وجهًا لوجه اجتماع وزراء خارجية الدول السبع الكبار، الممهِّد لقمة هذه المجموعة في يونيو المقبل، مع إدارة أمريكية جديدة، تطل على العالم بمنهج مغاير لنهج سابقتها، التي أحدثت خلافات عديدة مع باقي دول المجموعة، وصلت إلى حد منع صدور بيان مشترك عن قمتها، بينما تعهّد بايدن في أول خطاب سياسي له بعد توليه مهام منصبه بعودة التحالف بين ضفتي الأطلسي.
وتأتي أهمية هذا الاجتماع من جهة العديد من الملفات المطروحة أمامه، منها ما يعنينا مباشرة في المنطقة العربية، وأخرى تتعلق بالوضع الدولي، ولكن لها تأثيراتها أيضًا وانعكاساتها على الوضع الإقليمي، فهناك الملف السوري والملف الليبي والملف الإيراني، وهناك أيضًا قضايا تغير المناخ، ومواجهة جائحة كورونا وحقوق الإنسان والعلاقات مع روسيا والصين، ومع ازدحام جدول الأعمال فإن الاجتماع يحظى كذلك بحضور ممثلين عن الاتحاد الأوروبي والهند وأستراليا وكوريا الجنوبية وجنوب إفريقيا والآسيان.
ولأن الاجتماع على مستوى الدول السبع: الولايات المتحدة - المملكة المتحدة - فرنسا - ألمانيا - إيطاليا - اليابان - كندا، وليس على مستوى الدول الثماني الذي يضم روسيا إلى جانب هذه الدول (من المعلوم أن روسيا قد طُرِدت من هذه المجموعة في 2014، حينما كان أوباما رئيسًا للولايات المتحدة بعد ضم روسيا منطقة القرم من أوكرانيا) فإنه يبدو أنه يبحث عن موقف موحد لتلك المجموعة في قضايا تمس روسيا، أو لا يتوافق الموقف الروسي فيها مع الموقف الذي تتطلع لاتخاذه هذه المجموعة، آية ذلك ما صرح به وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب لدى افتتاح هذا الاجتماع، بأن المحادثات فرصة للجمع بين مجتمعات ديمقراطية منفتحة، وإظهار الوحدة في وقت تشتد الحاجة فيه إلى مواجهة التحديات المشتركة والتهديدات المتزايدة.
وفي الملف السوري فإنه بينما تقف روسيا مساندة لنظام الأسد، بل إنها أكبر داعم وحليف له، تعلن هذه المجموعة عن مواقف مناهضة لهذا النظام، وبينما كشف وزير الخارجية الأمريكي عن موقف مجموعة الدول السبع، موضحًا التزامها بالحل السياسي وفق قرارات مجلس الأمن لإنهاء الصراع، ودعمها لمساعي إعادة تفويض آلية الأمم المتحدة بإدخال المساعدات إلى سوريا عبر الحدود، مع اقتراب انتهاء صلاحية هذه الآلية في يوليو المقبل، نجد مساعي روسيا في إنهاء عمل هذه الآلية، بل إن موسكو وبكين استخدمتا العام الماضي حق النقض في مجلس الأمن في عدة مناسبات، لوقف عمل هذه الآلية.
وبينما تعد ليبيا أيضًا من أهم ساحات المنافسة الغربية الروسية، فإن الملف الليبي حضر بقوة كذلك في اجتماعات خارجية الدول السبع، وفيما حذر وزير الخارجية الإيطالي من التدخلات الأجنبية، فقد طلب من مجموعة السبع المساهمة في دعم استقرار ليبيا بشكل عام، وأكد الفرص الاقتصادية الكبيرة المفتوحة في الساحة الليبية أمام شركات دول المجموعة، خاصة الشركات الإيطالية، لكن هذه الفرص الاقتصادية تعوقها الأوضاع الأمنية غير المستقرة، والتي تمثل أيضًا تهديدًا للأمن الأوروبي، من خلال افتقاد السيطرة على عمليات الهجرة غير الشرعية من الساحل الليبي الممتد، وضرورة استعادة الاستقرار الأمني وفتح الفرص الاقتصادية، وإنجاح المبادرات الدولية لتوحيد مختلف الفصائل الليبية، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه في غياب القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في الساحة الليبية، وعلى رأسها روسيا التي يتعاظم دورها في منطقة الشرق الأوسط، وما كان للتطورات التي شهدها الملف الليبي مؤخرًا بدءًا من اتفاق ملتقى الحوار السياسي في تونس في نوفمبر الماضي، وقبله الاتفاق على وقف إطلاق النار، ثم اتفاق الأطراف الليبية على آلية اختيار السلطة المؤقتة الجديدة التي تحضر لانتخابات عامة في ديسمبر 2021، ما كان لهذه العملية السياسية أن تتم في غياب موافقة روسيا الداعم الرئيسي لحكومة شرق ليبيا.
وبالتوازي مع محادثات فيينا التي يرعاها الاتحاد الأوروبي منذ نحو أربعة أسابيع بشأن الاتفاق النووي مع طهران، فإن البيان الذي أصدره اجتماع خارجية الدول السبع في اليوم الثاني (الأربعاء 5 مايو) يؤكد أن خطة العمل الشاملة المشتركة لا تزال تمثل الطريقة الأفضل للطابع السلمي لبرنامج إيران النووي، لكنه أعرب عن القلق بشأن تصرفات إيران المزعزعة للاستقرار، وأنشطتها المتعلقة بالصواريخ الباليستية، داعيًا إيران إلى التوقف عن هذه التصرفات والأنشطة، وأن تلعب دورًا بنّاءً في تعزيز الاستقرار والسلام العالميين، وبينما تحضر روسيا محادثات فيينا، فإنها لا تحضر اجتماع الدول السبع، وفيما تصر إيران على ضرورة رفع العقوبات الأمريكية أولاً، تصر واشنطن على ضرورة التقدم خطوة مقابل الأخرى.
محادثات فيينا لم تصل إلى نتيجة بعد، فيما يسعى الجانب الأوروبي وروسيا إلى التوصل إلى اتفاق واضح قبل يوم 22 مايو الجاري، وهو التاريخ الذي حددته إيران من أجل وقف عمل المفتشين الدوليين بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، إذا لم يتم التوصل لحل لإنقاذ الاتفاق النووي، وأكثر البنود خلافية في المحادثات: اشتراط إيران رفع العقوبات المفروضة عليها كاملاً - تعويضها عن تداعيات تلك العقوبات - تقديم ضمانات لعدم الانسحاب من الاتفاق من جديد، فيما أكدت الولايات المتحدة أنها لن تقدم تنازلات لإيران خلال المحادثات، وفيما تثور شكوك حول إمكانية التوصل إلى حل قبل الانتخابات الإيرانية بعد 3 أشهر، فإن الجانب الأوروبي يضغط لصالح عودة الاتفاق النووي، نظرًا إلى مصالحه الاقتصادية الضرورية مع إيران، ولأهمية السلوك الإيراني في تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
يذكر أن الصين في المحادثات الجارية في فيينا شددت على أنه على واشنطن رفع إجراءات الحظر غير القانونية ضد طهران، وأن الولايات المتحدة بصفتها أنها انتهكت الاتفاق النووي يجب أن تتخذ الخطوة الأولى وترفع جميع إجراءات الحظر غير القانونية والأحادية ضد طهران، وتشهد محادثات فيينا اجتماعات مشتركة بين مسؤولين روس وأمريكيين، وسط إدراك أمريكي بأهمية الدور الروسي، وفي ابريل الماضي أعلن مندوب روسيا المشارك في هذه الاجتماعات، ميخائيل أوليانوف، أن التفاوض انتقل من الكلمات العامة إلى الاتفاق حول خطوات محددة، رغم أن تحقيق نتائج عملية لا يزال بعيدًا، وبينما تبدأ محادثات الجولة الرابعة مع إعلان المندوب الروسي أن كل المؤشرات تقودنا إلى توقع تحقيق نتيجة نهائية ستكون ناجحة خلال بضعة أسابيع، فقد حمّل وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بقوة على الاتحاد الأوروبي إثر ما قام به من فرض عقوبات على مسؤولين أمنيين إيرانيين، متهمًا إياه بأنه يهدد الجهود الجارية لعودة الاتفاق النووي، فيما أكد أن الطريقة الوحيدة للحفاظ على الاتفاق النووي هي التزام كافة الأطراف ببنوده، وأن روسيا تعوِّل على إنقاذ الاتفاق النووي إذا عادت الولايات المتحدة إليه، فيما صرح أوليانوف بأن بلاده تحترم قلق تل أبيب، ولكن الاتفاق النووي مع إيران مهم، ويجب الحفاظ عليه، وأنه يتماشى مع المصالح الأمنية لجميع الدول في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط، وأن الاتفاق النووي هو الضمان الأفضل ألا تصل إيران إلى سلاح نووي، وأن العقوبات الأمريكية لم تأت بنتائج، لهذا فإننا نجد أنه مع أهمية الموقف الموحد بين ضفتي الأطلسي في حمل إيران على تصحيح سلوكها وربط الاتفاق النووي ببرنامجها للصواريخ الباليستية، إلا أن دور روسيا في هذا الاتجاه لا يمكن تجاهله، فلدى موسكو كثير من أدوات التأثير على إيران.
ومع أهمية الدور الروسي في القضايا والملفات المطروحة في اجتماعات خارجية الدول السبع، وأهمية صياغة علاقة تعاونية أمريكية صينية، سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي، إلا أن الاجتماع جرى استهلاله بالانتقاد الحاد لسلوك الدولتين، فقد أعلنت وزارة الخارجية البريطانية أن المجموعة ستناقش النشاط الخبيث المستمر لروسيا، بما في ذلك حشد القوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا، وسجن السياسي المعارض «إليكسي نافالتي»، كما اتهم وزير الخارجية الأمريكي بلينكن الصين بأنها تتبع نهجًا أكثر عدوانية مع الخارج، وأكثر قمعًا في الداخل، ومع استبعاد حدوث مواجهة عسكرية مع الصين، التي تؤمن بأنها مع الوقت يجب أن تكون الدولة المهيمنة في العالم، فيما انتقد وزير الخارجية الياباني محاولات الصين تغيير الوضع الراهن في شرق الصين وبحر الصين الجنوبي، وتصرفاتها بشأن حقوق الإنسان في مقاطعة شينج يانج ذاتية الحكم التي تقطنها أقلية مسلمة.
يبدو إذن أن هذه الجبهة الموحدة التي سعى إليها بايدن تعيد أجواء الحرب الباردة ولا تفتح نهجًا تعاونيًّا لمعالجة إشكاليات العالم، فقبل أن ينطلق اجتماع خارجية الدول السبع قال وزيرا خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا إن مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، التي تمثل أيضًا ديمقراطيات غربية تهدف إلى حشد حلفاء جدد في مواجهة تحديات من الصين وروسيا، وقال بلينكن في المؤتمر الصحفي الذي سبق اجتماع خارجية الدول السبع إن الغرب سيدافع عن القواعد الدولية المبنية على النظام من المحاولات الهدامة ضد أي دولة، وحرص الوزيران على أن يبعثا رسالة إلى العالم، مفادها أن الغرب سيعمل على تعزيز نفوذه في كل المجالات، وتحدث وزير الخارجية البريطاني عن تكوين تحالفات، بدلاً من فضها، تحالفات تضم الدول ذات الفكر المتماثل والتي لديها الذكاء الكافي للعمل معًا، وتتشارك في الأفكار والقيم، وتريد أن تحمي النظام التعددي، إلى هذا فإن هذا الاجتماع يفتح الباب مجددًا لعودة الغرب غرب والشرق شرق، فيما لم تفلح الأزمات التي تواجه العالم بأكمله، وتقتضي تعاونًا لا يستثني أحدًا في إنشاء صيغة جديدة للعمل المشترك تضم أطراف هذا العالم شرقًا وغربًا، ليتأكد أن صيغة الصراع كانت ومازالت هي الصيغة الأغلب التي تحكم العلاقات الدولية.