12/6/2021
هل يمكن لتحالف ديمقراطيات جديد أن يحل تحديات النظام العالمي؟
تعتبر مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى مجموعة غير رسمية من الدول تم تشكيلها في عام 1975، وتمثل المصالح المشتركة لأكثر الديمقراطيات الليبرالية نفوذًا في العالم؛ حيث تضم الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، وكندا، وتعد واحدة من العديد من المؤسسات العريقة، والتي تُتهم الآن بأنها أصبحت من آثار الحرب الباردة، وأنها لم تكن مستعدة بشكل كبير للتعامل مع عصر المواجهة العالمية الجديد. وفي المقابل -كما لاحظت مجلة «ذي إيكونوميست»- منذ الأزمة المالية العالمية بين عامي 2007 و2009، تبدو «مجموعة العشرين الأوسع، والتي تضم الأسواق الناشئة الكبيرة مثل البرازيل والصين والهند، أكثر صلة وتمثيلاً للتحديات العالمية».
في ضوء الأحداث العالمية، تم اقتراح إجراء إصلاح على «مجموعة السبع»، وتعد أبرز عناصره هو التحول إلى «مجموعة الديمقراطيات العشر الرائدة»، حيث تتوسع المجموعة، بإضافة عضوية كوريا الجنوبية، وأستراليا، وإما الهند أو الاتحاد الأوروبي، وهو المقترح الذي طرح لأول مرة في عام 2008 من قبل «آش جاين»، و«ديفيد جوردون» من فريق تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية - آنذاك- ثم تبناه «المجلس الأطلسي» لاحقًا.
ولتناول هذا الاقتراح بمزيد من التفصيل، عقد «المجلس الأطلسي» ندوة بعنوان «مجموعة الدول الصناعية السبع إلى مجموعة الديمقراطيات العشر الرائدة.. هل يمكن لتحالف ديمقراطيات جديد أن يحل تحديات اليوم العالمية؟»، بهدف تقديم رؤى حول إمكانية إقامة هذه المجموعة، وكيف يمكن أن تكون مفيدة للنظام السياسي الدولي، ترأسها «باتريك وينتور»، من صحيفة «الجارديان»، وشارك فيها «آش جاين» من «المجلس الأطلسي»، و«ديفيد جوردون» من «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، و«توبياس بوندي»، مدير الأبحاث والسياسات في «مؤتمر ميونيخ للأمن»، و«ميليندا بوهانون»، مديرة الاستراتيجية في وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية بالمملكة المتحدة.
في البداية، أشار «وينتور»، إلى أن «مجموعة السبع»، نمت «على نحو طبيعي» كمنظمة، ولم يكن لديها مطلقًا بيان واضح لمهامها، ومع ذلك «عانت بشدة في السنوات الأربع الماضية»، في إشارة إلى انعزالية إدارة ترامب في السياسة الخارجية، كما أنها الآن في «مرحلة انتقالية»، فمع قمتها الحالية في مقاطعة كورنوال بإنجلترا، من المحتمل أن تكون فكرة تشكيل مجموعة الديمقراطيات العشر الرائدة مُقنعة».
من جانبه، سعى «جاين»، إلى تحديد أربعة أسئلة رئيسية تحيط بالمجموعة المستقبلية الرائدة. أولها، هو سبب الحاجة إلى إنشائها، حيث إن العالم في «حقبة جديدة من المنافسة الاستراتيجية»، وتواجه الديمقراطيات الليبرالية «تحديات من المنافسين المستبدين الذين يسعون إلى تعطيل النظام القائم على القواعد»، ولهذا يتعين على «مجموعة السبع» الآن أن تقرر ما إذا كانت ترغب في الاعتماد على مؤسسات حقبة الحرب الباردة أو «إنشاء كيانات جديدة» مثل «مجموعة العشر»، لتعزيز «التنسيق بين الديمقراطيات المتشابهة في التفكير».
وثانيها، دور «مجموعة العشر»، حيث أشار إلى وجود أولويات «مُلحة»؛ هي (تطوير استراتيجيات لمواجهة التحديات التي تفرضها روسيا والصين - التعاون التكنولوجي- مكافحة الانتشار النووي - التعاون الاقتصادي العالمي - إعادة تأكيد الالتزامات بالتجارة الحرة)، ودعا إلى إجراء «اتفاقية بريتون وودز جديدة»، والتي كانت تهدف إلى استقرار النظام العالمي المالي وتشجيع إنماء التجارة بعد الحرب العالمية الثانية، ومكافحة الاستبداد، والتنسيق بشأن تغير المناخ من أجل «تعزيز التقنيات الصديقة للبيئة».
وتعلق السؤال الثالث بمن يجب أن يُدرج في المجموعة الجديدة، وحدد المعايير، ومنها «التفكير الاستراتيجي المتماثل»، و«القدرة على التأثير العالمي». وبسبب هذه المعايير حث على «إبقاء المجموعة صغيرة»، مع إضافة عدد قليل فقط من «الديمقراطيات الصاعدة» إلى عضوية مجموعة السبع الحالية. وبذلك فمن المُستبعد انضمام أي دولة من الشرق الأوسط أو الخليج، أو كذلك دول من أمريكا الجنوبية وإفريقيا وجنوب شرق آسيا.
ولاحقًا، أكد «بونده» أيضًا على وجهة نظر مماثلة مفادها أنه لا يمكن السماح لمجموعة العشر بأن تصبح «مجموعة العشرين باستثناء دولتين استبداديتين»، وبدلاً من ذلك يجب أن تبقى مجموعة صغيرة من الديمقراطيات الليبرالية الأكثر نفوذًا. بيد أن هناك إجماعا أكبر مع ذلك المقترح. ففي يونيو 2020، كتب «إريك براتبرج»، من مؤسسة «كارنيجي للسلام الدولي»، أن «مجموعة العشر هي الحجم والشكل المناسبين، فهي ليست كبيرة جدًا؛ مما يقلل من تماسكها، ولا هي صغيرة جدًا؛ بحيث تبدو وكأنها لا تغطي سوى دول ما كان يُطلق عليها الحرب الباردة».
أما رابعا، فهو يتعلق بكيفية إيجاد وسيلة عملية للنجاح. وعلى وجه الخصوص، أشار إلى التوترات المحتملة داخل المجموعة النابعة من الديمقراطيات الليبرالية الرائدة، حيث تشكك اليابان بالفعل في مشاركة كوريا الجنوبية المحتملة في مجموعة العشر، كما أن فرنسا «متشككة» باستمرار بشأن ضم دول حديثة العهد بالديمقراطية. وردا على هذه المخاوف، صرح «جاين»، بأن مجموعة العشر «تستلزم قيادة أمريكية حتى تنجح».
ومن جهته، قال «جوردون»: إن «حجته الرئيسية المؤيدة» للانتقال من مجموعة السبع إلى مجموعة العشر، هي أن الأولى «لا تعكس حقًا التفكير المتشابه»، الذي كان «السمة المميزة» لفترة التطور المُبكر للحرب الباردة»، وأنها أصبحت الآن «مبنية بشكل محدود للغاية» و«عابرة للأطلسي بالكاد»؛ بحيث لا يمكنها مواجهة التحديات العالمية»، مؤكدا أن التحدي الرئيسي أمام التحول في العضوية هو أنه في الماضي لم تحدث مثل هذه التغييرات إلا «بشكل تدريجي»، و«تاريخيًا على أساس إجماع» بين أعضائها.
ومثل جاين، أشار «جوردون» إلى «فترة من التوترات المتزايدة» بين اليابان، وكوريا الجنوبية، حيث ترى «طوكيو» قيمة في كونها العضو الآسيوي الوحيد في مجموعة السبع، وبالتالي تمسك بوجهة النظر القائلة بأن هذا «الوضع الخاص يجب أن يكون مستدامًا ولا تمتد له يد التغيير»، كما أن فرنسا وألمانيا وإيطاليا كلها «غير مقتنعة إلى حد ما» بالحاجة إلى زيادة عدد البلدان، وبالتالي فإن التغييرات المقترحة في العضوية لم تحصل بعد على «إجماع سياسي».
وانطلاقًا من ذلك، زعم أن الأحداث في واشنطن وبرلين ستقرر الكثير في نهاية المطاف، وهل «مازالت إدارة بايدن تبحث في الخيارات» لبناء تحالفات -بما في ذلك ما يسمى بـ«قمة الديمقراطية»- وكذلك أثناء الانتخابات الفيدرالية المقبلة في ألمانيا أيضًا، وما يُمكن أن تمثله كعامل مؤثر في عمليات صنع القرار في المستقبل، مشددا على أنه على الرغم من الحديث عن إصلاح مجموعة السبع إلى مجموعة العشر، فإن الدول الأعضاء ستظل بحاجة إلى العمل عن كثب مع الدول غير الأعضاء، خاصة أن «مجموعة العشرين»، «لا يزال لديها دور رئيسي تلعبه في الشأن العالمي، مع تعاون الدول القادرة لمواجهة التحديات العالمية».
واستمرارًا للملاحظة المذكورة أعلاه بشأن ألمانيا، وافق «وينتور»، على أن «برلين يمكن أن تكون مفتاحًا رئيسيًا لذلك». وعلق «بونده»، بأن هذه الفكرة ليست سوى «أحدث تعبير عن نقاش قديم للغاية يمتد إلى عصبة الأمم في عشرينيات القرن الماضي حول ما إذا كان ينبغي للديمقراطيات الليبرالية أن تسعى إلى التعامل إلى حد كبير مع مجموعة واسعة أو ضيقة من البلدان». ومع ذلك فقد أوضح أنه «يجب أن تكون مختلفة»، حيث إن الديمقراطيات الليبرالية في «منعطف وتدرك الحاجة إلى تنشيط المؤسسات الحالية التي تم تأسيسها في ظل ظروف مختلفة تمامًا»، وكذلك «الذهاب إلى أبعد من ذلك؛ لأجل إنشاء أطر جديدة للتعاون».
علاوة على ذلك، أبرز «بونده»، أن العديد من الدول والمحللين يظهرون ترددًا تجاه مجموعة العشر؛ لأنهم يخشون أن يكون «تحالفًا مناهضًا للصين»؛ وبالتالي يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية ويزيد من الانقسام على الساحة العالمية. ومن ثمّ قال إنه من المهم «تحقيق توازن» بين تشجيع التعاون الديمقراطي وعدم إشعال حرب باردة جديدة مع بكين. وللقيام بذلك ادعى أن الموقف «الدفاعي» سيكون «سردًا مناسبًا» لكسب الدول المترددة من دون إثارة التوترات مع روسيا أو الصين. وعلق «جاين» أيضًا على هذه القضية بأن أعضاء مجموعة السبع بحاجة إلى إدراك حقيقة أبعاد المنافسة العالمية المتزايدة مع ضرورة الحفاظ أيضًا على وجود «قناة حوار» مفتوحة مع بكين وموسكو.
وحول ما يتعلق بالتزام بريطانيا الصمت علنًا بشأن الترويج للمقترح الجديد؛ أجابت «بوهانون»، أنه على الرغم من دعوة «بوريس جونسون»، لممثلين من كوريا الجنوبية وأستراليا وجنوب إفريقيا والهند؛ لحضور قمة مجموعة السبع الحالية، فإن هذا لم يكن «تأكيدًا رسميًا» على دعمه للمقترح الجديد، كما أن هذه الدعوة في النهاية استندت إلى فهم مفاده أن التعاون «الواسع» بين «مجموعة أكبر من البلدان» سيكون أمرًا مفيدًا للدول الأعضاء داخل مجموعة السبع.
ومع ذلك، أشارت إلى أن السؤال الأهم لمصير أي منظمات أو تكتلات دولية لن يكون مرتبطا نوعًا ما بحجم أعضائها بقدر كيفية تحقيق أهدافها بأي طريقة كانت. وللقيام بذلك حذرت من أنه يجب ألا تُقوض «سبل الحوار الهادف والرؤية القيادية» لمجموعة السبع، وأن تدرك أنه من الأفضل لتلك المجموعة «أن تعمل كمنارة ونموذج يحتذى به»، بدلاً من استبعاد دول ذات ثقل من التحاور معها.
وردا على سؤال، حول كيف يمكن لمجموعة العشر المقترحة أن تحاسب بعضها البعض، ولا سيما عند الإشارة إلى أن المجر، التي تعرض رئيس وزرائها «فيكتور أوربان» لانتقادات بسبب التدابير والإجراءات المناهضة للديمقراطية التي لا تزال جزءًا حتى تاريخه من الاتحاد الأوروبي وتتلقى «تأييدًا غير مبرر» من جونسون، أجابت «بوهانون»، بأن أفضل طريقة أمام بريطانيا للمساعدة من أجل بناء تحالف مجموعة العشر هو العمل على «تعزيز وبناء» الحوار مع كافة البلدان «على مدى طويل الأجل».
وبناء على ما سبق، ناقش «وينتور» المعايير اللازمة لتصبح عضوًا في التحالف الجديد. وعلى الرغم من اعترافه بوضع الهند على أنها «أكبر ديمقراطية في العالم»، إلا أنه أشار إلى كيفية تراجع معدلات الحرية بها «على أساس العديد من الروايات والتقارير»، وبالتالي تساءل عما إذا كان رئيس وزرائها «ناريندرا مودي»، «شخصًا مناسبًا حقًا» ليكون «حامل لواء الديمقراطية». وتجدر الإشارة إلى أن هناك إجماعا من المشاركين بالندوة على وضع الاتحاد الأوروبي حاليًا ككيان في المركز السابع لتلك المجموعة المقترحة، بدلاً من الهند، وذلك على شكل افتراضي.
وبهذا المعنى، علق «جوردون»، بأن مسألة عضوية الهند المستقبلية تمثل «تحديًا حقيقيًا»، نظرًا إلى أن «مودي» ليس القائد الحقيقي الذي «تود المجموعة تشجيعه»؛ بسبب سياساته المحلية والمعاملة السلبية للجماعات العرقية المسلمة داخل الهند. ومع ذلك فإن الجهود المبذولة للعمل بطريقة أوسع من قبل دول مجموعة السبع ستحتاج إلى إشراك الهند بأي شكل من الأشكال، خاصة أن الولايات المتحدة قد «تقدمت» بالفعل نحو تعزيز علاقاتها «غير الرسمية» مع منطقة المحيطين الهندي والهادي على حد سواء. كما أيد أيضا دعوة «جونسون» للهند لحضور اجتماع مجموعة السبع الحالية، مشيرًا إلى أن رئيس الوزراء البريطاني «فعل الشيء الصحيح تمامًا».
وردا على سؤال حول ما إذا كان «جونسون» «متمسكًا» بفكرة تحالف الديمقراطيات العشر، أو أنه ببساطة سيتبع الإدارة الأمريكية ويحذو حذوها في هذا الصدد؛ أجابت «بوهانون»، بأن بريطانيا بأكملها تؤيد «بحزم» تعزيز قيادتها الدولية، وأن هذه القيادة يُنظر إليها على أنها عنصر مهم لإعادة تأسيس الهوية الوطنية للمملكة المتحدة، لكنها خلصت إلى أن كل مسؤول حكومي بدءًا من رئيس الوزراء وما بعده «متحمس» لـ «مواجهة التحدي».
على العموم، قدمت ندوة «المجلس الأطلسي» حول التحول المستقبلي المحتمل لمجموعة الدول السبع إلى مجموعة الديمقراطيات العشر، نظرة ثاقبة للتحديات التي ربما قد تقف حائلاً أمام تحقيق ذلك، وكيف أنه من المحتمل أن يؤثر ذلك على مسار السياسة الدولية، إيجابًا وسلبًا. وبالنسبة للمستقبل، فإن النقاش حول ما إذا كانت الهند ستكون عضوًا مناسبًا يمكن أن يكون بمثابة مقدمة لدول أخرى تسعى للانضمام إلى هذه المنظمات العالمية أو ما شابهها، بما في ذلك دول الخليج ودول منطقة الشرق الأوسط بشكل أوسع نطاقًا.