15/6/2021
الآثار المحتملة لاتفاق مجموعة السبع على فرض ضريبة على الشركات العالمية
على مدى العقدين الماضيين، كانت الأوضاع الضريبية العالمية للشركات متعددة الجنسيات العملاقة مصدر قلق للحكومات والاقتصاديين ودافعي الضرائب والشركات الصغيرة، فقد اتُهمت الشركات المشهورة عالميًا، مثل أمازون، وفيسبوك، وجوجل بالتهرب من أعبائها الضريبية المستحقة من خلال تسجيل حسابات شركاتها فيما يسمى بـ«الملاذات الضريبية»، أي البلدان التي لا تفرض معدل ضريبة على الشركات أو لديها معدل ضريبة منخفض، ما يسمح لها بالاحتفاظ بجميع أرباحها، بدلاً من دفع الضرائب. وعلى الرغم من كونه قانونيًا، إلا أن البعد الأخلاقي لهذا النهج كان دائمًا مثيرًا للجدل؛ لكن في عام 2021 بدأت مجموعة السبع الكبرى في تضييق الخناق على هذه الشركات من خلال الاتفاق على نظام جديد لضرائب الشركات.
وتمثل مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، التي تضم الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا وإيطاليا، واليابان، وكندا، بالإضافة إلى وجود تمثيل من الاتحاد الأوروبي، قيادة اقتصاد الغرب. وعلى الرغم من أن المجموعة لا تحتوي على قوى اقتصادية، مثل الهند أو الصين أو البرازيل (وهي جزء من مجموعة العشرين)، إلا أنها لا تزال مؤثرة بشكل كبير في الاقتصاد العالمي، وهناك احتمال قوي بأن تتبع دول أخرى ما يتفقون عليه وينفذونه.
يتضمن الاتفاق الجديد، إدخال حد أدنى لمعدل ضريبة الشركات العالمية بنسبة 15% في جميع أنحاء العالم، وبالتالي حرمان الشركات متعددة الجنسيات من إمكانية وضع حساباتها في البلدان ذات الحد الأدنى من معدلات الضرائب. ولا يزال المعدل المقترح أقل بكثير من المعدل الحالي في الاقتصادات الغربية المتقدمة الرائدة (معدل الضريبة على الشركات هو 19% في المملكة المتحدة، و21% في الولايات المتحدة)، ولكن هذا المعدل المتُفق عليه أعلى مما يُطلق عليها «الملاذات الضريبية»، والتي تشمل جزر فيرجن البريطانية وجزر كايمان (ويبلغ معدل ضريبة الشركات في كليهما0%)، وسويسرا (8.5%)، وأيرلندا (12.5%)، حيث تعد دبلن موطن المقر الأوروبي لشركة جوجل.
ووفقا للعديد من المحللين، فإن الاتفاق سيمثل هزة في الاقتصاد العالمي. وادعت شبكة «بي بي سي»، أنه «يمكن أن يؤدي إلى تدفق مليارات الدولارات إلى الحكومات لسداد الديون المتكبّدة من جراء أزمة كورونا». وأوضح «آلان رابيبورت» في صحيفة «نيويورك تايمز»، أنه «سيُجبر عمالقة التكنولوجيا، مثل أمازون، وفيسبوك، وجوجل وغيرها من الشركات العالمية لدفع الضرائب للبلدان بناءً على مكان بيع سلعها أو خدماتها، بغض النظر عما إذا كان لها وجود فعلي في تلك الدولة». ووفقًا لصحيفة «فاينانشال تايمز»، فإنه «يهدف إلى سد الثغرات التي استغلتها الشركات متعددة الجنسيات لتقليل فواتيرها الضريبية، وضمان دفع المزيد من الضرائب في الدول التي تعمل فيها». وبالتالي، يجب أن يؤدي هذا العامل وحده إلى زيادة الضرائب المدفوعة للخزانات الوطنية بشكل كبير.
وبالفعل، ادعت المنظمات المالية أن هذا الاتفاق سيضع الكثير من الأموال في الخزانات الحكومية. وأشار «مرصد الضرائب في الاتحاد الأوروبي»، إلى أن 15% كحد أدنى لضريبة الشركات ستمكن الاتحاد الأوروبي من جمع 48 مليار يورو سنويًا. في حين قدّرت «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية»، أنه يمكن أن يُجمع ما بين 50 إلى 80 مليار دولار إضافية سنويًا من الإيرادات الضريبية للدول الغربية وحدها. ومع ذلك، حذر «كريس جايلز» و«دلفين شتراوس» في صحيفة «فاينانشال تايمز»، من أن «مبالغ أموال الضرائب الفعلية ستختلف بشكل كبير اعتمادًا على التفاصيل الفنية للاتفاق العالمي النهائي».
وفي الواقع، يمثل الاتفاق استجابة تأخرت طويلاً من قبل «مجموعة السبع»، لانخفاض عالمي أوسع في مستويات ضريبة الشركات خلال الأربعين عامًا الماضية. ولاحظت صحيفة «واشنطن بوست» أن متوسط المعدل العالمي للضريبة كان 40% في عام 1980، لكنه انخفض إلى 23% فقط بحلول عام 2020. في ضوء ذلك، زعمت «مؤسسة الضرائب الأمريكية»، أنه يتم إخفاء ما يصل إلى 700 مليار دولار من الضرائب المحتملة من الشركات متعددة الجنسيات في «الملاذات الضريبية».
واحتفاءً بالاتفاق، كتب «جايلز»، و«شتراوس»، أن «الصفقة الضريبية هي أول دليل جوهري على إحياء التعاون الدولي منذ أن أعاد الرئيس «جو بايدن»، الولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات». ومع ذلك، تبقى هناك اختلافات كبيرة في الرأي بين دول «مجموعة السبع» حول ماهية الهدف الأساسي من ضرائب الشركات الموحدة. ووفقًا لـ«جيف شتاين»، و«أنطونيا فرزان» في صحيفة «واشنطن بوست»، «اعترضت أمريكا على استبعاد شركات التكنولوجيا من الصفقة»؛ وبالتالي، «لم يتضح ما هي الشركات التي ستتأثر بها». بالإضافة إلى ذلك، كتب «مايكل هيرش» في مجلة «فورين بوليسي»، أن الصفقة هي في الأساس «محاولة لحل نزاع دام عقودًا بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى في العالم حول كيفية التعامل مع شركات التكنولوجيا الكبرى، والتي يقع المقر الرئيسي لمعظمها في أمريكا».
ومن ناحية أخرى، قوبل القرار بالترحيب من قبل الشركات متعددة الجنسيات. وصرح المتحدث باسم «شركة جوجل»، بأن الشركة «تدعم بقوة العمل الجاري لتحديث القواعد الضريبية الدولية»، في حين قال «نيك كليج»، نائب رئيس الشؤون العالمية في «فيسبوك»: «نريد الضريبة الدولية، حيث إن نجاح عملية الإصلاح وإدراك ذلك قد يعني دفع فيسبوك مزيدًا من الضرائب وفي أماكن شتى».
غير أنه من المهم تأكيد أنه لا يوجد إجماع دولي حتى الآن لتنفيذ هذه الاتفاقية العالمية بشكل فعال. ففي الغرب، رفضت جمهورية «أيرلندا»، التي لديها معدل ضرائب مؤسسية منخفض حاليًّا يبلغ 12.5% فقط، وهي الموطن الأوروبي للعديد من هذه الشركات، الصفقة علنًا، كما جادلت صحيفة «نيويورك تايمز»، بأن الصين كذلك «تعتبر من غير المرجح أن تدعم ذلك القرار». وفي حال لم يشارك ثاني أكبر اقتصاد في العالم، الذي تبلغ قيمته 9.2 تريليونات دولار، في هذه العملية، فستكون مصداقية هذا الاتفاق بالتأكيد موضع شك.
وتؤسس فكرة هذه الاتفاقية لاقتصاد عالمي أكثر إنصافًا. وعند إعلانها، أوضح وزير الخزانة البريطاني، «ريشي سوناك»، بأنها ستضمن «نظاما ضريبيا أكثر عدلاً مناسبًا للقرن الحادي والعشرين». وبالمثل، زعمت وزيرة الخزانة الأمريكية، «جانيت يلين»، أنها «ستنهي سباقا نحو القاع مستمرا منذ عقود، والذي تتنافس فيه البلدان على جذب الشركات العملاقة بفرض ضرائب منخفضة للغاية ومنح إعفاءات».
ومع ذلك، جاء رد العديد من المحللين والمنظمات أقل حماسًا. ووصف «أليكس كوبهام»، الرئيس التنفيذي لـ(شبكة العدالة الضريبية) الصفقة بأنها «نقطة تحول، ولكنها أيضًا غير عادلة للغاية؛ لأن ما نحتاجه هو التأكد من أن مردود الاتفاقية موزع بشكل عادل في جميع أنحاء العالم». وعلى وجه الخصوص، تم انتقاد الحد الأدنى العالمي لضريبة الشركات البالغ 15% باعتباره منخفضًا للغاية. وذكر «معهد أبحاث السياسة العامة»، أن المخطط «لن يكون كافيا لإنهاء حالة السباق نحو القاع»، كما وصفت «منظمة أوكسفام الخيرية»، معدل الضريبة المتفق عليه بأنه «منخفض للغاية؛ لإحداث فرق ملحوظ للبلدان الفقيرة والمواطنين العاديين». وأضافت «غابرييلا بوشر»، المديرة التنفيذية لمنظمة أوكسفام، أن دول مجموعة السبع «تضع معايير منخفضة للغاية، بحيث يمكن للشركات أن تتخطى ذلك، وتجد طرقًا أخرى لتجنب دفع مستويات ضريبية مقبولة».
وفي الولايات المتحدة، يجب أن يوافق «الكونجرس» على الاتفاق من أجل أن يتم تنفيذه، وهو ما أقرته إدارة بايدن، لاسيما وأن هناك بالفعل معارضة قوية له. وفي هذا الصدد، تساءل «كيفين برادي»، عضو مجلس النواب الأمريكي، أنه «إذا كانت واشنطن تريد رفع معدل الضرائب إلى 28% بالنسبة إلى أرباح شركاتها المحلية على مدى السنوات المقبلة بالتدريج، بينما معدل الضريبة العالمي بالنسبة للشركات الخارجية هو نصف ذلك بالوقت الراهن؛ فإن الاتفاق سيضمن رؤية موجة ثانية من التخبط التي ستصيب الاستثمارات الأمريكية الداخلية مستقبلاً»، وبالتالي سيكون للأمر تداعيات سيئة بالنسبة إلى الداخل الأمريكي.
واستنادًا إلى وجهات النظر المتضاربة بشأن الاتفاق وتأثيراته، ومدى اعتباره نقطة انطلاق إلى مزيد من التغيير والحد من استخدام «ملاذات التهرب الضريبي»؛ وصفه «غابرييل زوكمان»، من جامعة «كاليفورنيا»، بأنه «تاريخي وواعد في الوقت ذاته رغم عدم كفايته حاليًا».
وبالنسبة إلى اقتصاديات الشرق الأوسط، ستكون هناك أيضًا عواقب نظرًا إلى أن هذا الاتفاق من شأنه أن يكون اتفاقًا اقتصاديًا عالميًا. وأفادت مجلة «أريبيان بزنس»، أنه «من المتوقع أن تحذو دول الشرق الأوسط حذو مجموعة الدول السبع، وأن تفرض حدًا أدنى من الضريبة، مثل الذي تم الاتفاق عليه على أرباح شركاتها المعترف بها عالميًا، والتي يعد بعضها من أكبر الشركات العالمية».
وعلق «سكوت ليفرمور»، كبير الاقتصاديين بـ«أكسفورد إيكونوميكس»، أنه لا يعتقد أنه «سيكون هناك سيل من الشركات التكنولوجية التي تريد ضخ استثماراتها في منطقة الشرق الأوسط نتيجة لهذا الاتفاق؛ نظرًا إلى أن الأخير يهدف إلى «منع الشركات العالمية من الاستفادة من الأنظمة الضريبية المنخفضة وفرض الضرائب بشكل أكبر على مكان توليد الإيرادات». وأضاف، من المتوقع أن تصادق مجموعة العشرين، التي تعد السعودية جزءًا منها، على الاتفاق، كما تود دول، مثل الإمارات، وقطر أيضًا أن تمتثل للوائح العالمية».
وفيما يتعلق بالتأثير المستقبلي على الاقتصاد الخليجي، قال «ليفرمور»: «أرى على المستوى الكلي أن الأثر يمكن أن يؤدي الاتفاق إلى تنويع القاعدة الضريبية إذا تم تنفيذ اللوائح في دول مجلس التعاون الخليجي والسماح لحكوماتها بزيادة الإيرادات من خلال تنفيذ هذا الاتفاق. وهذا يعني زيادة الضرائب على الشركات الموجودة في دول المجلس».
وقبل التفكير في الآثار الاقتصادية، من المهم ملاحظة أن الموافقة التي قدمتها «مجموعة السبع»، ما هي إلا نقطة بداية لرحلة طويلة وشاقة إلى أن يتم تنفيذ هذا النظام في النهاية. ويرى المحللون أن الموافقة عليه لا تعني تنفيذه، وهذا ما أشارت إليه صحيفة «فاينانشيال تايمز»، من أن «العقبة الأولى الذي تواجه الاتفاق هي تأييده من قبل «مجموعة العشرين»، التي ستجتمع في شهر يوليو». وبالإضافة إلى مبادئ الاتفاق «لا يزال هناك العديد من الأسئلة الفنية التي لم تتم الإجابة عنها، والتي يمكن أن تحدث طفرة هائلة في حجم الآثار العملية للاتفاق على الشركات العالمية التي تقع ضمن نطاق دول أقرته، ناهيك عن أنه لم يتم تحديد القاعدة الضريبية لهذا الاتفاق».
وكتب «فيصل إسلام»، في الـ«بي بي سي»، أن معدل 15% كحد أدنى لضريبة الشركات «منخفض نوعًا ما»، و«مدى تأثير هذا المعدل في الواقع سيعتمد على التفاصيل الدقيقة للمفاوضات الجارية»؛ لكن الأهم من الاتفاق الحالي الموجود على الورق، هو أنه قد «بدأت عملية التطوير للأنظمة الضريبية بشكل يمثل سابقة في ذاتها»، و«على الرغم من أن هذا المعدل قد يتغير من عدمه، تظل هذه اللحظة تاريخية بكل المقاييس».
على العموم، في حين أن الاتفاق يعد نقطة انطلاق لحث الشركات الكبرى متعددة الجنسيات على دفع الضرائب، بالإضافة إلى التأكد من عدم تمكنها من استخدام أي ثغرات أو التهرب من واجباتها الضريبية. علاوة على ذلك، فإن الأمل من جانب «جانيت يلين» وزيرة الخزانة الأمريكية، ونظيرها البريطاني «ريشي سوناك» في وجود اقتصاد عالمي أكثر عدلاً جراء تنفيذ هذا الاتفاق لم ينل تأييد ودعم العديد من الخبراء حتى في الشرق الأوسط، والذين لم يكن لهم رأي أو تعليق يُذكر حتى الآن حول الاتفاق، من خلال مجرد إشارتهم أن اتفاق مجموعة السبع قد يقود الاقتصاد العالمي إلى الأفضل أو إلى الأسوأ.